الموت البطئ .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000
ما
لا يدركه البعض وهم يمضون
إلى تحقيق رغباتهم الشخصية والاستجابة إلى أهوائهم الخاصة هو أن دائرة من يتأثرون
بهذه الأهواء قد لا تقتصر في كثير من الأحيان على الزوجة والأبناء وحدهم, وإنما
قد تتسع كذلك لتضم الأهل والأبوين اللذين يشقيان باضطراب حياة الأبناء, وقد ظنا
من قبل أنها قد استقرت بالزواج والإنجاب.
عبد الوهاب مطاوع
ليس
ما أكتب لك عنه هو مشكلتي الشخصية.. لكنه يؤرقني ويفسد علي أوقاتي.. فأنا أم
وكنت أتمنى أن أحيا ما بقي لي من عمر في هدوء, لكن ابني الرجل الناضج والأب
لأبناء صغار والزوج لزوجة طيبة للغاية وتحمل مؤهلا عاليا ولم تعمل بناء على رغبة
زوجها, ابني هذا, قد تعرف على فتاة تصغره بعشرين سنة, وفعلت المستحيل لأبعده
عنها, لكنه رفض بإصرار, وانتهى الأمر بزواجه منها, ولقد عرفت زوجته
بزواجه, وهي الآن تموت موتا بطيئا, وفي حالة بكاء مستمر ولا أستطيع أن أقدم
لها شيئا سوى المواساة, وسوى أن أحزن لها حزنا شديدا, ولقد تكلمت مع ابني مئات
المرات ولكن بعد فوات الأوان, وهو يقول إن زوجته ستظل في بيتها ومع أبنائها وأنه
سيعدل بينها وبين الأخرى التي اتخذ لها سكنا آخر, ويريد مصارحة أبنائه بخبر
زواجه.. وزوجته ترفض ذلك خوفا عليهم من ذلك لصغر سنهم... وابني سوف يضطر
بالطبع لأن يقضي بضعة أيام كل أسبوع مع زوجته الجديدة.. فكيف يبرر غيابه لأبنائه
خلال هذه الأيام.. وكيف يفهمون هذا الغياب وهو ليس مسافرا ولا في عمل.
إنني أكتب لك هذه الرسالة
وقلبي يتمزق بالألم لزوجة ابني المسكينة, فهي حائرة في أمرها, ولا تعرف ماذا
تصنع مع زوجها القاسي العنيف.. هل تطلب الطلاق منه, وهبها فعلت ذلك, فماذا
بعد أن تحصل على الطلاق وهي بلا سند في الحياة.. أم هل تقيم مع أولادها إلى
جانبي ويتولاها ربها.. أم ماذا تفعل؟
إنني استحلفك بالله أن تشير على هذه الزوجة البائسة.. وأن تخاطب ابني وتطب منه
أن يرعى الله في زوجته وبيته وأبنائه الذين يحتاجون إليه في هذه المرحلة من العمر
وهم الأطفال الأبرياء .. وشكرا لك.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ليس في مقدورك يا سيدتي للأسف أن تفعلي لزوجة ابنك أكثر مما فعلت من التعاطف معها والرثاء لحالها.. واستنكار زواج ابنك من غيرها ومحاولتك إثناءه عنه دون جدوى .. وما لا يدركه البعض وهم يمضون إلى تحقيق رغباتهم الشخصية والاستجابة إلى أهوائهم الخاصة هو أن دائرة من يتأثرون بهذه الأهواء قد لا تقتصر في كثير من الأحيان على الزوجة والأبناء وحدهم, وإنما قد تتسع كذلك لتضم الأهل والأبوين اللذين يشقيان باضطراب حياة الأبناء, وقد ظنا من قبل أنها قد استقرت بالزواج والإنجاب. لهذا نقول دائما إن اختيار الزوجة والأم واختيار
الزوج والأب لحياة كل منهما بعد الزواج لابد وأن يضع في الاعتبار كل الأعزاء الذين
يتأثرون سلبا وإيجابا بما يطرأ على حياتهم الشخصية من تغيرات, لأن الاستجابة
للهوى العابر أو النزوة الطارئة.. تنعكس على حياتهم وسعادتهم الخاصة بنفس القدر
إن لم يكن أكبر.
وبعد ذلك فلعلي أقول لزوجة
ابنك إن ضيق دائرة البدائل المتاحة أمامها في هذا الموقف العصيب الذي تواجهه لا
يدع لها للأسف مجالا واسعا للاختيار, فهي إن لم تقبل بالأمر الواقع واستمرار
الحياة مع زوجها بعد زواجه من الأخرى, فلن يكون أمامها سوى طلب الطلاق منه
واحتضان أبنائها.. وتكريس حياتها لهم.. أو بدء حياة جديدة بعد حين مع إنسان
آخر, وفي الحالة الأخيرة سيدفع الأبناء الثمن المضاعف لاختيار الأب لسعادته
الشخصية واختيار الأم لحياتها الخاصة.. وفي تقديري أن الخيار الخاص ببدء حياة
جديدة لزوجة ابنك بعد انفصالها عنه ليس واردا في حساباتها للمستقبل.. لهذا فإن
الاختيار سوف ينحصر لديها بين القبول بالأمر الواقع على مضض ومحاولة تحجيم
الخسائر.. والتمسك بمبدأ فلننتظر لنرى ماذا ستحمل إلينا أمواج الحياة, وبين
رفض الأمر الواقع والإصرار على الطلاق وتكريس الحياة للأبناء.
وفي كل الأحوال فإن الاستسلام للموت البطيء والبكاء المستمر لن يغير من الواقع ولن
يجدي شيئا سوى مضاعفة الخسائر النفسية والعاطفية والعائلية بإضافة الخسائر الصحية
إليها, كما أن الانسحاب من حياة الزوج في مثل ظروف زوجة ابنك قد يكون تسليما
مبكرا بالهزيمة.. فلماذا تلقي بأسلحتها من الطلقة الأولى بلا مقاومة.. ولقد
يكون الفوز النهائي في المعركة حليفها إن هي صمدت للتحدي.. وأفاق الزوج من غفوته
الطارئة بعد حين؟
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر