الجناية العظمى .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

 الجناية العظمى .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

الجناية العظمى .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

قرأت رسالة الكوب المكسور للسيدة الشابة‏,‏ التي خرجت عن طاعة أبيها وتزوجت بمن تحدى إرادة الأب‏..‏ وتطلب التوسط لها لدى أبيها لكي يعفو عنها بعد أن استقرت بها سفينة الحياة الزوجية‏,‏ وأنجبت طفلا ولم تعد تأمل سوى في صفح أبيها عما فعلت لكي تهنأ لها الحياة‏..‏ ووالدها يضن عليها بهذا الصفح‏,‏ ويصر على مقاطعتها هو وكل أفراد الأسرة‏,‏ ويتعلل في ذلك بأن الكوب المكسور لا يمكن إصلاحه‏,‏ ولقد أحزنني أشد الحزن حالها‏,‏ وأستعطف والدها أن يتقبلها ويعفو عنها ويرحمها من الحزن والاكتئاب الذي تعانيه‏,‏ ويرتاح بالها برضا والدها عنها‏.

 

وعلى النقيض من ذلك فإني أروي لك قصة ابنتي التي حسدني عليها كل من عرفها‏,‏ فقد تعرفت على أستاذها بالجامعة وكان وقتها مطلقا ومعه طفل‏,‏ فرفض والدها زواجها منه وأصرت هي عليه بحجة أن من فشل في زواجه مرة‏,‏ من حقه أن يجرب حظه مرة ثانية‏,‏ وبعد عذاب طويل وافق والدها واتفق معه على كل التفاصيل من مهر وشبكة وقائمة جهاز‏..‏ إلخ‏,‏ ثم حدث بعد دخوله بيتنا بشهور أن تعامل مع زوجي بالذات بتكبر وغرور وراح يدرس شخصياتنا واحدا واحدا‏,‏ واستطاع أن يسيطر على ابنتي كلية حتى أصبحت تنقل له كل ما نقوله من آرائنا فيه‏,‏ وبالرغم من احتفالنا به عند حضوره وحفاوتنا به‏,‏ فقد راح يتدلل ويغيب عنا ثم تلهث ابنتي وراءه لكي يرضى ويتمم الزواج‏,‏ لأنها تحبه‏,‏ واستغل هو مواقف كثيرة وأراد أن يتنصل من المهر والشبكة فرفض والدها وفسخ الاتفاق‏,‏ ثم أعادته ابنتي بطريقتها مرة أخرى‏,‏ وهكذا ثلاث مرات‏,‏ وفي المرة الأخيرة أصر على عقد القران في حفلة كبيرة أنفقنا عليها الكثير وفرشنا له الشقة بأفضل الأثاث‏,‏ وكان يرسم لها ما يريد هو أن نفعله لها‏,‏ وتتحدث بلسانه ثم أتممنا الزواج بصعوبة‏,‏ وفي خوف منه‏,‏ وكان خوفنا في محله‏,‏ حيث رفض توقيع قائمة الأثاث الذي لم يدفع فيه إلا آلافا قليلة‏,‏ وقال إن البنت أغلى من الأثاث‏,‏ ووافقته ابنتي وتم الزواج وقلنا لعله يوقع القائمة بعد الزواج‏,‏ لكنه رفض بإصرار وإهانة لنا‏,‏ ورد الصفعة في رفضنا السابق له‏.

 

وسلمنا أمرنا لله‏,‏ ثم بدأنا نزور ابنتي للاطمئنان عليها فأجدها لا صوت لها ولا رأي‏,‏ ونسمع منه ما نكره‏,‏ ويقول لنا إننا بمصاهرتنا له قد نلنا الشرف العظيم‏,‏ ولم نملك غير الصبر‏,‏ وبعد زواجهما بشهور سافرا لدولة عربية ورفض أن نذهب لوداعهما أو نوصلهما للمطار‏,‏ ومن الغربة كانت الخطابات تأتي لنا بخط ابنتي ولسانه هو بالاهانات‏,‏ وتذكيرنا بما فعلنا له من جرح إحساسه حين رفضناه‏,‏ وفي الأجازة انتظرنا منهما ولو زيارة واحدة‏,‏ ولم تحدث وزرتهما وحدي وسمعت منهما كل ما كتب في الخطابات من جديد‏,‏ ولم ينس أبدا أن القائمة عندنا أهم من ابنتي‏,‏ مع أننا رضينا بذلك من أجلها‏,‏ والآن وبعد‏ 9 سنوات من الزواج مازال الحال على ما هو عليه‏,‏ وقد أنجبت ابنتي بنتا وولدا ولم نرهما‏,‏ ومازالت ابنتي وزوجها يرفضان أية محاولات منا للصلح‏,‏ وما يعذبني ويحز كثيرا في نفسي‏,‏ أنها لا تستطيع أن ترد غيبتنا ولا تبدي رأيها في شيء‏,‏ حتى مفتاح شقتها لا تتحكم فيه‏.‏

وأحس بقلب الأم أنها تعيش مهددة بالطلاق‏,‏ إذا هي لجأت لنا أو اتصلت بنا‏,‏ وأصبح والدها مريضا بأمراض العصر بسببها‏,‏ وقد جاءت في الأجازة الحالية‏,‏ وحاولنا الاتصال بها في وقت يكون زوجها فيه غير موجود‏,‏ ورجوناها أن تطلب منه أن يوافق على الاعتذار له ولها في الوقت الذي لم نخطيء فيه في شيء يذكر سوى حفظ الحقوق لها‏,‏ وكي نكون سندا لها في الحياة‏.‏
وبعد قراءتي رسالة الكوب المكسور بكيت وتمنيت أن تأتي إلي ابنتي بدون اعتذار‏,‏ فنحن متسامحون ولا نطلب منها سوى رؤياها هي وأولادها‏,‏ وقد رفضت أن تأتي أو نذهب نحن إليها للاعتذار‏,‏ ولم ترحم دموع والدها ولا دموعي أيضا‏,‏ ومن هنا فإنني أرجو من هذا الأب الذي تتمنى ابنته الصفح عنها أن يأخذها بين ذراعيه ويسامحها‏..‏ فنحن الآباء خلقنا لنسامح أبناءنا‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

تسع سنوات ولم يغفر لكم هذا الأستاذ المزعوم خطيئة رفضكم السابق له‏,‏ لأنه كان مطلقا وله ابن‏,‏ ولا محاولتكم لتأمين بعض حقوق ابنتكم المادية لديه‏!‏ وما هي الجناية العظمي في تردد الأبوين في قبول مطلق ولديه ابن لابنتهما البكر‏,‏ وكثيرون يتخوفون من مثل هذا الزواج‏,‏ لما قد يترتب عليه من مشكلات واحتمالات تنعكس بالسلب على حياة الابنة في المستقبل؟
ولماذا التكبر والغرور والاستعلاء على أسرة قبلت به في النهاية‏,‏ وتجاوزت عن ظروفه الشخصية‏,‏ وحاولت قدر اجتهادها تأمين مستقبل ابنتها‏,‏ وأين هو الشرف العظيم في مصاهرة من يستبيح لنفسه أن يحرض ابنة على قطيعة رحمها ومباعدة أبيها وأمها‏,‏ ضاربا عرض الحائط بتعاليم دينه والقيم الإنسانية والأخلاقية جميعها‏,‏ وكيف تستجيب له ابنتك فتقاطعكم تسع سنوات حتى الآن‏,‏ وترفض زيارتكم لها‏,‏ وتأبى عليكم حتى الاعتذار لها ولزوجها المتجبر عن سابق رفضكم له أو تشددكم معه؟

وعم يكون الاعتذار في هذه الحالة‏,‏ هل تعتذرون عن عاطفتكم الأبوية والأمومية تجاه هذه الابنة العاقة‏,‏ التي لا تستحق سعيكم إليها ولا حزنكم على مباعدتها لكم استجابة لطاعة مخلوق في معصية الخالق؟
يا سيدتي لا تعتذروا لهذه الابنة الضالة‏,‏ ولا لزوجها المتكبر‏,‏ ولا تريقوا ماء وجوهكم في طلب رضا من يغريهم الضعف العاطفي معهم بالمزيد من الجفاء والابتعاد والاستعلاء‏,‏ ودعوهما لربهما يحاسبهما أشد الحساب على ما جنيا في حق الأبوين والأهل‏..‏ وعلى خطيئة قطيعة الرحم‏..‏ ولتتحمل هي عواقب اختيارها وحرمانها لنفسها من عز حب الأبوين لها‏,‏ ودعمهما النفسي لها‏..‏ فما يأبى الكرامة إلا لئيم كما يقول المثل العربي‏..‏ ولقد أردتم إكرامها بعز الأهل ودعم الأبوين فأبت الكرامة‏..‏ واختارت القطيعة‏,‏ وفي ذلك عقاب كاف لها‏,‏ فضلا عما ينتظرها من غضب السماء إن لم تسرع بتدارك الأخطاء قبل فوات الأوان‏.‏

رابط رسالة الكوب المكسور

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2001

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات