قائمة الممنوعات .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001
أنا
سيدة أبلغ من العمر57 عاما .. متعلمة ومتدينة وكنت أشغل مركزا مرموقا بشركة كبرى,
والآن على المعاش المبكر, ومشكلتي بدأت منذ 37 سنة هي عمر زواجي التقليدي, حيث
اكتشفت أن زوجي رجل غليظ القلب ومتسلطا, وسليط اللسان وأناني, ولا يعرف دينه فلم
أره مرة في حياتي يصلي أو يقرأ في كتاب الله أو يؤدي صلاة جمعة أو عيد, وفوق كل
ذلك بخيل, وتحملت كل ذلك من أجل الأبناء.. ويكفي لكي تعرف نوع حياتي معه أن أشير إلى
بعض الممنوعات التي حددها لي منذ بداية الزواج وهي كالآتي:
*
ممنوع الزيارات واستقبال زائرين (من الأهل والأصدقاء)
*
ممنوع التنزه وقضاء يوم أجازة.
*
ممنوع الشكوى من مرض أو ألم أو زيارة طبيب.
*
ممنوع ركوب سيارات الأجرة للتوفير.
*
ممنوع عمل أي خير أو تقديم مساعدة للغير ولو بالمشاعر.
*
ممنوع التأخر خارج المنزل بعد الساعة
*
ممنوع المكالمات التليفونية ومسموح فقط باستقبال المكالمات والاستقبال في حدود, مع
ملاحظة الحديث والطلب منه بإنهاء المكالمة إذا طالت.
*
ممنوع حضور أي مناسبات أفراح أو أعياد ميلاد وخلافه.
*
ممنوع تقديم هدايا أو رد هدية.
*
ممنوع الدعوات بالمنزل أو خارجه.
*
ممنوع تقديم واجب لزائر حضر مصادفة ولو كان كوب ماء.
*
ممنوع الجلوس مع أي ضيف (مصادفة) عند وصوله للمنزل ولابد أن يقوم هو بما يشعر
ويسمع الضيف بعدم الرغبة في وجوده حتى لا يكررها.
*
ممنوع السهر لي وللأولاد حتى قبل زواجهم ـ أمام شاشة التليفزيون لفيلم أو مسرحية ولابد
أن نأوي جميعا إلى الفراش عند دخوله هو حجرة النوم وإلا سمعنا منه ما نكره.
*
منوع إضاءة النور في غير الحجرة التي نمكث فيها فقط.
*
ممنوع إضاءة نجفة لأكثر من3 لمبات وللضرورة القصوى.
هذا
بخلاف ما نتحمله من لوم وتقريع من خلال الاستعمالات الشخصية للمياه والبوتاجاز
والكبريت إلخ.
والمشكلة
الجديدة الآن هي أن يتضايق من زيارة الأولاد والأحفاد لنا مع أنها ليست زيارة
للغداء أو الإفطار في رمضان, وإنما هي مجرد زيارة بعد المغرب لا تكلفنا شيئا أكثر
من اجتماع الشمل والفرحة, لكن ذلك لا يرضيه ويظل يردد أنه يريد أن يستريح في بيته.
أما الطامة الكبرى فهي إذا طلب طفل أن يأكل, أو
إذا دخل الحمام أو فتح بابا, أو رن جرس الباب أكثر من مرة وإذا تركه أبواه معنا
خلال فترة قصيرة لقضاء حاجة ضرورية ففي هذه الحالة يستمر في الشجار معي إلى ما لا
نهاية.
إنني
يا سيدي في سجن ليس منه خروج والسجان لا يرحم فهو يحصل على كل مرتبي منذ زواجنا
والآن يحصل على معاشي .. لكن الكيل فاض بي فتركت البيت منذ شهور ولا أريد أن أموت
كافرة بالتخلص من الحياة.. لا أريد أن أكون عبئا ثقيلا على أولادي وأريد لهم أن
يعيشوا حياة هنيئة ويعوضوا ما فاتهم..
لقد
قطعني زوجي عن أهلي جميعا.. وليس لي صديقات أشكو لهن حالي.. والحمد لله أنني اتخذت
خطوة جريئة لأول مرة في حياتي بهذا الخروج, وأستطيع أن أخدم نفسي وأن أحيا بمعاشي ..
وأريد أن أعمل في دار للأيتام.. أو دار للمسنين وأقيم فيها إقامة دائمة.. أو أن
أعيش مع سيدة فاضلة تثق بها أخفف عنها وحدتها وترد لي ما تبقي من العمر في هدوء
وأمان.. فهل تستطيع مساعدتي في ذلك؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
الأصل
في الأشياء الإباحة.. والاستثناء هو التحريم كما تقول لنا القاعدة الشرعية
المعروفة, ولهذا فلقد اتسعت دائما دائرة الحلال والمباح اتساعا كبيرا.. وضاقت
دائرة التحريم ضيقا شديدا وقال العلماء إن الله قد سخر كل ما في الكون من أشياء
ومنافع للإنسان.. فكيف يسخرها له ويمن بها عليه ثم يحرمها عليه.. ولهذا فإنه
سبحانه وتعالى لم يحرم منها سوى جزئيات محكمة مقدرة.
ومشكلة
زوجك هي أنه وسع من دائرة الممنوعات والمحرمات وضيق من دائرة المباحات على عكس
القاعدة.. فكلفكم بذلك من أمركم رهقا.. وعنتا لا مبرر لهما. إذ انه كلما اتسعت
دائرة التحريم والمنع في حياة الإنسان الخاصة ضاقت النفس بظروفها وتمردت عليها.
وتأمل
قائمة الممنوعات العجيبة التي فرضها زوجك عليك وعلى أبنائه خلال رحلة العمر يكشف
لنا عن أنه رجل صعب العشرة والمراس, وبعيد عن سماحة الطبع والنفس, بنفس هذا القدر
من بعده عن تعاليم دينه التي تطالبه بالرفق بالعشير والأبناء وبالجميع, فالرسول
الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول لنا: إن الله يحب الرفق في الأمر كله, ويقول
لنا أيضا إذا أراد الله تعالى بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق, وإن الرفق لو كان
خلقا أي كائنا لما رأى الناس خلقا أحسن منه, وإن العنف لو كان خلقا لما رأى الناس
خلقا أقبح منه.
والعنف
هنا لا يقتصر فقط علي العنف الجسدي وإنما يشمل أيضا العنف المعنوي بمعنى التطرف في
الأشياء, والبعد عن السماحة, والإعنات النفسي على الآخرين, والبخل الشديد على
النفس والزوجة والأبناء من قبيل هذا العنف المعنوي والتطرف.. وإساءة معاملة الغير
وجرح كراماتهم والتضييق عليهم دون مبرر أو ضرورة من مصلحة هي من قبيل العنف
والتطرف أيضا, ولهذا فلا عجب في أن يضيق زوجك بزيارات الأبناء المتزوجين لبيت
الأسرة مع أبنائهم بدلا من أن يسعد بالتفافهم حوله واجتماع شملهم تحت سقف منزله..
لأن البخل المادي كثيرا ما يصاحبه بخل أشد وطأة في المشاعر والعواطف.. وتدفق
المشاعر عطاء معنوي للغير والبخل ضيق بالعطاء بكل أشكاله.. ولهذا ينفر زوجك من
أداء الواجبات العائلية ورد المجاملات واستقبال الزوار.. ويضيق بلهو الأحفاد الذي
يسعد به الأسوياء من البشر ويتشوقون إليه ويبذلون في سبيل الفوز بساعات من اجتماع
شملهم بأبنائهم وأحفادهم كل غال ورخيص.
وعقاب
البخلاء بالعطاء المادي والمعنوي لأعزائهم هو الوحدة والتفرد وتخلي الآخرين عنهم
حين يتحررون من ضير الحاجة المادية والمعنوية إليهم, وأحسب أن هذا هو ما حدث معك ـ
وماحدا بك لأن تقدمي علي خطوتك الجريئة لأول مرة وتهجري بيتك بعد 37 عاما من
الزواج.. فلقد كبر الأبناء واستقلوا بحياتهم ورست سفنهم علي شواطيء الأمان.. ولم
يعد هناك متسع لمزيد من الصبر والاحتمال من أجلهم.
والمرأة
قد تختزن المرارات تحت وطأة الحرص علي مصلحة الأبناء ودواعي الاضطرار سنوات طوال
حتى إذا تحررت منها.. انفجر المرجل على غير توقع وانطلق بخاره المكتوم.
لكنه
شيء مؤلم علي أية حال يا سيدتي أن تفقد أم وزوجة مثلك عرشها وأمانها وتبحث عن مأوي
لها في هذه المرحلة من العمر ومن واجب أبنائك أن يتدخلوا لدي أبيهم لمراجعته فيما
يفرضه عليك بعد كل هذه السنين من قيود وسدود وسوء عشرة, وأن يطالبوه بإحسان عشرتك
وإعادتك إلى عشك المهجور.. وإزالة الأسباب التي دعتك إلى هجره, لكي تنعمي بسنوات
هادئة من العمر بعد طول العناء.. ولكي يظل بيتك هو المرفأ الآمن الذي ترجع إليه
سفن الأبناء وتلتمسي لديه الدفء العائلي والمشورة المخلصة والدعم المعنوي. فلاشك
في أن زوجك يحتاج إليك الآن بأكثر مما تحتاجين إليه.. ولعل الشهور التي خلا خلالها
بيتك منك تكون قد علمته ما لم يكن يعلم, وأقنعته بضرورة تغيير خطته في الحياة قبل
أن يفقد زوجته وعطف الأبناء والأحفاد إلى الأبد, فإذا لم تجد محاولاتهم معه بعد كل
ذلك شيئا, حق لك حينذاك أن تلجئي إلى البدائل التي تطرحينها.. ولله الأمر من قبل
ومن بعد.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر