الرفيق .. رسالة من بريد الجمعة عام 1986
كنت موظفا بإحدى
الهيئات الحكومية وأحلت إلى المعاش بدرجة مدير عام منذ 3 سنوات تقريبا .. وكنت
سعيدا جدا في حياتي الزوجية مع زوجة طيبة صالحة إلى أن توفاها الله منذ 4 سنوات.
وقد أنجبت لي ثمانية أبناء ٤ من الذكور و4 من الإناث .. تخرجوا جميعا وتزوجوا زيجات
طيبة وأنجبوا ماعدا ابنتي الصغرى التي تخرجت وعملت وتنتظر نصيبها وتقيم معي في
المسكن واحد أبنائي الذي يقضى الآن فترة التجنيد .. وبناتي المتزوجات يقمن بخدمتي
على خير ما يرام لأن ابنتي التي تعمل معي تبقى في العمل حتى السادسة مساء.
وبعد مرور 4
سنوات على وفاة زوجتي لاحظت أن أعباء بناتي المتزوجات قد زادت خاصة وأنهن جميعا
يعملن مما يصعب معه عليهن أداء واجباتهن في بيوتهن وفي رعاية بيتي أيضا ، كما أني بدأت
أعاني من الوحدة الشديدة إذ أمضي النهار كله وحيدا حتى تعود ابنتي في المساء،
ففكرت في أن أتزوج لأجد من تؤانسني في وحدتي وتخفف عني مللي وضيقي بعد رحيل شريكة
عمري ، فجمعت أبنائي وعرضت عليهم الأمر جميعا .. ففوجئت بهم جميعا وبلا استثناء
يرفضون ذلك، ويجمعون على أنه مادامت كل متطلبات البيت متوافرة فلا ضرورة للزواج.
فتألمت لذلك وأرجات
الموضوع لكيلا أتسبب في إغضابهم وهم أعزاء علي جميعا .. لكني أتساءل .. أليس من حقي
يا سيدي أن أجد من تؤنس وحدتي في شیخوختي خاصة وأن عمري ٦٥ سنة وصحتي جيدة وفي
الأسرة أرامل كثيرات مشهود لهن بحسن الخلق ممن يصلحن للزواج .. أو ليس قاسيا أن
يرفض أبنائي هذا المطلب بلا تفكير وبغير مراعاة لشعوري ؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
نعم من المؤلم
يا سيدي أن يرفض أبناؤك مطلبك هذا بغير تفكير .. لكني التمس لهم العذر في
الاعتبارات العاطفية التي تجعل من الصعب على الكثيرين أن يقبلوا إحلال سيدة أخرى
محل الأم التي شاركتك رحلة الحياة خوفا من المتاعب والعواصف التي قد يثيرها انضمام
عضو جديد للأسرة بعد هذه السنوات الطويلة من الاستقرار .. لذلك فإني ادعوك إلى إعادة
التفكير في أمرك .. فإذا وجدت أن حاجتك ملحة إلى الزواج .. ففاتح ابنك الأكبر
وحدثه حديث رجل لرجل عن هذا الأمر وكلفه بإقناع أبنائك الآخرين بمطلبك .. وهو في
النهاية مطلب مشروع وليس خارجا على طبيعة الحياة.
وفقدان الرفيق
محنة حقيقية لا يستطيع البعض تحملها حتى ولو كانوا محاطين بقلوب أبناء كثيرين كأبنائك
وبرعايتهم لذلك قيل أنه لا يعرف الوحدة إلا من يكابدها .. وإني واثق من تقدير الأبناء
في النهاية لظروفك النفسية ومن تغليبهم لسعادتك الشخصية على أية اعتبارات أخرى
بإذن الله .
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1986
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر