وجه الزوج .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998

 

وجه الزوج .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998

وجه الزوج .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998

قديما قال الشاعر الألماني الأعظم جوته: "إن الزوجة إذا كانت وفية ومخلصة وعطوفا ورقيقة ومعطاءة فإن حبها يظهر في وجه زوجها الباسم المشرق" .. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن وجه الزوجة إذا كان زوجها كذلك .
عبد الوهاب مطاوع

قد تكون مشكلتي بسيطة بالقياس بما يرد إليك من مشاكل لكنها بالرغم من ذلك تؤرقني جدا، وقد وجدت زملاء وأصدقاء كثيرين يعانون مثلي منها لكنهم يجدون حرجا بالغا في الحديث عنها.

فأنا رجل في بداية الأربعين اشتغل منصبا جامعيا مرموقا، وموفق والحمد لله في عملي الجامعي والخاص وميسور الحال وعلاقاتي الاجتماعية طيبة ومتعددة بحكم المهنة، وقد تزوجت منذ ثماني سنوات بعد خطبة سريعة، حيث كنت وقتها اعمل خارج مصر، ولحقت بي زوجتي سريعا، وعشنا حياة هانئة ورزقنا الله بالبنين والبنات، والحقيقة أن زوجتي من النوع الهادي، في كل شيء، وهذه هي بداية المشكلة ففي بداية سنوات الزواج كانت علاقتنا الخاصة جيدة جدا، ثم منذ حوالي أربع سنوات أصاب زوجتي فتور في بعض النواحي التي لا تكتمل إلا برغبة الطرفين، وهي من الناحية الصحية والمعيشية طبيعية جدا وتمارس الرياضة ومتفرغة من عملها لشئون البيت والأولاد، وعملا بالآية الكريمة التي تقول "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثکم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم"، فكل ما يمكن عمله من الأساليب النفسية والعاطفية لاستحثاث الطرف الأخر يذهب أدراج الرياح، وقد تحدثت إليها في الأمر بطريق غير مباشر بلا فائدة لكني لم أرغب في استشارة الأطباء أو الطبيبات نظرا لحساسية الموضوع ولأن ذلك قد يؤذيها ويأتي بنتائج عكسية.. وأنا بصراحة "مش ناقص".

 

وبالمناسبة فإن شئون البيت ليست مرهقة إلى الحد الذي يمكن أن يكون سببا حيث تساعدها فيها مربية، ولهذا فقد يكون البديل هو الزواج الثاني، وقد فكرت فيه مليا وإمكاناتي والحمد لله تسمح به، لكني غير متحمس له نظرا لتبعاته الاجتماعية والأسرية، والمشكلة تتزايد بشكل مزعج حتى أصبحت العودة إلى البيت مقترنة عندي بالشعور بعدم السرور، وذات مرة تحدثت معها بصراحة تامة في هذا الأمر فوجدتها غير مدركة تماما لانزعاجي له ووعدتني بأن تكون أكثر إيجابية، لكن ذلك لم يحدث ومازال الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى بريد الجمعة لطلب النصيحة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

مشكلتي عمرها حوالي ثلاثين عاما وحتى الآن لم يتم حلها حلا نهائيا، ولقد تشجعت على الكتابة لك عنها عندما قرأت في بريد الجمعة عن موضوعات يعانيها بعض الأزواج، فأنا أستاذ جامعي حين عدت من أمريكا حاصلا على الدكتوراه تزوجت من مصرية جميلة ومتعلمة ومثقفة ومتدينة ومن عائلة محترمة واكتشفت في بداية الزواج ولعدة سنين تالية أن احتياجاتي العاطفية والحسية أكبر بكثير من احتياجات زوجتي، ولقد حرصت طوال رحلة زواجي دائما على أمرين: الأول هو الإخلاص لزوجتي تماما والثاني هو عدم التفكير في الزواج من أخرى، ونتيجة لذلك فقد عانيت من جراء هذه المشكلة معاناة لا يمكن تصورها ونصحني البعض بممارسة بعض التمثيليات التي تؤجج مشاعر زوجتی تجاهي، لكني لم اقتنع بذلك لإيماني دائما بالطريق المستقيم ولقد تعثر زواجنا عدة مرات بسبب ارتفاع الصوت تارة أو العتاب تارة، لكني اكتشفت على أية حال أنه لابد من إعطاء جرعات إنسانية و عاطفية لعلها تقنع الزوجة باحتياجاتی المشروعة.. وأنا أقرأ في بابك كثيرا عن خيانة بعض الأزواج لزوجاتهم.. وغدر البعض الآخر بالزوجات والزواج من أخريات عليهن سرا أو علانية، ولكن ماذا عن "زهد" بعض الزوجات.

بالرغم من كل المحاولات والتجارب وماذا عن مسئوليته عن اتجاه بعض الأزواج للزواج الثاني؟؟

 

ولكاتبي هاتين الرسالتين أقول:

نشرت رسالتيكما معا بالرغم من التباين الواضح في العمر وفترة الزواج بينكما.. لأنه ينبغي ألا نواصل تجاهل المشكلة التی تعكسها الرسالتان على الرغم من خطورة أثرها على الزواج، فالحق أن الزواج الذي يتجاهل مشاكله أو يفتقد بعض مقوماته الأساسية يتحول تدريجيا من زواج بالمعنى الحقيقي للزواج إلى مجرد مساكنة ومعايشة تحت سقف واحد بين طرفين بينهما من التباعد النفسي والجهل المتبادل باحتياجات كل منهما ما يحيل الزواج عمليا إلى ما يشبه جذع الشجرة التي التهم النمل الأبيض جوفها فظل يحمل شكلها الخارجي لكنه لا يؤدي وظائفها ولا ينبت الخضرة من حوله ولا يصمد لهبات الريح.

 

 ولقد تساءل الكاتب الفرنسي جول مشليه ذات يوم، ما الزواج؟.. ثم أجاب على تساؤله: اتحاد في الأهداف والنشاط والتجربة بين رجل وامرأة.

ومشكلة بعض الزيجات أننا قد نلمس فيها بيسر اتحاد الأهداف في الحفاظ على الأسرة وإسعاد الأبناء وتحقيق الطموحات المادية والاجتماعية، ولا نلمس فيها بنفس اليسر في بعض الأحيان مثل هذا الاتحاد في النشاط العاطفي والحسي، كما لا نلمس فيها كذلك اهتماما متبادلا لدى الطرفين أو أحدهما بتلبية الاحتياجات العاطفية والحسية للطرف الآخر.. وبالرغم من المبالغة المسلم بها فيما يقوله عالم نفسي شهير كالدكتور جون واطسون من أن الغريزة الحسية هي أقوى مقومات الحياة ، وإليها يرجع معظم شقاء البشر رجالا ونساء إلا أنه من المسلم به أيضا أن للغريزة دورها الكبير في حياة البشر، وأنه من الحمق تجاهلها أو إنكارها.. والحق أن زهد أحد الطرفين في النشاط الحسي مشكلة حقيقية تهدد الوفاق الزوجي ، وقد تفتح الباب للتطلع إلى الإشباع الخارجي للاحتياجات الملحة للطرف المحروم إلا من عصم ربك.. ولهذا فإنه من الغباء البشري الجهل بالطبيعة الإنسانية واحتياجاتها أو تجاهلها والتعامي عنها.

 

 وأهم أسباب ذلك هو الخطأ المتبادل بين الطرفين في بعض الأحيان في تفسير احتياجات كل طرف .

والخطأ الآخر الذي لا يقل شأنا وخطورة وهو اعتبار النشاط الحسي في الزواج أمرا غير قابل للتحقق إلا بالتوافق مع الرغبة الذاتية للطرف الآخر في كل الأحوال، ذلك أنه ينبغي له أن يتجاوز في بعض الأحيان مفهوم التمتع إلى مفهوم الإشباع والإعفاف والتحصين والحماية للطرف الآخر كذلك بمعنى أن يكون في بعض الأحيان عطاء ، كما يكون في أحيان أخرى تمتعا ذاتيا وتجاوبا متبادلا وتكافؤا في الرغبات.

 ومن اکبر الأخطاء الشائعة في هذا الشأن تعامل كل طرف مع الطرف الآخر بافتراض أن احتياجاته تماثل احتياجات الأخر تماما، ومادام هو راض ومرتو، فلابد أن يكون الطرف الأخر كذلك، وهذا غير صحيح في معظم الأحيان، لأن هناك تفاوتا بالفعل في الاحتياجات العاطفية بين الرجل والمرأة لصالح الرجل في الأغلب الأعم، وينبغي للمرأة التي تريد حقا أن تملأ كيان زوجها وتحتله من الداخل أن تشبع احتياجاته الأساسية منها بدافع التمتع والرغبة المتكافئة في بعض الأحيان، وبدافع الإرضاء والعطاء في أحيان أخرى.. وينبغي للرجل أيضا أن يفعل نفس الشيء إذا كان الميزان مائلا إلى ناحية الزوجة، ووجدت لديها من موضوعية التفكير ما يعينها على الإفصاح عن رغباتها بلا حرج.

 

 وفي ذلك يقول الروائي الأشهر جی. دی. موباسان: حين يتحاب اثنان فلن يسعدهما شيء  أكتر من المنح والعطاء ، فيعطى المحب أفكاره وحياته وجسمه وكل ما يمتلك ويشعر بلذة المنح، ويستقبل من حبيبه عطاءه بلذة أقل مما يشعر به وهو يعطي له. ولا شك أن انتظام النشاط الحسی بغض النظر عن دوافعه لابد أن يصل بالطرفين في النهاية إلى التجاوب المتبادل الذي يجعله عطاء وأخذا بعد حين، ولا شك أن المكاشفة، وطرح كل جوانب العلاقة الزوجية للمناقشة بصراحة وموضوعية بين الزوجين لابد أن يؤدي إلى التوصل إلى صيغ مناسبة لها، وهو أفضل كثيرا من تجاهل المشاكل ومكابدتها في صمت تشكي منها إلى ما لإ نهاية، وليس مما پعيب أحدا أن يطلب المشورة الطبية المناسبة في هذا الشأن سواء بالنسبة له أو لزوجته، لكن العيب كل العيب هو أن نرى النمل الأبيض ينخر في بنيان الزواج ونبادر بالدفاع عنه وحمايته قبل أن ينهار أو يتحول إلى شكل أجوف.

 

وفي كل الأحوال فإن من يتجاهل رغبات شريكه في الحياة ويربطها فقط باعتباراته وحده لا يبرئ نفسه من الأنانية، ولا من المسئولية عن هذا الشريك إذا ألح عليه الحرمان.. فلجأ إلى ما لا يحب ولا يرجوه لنفسه.. وقديما قال الشاعر الألماني الأعظم جوته: "إن الزوجة إذا كانت وفية ومخلصة وعطوفا ورقيقة ومعطاءة فإن حبها يظهر في وجه زوجها الباسم المشرق" .. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن وجه الزوجة، إذا كان زوجها كذلك.. وشكرا.

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1998

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات