الضغط .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993
أنا آنسة أبلغ من العمر 28 عاما , والدي متوسط الحال لكنه هو وأمي ممن يفضلون البنين على البنات , فنحن الأبناء ولدان وثلاث فتيات , وكلنا متعلمون وحاصلون على شهادات , لكن السائد في أسرتنا هو أن الولد له أن يطلب ما يشاء وفي أي وقت فيجاب طلبه بترحاب أما البنات فليس لهن الحق في شئ .
وقد قام أبي بتزويج أختي الكبرى دون أن يساهم في جهازها بأي شئ ولا حتى بجنيه واحد وعزة جلال الله !
أما الولد فله الشقة والأثاث والثلاجة والغسالة والنجف والستائر والهدايا لخطيبته في المواسم , وبعد الزواج له النقوط أيضا لكي يسعد بحياته !
وقد حصلت على شهادة من معهد فوق المتوسط عام 1988 , ولم أجد عملا حتى الآن سوى في مصنع خاص لا أحصل منه سوى على سبعين جنيها أدفع منها تكاليف المواصلات والإفطار والغداء فلا يكاد يتبقى لي شئ أدخره لجهازي الذي لن يعاونني فيه أبي بمليم واحد , ونتيجة لهذه الظروف فشل مشروع زواجي السابق بعد أن أوشك أن يتم . فقد اتفق أبي مع خطيبي على أن يقوم هو بكل أعباء الزواج وحده ماعدا أدوات المطبخ والتنجيد , وجهز خطيبي كل شئ وانتظر أن يقوم أبي بالتزاماته فلم يفعل شيئا .. وذات مساء كان أبي جالسا يتناول طعام العشاء فطالبته بأن يفي بوعده ويجهز لي ما يتحمل مسئوليته فترك الطعام ونهض غاضبا ونام , وفي الصباح جئنا له بالطبيب لأن ضغطه ارتفع وأصابته رعشة شديدة وكل ذلك لأني طالبته بتكاليف المطبخ والتنجيد , وبعد أن مرت الأزمة الصحية صمم أبي على عدم زواجي من هذا الشخص وتمت إعادة الشبكة إليه وبقيت أنا آنسة في الثامنة والعشرين من عمرها ولا حق لها في الزواج إلا من عريس لا يطالبها بإحضار ورقة واحدة معها .. فهل هذا عدل يا سيدي ؟
جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولكــاتـــبة هـــذه الــرســالــة أقـــول :
لا يا آنستي إنه الظلم بعينه , فللبنت نفس ما للإبن من حقوق على الأب , وواجبه تجاهها أكبر , فالإبن أقدر على كفالة نفسه من البنت , فإذا كان الأب ميسورا فليسع أبناءه وبناته جميعا بما أوتي من رزق .. أما إذا كان معسرا ولم يكن قادرا على إعانة أحدهم فقط كانت الابنة أحق بمساعدته من الإبن القادر على الكسب وعلى تعويض ما قصرت عنه امكانيات الأب وليتنازل لها شقيقها عن حقه راضيا والعدل بين الاثنين أوجب وأفضل في كل الأحوال .. لقد خص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم البنات بتوصية الآباء بهن لأن حب الولد أصيل وقد لا يحتاج إلى توصية , وأثر عنه قوله "من عال جاريتين "أي بنتين" حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين .. ويشير بإصبعيه " .
لكننا نسمع الآن ونرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من قبل فكأنما رجعت إلى البعض أخلاق الجاهلية الأولى التي كانت تحرم البنات من حق الإرث وتمنع عنهن حقوقهن , إيثارا للولد .. وربما خضوعا له أو خوفا منه ! وهي كارثة أخرى يطول الحديث فيها وأدعها جانبا لأقول لك يا آنستي أن أباك مكلف شرعا وقانونا بأداء تكاليف زواجك إذا كان قادرا على ذلك , وليس له أن يغضب لمجرد مطالبته بالوفاء بالتزاماته الأبوية والانسانية تجاهك فإن لم يكن قادرا فلا لوم عليه فيما تقصر عنه امكانياته .. فطالبي بحقك بأدب واحترام ولا تتنازلي عنه إرتفع ضغطه أو انخفض .. مع تمنياتي لك بالسعادة مع من يستحقك ويسعد بك في المستقبل القريب إن شاء الله.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" يوليو 1993
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر