الجائزة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989
أنا سيدة
تزوجت من رجل ممتاز أحبه ويحبني وعشنا معا حياة سعيدة هادئة، ولم يعكر صفوها طوال
عشر سنوات شيء سوى عدم إنجابنا لطفل
يملا حياتنا بهجة ، رغم ترددنا على الأطباء وتأكيدهم لنا أنه ليس لدينا ما يمنع الإنجاب
ومع ذلك فقد أحاطني زوجي بحبه وحنانه وأكد لي دائما أنه يريدني أنا أكثر من أي شيء
آخر فسعدت بعطفه وحنانه .. ولم أفقد الأمل أبدا في أن يمنحني الله ما أردت حين
يشاء .. وشكرته دائما على نعمته.
وذات يوم كنت أشاهد برنامجا طبيا في التليفزيون
يتحدث عن سرطان الثدي وينبه السيدات إلى ضرورة الكشف على الثديين باستمرار للتأكد
من خلوهما من أي ورم غريب فنهضت وكشفت على نفسي أمام المرأة فلاحظت وجود كلكوعة
صغيرة في الثدي الشمال .. فتصورت أنها مجرد خيال من تأثير البرنامج التليفزيوني علي
ولم اهتم بها .. لكني لاحظت وجودها في الأيام التالية فصارحت زوجي بها فأسرع يعرضني
على الطبيب وقام الطبيب بأخذ عينة من الكلكوعة وتحليلها فاتضح للأسف أنها ورم خبيث
وأنه لابد من استئصال الثدي كله .. وتلقيت الصدمة بحزن شديد كتمته عن زوجي لكيلا أضاعف
من آلامه .. وتحدد موعد لإجراء عملية الاستئصال وكان لابد قبلها من إجراء عديد من
الفحوص والتحاليل وذهبت مع زوجي لنتسلم نتيجة التحاليل الأخيرة فإذا بالطبيب
يتفحصها باهتمام شديد وينظر إلي طويلا ثم يقول لي مذهولا: أنت حامل .. وكاد يغمى
علي حين سمعت ذلك .
حامل يا ربي
بعد عشر سنوات وأنا استعد لجراحة خطيرة ستقضي على هذا الحمل الذي انتظرته بصبر
شدید ولن تسمح به مرة أخرى ووجدت نفسي أبكي كما لم ابك في حياتي من قبل ولا اعرف
هل بكيت فرحا بالمعجزة التي
تحققت .. أم حزنا على ضياعها الوشيك ونظرت إلى الطبيب اطلب مشورته فنصحني بضرورة الإجهاض
حرصا على حياتي وأصر زوجي على الإجهاض أيضا وكان العقل والمنطق يحتمان ذلك لان
الجراحة لابد أن تتم في موعدها قبل أن ينتشر المرض الخبيث إلى مكان آخر من الجسم
.. لكن قلبي رفض هذا الحل رفضا مطلقا وبإصرار عجيب فلقد أردت الاحتفاظ بالجنين بأي
ثمن ولو كان حياتي .. لأنه فرصتي الأخيرة للإنجاب طوال عمری .. ولأني بعد إجراء
الجراحة سوف التزم بالعلاج الكيماوي والإشعاعي الذي يقضي على أي أمل في الإنجاب
بعد ذلك .. وهكذا رفضت نصيحة الطبيب وزوجي وتمسكت بالجنين ورفضت الاستماع لأي صوت
سوی صوت قلبي المحروم من الأطفال ووافق الطبيب مضطرا في النهاية وهو يحذرني من إنني
أجازف بحياتي.
ورضخ زوجي أمام إصراري العجيب وهو يشفق علي مما ينتظرني لكني لم اهتم وأعلنت أني لن أتخلى عن جنيني مهما حدث .. وقررنا تأجيل الجراحة والعلاج وخضعت لإشراف طبي مكلف خلال فترة الحمل ويعلم الله وحده كيف مرت علي هذه الفترة .. ولا كم مرة صحوت من نومي في الليل أدعو ربي وأتساءل هل سيتحقق الأمل أم ينتشر المرض قبل الولادة فأرحل ومعي جنيني .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
أنت يا سيدتي
صاحبة قلب شجاع بكل تأكيد .. فقد استجبت لنداء قلبك ضد نداء العقل في هذا الاختيار
الصعب الذي واجهته بين الأمل المعذب القديم في الإنجاب .. وبين التمسك بالحياة على
حساب أي اعتبار آخر. ففاز نداء القلب على نداء العقل في هذه الجولة وحقق الله أمنيتك
الغالية وضاعف لك جوائزه جزاء وفاقا لتسليمك بإرادته وإيمانك بقدرته واملك الدائم
في رحمته وكذا يجزي الله الشاكرين.
فهنيئا لك ما أعطيت بعد طول انتظار .. وتمنياتي لك باكتمال الصحة والسعادة وشكرا لك على رسالتك التي أرادت أن تقولي بها للمهمومين بما يتطلعون إليه من رغبات مشروعة لم يئن الأوان بعد لتحقيقها .. ويخلق ما لا تعلمون .. فانتظروا واصبروا .. فبالصبر تنال الجوائز .. وتتحقق الآمال بإذن الله .
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1989
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر