الأيام الجميلة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987
سیدي کم تمنيت من قبل أن اكتب لك في ظروف سابقة ألمت بي لكنها مرت بخيرها وشرها فلم أجد دافعا للكتابة عنها حتى قرأت رسالة "النافذة المضيئة" التي تشكو فيها زوجة شابة من أن زوجها غير راض عن حياته معها لأنه لم يستطع توفير أثاث بيت الزوجية والكماليات حتى لقد اقترح أن يعفيها من الارتباط به لتتزوج بمن يستطيع أن يحقق لها كل ذلك رغم حبها له وحبه لها فلقد أخرجتني هذه الرسالة بعد صمتي لأنها ذكرتني ببدايتي مع زوجی فأردت أن أقصها على زوجها لعل فيها ما يخفف من آلامه .. فلقد بدأت حیاتي یا سیدي مع زوجي في ظروف مشابهة كظروف كاتبة هذه الرسالة وزوجها بل لعلها كانت أصعب فلم يكن لدينا أثاث للزواج ولا كماليات ولا أي شيء ولم نكن نملك سوی سریر مفرد صغير وكليم مفروش على الأرض وكان دولاب ملابسنا مجموعة من المسامير في ظهر الباب نعلق عليها الملابس ولم يكن في مطبخي سوى طبقين وملعقتين وكانت مائدة سفرتنا صندوقا نقلبه ونتناول طعامنا عليه لكننا كنا سعيدين يحب كل منا الآخر ويشفق عليه ويرعاه واتفقنا على أن نشتري كل شهر شيئا من لوازم البيت وبدأنا بالأكواب والأطباق ولم نشك من شيء ولم نتبرم ولم نيأس من الحياة ولم يفكر أحدنا في الانفصال عن الآخر بل كنا سعداء بأننا نبني حياتنا طوبة طوبة وكان لكل شيء نشتريه فرحة لا استطيع أن أصورها لك.
فكان يوم شراء دولاب للملابس عيدا ويوم شراء مائدة و 4 كراسي مهرجانا ويوم شراء ثلاجة احتفالا قوميا وكنا بعد كل خطوة نحققها نحس أننا ملكنا الدنيا بأيدينا وننام سعداء وراضين وفخورين بأنفسنا .
وشيئا فشينا أصبحت
لدينا شقة كاملة وكماليات وكل شيء ثم
انعم الله علينا بطفل جميل طال انتظارنا له ولم يأذن الله به إلا بعد ۱۰ سنوات من زواجنا فاكتملت سعادتنا وتحققت لنا كل أمانينا.
ولكاتبة هذه الرسالة المؤلمة أقول:
إن من المحزن حقا أن تجيء الآلام حين يتوقع الإنسان أن يجد الراحة بعد العناء وأن يجني ثمار صبره وكفاحه بل وحرمانه أحيانا ، لكنها الحياة يا سيدتي التي لا تحقق أبدا لكل إنسان كل ما يريد والتي قال عنها الإمام علي بن أبي طالب متفكرا في عنائها : آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق .. لأننا جميعا مسافرون فيها وراء أحلامنا وآمالنا التي لا تتحقق كلها معا وإن تحقق البعض منها فقدنا في الطريق إليه بعض ما كان في أيدينا وهي أيضا الحياة التي نشكو فيها جميعا من قلة الزاد مع اختلاف الظروف فيشكو بعضنا قلة الزاد من الصحة أو السعادة أو راحة البال ويشكو بعضنا الآخر قلة زاده من إمكانات الحياة وكمالياتها ولن تتوقف شكوانا لأن سفرنا دائم ولأن الطريق غالبا موحش إلا لمن اعتصم بالإيمان والصبر والرضا بما بين يديه واحتمى من شدائد الحياة بقلب رفيق يخفف عنه آلامها فصبر جميل يا سيدتي وشكرا لك أن اهتممت بأن تنقلي إلى زوج كاتبة الرسالة تجربتك الشخصية ليستفيد منها وليرضى بحياته وليستعيد قدرته على الكفاح ومواصلة الطريق إلى آماله فمشكلته أهون كثيرا مما يرى ولعل حلها أقرب إليه مما يتصور فلقد اتصل بی قارئ فاضل عقب نشرها وابلغني برغبته في مساعدة هذين الزوجين المكافحين على توفير الأثاث الذي ينقصهما لكي يواصلا الطريق معا ويسعدا بحبهما ولقد كنت على وشك أن اكتب لأدعوهما لمقابلتي حين جاءتني رسالتك هذه فرأيت في سطورها ما يغنيني عن أي كلام أقوله له حين أراه ورأيت فيها خير مناسبة لكي ادعوه مع زوجته لزيارتي لأبحث معهما أمر هذه النافذة المضيئة بالأمل الذي يريد هذا القارىء الفاضل أن يفتحها أمامهما فشكرا لك يا سيدتي على رسالتك القيمة وشكرا لهذا القاري وأهلا بهما في مكتبي في مساء الاثنين القادم إن شاء الله.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1987
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر