النافذة المضيئة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987

النافذة المضيئة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987 

النافذة المضيئة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987

 

مهما أجهدت نفسي في تنميق الكلمات فلن أعثر على كلمات تعبر عن حب زوجة لزوجها وتمسكها به أجمل ولا أصدق من كلمات هذه الرسالة .
عبد الوهاب مطاوع
 

أكتب إليك بعد تفكير طويل لأستعين برأيك في حالي .. فمنذ 4 سنوات كنت طالبة  بإحدى الكليات الجامعية .. وكنت أحاول بكل طاقتي أن أتفوق وأحصل على تقدير ممتاز لكي أجد فرصة التعيين كمعيدة في نفس كليتي لأن أسرتي بسيطة ولا أمل لي في وظيفة عن طريق أحد الأقارب كما يفعل المحظوظون .. لذلك وضعت همي في مذاكرة دروسي وكنت أسهر الليل أراجع دروسي وأعيد مراجعتها وحين يصيبني الملل أقف في النافذة بعد منتصف الليل قليلا أشم الهواء وأستريح قليلا ثم أعود للمذاكرة .. وذات مساء لاحظت أن هناك نافذة على بعد قريب مني تظل مضاءة معظم ساعات الليل مثلي .. فقدرت انه طالب أو طالبة تذاكر دروسها مثلي .

 

ووجدت نفسي بعد فترة مشدودة إلى منافسة صاحب هذه  النافذة المضيئة في الاستذكار .. وكلما أرهقني التعب ونظرت إليها فوجدتها مضاءة زال عني التعب وقررت مواصلة المذاكرة ساعة أخرى حتى تنطفيء النافذة الأخرى .. هكذا مضت الليالي بي .. وبعد فترة عرفت أن من يذاكر بها طالب .. وبعد أسابيع أخرى بدأت أحس كأنه يعرفني وأعرفه .. وبعد فترة أخرى كانت قد نشأت بيننا علاقة " ضوئية " إذا جاز هذا التعبير فأصبحنا نتبادل التحية عن طريق إطفاء نور الحجرة وإضاءته عدة مرات كل ليلة .. ثم بدأ يمر تحت نافذتي في النهار ونتبادل الابتسامات ، ثم عرفته وعرفني وعرفت أنه طالب في نهائي الهندسة وأنه يسبقني بعام ولم تمض شهور إلا وتقدم لخطبتي بمجرد تخرجه .. واتفقنا على أن ننتظر لمدة عام إلى أن نتخرج ثم نتزوج ، وقد قربتني منه فترة الخطوبة كثيرا ً فأحببته حبا ًعظيما ًوأحبني هو كذلك ، ورضينا نحن الاثنين بظروفنا فهو مكافح مثلي لا أحد له سوى أمه .. وأنا ابنة لموظف مكافح ، وجمع بيننا الحب والإحساس بأنه لا نصير لنا في الحياة ، لذلك فلقد قلت له إننا إذا انتظرنا حتى يدخر ثمن الجهاز فسوف تنقضي زهرة العمر ونحن في الانتظار لذلك فإن علينا أن نتزوج الآن ونعد جهازنا فيما بعد حين تسمح ظروفه ولو بعد عشر سنوات .. وكنت قد جهزت الأشياء الخاصة بي في حدود إمكاناتي ففكر هو قليلا في الأمر ثم وافق على أن نتزوج خاصة أني وافقت على الإقامة مع أمه في مسكنهما .. وأنه قد عين مهندسا ً بسبب تفوقه بإحدى الهيئات الحكومية بعد نجاحه في مسابقة التعيين .

 

وهكذا احتفلنا في بيتنا احتفالا بسيطا بالزفاف .. لم يحضره سوى بعض أقاربي وبعض أقاربه .. ولم نقدم فيه للضيوف سوى الشربات وقطع الكيك التي صنعتها أمي .. ثم انتقلت معه إلى مسكنه ، وبدأت حياتي الزوجية سعيدة به وبنفسي .. واتفقنا على أن نؤجل الإنجاب حتى تتحسن ظروفنا وحتى ندخر مبلغ الجهاز ، ومضت أيامنا سعيدة سعادة البسطاء من أمثالنا .. أساعد حماتي في أعمال البيت .. نعيش معا ً حياة مشتركة بلا أي متاعب لأني أحببتها واعتبرتها كأمي وأحبتني هي أيضا ً وعطفت علي ، ومضى عامان على زواجنا وزوجي يعمل ليل نهار يخرج من عمله الحكومي إلى عمل آخر ويعود إلى البيت فيستدعونه في العمل الحكومي في منتصف الليل لأنه يعمل في أحد مرافق الخدمات التي تتطلب العمل في أوقات مفاجئة فيخرج نشيطا ً ويعود قرب الفجر ، وهو ينفق على البيت جزءا من مرتبه مع معاش أمه ويدخر الباقي لكي نشتري الجهاز .. وبعد كفاح عامين لم ندخر سوى " باكو " بلغة هذه الأيام .. ولم أقلق لأن الأيام أمامنا ولأني سوف أعمل ذات يوم وسوف أساعده في الادخار .

 

 لكن المشكلة هي أن زوجي يا سيدي قد بدأ ينفد صبره وبدأ يقول لي أنه لا أمل لنا في أي شيء وأن الطريق طويل أمامنا .. ثم بدأ يمضي فترات طويلة صامتا ً أو سارحا ً وكلما اقتربت منه وحاولت مشاركته أفكاره يبعد عني .. ثم فاجأني منذ 3 أسابيع بمفاجأة هزتني من أعماقي حين قال لي أنه يشعر أنه ظلمني معه .. لأننا ننام على سرير سفري ونعيش في شقة قديمة شبه خالية من الأثاث ، وليس بها ثلاجة ولا تليفزيون .. وأنه يفكر في أن يتركني لآخذ حظي مع غيره ممن يستطيعون تقديم شبكة ومهر وتأثيث شقة إلى أخر هذا الكلام .. وبكيت وقلت له أن كلا منا يحب الآخر ويرى فيه حياته ومستقبله ، وأنني لست متعجلة لأي شيء ولا يهمني جهاز أو غيره وإنما يهمني أن أضع رأسي كل ليلة على وسادة ينام عليها من يحبني وأحبه ، وهددته بأنه إذا عاد إلى هذا الحديث مرة أخرى فسوف أشكوه لأمه .. فانتهى الحديث .




 

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

نعم أفعل يا سيدتي بكل سرور .. لكني مهما أجهدت نفسي في تنميق الكلمات فلن أعثر على كلمات تعبر عن حبك له وتمسكك به أجمل ولا أصدق من كلمات رسالتك هذه .. لذلك فلن أضيف إليها الشيء الكثير .. ولن أعيد تكرار كلمات الحب والوفاء والإخلاص على زوجك الشاب لكني سأطلب منه فقط أن يعيد قراءة رسالتك هذه عدة مرات وأن يعي معناها الكبير .. وأن يعتبرها تميمة حب يقبض عليها بيده ويدفع بها عن نفسه الضيق والملل كلما ضاق صدره بظروف الحياة لأنها زاد عظيم لمن يشق طريقه في الحياة معتصما ً بالقيم ورافضا ً للانحراف كما يفعل زوجك .. وقوة دفع كبيرة سوف تدفعه بإذن الله إلى مواصلة طريقه المستقيم متمسكا ً به ومحتميا ً بحبك ضد صعوبات الحياة حتى تتحقق الآمال بإذن الله . , وعفوا يا سيدي إذا قلت لك أن رسالة زوجتك هذه يشقى كثيرون لكي ينالوا بعضاً من كلماتها الصادقة من شريكات حياتهم الشقية رغم معاناتهم لإسعاد زوجاتهم وتوفير كل متطلبات الحياة لهن ، فلا تفرط في قلبها الذهبي الذي يغمرك بكل هذا الحب ولا تفقد صبرك وجلدك على متاعب الطريق الطويل أعانك الله عليه وأعان كل الشباب من أمثالك على آلامه وتبعاته الجسام .

رسالة الأيام الجميلة تعقيبا على هذه الرسالة

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1987

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات