في المرآة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1986

 

في المرآة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1986

في المرآة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1986



أنا سيدة في الثلاثينات من عمري "أحصل" على مؤهل "عال" وليس لي "قدر" من الجمال تزوجت من شاب في مثل سني وله من الشقيقات خمس "منهم" "الفتايات" ومنهم "المتزوجات" وجميعهم على قدر كبير من الجمال لكني "أراهم" مثل القرود لأنه لا تجمعني بهن أي صداقة ولا أي ود .. وكل ما بيننا هو الكراهية والحقد و"الضغينا" بالرغم من أنني لي طفل عمره سبع سنوات ولا يعرف من هم هؤلاء الذين يراهم عند جدته ولا يعرف أن هذه عمته ولا تلك أخت أبيه حتى جدته دائما "أخلق" في قلبه الكره لها فمثلا أقول له أنها كانت تؤكله وهو صغير فتات العيش وبقايا الطعام الملوث ولكن بالرغم من كل ذلك فطفلي يحب جدته التي تسكن معنا في نفس المنزل الذي نسكن فيه وأنا أراها جبارة لأن زوجي متعلق بها إلى حد العبادة فإذا أشارت بطرف أصابعها أجاب لها الطلب ولو كان غير مقتدر وساعتها يجن جنوني فأكرهها أكثر والآن بدأت أخترع الأكاذيب لأجعل سكان البيت يكرهونها ويكرهون بناتها "وأزواجهم" الذين يعتبرونها "إلهه" ويعتبرون بيتها مكانا مقدسا لابد من الطوف حوله كل يوم .. وإذا مر يوم ولم يطوفوا به نسمع الاعتذارات والتوسلات بأن تعفو عنهم لعدم قدرتهم زيارتها يوميا.

 

فبدأت أخترع الأكاذيب بأنهم سبوني أو ضربوا ابني أو "بثقوا" في وجهي ولكني لن أقدر على إقناع أحد بما أحكي فالجميع لا يصدقون فبدأت أقول أن فلانة المتزوجة على علاقة بفلان وهذا من خيالي .. لكن من أقول له ذلك لا يرد ولا يسمع ولا يصدق كأنها تفاهات.



 

ولـكاتـبه هذه الرسـالة أقول:

إن أفلاطون ولابد أنك تعرفينه مادمت تقولين عن نفسك أنك حاصلة على مؤهل عال قد شاهد يوما شابا دميما يسب آخر وسيما فأمره بالكف عنه وبأن يكون أكثر تسامحا وأدبا مع الآخرين فسأله الشاب الدميم لماذا فقال له لأن المرء ينبغي أن ينظر في المرآة كل يوم فإذا وجد وجهه حسن لم يخلطه بقبيح وإن وجده قبيحا لم يجمع بين قبيحين.

وأنت يا سيدتي تجمعين بين أكثر من قبيح في وقت واحد .. فأنت تنفسين على شقيقات زوجك جمالهن وعلى أمه حب ابنها وأزواج بناتها واحترام الآخرين لها .. وأنت تحاولين أن تغرسي الكراهية في قلب طفلك الصغير ضد جدته وأقاربه فتشوهي براءته بالكراهية بدلا من أن تغرسي بذور الحب في قلبه لأقاربه وللبشر وللحياة .. بدأت تدبرين المكائد وترمين المحصنات في شرفهن كذبا وهي جريمة ربما لوعلمت أن الله لا يسامح معها لما فكرت في إقترافها أبدا ومهما كانت أهدافك من ورائها.

فلماذا كل هذه القبائح دفعه واحده؟

 

إن  مأساتك في رأيي تكمن في هذا السطر من رسالتك التي حرصت على ألا أغير حتى من أخطائها اللغوية وهو السطر الذي تقولين فيه .. وليس لي قدر من الجمال في حين أن جميع شقيقات زوجك الفتايات منهن والمتزوجات جميلات وإن كنت لا تريهن إلا قرودا.

هذه هي مشكلتك الحقيقية يا سيدتي .. ولأن الإنسان لا يستطيع أن يختار لنفسه صورته كما لا يستطيع أن يتحكم في "أشكال" الآخرين فإنه يستطيع على الأقل أن يعمل بنصيحة أفلاطون فلا يجمع بين القبيحين ويستطيع أن يتسلح بجمال الروح والخلق دائما سواء أكان دميما أم وسيما وهو الجمال الحقيقي والأنقى والأخلد كما يستطيع أيضا أن يحمل بين جنبيه قلبا يخفق بالحب للآخرين بدلا من الحقد عليهم لو جاهد نفسه قليلا وردها عن صغائرها فيرى الدنيا والآخرين بعين الحب لا عين الحقد العمياء التي لا ترى إلا سوادا.

 

 وأنت لو فعلت لرأيت شقيقات زوجك بشرا لا قرود ولفهمت لماذا يحب أزواجهن أم زوجك ويحرصون على زيارتها ولاكتشفت أنك تنعمين بجوار قوم متسامحين أفاضل يرعون حرمتك ويصبرون على أذاك  ولاكتشفت أن أسرة زوجك يظللها الحب والاحترام المتبادل مع الآخرين إلى حد أنك حين أردت أن تلوثي بعض أفرادها بالأكاذيب لم يلتفت إليك أحد وليس كل ذلك من فراغ يا سيدتي ولاهو من صنع المصادفة لكنه نتاج تاريخ طويل من حسن المعاشرة والالتزام بالخلق القويم مع الآخرين.

 فاطرحي أحقادك خلف ظهرك وتخلي عن فكرة الخروج من بيت الأسرة إلى سكن آخر في هذا الزمن الصعب مادام زوجك يرفضها أو غير قادر عليها وأعلمي أن أسرة زوجك هي أسرتك وأنه من حسن الحظ أن يكون للإنسان أهل يحرصون عليه بدلا من أن يعيش مقطوعا يلاطم الحياة وحده وأعيدي النظر في موقفك من الحياة بصفه عامة وإلا خسرت نفسك وزوجك ونفد صبر الآخرين عليك وتذكري قول القائل "كن جميلا تر الوجود جميلا" وأنت تستطيعين أن تكوني أجمل الجميلات إذا طهرت قلبك من الكراهية والحقد وحملت الحب للحياة وللآخرين في صدرك فينعكس ذلك صفاء وجمالا في عينيك وفي وجهك ولقد قال أحد الصوفيه يوما إني لأنظر في المرآة كل يوم مخافة أن يكون قد أسود وجهي يقصد مخافة أن يكون قد شاه وقبح إذا ما أقترف ذنبا أو حمل كرها لأحد وأنت تقترفين من الذنوب ما يحرمك من أي لمحه جمال جسمي أو روحي فإنظري إلى مرآتك كل يوم يا سيدتي وجملي نفسك بحب الآخرين وحسن معاشرتهم.

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1986

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات