المصيدة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987

 

المصيدة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987

المصيدة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987 



الوقوع في الخطأ مرة ليس كارثة لأن كل إنسان معرض للتجربة والخطأ .. لكن الكارثة هو أن يستمرئ الإنسان الخطأ وألا يحاول مساعدة نفسه على اجتيازه .. هذه هي الجريمة الحقيقية التي يرتكبها أي إنسان في حق نفسه.  


فإذا كان هو عاجزا عن الخروج من إسار الخطأ فإن مسئولية من يهتمون بأمره هي أن يواجهوه وأن يعينوه على نفسه .. فالحزن واجترار المخاوف وحدهما لا يكفيان لمواجهة الموقف. 


عبد الوهاب مطاوع 

 


أنا أم وحيدة كان لي ولد وبنت .. أما الولد فقد استشهد في حرب أكتوبر فصبرت على ما لقيت ودعوت الله أن يعوضه عن شبابه في الجنة .. وأن يعوضني عن آلامي بالصبر والنسيان .. وأما البنت فهي جامعية وتشغل منصبا كبيرا بإحدى الوزارات ومتزوجة من رجل ممتاز ومن عائلة محترمة معروفة ولها طفلان وهي على خلق وقد ربيتها أحسن تربية ، لكني ذهبت لأزورها ذات مرة فوجدتها دائما سرحانه فسألتها عما بها فأنكرت أنها تشكو من شيء .. ثم تكررت زياراتي لها فأجدها دائما على هذا الحال .. وأجدها شبه نائمة دائما .. وهي مستيقظة وتتحرك ببطء وعيناها غائبتان دائما . 



ألححت عليها في السؤال فلم تشف غليلي، وذات يوم كنت قد أمضيت الليلة عندها وبعد ان خرجت في الصباح إلى عملها أخذت أرتب لها البيت ثم رتبت لها دولاب ملابسها فوجدت به کیسا به شرائط دواء كثيرة كلها تشبه بعضها ، فغاص قلبي في أعماقي وخشيت أن تكون مريضة بمرض خبيث وتخفي عني الأمر، فأخذت أربعة شرائط من هذا الدواء وذهبت الى الصيدلية القريبة .. وسالت الصيدلي عنه فكانت الصدمة حين عرفني الصيدلي أنه نوع من الأقراص المنومة اسمه "....." ورغم صدمتي الشديدة فلقد تمالكت نفسي أمامه وقلت له أني وجدت هذا الدواء في دولاب الشغال الذي ينظف الشقة كل يومين .. ومشيت من أمامه وأنا لا أرى الطريق وكرهت الدنيا .. وتمنيت لابنتي الموت قبل أن تفوح القصة بين الزملاء والأهل والاقارب ، ومن يومها وأنا حائرة لا أنام الليل .. وأبكي كل يوم ولا أعرف ماذا أفعل .. هل ابلغ زوجها أو ماذا أفعل يا ربي .. ألم يكف موت ابني الوحيد .. لكي أفجع في ابنتي الوحيدة أيضا . 


إن الله وحده يعلم أنا شقيت قد ايه حتى ربيتهما .. وكبرا .. فإذا بواحد منهما يخطفه الموت والثانية يهددها الضياع .. إنني أرجوك ألا تتجاهل رسالة أم سيئة الحظ لا تعرف ماذا تفعل لتنقذ سعادة ابنتها .. فقل لي بربك ماذا افعل لأني خائفة جدا والسلام عليكم ورحمة الله. 




ولهذه الأم الحزينة اقول :  

إن الحزن واجترار المخاوف وحدهما لا يكفيان لمواجهة الموقف .. فلابد من عمل تترجمين به خوفك عليها إلى تصرف إيجابي يساعدها على الخروج من هذه المحنة . 


والوقوع في الخطأ مرة ليس كارثة لأن كل إنسان معرض للتجربة والخطأ .. لكن الكارثة هو أن يستمرئ الإنسان الخطأ وألا يحاول مساعدة نفسه على اجتيازه هذه هي الجريمة الحقيقية التي يرتكبها أي إنسان في حق نفسه.  


فإذا كان هو عاجزا عن الخروج من إسار الخطأ فإن مسئولية من يهتمون بأمره هي أن يواجهوه وأن يعينوه على نفسه ولقد أحسست من رسالتك أنك ترغبين في نشرها لكي تقرأها ابنتك وتعرف أنك قد عرفت بأمرها .. لأنك فيما يبدو تخشين مواجهتها .. وفي ذلك فإني ألومك يا سيدتي اذ لابد من المواجهة بل ولابد ايضا بعد المواجهة والاتفاق معها على طلب العلاج من مصارحة زوجها بالأمر.. لأن ابنتك تواجه محنة حقيقية .. ولن يفلح التستر في اخفائها عنه .. ثم لماذا تخفيها وهي محنة تتطلب أن يقف فيها زوجها إلى جوارها والعلاج سوف يتطلب صبرا وارادة ويحتاج الى مشاركة زوجها فيه ليحقق هدفه .. فهيا يا سيدتي تحركي لإنقاذ ابنتك الوحيدة من مصيدة الادمان .. لأنه شرك خداعي يستدرج المرء إليه خطوة خطوة .. ثم يغوص فيه الى قاع سحيق .. فمدي يدك إليها والعلاج ممكن جدا .. بشرط أن يطلبه المرء بصدق وأن يكون راغبا فيه. 


اطلبي لابنتك العلاج الآن قبل الغد لأن كل يوم يضيع في التردد سوف يطيل فترته المهمة .. والله معك . 


نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1987 


راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي 


 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات