بلا طائل .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990
أنا موظفة
بمصلحة حكومية بإحدى المحافظات تزوجت منذ عدة سنوات وأنجبت ثلاثة أولاد وبنتا
واحدة .. وبعد فترة من زواجي
وجدت نفسي أعيش في واد وزوجي في
واد آخر .. فهو يعيش لنفسه ولملذاته ولسجائره المعطرة وينفق عليها معظم دخله ..
وكلما حاولت أن أصلح من نفسي واقترب منه لم أجد منه أي استجابة أو محاولة لتغيير
نفسه وتحمل مسئولياته تجاه زوجته وبنته وأولاده فتحملت أنا كل شيء من الحرمان من
الملابس التي تليق بمظهري كموظفة إلى الحرمان من أشد الضروريات الأخرى .. ورضيت بأقداري
لأنني من أسرة لا تحب الفضائح وكرست نفسي لخدمة أطفالي ومحاولة تهيئة أفضل الظروف
لرعايتهم في حدود إمكاناتي البسيطة.
وكانت الحياة
محتملة بعض الشيء إلى أن وقعت الكارثة واكتشفت إصابة ولدين من أبنائي بمرض في الدم
أدى إلى إصابتهما بأنيميا حادة مزمنة منذ ست سنوات ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني
الأمرين في علاجهما بلا أدنى مشاركة من زوجي وكأنهما ابناي وحدي وليسا ابنيه أيضا
.. وحين أرهقتني نفقات العلاج بدأت الاقتراض من أقاربي حتى لم اعد استطيع سؤال أحدهم
قرضا جديدا ثم عرفت طريق الاقتراض من البنوك فاقترضت من بنك ناصر ثم بنك التنمية
الزراعي ثم اضطررت لشراء ثلاجة بالتقسيط من جمعية المحافظة وبعتها لاستعين بثمنها
في دفع نفقات العلاج وأصبح راتبي المحدود مهلهلا بأقساط الديون فأصبحت كلما احتجت
إلى نقود بعت مروحة أو خلاطا .. أو قطعة من أثاث البيت وزوجي لا يرى ولا يسمع ولا
يتكلم وكأنه لا يعيش معنا وهو يعود إلى البيت فلا يجد مثلا مائدة السفرة .. فلا يسأل
عنها خوفا من أن يفتح السؤال باب المسئوليات والنقود والغلب الذي أنا فيه.
ثم عجزت بعد ذلك عن مواصلة التحمل فرضيت وأنا
الموظفة بأن اعمل في البيوت فكنت اذهب لأسرة في أطراف المدينة يوم الإجازة وأظل
اعمل في تنظيف بيتها من الصباح إلى المساء مقابل خمسة جنيهات.
ورغم ذلك فزوجي لا يسأل لماذا خرجت ولا ماذا فعلت
.. فماذا افعل معه یا سیدی؟ أرجوك ألا تطالبني بأن أتحدث معه في الأمر فقد حاولت
معه بكل الطرق وحاولت معه باللين والحنان والكلام الرقيق مرة وبالغضب والخصام مرة
ولا فائدة .. وكل ما أريده منك هو أن توفر لي عملا لدى أسرة كريمة في مدينتي بشبين
الكوم لكي استطيع أداء مسئوليتي في رعاية أولادي .. وأمري إلى الله في زوجي وشكرا
لك حتى لو لم تفعل لي شيئا فقد استرحت قليلا حين أخرجت هذا الدخان
المكتوم من صدري .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
لن اطلب منك فعلا أن تحاولي إشعار زوجك
بمسئولياته مرة أخرى .. ليس يأسا منه وادخارا لجهدك من أن يضيع فيما لا طائل تحته
فقط وإنما أيضا لأننا لا نُسمع ذوي
الضمائر
الميتة مهما علا صوتنا في خطابهم فوفري جهدك وابعثي بتقارير الأطباء عن حالة طفليك
.. وسوف يتكفل بريد الأهرام إن شاء الله بكل مسئولية علاجهما إلى أن يكتب الله
لهما الشفاء كما سوف يتكفل أيضا بمحاولة تخفيف بعض قسوة ظروف حياتك أعانك الله
عليها وعلى غيرها والسلام .
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر