العطاء المتبادل .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001
أريد أن أكتب تجربتي لصاحبة
رسالة (الإحساس القديم) التي تشكو من مخاوفها من عودة زوجها الثاني الذي
تزوجته بعد وفاة زوجها الأول إلى مطلقته لينشأ طفله بين أبويه, فلقد عشت تجربة
مماثلة وتزوجت زوجي الثاني بعد طلاقي من الأول الذي سلبني كل أموالي وضم ابني إلى
حضانته عند بلوغه السن القانونية ورغبت أمي في أن أعطي نفسي فرصة ثانية للسعادة,
فوافقت على الزواج من شاب كان متزوجا وله ولدان تركهما لزوجته لصغر سنهما, وعشت
مع زوجي في سعادة رائعة لأول مرة في حياتي أعرفها وأعرف معنى "ومن آياته
أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"..
وتمسكت بحقي في السعادة بكل ما أوتيت من قدرة, لكني كنت ألاحظ على زوجي لحظات
شرود وحزن بل وأحيانا بكاء على فراق ولديه, ومع
محاولاته المستمرة لتقديم المحبة والصداقة والعطاء لي ولابني فقد أحسست أن من
واجبي أن أرد له عطاءه بعطاء مماثل يشعره بالسعادة كما منحني أنا وابني الحب
والأمان, وهكذا فقد سعيت لعودة ابنيه إليه, لكي تعم السعادة على الجميع..
وازدادت سعادتي بعد أن أصبحت الابتسامة تملأ وجهه وهو يحكي عن حياته معهما بالرغم
من أن أمهما لم تجلب له السعادة بل التعاسة كعادتها.. وكلما اختلف معها أحاول
جاهدة أن أخفف عنه ما يلاقيه معها لكي ينشأ الولدان بين أب وأم, وهو الحق الذي
حرمني منه والد طفلي بقسوته وجشعه وسوء خلقه, وأقول لكاتبة الرسالة إنه إذا كان
القدر حرم أبناءها من أبيهم فلا تفعل هي نفس الشيء بولد لا ذنب له وعليها أن تتأكد
من أن الله سبحانه وتعالى سيرضى عنها أكثر لو تعالت على رغباتها الذاتية وسعت
لإسعاد الجميع.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
جميل أن تعم السعادة الجميع .. لكنه حلم مستحيل عمليا لتعارض أسباب السعادة لدى البشر في بعض الأحيان إذ كثيرا ما يكون ما يسعد إنسانا هو نفسه ما يشقي غيره . . كما هو الحال في أي نزاع بين طرفين, حيث يمثل انتصار أحدهما وسعادته به هزيمة الآخر وشقاءه بها, لكن المؤكد أن هناك بالرغم من ذلك مساحة عريضة من العلاقات الإنسانية تتسع لسعادة أطرافها جميعا دون أن يتعارض ذلك مع أمنيات البعض ومحاذيرهم خاصة إذا اتسموا بالفهم الإنساني العميق للحياة والقدرة على الاستعلاء على النوازع الأنانية الضيقة.. والرغبة في اقتسام السعادة مع الغير.وقديما قال أحد الحكماء إن السعادة الحقيقية هي أن تشارك السماء في إسعاد الآخرين.
وكل عطاء يقدمه الإنسان بسماحة قد يبعث في نفسه من السعادة أكثر مما يبعثه منها في نفس من يتلقاه.
وأنت يا سيدتي قد أدركت هذه الحقيقة وسموت فوق اعتباراتك الذاتية لتسعدي من تحبين جزاء وفاقا له على إسعاده لك وعطائه المخلص لأبنيك, فلا عجب في أن يكون العطاء متبادلا.. ومتواصلا إلى مالا نهاية بإذن الله.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2001
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر