أخت البنات .. رسالة من بريد الجمعة عام 1983

 

أخت البنات .. رسالة من بريد الجمعة عام 1983

أخت البنات .. رسالة من بريد الجمعة عام 1983


أنا فتاة في مقتبل العمر ربة أسرة كبيرة العدد مكونة من أمي و7 شقيقات بنات وولد واحد صغير .. قبيلة ؟ .. نعم قبيلة كبيرة العدد لكني أحب أفراد هذه القبيلة فردا فردا وأحس بمسئوليتي عنهم .. وقد تولیت مسئوليتي عنهم منذ 8 سنوات بالضبط عندما مات أبي تاركا وراءه هذه الأسرة كبيرة العدد .. وتاركا وراءه محلا تجاريا صغيرا يبيع السجائر وبعض الحلوى وما أشبه.

 كانت صدمة كبرى واجهتها بثبات فبعد أيام قليلة من رحيله غادرت البيت لأقف في المحل بدلا منه .. لم أكن اعرف الكثير عن البيع والشراء .. ولم أكن أعرف شيئا عن التعامل مع الناس لكن التجربة علمتني الكثير .. ومن أول الأشياء التي تعلمتها أن هناك في بلادي أناسا طيبين عديدين ، ففي الأيام الأولى من وقوفي في المحل .. كنت ألمح نظرات العطف في عيون زبائن المحل .. وفى عيون جيراني .. وتطوع الكثيرون لمساعدتي بإرشادي إلى تجار الجملة الذين اشترى منهم بضاعة المحل .. وأحيانا بالشراء نيابة عني .. وكان بعض الزبائن يلمحون حيرتي حين أعجز عن معرفة سعر السلعة التي يطلبونها .. فيتطوعون لتعريفي بالسعر .. أو بالسؤال عنه في المحل المجاور ثم إبلاغي به .

 

وهكذا تعاون الجميع معي للقيادة السفينة .. فأبحرت بعد أن كانت قد جنحت جنوحا شديدا عند وفاة أبي ومضت رحلة الحياة .. تقدم لشقيقتي رقم 2 شاب مناسب فزوجتها وأشرفت على تجهيزها في حدود إمكانياتي .. وأشرفت على فرحها حتى تم الزواج بسلام .. ثم تقدم شاب لشقيقة أخرى من شقیقاتي فقمت بواجبي معها .. وتم زفافها وانتقلت إلى بيت الزوجية وكنت سعيدة بزواج الأختين .. فكل شقيقة تتزوج أحس معها أني قد أديت واجبي .. وانتقلت مسئوليتها إلى زوجها .. لكن شقيقتي الأخيرة كانت سيئة الحظ فقد غرق قارب زواجها سريعا وطردها زوجها - سامحه الله - وهى حامل وفي يدها طفلة عمرها سنة و ٣ شهور ، فعادت إلى بيتنا كسيرة الجناح .. وانضمت مرة أخرى إلى القبيلة. 

ومضت الحياة .. هينة أحيانا .. قاسية أحيانا أخرى لكني في كل الظروف .. كنت أتمسك بالأمل .. وأحلم دائما بيوم تنتهي فيه شقيقاتي من التعليم وتتزوجن .. ويخف على الحمل .

 


 

*******

وأنا أيضا يا أختي لا أعرف إذا كنت استطيع أن افعل لك شيئا أم لا .. فأنا لا أملك سوى قلمي .. وإلا أن أنشر رسالتك .. لكني لا استطيع بعد قراءة رسالتك أن أتمالك نفسي من الإعجاب بك .. ومن الإعجاب بكفاحك وصلابتك وإنكارك لذاتك في سبيل هدف سام هو رعاية إخوتك .. إنك يا أختي بطلة تستحقين كل تقدير وكل تشجيع .. وقصتك أهديها لبعض الرجال الذين يضيقون أحيانا بمسئولياتهم العائلية .. ويتأففون من اضطرارهم للإنفاق على آباء وأمهات بلا موارد .. أو على إخوة وأشقاء بلا معين .. ويسخطون على الدنيا لأن أعباءهم العائلية تحول دون استمتاعهم الكامل بالحياة بل ويتنكرون أحيانا لمن وضع الله مسئولية رعايتهم في أعناقهم .. إنك يا آنسة أبلغ رد على أمثال هؤلاء .. وغيرك كثيرات وكثيرون يضحون بأنفسهم لإسعاد غيرهم فلا تبتئسي .. وثقي أن الله سوف يعوضك عن كفاحك خيرا كثيرا وأنك سوف تحصلين على نصيبك العادل من الدنيا في الوقت المناسب فهناك كثيرون يبحثون عن فتاة لها مثل معدنك الأصيل .. ليشاركوها حياتها .. وسيأتي اليوم الذي تحلمين به.. حين تصل القبيلة الضخمة التي تقودينها إلى بر الأمان وفي العمر بقية إن شاء الله .. للراحة بعد العناء.

 أما حكاية الفاتورة فلا اعتقد أن مشكلة صغيرة مثلها تستطيع أن تعترض طريق كفاحك المجيد وقد يأتي حلها من حيث لا تتوقعين.

بعد النشر بأسبوع نشر الآتي :

 

قلوبنا مع أخت البنات

صباح يوم الجمعة الماضي وعقب نشر قصة "أخت البنات" التي تعول ٧ شقيقات وولدا صغيرا من إيراد محل صغير لبيع الحلوى والسجائر ورثته مع إخوتها عن أبيها .. والتي تواجه مشكلة سداد فاتورة صغيرة تهدد تجارتها بالتوقف، اتصل قارئ مجهول بالأهرام وطلب إيفاد مندوب إليه في فندق شيراتون من بريد الأهرام ليسلمه مبلغا من المال يطلب مني تقديمه لهذه الفتاة المكافحة ، وقال القارئ أنه مضطر للسفر في نفس اليوم لأعمال عاجلة وسيعود إلى القاهرة خلال أيام .. وأنه سوف يتصل بي بعد عودته لأنه على حد تعبيره قد قرر بعد أن قرأ القصة .. أن يساعد هذه الفتاة المكافحة على تحمل أعباء هذه القبيلة التي تعولها بانتظام حتى ينتهي أفرادها جميعا من التعليم .. وتصل القافلة إلى بر الأمان .. وبالفعل توجه مندوب من بريد

الأهرام إلى فندق شيراتون فوجده ينتظره في البهو ووجد لدى موظف الاستقبال تعليمات مشددة بألا يعطى لمندوب الأهرام اسم القارئ أو أية بيانات عنه .. فلما التقى به قدم إليه مظروفا مغلقا فتحه المندوب فوجد به مبلغ ألف جنيه ، فأخرج قلمه ليكتب له إيصالا بالمبلغ فرفض القارئ قبول الإيصال أو حتى استكمال كتابته ، ورفض بإصرار أن يفصح عن اسمه أو بأي بيانات عنه ، وكل ما استطاع المندوب أن يعرفه عنه هو أنه ليس مصريا وليس أيضا خليجيا .. وفي نهاية اللقاء أبلغ القارئ مندوب بريد الأهرام .. أنه قد يفصح عن اسمه فيما بعد حين يعود إلى القاهرة ويتولى مسئولية هذه الأسرة .

 

في نفس اليوم بالأهرام وزير مصري سابق يعمل حاليا خارج مصر وقال أنه مضطر للسفر صباح غد إلى مقر عمله وسيعود إلى القاهرة يوم ٢٨ سبتمبر ويطلب عند عودته الاتصال به لاستلام مبلغ من المال لتقديمه لهذه الفتاة المكافحة واتصل ببريد الأهرام أيضا سفير مصري وقال انه قرأ قصة أخت البنات وتأثر بها وطلب معرفه قيمه الفاتورة التي عجزت عن سدادها ليتولى دفعها عنها .. وجاء إلى بريد الأهرام قارئ مصري رفض الإفصاح عن شخصيته وترك لنفس الفتاه مظروفا به ٥٠ جنيها .. كما جاءت سيدة فاضلة وتركت لها مبلغ ٢٥ جنيها .

وأمس فقط تم استدعاء "أخت البنات" إلى بريد الأهرام وتم تسليمها مبلغ 1075 جنيها هي حصيلة التبرعات التي وصلت إلى البريد خاصة بها .. ولا استطيع مهما أوتيت من قدرة على التعبير أن اصف لكم ماذا جرى حين تسلمت المظروف الذي يحوى المبلغ .. ولا ماذا جرى حين انتهت من عد المبلغ ووقعت من وراء غلالة الدموع المتساقطة كالمطر من عينيها على إيصال باستلام المبلغ .. حقا .. في الدنيا لحظات قد تفقد الإنسان أحيانا الإيمان بوجود الخير من كثرة ما يصطدم به من صور الشر .. لكن فيها بالتأكيد أيضا لحظات أخرى كثيرة تعيد إليه إيمانه بالخير وبالبشر .. وبالحياة ، ومن هذه اللحظات كانت اللحظة التي تلقت فيها أخت البنات بدموع الفرح الحل السعيد لمشكلتها .. و إلى اللقاء مع الخير .. وعلى خير دائما إن شاء الله.

                      ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1983

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات