العام المرير .. تعقيب القراء على رسالة العام الأخير 1990
من رسائل قراء بريد الجمعة أتعلم الحكمة وأضيف إلى معارفي الكثير .. وفي الأيام الماضية تلقيت تلالا من الرسائل التي تعلق على رسالة "العام الأخير" الذي تحول في حياة كاتبة الرسالة وزوجها إلى عام مرير وتناقش مأساتها وتبدي تعاطفها مع كاتبتها ومع زوجها وتضيف إلى ما قلته لهما إضافات ثمينة وقيمة وقد اخترت من بين آلاف السطور التي خطها أصحابها في هذه الرسائل هذه السطور النبيلة:
فقد كتب إلى قارئ مصري فاضل من السعودية :
أؤيدك
في نصيحتك لكاتبة الرسالة الطبيبة الشريفة الطاهرة وزوجها الطبيب الفاضل بألا
يتخذا أي قرار بشأن حياتهما الآن وأؤيدك في نصيحتك لهما بطلب العلاج لدى طبيب نفسي
لإزالة آثار هذه المحنة عن نفسيهما وأوافقك في كل ذلك لكني أستاذتك في أن اعرض
عليهما أن يتوجها أيضا إلى طبيب الأطباء سبحانه وتعالى وان يقبلا دعوتي لهما
لزيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك العمرة .. ففي رحاب بيت الله العتيق سينير
الله لهما طريقهما ويهديهما سواء السبيل وسوف أتكفل بضيافتهما ضيافة كاملة وأرافقهما
إلى كل المشاعر المقدسة من لحظة وصولهما إلى لحظة سفرهما بإذن الله وما ذلك سوى
هدية متواضعة مني إليهما أرجو أن يتقبلاها كما تقبل رسولنا الكريم الهدية والله
وراء القصد .
وطلب منى القارئ اللواء متقاعد مصطفى فوزي أن أرجو الزوج الحزين أن يرجع إلى الآية ٣٣ من سورة النور التي تقول في آخرها .. "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم"
وقال معاقبا
على ذلك : أن رحمة الله وغفرانه تشملان من يتم إكراهها على البغاء وهو أكثر فحشا
مما أكرهت عليه الطبيبة الشريفة الفاضلة رغما عنها .. فليهدأ ضمير زوجها الكريم إذن
وليطمئن قلبه إلى عفاف زوجته .. ثم طلب مني في النهاية أن اهدي القصة المؤلمة كلها
إلى الرئيس صدام حامي حمى الإسلام
والمسلمين.
وكتب إلى القارئ
احمد على محمد غريب من العباسية يطلب مني أن أرجو الزوجين الفاضلين أن يصمدا لهذا
الابتلاء وان يرددا كثيرا ختام سورة البقرة : "لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها" .. حتى نهاية الآية .. ويذكرهما بقول المبعوث رحمة للعالمين ..
"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" .. صدق رسول الله ويقول
لي في رسالته أن الله أمر ملائكته ألا يكتبوا على عباده الخطأ غير المقصود والخطأ
بالنسيان وخطأ من تم إكراهه وغفر لعباده كل ذلك فكيف نعذب نحن أنفسنا بما غفره
الله لنا
وكتب إلي القارئ
محمد أمين خليفة من ملوي يعاتبني على أنني لم أحاول الالتقاء بهذا الطبيب الفاضل
ويطالبني بألا اكتفي بما كتبته له .. وأن ابذل كل ما استطيع من جهد لإقناعه بأنه
رجل فاضل وكريم وبأن زوجته الطاهرة النقية الأبية في محنة أشد من محنته وعليهما أن
يتكاتفا معا لاجتيازها وعتاب الصديق مقبول ومشكور لولا أني لا اعرف عنوان الطبيب
الفاضل أو تليفونه ولو عرفتهما لما قصرت فيما يطالبني به.
وكتب إلي قارئ
وقع رسالته بعبارة "مواطن مصري" .. يقول لي أنه قرأ الرسالة وأحس بألم
شديد وتملكه غضب أشد حتى أنه يفكر كثيرا في أن يطرق باب جاره العراقي ويقتص منه
لشرف هذه الطبيبة الفاضلة ولعذاب زوجها النبيل ثم يعاتبني أن نشرت الرسالة بدلا من
أن أوجه إليهما نصحي في رسالة شخصية.
وردي عليه فيما يختص بالجزء الأول "ولا تزر
وازره وزر أخرى" .. وأن جاره العراقي لا
ذنب له فيما ارتكبه بعض البغاة من جنود بلاده، وأننا كمصريين أبناء حضارة قديمة ونهتدي
بهدي ديننا لا ندين أبدا شعبا بأكمله بما فعله بعض أبنائه حتى ولو فعل معنا الآخرون
عكس ذلك.
أما عن نشري
للرسالة فلقد تم بناء على رغبة كاتبتها بل وبرجاء منها كحل أخير لمحاولة إنقاذ
زوجها من آلامه وإنقاذ بيتها من التصدع ولو عرفت عنوانهما لربما فكرت في مخاطبتهما
برسالة شخصية.
وكتبت إلي القارئة داليا تقول: عندما تقع
الكارثة تظلم النجوم أي قد يمتد الظلم إلى نجوم السماء التي لا دخل لها في أسباب
الكارثة وأن هذا ما حدث في مأساة الطبيبة وزوجها .. فقد ظلمت الزوجة مرتين
بتعرضها لهذا
الاعتداء الوحشي وبتعرضها لآثاره الرهيبة عليها وعلى نفسية زوجها وتطالب زوجها بألا
يكلف نفسه مالا طاقة له به وبأن يثق بأن الله سبحانه وتعالى سوف ينتقم لما أصاب
زوجته وأصابه أشد الانتقام.
وكتب إلي قارئ
وقع رسالته بهذه العبارة : "مواطن كان من الممكن أن يكون في موقف هذا الزوج"
مطالبا الطبيب الشاب بأن يهون على نفسه وأن يثق في عدالة السماء وفي أن رجولته لم
تمس ويؤكد له أنه قد أدى واجبه خير أداء في إنقاذ زوجته وطفله وأن يطالبه بأن
يستعين على
اجتياز هذه المحنة بالصبر والصلاة.
وكتب إلي
الدكتور مصطفى حلمي مصطفى بكلية الزراعة يذكر هذا الطبيب بأن عمار بن ياسر قد اضطر
إلى سب رسول الله تحت وطأة التعذيب وهو يرى بعينيه استشهاد والديه بالتعذيب فقال
له الرسول إن عادوا .. فعد .. أي إن عادوا إلى تعذيبك لتذكرني بسوء فافعل ولا تلق
بنفسك إلى التهلكة بغير طائل.
وكتبت إلي
السيدة ميرفت شبل تقول أن الإسلام دين الرحمة فكيف يستقيم أن يتفهم الرجل في الغرب
مثل هذا الموقف ويكون أكثر تعاطفا مع زوجته ولا
يتفهمه الرجل
في الشرق وهو أولى بذلك .. لقد انتابني حزن شديد لمأساة هذه الأسرة لكن ما أحزنني أيضا
هو نظرة بعض الرجال الشرقيين للمرأة التي تحملها مالا طاقة لها به، حتى أن كاتبة
الرسالة نفسها قالت عن زميل لزوجها بالحرف أنه ترك زوجته لأنه لا يطيقها بعد ما
حدث لها .. طبعا نذل ولكن نعذره أيضا لأن عذره أكيد "فأي عذر يمكن أن نعذره
به" وقد ترك زوجته بعد كل هذا البلاء بين ابدي الأوغاد ؟
وكتب إلي قراء
كثيرون يطالبونني بأن انقل رسائلهم إلى الزوج ويناشدونه من خلال كلمات حارة وصادقة
ألا يتخلى عن زوجته، ويؤكدون له أن الموقف كان أكبر منه وأن أية محاولة من جانبه
لم يكن لها من نتيجة سوى قتله وموت زوجته وضياع طفله إلى الأبد .. وأن الرجل ليس
مطالبا بالانتحار لكي يرضى عن رجولته .. وبالتالي فإن رجولته كاملة ولم تمس وعليه أن
يتجاوز هذه المحنة العصيبة وينقذ نفسه وزوجته وطفله من آثارها.
من هؤلاء القراء : جمال أبو عميرة ومحمود عبد
الحميد مهنى وعبد المحسن نجار وكمال فرج مينا ، ومصطفى خليفة سيف النصر وطارق فيصل
وهند موسى محمد وجلال الدين قطب وشعبان محمد علام ومصطفي محمد عمارة وفؤاد احمد
بكرى وعبد الحي مصطفى عبد الحي والشربيني مبارك وعبد الرحمن احمد غانم وتوفيق
ميخائيل جرجس ومدحت خليل جلال ومنى عثمان ومحمود عبد العظيم عبد الهادي ومجدي زكى بيومي
خضر .
وإني أضع
رسائل هؤلاء القراء الأفاضل تحت أمر الزوج الطبيب إذا أراد الاطلاع عليها وعذرا
لمن لم افتح رسائلهم بعد.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" سبتمبر1990
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر