هموم صغيرة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1985

 

هموم صغيرة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1985

                  هموم صغيرة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1985

كن ناجحا في حياتك تطب لك الدنيا .. ولا يرى الناس فيك إلا نجاحك وتفوقك.. وكن فاشلا لا يرى الناس فيك إلا كل ما هو معيب.. ولك أن تختار ما تريد، وسوف تضحك من معاناتك هذه حين تتذكرها في مستقبل أيامك.

عبد الوهاب مطاوع


أنا أحد قراء بريد الجمعة.. وقد قرأت فيه عن مشاكل عديدة وكيف تم حلها مما شجعني على كتابة مأساتي لك لعلك تساعدني في حلها لو حتى تخفيفها عني، بعد أن ثقلت على.. أرجو ألا تبخل بنشر هذه الرسالة لكي يعرف الناس ما يسببونه من آلام للآخرين، أنا يا سيدي شاب عمري 19 سنة أعيش مع والدي وأسرتي في مستوى معقول. وأنا طالب بالثانوية العامة وقد رسبت لمدة عامين وأعيدها للسنة الثالثة هذا العالم، وأرجو ألا تتسرع وتحكم علي بأني طالب فاشل فأنا لم أكن كذلك ولن أكون. وهذه في الواقع ليست مأساتی الحقيقية، وإنها مأساتي الحقيقية هي أنني شاب "تخين" ! جدا وقد التصقت بي هذه الكلمة حتى أنني أسمعها كل يوم عشر مرات وأقرأها في كثير من عيون الآخرين، وبالرغم من أن من يعاشرني أو يتعامل معي يقول عني إنني خفيف الظل أو مرح، وأنه لا يسلم أحد من تعليقاتي الظريفة، فلا أحد رغم ذلك يدري أن هذا المرح ليس إلا ستارا يخفى عذابي وضيقی مما

أعانيه من سخرية الآخرين مني حتى أني أكاد أتجنب حضور المناسبات، وأحيانا الخروج للشارع.. ففي أي مجتمع به كثرة من الناس كفرح أو مناسبة عائلية أو في جلسات الشباب في العائلة أكون دائما هدفا للسخرية، ولا أسلم أبدا من لسان أحدهم حتى ولو جرح مشاعري، فاضطر لأن أجاريهم وأضحك مع ضحكهم علي بغير أن يدري أحد منهم ماذا يفعل بي وبمشاعري الداخلية، حتى في دار العلم والتربية والتعليم أي المدرسة لا أنجو من سخرية المدرسين "وتأليسهم" علي مما يجعلني دائما في حالة ضيق من ضحكات زملائي في الفصل، ويوقعني في مشاكل معهم.

 

 أما في الشارع فالناس عندما يرون شخصا "تخينا" يتصورون أنه "فرجة" فأجد دائما نظرات كلها سخرية ثم يتهامسون وتنطلق الضحكات کالسهام لتنفذ في لحمي، وفي أحيان قليلة أجد نظرات شفقة.. إنني أسألك ماذا يحدث لو احترم الناس مشاعر الآخرين؟ ألا تكون الدنيا أكثر رحمة؟.. ثم لماذا يتعمد الإنسان جرح أخيه الإنسان؟. وماذا بیدي لأفعله في علة كهذه ليس لى ذنب فيها؟

إن كل هذه الأسئلة تدور في رأسي حتى يكاد ينفجر وقد رسبت في العامين السابقين بسبب التفكير في إجابات هذه الأسئلة، بعد أن زادت في السنوات الأخيرة، وكلما فكرت في أنی مقدم على مرحلة جديدة من حياتي وهي الجامعة أكاد أبکي، فأنت تعلم ما يحدث في الحرم الجامعي وفي المدرجات من قصص وحكايات، وأنا لن أحتمل نظرة أو كلمة من زميلة أو زميل فيها جرح لشعوري.

 



 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

إنني أضم صوتي لصوتك في ندائك الإنساني الذي اختتمت به رسالتك.. واتفق معك في ضرورة أن يحترم البشر مشاعر الآخرين.. لكني أختلف معك في هذه الحالة التي أحطت بها مشكلتك كما لو كانت مأساة إغريقية غضبت فيها الآلهة على واحد من البشر! فحكمت عليه بهذا العذاب!

إن الأمر ليس كذلك بالطبع.. وبدانة الإنسان ليست عاهة کما تقول إنما هي مشكلة صحية قابلة للعلاج بالإشراف الطبي .. وبشيء من قوة الإرادة.. وهي ليست مثيرة للسخرية إلى هذا الحد الذي تصوره في رسالتك.. بل لعلها مثيرة للاستظراف والألفة وسرعة التعارف في كثير من الأحيان حيث يتمتع معظم البدناء غالبا بشخصيات انبساطية سريعة التآلف.. وخفيفة الروح .. فلماذا كل هذه المبالغة؟

 

إنني أخشى أن يكون عقلك الباطن وهو يفتش عن سبب وهمي لرسوبك عامين متتالين في الثانوية العامة قد قرر أن يلقي هذه المسئولية على البدانة، وعلى نظرات الآخرين وسخرياتهم، وأن يعفيك منها.. لذلك فأنت تعتبر أن البدانة هي مأساتك الحقيقية لا الرسوب.. ولست أيضا أتفق معك في ذلك بل لعل الرسوب هو الذي ضخم إحساسك بالبدانة وبهذه المداعبات البريئة التي يبادلك إياها الزملاء والصحاب، فجعلت منها مأساة بعد أن كانت مزاحا وبعد أن كنت تتلقاها من قبل بصدر رحب.. وترد عليها ولا تعفي أحدا من تعليقاتك الظريفة! فرکز جهدك في دراستك يا صدیقی..! وأشحذ إرادتك وانجح وتفوق .. وأني لزعيم لك بأنك سوف تكتشف بعد نجاحك أنك في عيون من حولك أرشق من الغزال حتى لو كنت بدينا جدا، إن النجاح يخفي العيوب یا صديقي والفشل يجسمها ويبرزها لنا وللآخرين على السواء.


 فكن ناجحا في حياتك تطب لك الدنيا .. ولا يرى الناس فيك إلا نجاحك وتفوقك.. وكن فاشلا لا يرى الناس فيك إلا كل ما هو معيب.. ولك أن تختار ما تريد، وسوف تختار النجاح وسوف تجتاز الثانوية العامة وتبني حياتك بإذن الله .. وسوف تضحك من معاناتك هذه حين تتذكرها في مستقبل أيامك، أما عن العلاج إن كانت هناك ضرورة له فلسوف أحيل إليك ما أتلقاه من عروض الأطباء لعلاجك، مع تمنياتي لك بالتوفيق.

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1985

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات