العابسة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987
أنا يا سيدي
رجل في الرابعة والأربعين اعمل موظفا بشركة
استثمارية
ومتزوج وعندي أربعة أطفال أكبرهم بالإعدادية وأصغرهم عمره ثلاث سنوات
مشکلتي تتلخص
في عبارة واحدة هي وجه
زوجتي العابس
دائما .
إنها يا سيدي
عابسة وعنيدة وعصبية ونكدية دائما لا يمر يوم بيننا دون نقاش وزعل بسبب أو بلا سبب
يعقبه خصام ومقاطعة لعدة أيام أعيش خلالها في بيتي كالغريب لا تربطها صلة بي ولا
تقوم خلالها على خدمتي وإذا زادت الأمور سوء تركت لي البيت ووضعتني في موقف صعب
مع أبنائي
الصغار الذين يحتاجون للرعاية .. ولست وحدي الذي أعاني من ذلك فالجيران أيضا لم
يسلموا منه فعلاقتها بهم في غاية السوء لمجرد أنها دائما عابسة الوجه مما يؤدي إلى
كثير من المشاحنات .. وهي دائما في رأيها على حق وهم دائما مخطئون !! حتى الباعة
في السوق حين تذهب لشراء شيء لم يسلموا منها وكل من لهم صلة بنا من أهل واقارب وأصدقاء
نفضوا أيديهم منا ومن مشاكلنا حتى شقيقتها الوحيدة .. قالت لي في آخر زيارة : اصبر
من أجل أبنائك .. وامتنعت من يومها عن زيارتنا.
ولقد انعكست
طباعها تلك بالضرورة على تربيتها لأبنائنا فلا يمضي يوم دون أن تعذبهم أو تنهرهم أو
تندب أمامهم حظها الأسود وحياتها الهباب ولا يمر يوم واحد يا سيدي دون أن اسمع
ويسمع الأبناء هذا الموال الأبدي.
لقد عرضتها يوما على طبيب نفسي بناء على نصيحة الأصدقاء
وكلفني ذلك أربعين جنيها ما بين أجر الكشف والأدوية التي لم تخرج عن المهدئات وقال
لها الطبيب في النهاية كوني هادئة وجاريه في بعض الأحيان أي بالعربي "اضحكي
عليه" فنزلت من عند الطبيب تسب وتلعن وازداد وجهها عبوسا وازدادت حياتنا نكدا
واكتئابا.
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
لقد قلت لها أنت
الكثير والكثير يا صديقي خلال رحلة معاناتك معها فماذا يمكن أن تجدي كلماتي معها
؟؟
إن بعض الناس
يحتاجون إلى أن نضع أمامهم أحيانا مرآة صادقة ليروا فيها صورتهم الحقيقية التي
يراها بهم الآخرون .. وقد لا يرونها هم لأنفسهم .. ولقد نشرت رسالتك هذه لعلها
تلمس فيها بشاعة ما تفعل بحياتها وبك وبأبنائها فتفيق من غيها وتنقذ نفسها وتنقذكم
من هذا الجحيم الدائم.
إن غاية كل إنسان هي السعادة .. لكن البعض بحماقة
لا مثيل لها يحرمون أنفسهم ويحرمون من وضعتهم الحياة تحت رحمتهم منها بلا أية أسباب
حقيقية وبلا أية ضرورة .. وبعض الناس كما قلت مرارا لا يعرفون قيمة ما بين أيديهم
من أسباب السعادة حتى تزول هذه الأسباب أو حتى تهوى عليهم الدنيا بمطارقها القاسية
فيعرفون ساعتها فقط أن حياتهم التي طالما ضاقوا بها .. كانت خالية من الآلام
الحقيقية ، وأنهم لم يقدروها حق قدرها وأن زمان التعاسة الحقيقية قد بدأ ..
فيتحسرون على ما مضى من أيام.
وإلا فلتقل لي
زوجتك ما هي المشكلة الحقيقية في حياتها ؟ إنك كما يبدو من رسالتك زوج صبور راغب
فيها وحريص عليها ولديها 4 أبناء تشقى الكثيرات لكي تهبهن الدنيا أحدهم وظروفكما
المادية مقبولة ومعقولة .. فما المشكلة إذن ؟!!
المشكلة في
انعدام الرضا وفي سرعة الاستجابة للنزعات العدوانية التي تثير المشاكل وتصنع الأزمات
.. لهذا فقد انفض من حولكم الأصدقاء والأقارب والجيران .. لأن الآخرين ليسوا
مطالبين باحتمال ما نتحمله نحن، والمشكلة أيضا أن زوجتك لا تجيد فن المعاشرة وهو فن
يتطلب الحكمة والصبر والتفاهم وسعة الحيلة .. لذلك فهي غير قادرة على إسعاد نفسها
وبالتالي غير قادرة على إسعادكم لأن فاقد الشيء لا يعطيه .. ومن تفسد على نفسها أيامها
بلا مبرر وتواجه الحياة بوجه عابس دائما، ونغمة مولولة نادبة لا يتوقع أن ترضى عن
شيء ولا أن تسعد أحدا لأنها غير قادرة على السعادة أصلا والكآبة عدوى يا صديقي كما
أن الابتهاج والرضا عدوى أيضا .. وآفة هؤلاء العابسين الجاحدين لنعم الله أنهم
يتصورون أنهم لا يؤذون غيرهم في حين أنهم يؤذونهم أشد الأذى بما يشعونه عليهم من إشعاعات
الكآبة والاكتئاب وهي إشعاعات أشد فتكا بالنفس من الإشعاعات النووية.
ولو أنصفت زوجتك لأدركت أنها بقليل من الحكمة وضبط النفس والإنصاف والاستعداد للتفاهم وحب الآخرين تستطيع أن تبدد هذا الجو القاتم من حياتكم وأن تسعد أبناءها وتستعيد علاقاتها مع الآخرين وترسم البسمة على وجوه الجميع بشرط أن تبدأ هي بوجهها !!
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1987
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر