السيف .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

 

السيف .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

                    السيف .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993


أنا أرملة من قراء بابك سني 63 سنة .. توفي زوجي منذ 14 عاما وعندي ثلاثة أبناء وبنت واحدة , ومشكلة حياتي يا سيدي هي ابني الأكبر الذي يبلغ من العمر 36 عاما، واحتاج إلى 36 مجلدا لأكتب لك فيها ما أعانيه منه.

فلقد تزوج وأنجب طفلين ثم أدمن الهباب الأرزق "المخدرات" .. من شم وحقن ماكس فورت فاتلفت عقله وصار كالمجانين , وبدأ يتناول هذه السموم أمام طفليه .. فتركته زوجته وعادت بطفليها إلى بيت أبيها وراح يبيع أثاث مسكنه قطعة وراء قطعة , وأجهزته الكهربائية واحدا وراء الآخر حتى خلت الشقة تماما من كل شئ وأصبح ينام على البلاط , وخلال ذلك اعتمد علي وعلى شقيقه الأصغر في المصروف اليومي لأنه عاطل ولا يعمل , وبدأ الأمر بخمسة جنيهات يوميا له , وجنيه لأولاده وعشر جنيهات كل أسبوع لزوجته , مع إلزامي بدفع إيجار شقته وتكاليف المياه والكهرباء ومصاريف المدارس لطفليه وكسوة المدرسة والعيدين , ثم زاد إدمانه فأصبح يحضر إلى مسكني كل يوم ويطلب من 25 إلى 30 جنيها ويهددني بالقتل والحرق , ويهدد إخوته بسيف طويل يشهره علنا في الشارع ويسبني "لا سامحه الله" بأفظع الألفاظ ثم لجأ إلى أسلوب جديد في الابتزاز وهو أن يحك جلده بقطعة صنفرة فيحدث به جروحا سطحية عديدة ويحرر محضرا في قسم الشرطة بذلك ضد أحد أقاربه ويحصل على تقرير من المستشفي بإصاباته ثم يساوم من حرر ضده المحضر على التنازل عن القضية إذا دفع له مبلغ مائة جنيه , وقد فعل ذلك مع أبناء عمه.

لقد ضقت يا سيدي بهذا العذاب فلجأت إلى الشرطة وحررت ضده عدة محاضر وطلبت حمايتي منه وأخذوا عليه تعهدا بعدم التعرض لي , ورغم ذلك استمر في الحضور إلى بيتي كل يوم ويكسر بابه علي حين أرفض أن أفتحه له ويحصل بالقوة على ما يريد , فأصبحت أعيش في رعب دائم , وكرهت حياتي وتمنيت لنفسي وله الموت .. وأصبحت أغلق نوافذ الشقة وأتخفى من الجيران خجلا من الفضائح , وحين يأتي إلى بيتي أختبئ داخل الشقة المغلقة النوافذ , وتخرج إليه جارة فاضلة من شقتها وتعطيه ما يريد بدعوى أنني غير موجودة بالشقة وبعد أن ينصرف افتح الباب وأعطيها ما دفعته له , فإلى متى أعيش في هذا العذاب ؟

لقد نصحني مساعد شرطة بالقسم بأن أكتب شكوى للسيد وزير الداخلية .. فقدمتها في 30/6 .. وشكوى أخرى للسيد مدير أمن الاسكندرية فقدمتها في 23/6 .. ومازلت أنتظر حمايتي من هذه المحنة التي لم أتصورها في يوم من الأيام .. وهي أن أطلب الحماية من ابني وأنا في هذه السن .. فماذا أفعل ولمن ألجأ .. أوليس هناك قانون يحرم الإدمان ويعاقب عليه ؟!

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

ولكــــاتـبة هـــذه الـــرســالة أقـــول :

 

القانون موجود يا سيدتي وهو يحرم الإدمان ويجرمه , والقانون الأهم منه قائم منذ فجر الإنسانية , وهو القانون الإلهى الذي يحرم كل ما يضر بالإنسان ويذهب عقله ويسئ إلى الآخرين , كما يحرم ويشدد العقاب على إساءة الابن لأمه أو أبيه ويلزمه بمصاحبتهما في الدنيا معروفا , وبأن يرحمهما في شيخوختهما كما ربياه صغيرا , لا أن يرهبهما ويبتزهما ويكرههما على ما لا يطيقان إرضاء لنزواته وشياطينه بهذه الطريقة البشعة.

 على أية حال فإني أضع رسالتك المؤلمة هذه تحت أنظار السيد اللواء حسن الألفى وزير الداخلية , وأثق كل الثقة في أنه لا يرضى لك أو لغيرك بهذا الهوان على يد ابن عاق جرده الإدمان من كل ما كان ينسبه إلى الإنسان , واحتفظ بإسمك وعنوانك لدي إلى حين الطلب.

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" يوليو 1993

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات