رجل المستحيل .. بقلم عبد الوهاب مطاوع
اتصل بي يستأذن في الحضور
إلى مكتبي بعد قليل لأمر هام .. كان الوقت قرب منتصف الليل في يوم الاثنين الذي
أستقبل فيه قراء بريد الأهرام وأستمع لمشاكلهم, وقد اكتفيت بما سمعت من هموم وآلام
ذلك المساء, ولم يعد في صدري متسع للمزيد, فصارحته بأني قد استنفدت كل طاقتي النفسية
والعصبية في اللقاءات السابقة ولم أعد صالحاً للتفكير في مشكلة جديدة فإذا كان
مصراً على مقابلتي .. فليتفضل لنحدد موعداً آخر للقاء, فأكد لي أنه سيأتي لكي يسلم
لي رسالة فقط ولن يطلب رأيي فيها خلال نفس اللقاء .
وضعت سماعة التليفون
وانشغلت بما يشغلني من عمل, فلم يمض وقت طويل حتى وجدته يدخل إلى مكتبي, تصافحنا
وشيء ما في داخلي يهمس لي بأني قد التقيته من قبل لكني لا أعرف أين أو متى حدث
ذلك, وصدق إحساسي حين قال لي بعد قليل : لعلك تذكرني .. فلقد جئت إليك منذ حوالي
عام وأبلغتك رغبتي في تعيين بعض الشباب الباحثين عن عمل من قرائك في شركتي الخاصة,
وأرسلت إلي عدداً منهم, وتذكرته على الفور, إنه رجل الأعمال الناجح الذي جاءني
فعلا منذ حوالي عام ولاحظت عليه في لقاءي الأول به أنه إنسان مهذب متواضع سعيد بما
حقق من نجاح في حياته ويريد أن يساهم في حل مشاكل بعض الشباب من قراء بريد الأهرام
بإيجاد العمل الملائم لهم .
وكان شرطه الوحيد لي وقتها
أن يكون هؤلاء الشباب الذين أرسلهم إليه من أصحاب الحالات الاجتماعية الحرجة ليكون
العمل إنقاذا لهم من معاناتهم وقد شكرته بحرارة على عرضه وقتها وأرسلت إليه عددا
من الشباب لكن شتان بين الرجل الناجح الباسم الذي التقيت به منذ عام .. وبين هذا
الشخص المكتئب الحزين الذي يجلس أمامي وأحسست على الفور بأن هناك مشكلة ملحة وراء
إصراره على مقابلتي رغم تأخر الوقت, ونظرت إليه مشجعا , فمد يده إليّ برسالة
مكتوبة وأمسكت بها وبدأت أقرأ :
أنا رجل من
أسرة كبيرة طيبة .. تخرجت في الجامعة وعملت في مجال جديد بعيد عن دراستي تعلمته
بسرعة وأجدته, ثم سافرت للعمل في إحدى الدول العربية لعدة سنوات وعدت وأسست شركتي
الصغيرة وحين بلغت الثلاثين من عمري قررت أن أتزوج فاخترت إحدى قريباتي لتكون
شريكة حياتي وكانت أسباب اختياري لها, أنها على خلق وتحبني بشدة وصاحبة رأي ودين
وبارك كل أهلنا ارتباطنا, ونظر الجميع إلينا بالإعجاب والإكبار فزوجتي جميلة
ورقيقة تعمل بإحدى الوظائف لإثبات ذاتها وشغل فراغها, وأنا شاب وسيم وميسور ماديا
وصاحب عمل ناجح, وتزوجنا و أنجبنا ولدا وبنتا وعشنا حياة هادئة مستقرة يغبطنا
الجميع عليها وعلى البهجة التي يستشعرها أي زائر يدخل جنتنا الصغيرة.
وقد تشاركنا
وتساندنا في مواجهة مواقف الحياة المختلفة بالحب والعطف المتبادل فوقفت هي إلى
جواري كثيرا في بداية افتتاح شركتي الصغيرة وخففت عني صعوبات البداية .. ووقفت إلى
جوارها في محنة مرض أمها ثم وفاة أبيها وأمها فيما بعد .. وأحسست بعد وفاتهما
بأنني قد أصبحت مسئولا عنها ليس كزوج محب فقط وإنما كأب وشقيق أكبر لها أيضا بعد
أن أصبحت وحيدة في الحياة , فتحملت مسئولية الحفاظ لها ولشقيقتها الوحيدة على تركة
أبيهما وتكبدت في سبيل ذلك عناء كبيرا فأصبحت أعمال شركتي وأعمال تركة أبيها تشغل
كل وقتي, وواصلت العمل ليلا ونهارا في الجبهتين حتى استقرت أعمال تركة أبيها
واطمأننت إلى أني قد حافظت لها ولشقيقتها على ميراثهما من الضياع ..
وبدأت أعود تدريجياً للتفرغ لعملي الخاص وبدأت في تطويره .. ووضعتُ خطة جديدة
للتوسع فيه ودخول أسواق بعض الدول العربية وافتتحت لي مكتبا في إحدى عواصمها
وانشغلت في ذلك كثيرا, لكني لم أنشغل عن بيتي وأسرتي الصغيرة ولم أبخل على زوجتي
وأولادي بحبي وحناني واهتمامي .. فهم كل حياتي, وقد رأيت أنني قد أصبحت كثير السفر
لأعمالي الجديدة فاشتريت لزوجتي سيارة جميلة لكي تستخدمها خلال فترات سفري القصيرة
.. وبدَت لي الحياة خلال هذه الفترة جميلة وواعدة بمستقبل أكثر ازدهارا ونجاحا .
لكن شيئاً غريباً طرأ على
حياتنا فجأة فأثار هاجسي وقلقي .. لقد بدأت شخصية زوجتي تتغير بشكل ملموس فأصبحت
تغالي في الاهتمام بأناقتها ومظهرها بأعذار مختلفة وشديدة الاهتمام بعملها رغم عدم
حاجتنا إليه مادياً .. وبدأت وجهات نظرنا تختلف حول بعض الأمور مع أننا كنا دائماً
متفاهمين حول كل شيء .
وبدأت المشاكل الصغيرة
بيننا حول هذه التطورات الجديدة في حياتها من المكالمات التليفونية الطويلة التي
أصبحت تنشغل بها عني إلى أسلوب ملابسها وزينتها المبالغ فيها, وبدأ العش السعيد
يسمع نعيق الشجار لأول مرة بعد أن كان لا يسمع إلا أنغام الحب, وانتابني إحساس
غامض مزعج بأن زوجتي ليست صادقة معي فيما تقدمه لي من تفسيرات عن هذا التغير
الجديد في أسلوب حياتها, إحساس غامض لا دليل عليه سوى قلبي الذي ينبئني بأن هذه
السيدة الصغيرة الجميلة التي تتحدث معي الآن لم تعد هي نفسها السيدة التي عرفتها
وامتزج روحانا وقلبانا خلال السنوات الأخيرة .
وبعد معاناة نفسية طويلة
قررت الإقدام على خطوة خطيرة تعكس ما تردَّت إليه علاقتي بها وهي مراقبتها من حيث
لا تعلم ! وانصرفت عن عملي الذي كرست له حياتي وجندت له ذكائي وكل حيلي لأكتشف سر
تغيرها الغامض, واستعنت بالسيارات المؤجرة .. وبأشخاص متفرغين لمراقبتها عن بُعد
بل واستعنت أيضاً بأجهزة تسجيل صغيرة بثثتُها في غرفة المعيشة بالبيت حيث تُجري
زوجتي المكالمات الطويلة الهامسة .
ولم أكتشف رغم كل ذلك شيئاً
محدداً .. لكن إحساسي بوجود شيء في حياتها أحسه ولا أجد دليلاً عليه لم يرحمني ..
وزادت معاناتي وانهرت نفسياً وعصبياً حتى فكرت جدياً في الانتحار وأنا الشاب
الناجح الذي يحسده الآخرون على نجاحه وأسرته الصغيرة .. وفي غمرة حيرتي هذه ذهبت
في فجر أحد الأيام إلى مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة وأديت صلاة الفجر وزرت الضريح
الذي تفوح منه روائح المسك وبكيت وأنا أدعو ربي أن يخرجني من حيرتي وأن يلهمني
الصواب فيما افعل , لكي أتخلص من جحيم المعاناة .. واستجاب الله لدعائي سريعاً فلم
تمض على ذلك أيام حتى وضعت يدي على السر الغامض, وكان كارثة هزَّت وجداني من
الأعماق .
لقد أصبحت زوجتي يا سيدي لا
تحبني ..وإنما تحب زميلاً لها في العمل , وليته كان شخصاً مناسباً لها أو يتميز
عني بشيء يستحق من أجله أن يستأثر بقلب زوجتي دوني بل على العكس من ذلك تماماً ,
فهو شاب يصغرها بثمان سنوات ويصغرني بـ 16 سنة . وهو شاب بسيط لا يملك شيئاً هو
وأسرته وليس فيه ما يجذب إليه أي امرأة بشهادة زملائها وزميلاتها أنفسهم , كما
أنني لا ينقصني شيء من جاذبية شخصية أو رجولة كاملة .. ووقفت ذاهلاً أمام هذه
الحقيقة القاسية , وفي اضطراب تفكيري فكرت جدياً في أن أقتله ثم تراجعت في اللحظة
الأخيرة لأني أحسست بالخسة والنذالة في أن أعاقبه هو ولا أعاقبها هي , ثم ماذا
أجني من وراء هذا العمل الإجرامي ؟ هل سيصفو لي قلب زوجتي المسلوب , وعدلت عن هذا
التفكير الانفعالي , واخترت الطريق الأصعب وقررت الانفصال عنها وإعطاءها حريتها
لأضعها أمام الاختيار الحر بيننا ..فإما أن تندم على ما فعلت .. وترجع إليّ مقتنعة
بي وبأنها قد أخطأت خطأ بشعاً في حقي وحق أسرتها وتكفر بمشاعر صادقة عما فعلت
..وإما أن تصحح علاقتها الخاطئة بهذا الشاب وتعيش معه في الحلال وتحت وهج الشمس
..وليس في ظلام الخيانة والغدر .
ونزل الطلاق عليها كالصاعقة
وبعد الطلاق واجهتها بكل ما عرفت عنها وبكل ما جمعت من أدلة على خيانتها ولم تجد
ما تقوله لي بعد الانهيار والبكاء الطويل سوى أنني قد أسهمت في انزلاقها إلى الخطأ
بانشغالي عنها بتوسعات أعمالي الأخيرة ! ورددت عليها بأنه لا شيء يشفع للخيانة أو
يبررها , ومع ذلك فإن كانت علاقتنا كزوجين قد انتهت , فإن علاقتي بك كأم لأطفالي
وكقريبتي اليتيمة التي اعتبر نفسي مسئولاً عنها بعد وفاة أبويها لم تنته , لهذا
فإني أريد أن أطمئن على مستقبل أيامك مع غريمي .
وسألتها عن خطتها للمستقبل
فطلبت مني أن التقي بزميلها الشاب وأبحث معه هذا الأمر ! ولم أتردد لأني كنت قد
طلبت منها ذلك فعلاً لكي أستكشف نياته الحقيقية تجاهها .
والتقيت به في وجودها في
سيارتي فجلس هو إلى جواري ..وقبعت هي متخاذلة في المقعد الخلفي ..وتحاملت على نفسي
وارتفعت فوق آلامي , وبدأت أتحدث معه كما يتحدث الأب مع شاب علم بأنه على علاقة
بابنته ويريد أن يطمئن إلى جدّيته معها , وبدأت أسأله عن خطته للمستقبل معها وماذا
يريدان من هذه العلاقة وما هو مكان الأطفال في خطتهما ولم أجد أيه إجابة واضحة
لديه أو لديها ولم أخرج من اللقاء سوى بأنها كانت مجرد خيانة دون تفكير في العواقب
أو المستقبل وبلا أي سبب أو هدف ..أو أخلاق .
ولم أتمالك نفسي حين أدركت
ذلك فأوقفت السيارة ونزلت منها وعدت إلى الخلف وفتحت الباب الذي تجلس إلى جواره أم
أطفالي ثم هويتُ على خدها بصفعة مدوية عبّرت بها عن كل فجيعتي فيها وفي أخلاقها
وفي شخصية فتى أحلامها الخسيس المضطرب هذا ! ولم يجرؤ شريكها الجبان على أن يدافع
عن " حبيبته " ضدي بل ولم يبدِ أية حركة للمقاومة أو لحمايتها مني وإنما
انكمش كالفأر صامتاً ومتخاذلاً في مقعده ..وليته فعل شيئاً أو تحرك للدفاع عن
كرامة السيدة التي خانتني من أجله حتى ولو أدى ذلك إلى مصرعه في معركة عادلة بيننا
إذن لاحترمته وقدرت فيه استعداده لحمايتها والدفاع عنها .. لكنه كان يعرف منها
أنني أجيد منذ الصبا فن الكاراتيه وأستطيع أن اسحقه بيدي في لحظة فلم يتحرك ولم ينطق
وازداد احتقاري له ولها .
وحين تأكدت من أنه ليست
لديهما أية خطة لتصحيح وضعهما طالبتهما بقطع علاقتهما فوراً وتعهدا أمامي بقطع
علاقتهما , ورغم ذلك استمرت اللقاءات بينهما ..ووقعت في يدي تسجيلات لمكالمات
عاطفية بينهما وأشعار تكتبها في حبه وأشعار يهديها إليها !
واستمرت زوجتي السابقة تكذب
عليّ بشأن قطع علاقتها به ..وانتشرت الفضيحة في مقر عملها بعد أن كانت سيرتها فيه
ناصعة البياض .. وكل ذلك وهو لا يتقدم خطوة واحدة في طريق الارتباط المشروع بها
بحجة معارضة أهله , فتحركت لأحمي مستقبل أولادي من نزوات هذين الطائشين فأرغمتها
على أن تكتب كل ما تملك وهو كثير لأولادنا وحتى السيارة التي أهديتُها إليها
أرغمتها على أن تكتبها باسمي واستجابت لكل ما طلبت بلا مقاومة ..وأصبحت زوجتي
السابقة بلا مال يغري أحداً باستغلالها ..وانتظرت أن يثبت الآخر حبه المجرد من
الغرض لها ويُقْدم على الزواج منها , ولم يفعل , فأُضيف إلى همومي النفسية المؤلمة
همُّ جديد لا أعتقد أن رجلاً آخر قد حمله قبلي هو أن أبحث لشريكتي الخائنة وشريكها
الآثم عن وسيلة للارتباط الشرعي بينهما ..حتى لا يستمرا في حياة الخفاء وعرضت
عليهما مساعدتي لهما بكل ما أستطيع لكي يتزوجا ..ويصححا وضعهما الشائن وكلما ذلّلت
لهما عقبة من عقبات الطريق أثار هو بجبنه وتردده مشكلةً جديدة , فاثأر مشكلة
معارضة أسرته لزواجه .
وأقدمت على خطوة أكثر جرأة
رغم مرارتها وقابلت معها أسرته لإقناعها بالموافقة على الزواج ..ورفضت الأسرة
ارتباط ابنها بها وهو جالس صامت متخاذل لا ينطق ولا يدافع عن كرامة " حبيبته
" أمام أسرته .
وفعلتُ ما هو أكثر من
ذلك ..فوعدتهما بأن أشتري لهما شقة تجمع بينهما في الحلال على أن يبقى الأولاد معي
وتراهم هي كلّما أرادت في أي وقت , فأبدى تخوفه من الصعوبات المادية لحياتهما
الجديدة وخاصة أن زوجتي السابقة قد اعتادت على مستوى مرتفع للمعيشة معي !
ولم أدر ماذا أستطيع أن
أفعل لهما أكثر من ذلك ..فتوقفتُ يائساً وواضعا الأمر أمامهما بوضوح وهو : إما
الزواج الشرعي .. وإما الانفصال النهائي بينهما حفاظاً على ما بقي من القيم
والأخلاق, وراقبتهما مراقبة شديدة لتنفيذ ذلك , ثم مضت فترة قصيرة فإذا بزوجتي
السابقة تأتي إلي وتعترف لي برجولتي معها ووقوفي بشرف وشهامة إلى جوارها ..ثم تقسم
لي أنها قد قطعت علاقتها نهائياً بهذا الشاب , وتطلب عودتها إلى البيت ..وعودة
الحياة الزوجية بيننا كما كانت بعد أن أدركت عمق خطئها ..وعرَفَتْ حقيقة معدني
بالقياس إلى جوهر فتاها " النذل " ذاك .
ووقفت حائراً أمامها هل
أصدقها فيما تقول أم أكذبها وكيف أثق فيها بعد ذلك لو عدنا للحياة معاً والشك يملأ
حياتي ووجداني ؟ إنني حريص فعلاً على إنقاذها من الهاوية , لكن كيف أتحمل حياتي
معها بعد ذلك وأين أنا من كل ما جرى وكان ؟ لقد خسرتُ الكثير نفسياً وصحياً
ومادياً وفقدتُ قدرتي على العمل .. وأوقفت خطتي للتوسع والعمل الخارجي ..وافتقدت
الإحساس بمعنى الحياة .. وبمنطق الأشياء ..ولا أعرف لماذا فعلتْ زوجتي ما فعلت ,
وهي رغم كل شيء من أسرة كريمة ..بل إن " الآخر " أيضاً رغم ضعفه وجُبنه
من أسرة فاضلة رفضت الموافقة على هدم حياة أسرة أخرى من اجل ابنها , وأولادي أمامي
ضحايا لخطأ لا أعرف سببه .. ونزوة لم يقدر أصحابها عواقبها ..ولست أصدق أنها قد
عادت إلي نادمة وبكل مشاعر الحب القديمة ..وحتى لو صدقت فلن أنسى ولن أغفر لها ما
فعلت بي وبنفسها وبأولادها فماذا أفعل معها ..وهل أقبل عودتها ؟ لقد أصبحت أنظر
إليها وإليّ على أننا ثمار عصر بائس تدهورت فيه الأخلاق والقيم إلى أقصى درجة
..وتحولت حياتي إلى جحيم أعايشه كل لحظة من ليل أو نهار, وأنت تكتب وتنظر للحياة
نظرة وردية وتخفف عن المهمومين آلامهم بكتاباتك التي تدعو للتفاؤل وإلى الثقة في
الله والخير والقيم الدينية والخلقية , فهل تستطيع بعد كل ما رويت لك أن تلقي في
طريقي بأي بصيص من الأمل في الخير والإخلاص والوفاء ؟ وهل تستطيع حتى لو جاهدت
نفسك أن تبثَّ في نفسي روح التفاؤل الوردي تجاه الحياة مرة أخرى ؟ ثم هل تنصحني في
النهاية بأن اقبل العودة إليها وبأن أصدق ندمها وعودة حبها القديم لي من جديد ..أم
ماذا أفعل معها ؟
*******
وانتهيتُ من قراءة الرسالة
.. ورفعتُ رأسي من فوق سطورها محاذراً أن يبدو على وجهي أي تعبير للرثاء قد يجرح
مشاعر ضيفي برغم كل ما شعرت به من رثاء حقيقي وتعاطف صادق معه .. ونظر هو إلي
متطلعاً إلى تعليق مبدئي على ما قرأت .. فقلت له متحاملاً على نفسي :
أنت رجل شجاع بكل معنى
الكلمة يا سيدي, لكني احتاج إلى بعض الوقت لأفكر بعمق وصفاء فيما قرأت قبل أن
أُبدي فيه رأيي وسوف أتصل بك بعد يومين لنلتقي مرة أخرى , ونتحدث فيما عرضته
عليّ .
فنهض بقامته الفارعة
مصافحاً وهو يقول لي :
أنا لست شجاعاً ..وإنما أنا
رجل مسئول عن سيدة من أهلي كانت زوجتي وأنجبت لي أطفالي وقد تحملتُ مسئوليتها
وحاولت إنقاذها رغم جرحها لمشاعري كرجل وزوج حرصاً عليها كإنسانة في النهاية
وحرصاً أيضاً على أطفالي .
فقلت له : كل هذا يؤكد أنك
رجل شجاع , لأن الشجاع فقط هو من لا ينكص عن تحمل المسئولية ولو كان في أدائه لها
ما يجرح كرامته ومشاعره , وأنت لم تتحملها فقط بل وأقدمت أيضاً على ما يعتبره
البعض ضرباً من المستحيل بالنسبة لرجل وزوج في سبيل تحمل هذه الأمانة الثقيلة ,
لهذا كله فأنت رجل شجاع ونبيل ولابد أن تعترف بذلك لنفسك وألا تبخسها حقها , فقال
وهو يتحرك إلى الباب منصرفاً :
تليفوني في نهاية الرسالة
وسأنتظر منك اتصالاً حين تتوصل إلى رأي محدد في مأساتي ..وإلى أن يحدث ذلك ..أؤكد
لك مرة أخرى أنني لست شجاعاً ..وإنما " مسئول " .. وتعيس إلى أقصى حد
بهذه المسئولية الكئيبة ..إلى اللقاء .
ثم غادر مكتبي وأنا أتابعه
بنظراتي المتأملة .. والحزينة .. وأفكر بعمق فيما سأقوله له في لقاءنا
القادم .
يا إلهي .. ماذا عساي أن
أقوله له حقاً ..أو أنصحه به ؟
هل عندك نصيحة مفيدة لي
..وله !
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر