تجديد الحياة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

 

تجديد الحياة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

                 تجديد الحياة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

 أنا ربة بيت غير عاملة زوجي فني أول بإحدى الشركات ورجل كريم وعطوف وحنون وقد تزوجنا منذ 23 عاما ورزقنا الله بولدين وبنتين بلغ بعضهم مرحلة التعليم الجامعي .. ولقد عشت حياة هادئة مع زوجي وتعاونا على الحياة وحافظنا على مظهرنا في الحي الراقي الذي نقيم فيه وربينا أولادنا على الرضا والقناعة وأن المال ليس كل شئ في الحياة وإنما هو وسيلة فقط لتحقيق رغبات الإنسان كما ربيناهم على مخافة الله ومراعاة حدوده وعلى الصلاة والنشاط الاجتماعي .. وكنا لهم قدوة حسنة في كل ذلك فنجحنا في مهمتنا والحمد لله وكان من أمثلة ذلك ما حدث منذ 3 سنوات حين تعطل لدينا جهاز التليفزيون وأردنا اصلاحه فقيل لنا أنه يحتاج إلى تغيير قطع غالية الثمن فيه وسيتكلف 400 جنيه ولم نكن نملك هذا المبلغ فأغلقنا التليفزيون فظل مغلقا منذ ذلك الوقت حتى الآن وبدلا من التذمر والشكوى استفدنا شيئا جديدا وهو أننا أصبحنا كأسرة أكثر تماسكا وتجاوبا مع بعضنا البعض وزادت فترات حديثنا وتعاطفنا مع بعضنا .. وساعدنا ذلك على تحمل ظروفنا خاصة حين اضطررنا إلى دفع أجور بعض الدروس الخصوصية التي لم يكن أمامنا مفر منها إلى أن حدث زلزال أكتوبر الأخير وتأثرت به العمارة التي نقيم فيها وجاء مهندسو الحي وقرروا ضرورة تنكيس البيت وإعادة صب سقف حجرتين من شقتنا بالأسمنت.

وتعاون السكان على دفع تكاليف الترميم ودفعت كل شقة مبلغا من المال وتم كل شئ والحمد لله , لكن المشكلة تركزت بعد ذلك في شقتنا .. فبعد انتهاء العمل فيها أصبحت غير قابلة للسكنى بغير تجديد الطلاء القديم المتساقط الذي بقي على حاله منذ 23 سنة وتجديد مواسير المياه والصرف التي لم نقترب منها طوال هذه الفترة لأننا وضعنا كل اهتمامنا في أولادنا .. بالاضافة لبعض التنجيد الضروري بعد كل هذه السنين.

 باختصار يا سيدي لقد وجدنا أنفسنا أمام ضرورة جديدة من ضرورات الحياة هي تجديد الشقة حتى يمكن أن تستمر حياتنا فيها .. ولسنا نملك ما نستطيع به ذلك , ونحن ممن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف رغم سكننا في الحي الراقي الذي سمحت لنا به الظروف منذ 23 سنة.

فهل نجد بين قرائك من هو على استعداد لأن يقرضنا مبلغا مناسبا نستعين به على أمرنا على أن نسدده له بواقع 200 جنيه كل شهر .. وهل نجد من بين قرائك تاجر أثاث رحيم يبيعنا بعض الأثاث الضروري بالتقسيط العادل .. وهل يجد زوجي عن طريق قرائك عملا بعد الظهر أو في وردية الليل وهو من أحسن العاملين في مهنته ويستطيع أن يدير بكفاءة واخلاص وأمانة ورشة فنية كبيرة أو صغيرة.

إنني أرجو ألا أكون قد أثقلت عليك وعلى قرائك بمشكلتنا التي قد تبدو صغيرة بالقياس لما تحمله من هموم الناس , لكن كل إنسان يبحث دائما عن حل لمشكلته ولو كانت بسيطة , وشكرا لك ولقرائك على ما تقدمون للناس والسلام عليكم ورحمة الله.

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

 

ولكـــاتـــبة هـــذه الــرســـالـــة أقـــول:

 

كثيرا ما تمنيت لو كانت لديّ عصا سحرية أشير بها إلى "المشكلة" فتجد حلا لها بأمر من إذا أراد شيئا قال له كن فيكون .. لكن المسافة بين الأمنيات العريضة والقدرات المحدودة دائما شاسعة ويبقى الأمل دائما في قدرة الله القادر على كل شئ وفيمن يسخرهم من عباده لإعانة الآخرين على أمرهم .. أما حلم الإنسان الأبدي بحل مشاكله مهما بدت له صغيرة , وتطلعه الدائم إلى تحقيق أمانيه , فشئ غريزي فيه , فالإنسان هو الكائن الوحيد القادر على الحلم والتطلع دائما لغد أفضل تذوب فيه المتاعب .. وتختفي المرارات , وبقدر ما يعذبه هذا الحلم الغامض أحيانا بقدر ما يعينه على احتمال الحياة وعلى الاستمرار فيها في أحيان أخرى إذ "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" في غد تزول فيه الأحزان بطريقة غامضة كما في الأحلام والأساطير , ولا بأس بكل ذلك .. وعلى الإنسان دائما أن يسعى وراء أمانيه العادلة وليس عليه إدراك النجاح .. وها أنذا "أسعى" واضعا مشكلتك تحت أنظار شركاء الحياة عسى أن يرحب بعضهم بالمساهمة في حلها ولو باقتراح يساعدنا على إيجاد مخرج كريم منها .. وشكرا لهم ولك وللجميع.

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أغسطس 1993

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات