هموم خارجية .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

 

هموم خارجية .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

هموم خارجية .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989


أشار علي بعض الأصدقاء من المصريين الذين يعيشون هنا في برلين الغربية أن اكتب لك عن مشكلتي وأن اطلب منك مساعدتي في حلها .. بعد أن سمعت منهم أن لك إسهامات في حل مثل هذه المشاكل الإنسانية.

فأنا سيدة ألمانية كنت أعيش عام ٧٢ في برلين الشرقية حين قابلت طالباً مصريا يدرس للدكتوراه في برلين الشرقية، وتوطدت بيننا العلاقة لما لمسته فيه من تفاهم مشترك واهتمامات متقاربة .. وقد استمر ارتباطنا ٤ سنوات وفي مايو سنة ٧٦ انتهت دراساته وإقامته في برلين الشرقية وعاد إلى مصر على أمل أن يعود قريبا ، وبعد سفره بثلاثة شهور أنجبت ابنتي الوحيدة واخترت لها اسما مصريا ، ولم يكن أبي وأمي راضيين من الأصل عن ارتباطي بهذا الشاب، وبعد أن أنجبت ابنتي قطعا صلتهما بي نهائيا، وكنت في هذا الوقت اكسب بعض النقود من العمل لكني لم أكن قد أنهيت دراساتي .. فأحسست بعد أن قاطعني أبي وأمي أني قد أصبحت وحيدة تماما في هذا العالم الواسع . لكني حاولت أن استمد القوة على المقاومة من وجود ابنتي ، واستمرت الاتصالات التليفونية والرسائل بيني وبين رجلي الذي اخترته من بين الجميع.

 وفي عيد ميلاد ابنتنا الأول جاء إلى برلين لزيارتنا، لكن بدا مهموما ويعاني من مشكل لا اعرفها ثم عدت لمواصلة دراستي مع استمراري في العمل وحاولت أن استمتع بوقتي مع ابنتي ، وراعيت من البداية أنها طفلة لها ذاتيتان مختلفتان تنتمي كل منهما إلى حضارة مختلفة فاليت على نفسي أن أوضح وأفسر لها ذلك ، حتى تفهم الأشياء، وابسطها لماذا يختلف شكلها قليلا عن غيرها من الأطفال الألمان .. أو لماذا تتمتع بشعر أكثر سوادا في حين يولد غيرها من الأطفال بشعور ذهبية.

 

 وقد حددت هدفي منذ البداية فأعطيتها الثقة وحدثتها دائما وفي كل شيء بكل الوضوح والصراحة لأن الأطفال إذا كلمتهم بجدية وربيتهم على الثقة بالنفس وعلمتهم كيف يستفيدون بوقتهم ويحلون مشاكلهم .. فإنهم يصبحون في المستقبل طاقة جبارة وقدرة خلاقة ، كما راعيت أيضا أن أعطيها الحب والحنان والأفكار الايجابية

لتوجيهها توجيها سليما .. واستمرت حياتي هكذا سنوات لا يتخيل أحد كم قاسيت فيها لإنهاء دراستي وشق طريقي والترقي في عملي وتربية ابنتي تربية ممتازة وكل ذلك وأنا وحيدة تماما في الحياة ثم هاجرت بعد تفكير طويل من برلين الشرقية إلى برلين الغربية واستقرت حياتي فيها وبعد 4 أعوام من هجرتي هاجر أبواي أيضا إليها واجتمع شملنا هناك .. ولقد داوى الزمن الجراح وأصبح الأمر الواقع أقوى من أي شيء فاعد أبى وأمي الاتصال بي وخلال مراحل نمو ابنتي كانت تسألني دائما عن أبيها .. فأحاول ان اشرح لها الوضع بطريقة تناسب عمرها وتجفف دموعها ، لكنها كبرت الآن وأصبح عمرها ١٢ سنة وأصبحت تتلهف على إشارة من أبيها لكنه بكل أسف تركنا منذ 11 سنة وبدون إبداء أية أسباب، والمشكلة الآن يا سيدي هي أن ابنتي تحتاج لأبيها .. لا بسبب وظيفته كأستاذ جامعي أو بسبب نقوده .. وإنما تحتاج إليه هو وإلى حبه وحنانه ووجوده معها ونصائحه لها .. أليس شيئا فوق الاحتمال أن نحرم أطفالنا من بعض حقوقهم الأساسية ثم نأتي إليهم في مرحلة متأخرة لنطلب منهم الصفح والغفران ؟

 

لقد أصبح أبي الذي يحتفل الآن بعيد ميلاده الثمانين فخورا بابنتي وشخصيتها .. لكن سعادتها لن تكتمل إلا إذا استطاع أبوها أن يجد طريقه إليها .. فهل آمل أن تقوم بدور في محاولة الجمع بينهما تقديرا منك لأهمية هذه العلاقة .

 ***********

تلقيت هذه الرسالة مكتوبة باللغة الألمانية ومعها ترجمة لها باللغة الانجليزية قام بها شخص سویسري تطوع لأداء هذه المهمة الإنسانية ، وقد أرفق ترجمته المرسلة برأي شخصي له عبر فيه عن اعتقاده بان كاتبة الرسالة لا ترغب في إثارة أية مشاكل للأب وإلا لكانت قد راسلته مباشرة أو اصطحبت ابنتها وجاءت إلى مصر خاصة وأنها تعرف عنوانه ورقم تليفونه ومقر عمله فضلا عن أنها تعيش في مستوى حياة طيب ، لكن كل ما تحتاج إليه هو أن تتعرف ابنتها على أبيها وأن تنشأ بينهما العلاقة الطبيعية بين الآباء والأبناء .. والحق أنه من أكثر الأمور حساسية التدخل في مسالة شخصية شائكة على هذا النحو .. لكني لا استطيع - حتى لو أردت - إلا أن أؤدي الأمانة التي حملتني إياها هذه السيدة الألمانية على البعد .. لهذا فإني أخاطب الأب سائلا إياه أن يتفضل بالاتصال بي لاطلاعه على الرسالة الأصلية التي حذفت بعض تفاصيلها صونا للحرمات، ولتبادل الرأي حول كيفية تلبية هذا النداء الإنساني لابنة تتطلع للتواصل مع أبيها بما يحقق السعادة للطرفين ولا يتسبب في أية متاعب شخصية لأحد .. وعذرا على تدخلي في هذه المسالة الخاصة .. وشكرا له إن استجاب لدعوتي .

 نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1989

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات