علبة الملح .. رسالة من بريد الجمعة عام 1986
أعترف لك أنني
أحسست بمشاعر الغيرة القاتلة تملأ قلبي منذ أول يوم من الزواج كلما ذكر امرأة على
لسانه فإنني اشعر بنار حامية تدور في صدري وأشعر بلهيبها يكاد يحرق قلبي.
وما يعذبني أنه يعلم ويشعر بل ويذكر أنني الذي أغار
عليه منه جدا .. لدرجة أنني لم أعد أريده أن يذهب لعمله في الشركة الاستثمارية
التي يعمل بها لأن معه زميلة آنسة في المكتب أخشى عليه منها خاصة وأنني تركت عملي
بعد الإنجاب وكنت أرى بنفسي ما يحدث في عملي من تعد للحدود بين الزملاء والزميلات فأبيت
ليلي أفكر في أن زوجي ربما يكون يتعامل معها ببساطة خاصة وأنه يقضي معها وقتا أكثر
مما يقضيه معي.
وذهبت إليه يوما في مكتبه متعللة بأنني كنت اشتري
بعض الأشياء قريبا من عمله .. وأنا ما ذهبت إلا لأطمئن على درجة جمال الفتاة وكانت
مفاجأة أنني أفوقها جمالا ورقة وعذوبة وثقافة بالإضافة إلى أخلاقي العالية .. ومع
ذلك لا ارتاح أبدا بل أتشاجر معه كلما استثار غيرتي .. والحق يقال أنه يشهد له
الجميع بالاستقامة والأدب .. إنني أعيش في عذاب قاتل جعلني اذبل وافقد كثيرا من
نضارتي ورونقي بسبب هذه الأوهام لدرجة جعلتني أفكر في الانفصال عنه لا لذنب اقترفه
بل لمجرد أنني أريد أن اهرب من نار الغيرة عليه من الجميع من الشغالة التي تحضر
يوما واحدا في الأسبوع ومن الجارة المحترمة التي يلقي عليها التحية إن قابلها ..
فماذا افعل ؟ ما الذي يجعلني أغار هكذا وأنا لا افتقد الجمال بل جميلة جدا ومثقفة وأساير
العصر ؟ ما الذي يجعلني اشك فيه وهو الرجل الفاضل؟
أرجوك
يا سيدي أن تحاول مشكورا أن تجد لي حلا ناجحا لجراح قلبي أسير الغيرة العمياء..
والتوقيع زوجة معذبة.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
إنك تغارين على زوجك هذه الغيرة المجنونة
بالرغم من أنك جميلة جدا ومثقفة وتسايرين العصر وبالرغم من أن زوجك رجل فاضل وعلى
خلق كما تقولين بنص كلماتك .. لسبب بسيط جدا هو أنك لا تثقين في نفسك رغم مؤهلاتك
ولا تثقين في زوجك رغم فضائله هذه .. لذلك فلا حل لعذابك إلا بأن تستعيدي ثقتك في
نفسك أولا .. ثم ثقتك في زوجك ثانيا .. ولن تستقيم حياتك إلا بذلك لأن الثقة أساس
ضروري لاستمرار الحياة الزوجية وبغيرها تتحول إلى شكوك وظنون واتهامات ومحاكمات
غيابية وأحكام جائرة بلا بينة تفسدين خلالها حياتك ويذوي جمالك وتتهدم
أسرتك بلا سبب
يدعو لذلك.
إن الغيرة إحساس طبيعي وهو من علامات الحب بغير
شك لكنها يا سيدتي مثل ملح الطعام قليل منه يكسب الطعام مذاقا طيبا لكن الإكثار
منه يضر القلب كما يقول الأطباء ، أما الإسراف فيه كما تفعلين فيحول الطعام إلى
أجاج مر يستحيل تذوقه .. فلا تفسدي حياتك بيديك .. وتذكري أن سلام الإنسان النفسي يبدأ
من داخله لا من خارجه وأننا لو تذكرنا كل لحظة حوادث الطريق لما غادرنا بيوتنا
خوفا منها .. ولو فكرنا كل حين في حوادث الطائرات لما ركب أحد طائرة ولو فكرنا
باستمرار في احتمالات العدوى وانتقال الجراثيم
لما
صافح أحد أحدا .
ولو حكمنا
بظنونك لحسبنا الأزواج جميعا خونة وسارقي أعراض وليست الحياة كذلك ولن تكون أبدا لأن
الأصل في البشر الفضيلة .. والاستثناء هو غيرها ولأننا لا نعيش في غابة .. وإنما
على أرض فيها الخير والشر والخير هو الأغلب دائما مهما بدا لك من وساوسك.
فكفي عن محاصرة نفسك بهذه والمخاوف والأوهام واستمتعي
بحياتك
الموفقة ولا تفسديها بإلقاء علبة الملح
كلها على طعام أسرتك الصغيرة مع تمنياتي لك بالسعادة والاطمئنان.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر