الضريبة الباهظة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2004
أنا شاب مصري عمري40 عاما
سافرت منذ 15 عاما إلى فرنسا.. وبعد فترة قصيرة من اغترابي تعرفت على فتاه
فرنسية وتزوجنا وأنجبنا ولدا وبنتا هما كل حياتي الآن.
وفي بداية الزواج كنا نعيش
في استديو صغير أي في شقة من غرفة واحدة ضيقة وحمام ومطبخ, فعملت بجد واجتهاد
لمدة 12 ساعة يوميا وعلى مدى 7 أيام كل أسبوع بلا راحة حتى وفقني الله في
الانتقال بأسرتي إلى شقة أكبر.. وواصلت العمل بعد ذلك بنفس الجد حتى تمكنت بفضل
الله من الانتقال إلى فيلا بحديقة كبيرة أقيم فيها الآن.
وبالطبع فقد كانت هنا في
بداية الزواج مشاكل شهدتها حياتي مع زوجتي مثل اهتمامها الزائد بالرجيم والأجازات وإهمالها
لكل شئون البيت, وبعد محاولات فاشلة لدفعها للاهتمام
بالبيت, حاولت أن أحثها على ذلك بأسلوب آخر, فكنت أرجع من عملي الشاق جدا
مهدودا فلا أركن للراحة, وإنما أبدأ في أداء الواجبات المنزلية التي لم تؤدها
زوجتي, مؤملا أنها حين تراني أفعل ذلك مع إرهاقي الكامل سوف تتحرك وتؤدي بقية
الواجبات وتعفيني من العناء, فكانت النتيجة أن استمر هذا الوضع 14 عاما حتى
الآن.. أرجع من عملي الشاق إلى البيت فأقوم بالواجبات المنزلية, وإن لم أفعل
ذلك, فلا طعام لنا ولا نظافة للبيت ولا اهتمام بالأبناء, وزوجتي لا تعرف شيئا
سوى إعداد وجبات الرجيم لنفسها والقراءة في المجلات والإعداد للأجازة القادمة,
ولقد حاولت معها بكل الطرق أن تهتم بالبيت وشئون الأسرة والواجبات المنزلية دون جدوى,
وكانت عقب كل مناقشة من هذا النوع تغضب وتمنعني من نفسها, ولولا أنني رجل متدين
وأؤدي الفروض الدينية وأقوم بالحج سنويا لربما كنت قد انحرفت.
والآن وبعد 14 عاما من الزواج استطيع أن أقول
لك أنني لم أعش مع زوجتي هذه يوما واحدا هانئا ــ وإن كل حياتي معها كانت ومازالت
عملا في عمل, في المهنة الشاقة التي أمارسها.. وفي البيت بعد العودة لإعداد
الطعام لنا والاهتمام بالأولاد, وكل الفنون المنزلية التي تعرفها زوجتي هي طلب
الطعام من أي مطعم بالتليفون! ولا شئ آخر.
لقد نصحني أصدقائي القريبون
مني ويعرفون ما أعانيه بأن أتزوج, والحق أنني أشعر أني في حاجة بالفعل إلى
الزواج لأني أعتبر نفسي لم أتزوج بعد, مع أن زوجتي سعيدة للغاية بحياتها معي,
وحين أهددها بأنني سوف أتزوج لا تهتم بتهديدي
لأنها تعرف مدى تعلقي بأولادي, وأنا أريد أن أتزوج فعلا يا سيدي, فهل أتزوج
مصرية وأصطحبها معي إلى فرنسا, أم هل أبقيها في مصر وأرجع إليها كل شهر أو شهرين
مثلا, مع مراعاة أنني لا أستطيع أن أستغنى عن أولادي لحظة واحدة ولا آمن زوجتي
عليهم أبدا, فبماذا تنصحني وهل تساعدني في الزواج من مصرية علما بأني ملتزم
دينيا وظروفي المادية جيدة؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
سمحت لي الظروف بالاقتراب من تجارب أصدقاء مصريين تزوجوا من فرنسيات كما فعلت أنت.. ومن واقع خبرتي الشخصية أستطيع أن أقول إن زوجتك الفرنسية قد تغفر لك أي شئ تفعله إلا أن تتزوج عليها امرأة أخرى, وأنها, بمجرد أن تعرف بأمر هذا الزواج أو تكتشفه سوف تقاتل بضراوة ليس لإجبارك على طلاقها كما قد تظن, وإنما لكي تحصل على الطلاق منك حتى ولو لم يكن لها مورد تستطيع الاعتماد عليه بعد الانفصال, كما أنها سوف تتمسك بضم أبنائها إليها حتى ولو كانت قد أهملت شئونهم خلال حياتها الزوجية معك وسيساعدها القانون في بلادها علي ذلك.
فإذا كنت لا تأمنها على
أبنائك إذا انفصلت عنها وهو ما سيحدث حتما إذا اكتشفت أمر زواجك, فإنك بذلك
تعرضهم للقلاقل والاضطراب نتيجة لتعذر إشرافك الكامل عليهم بعد الانفصال, ولعدم
كفاءة أمهم وعجزها عن رعايتهم على النحو المطلوب, وبذلك لا يصبح هناك مجال
لتحقيق رغبة الزواج إلا إذا نجحت في تكتمه عن زوجتك.. والسؤال هو, إلى متى سوف
تستطيع التخفي بأمر زواجك الثاني عن زوجتك فلا تعلم به ولا تستشعر التغير الذي
سيطرأ علي حياتك بعده؟ وماذا سيكون من أمرها معك حين تكتشف سره؟
لقد لجأ بعض زملائك الذين
واجهوا نفس الظروف, إلى الزواج في مصر وتأسيس بيت للزوجية يترددون عليه كل حين,
إلى جانب بيت الزوجية الأصيل في فرنسا, وهو عناء مضاعف, فهل أنت مستعد له..
وهل لديك من فائض الطاقة النفسية ما تبدده في تكتم سر زواجك بمصر عن زوجتك
الفرنسية وأبنائك, وفي الاحتراز لكل كلمة أو تصرف أو إشارة تصدر عنك لكيلا ينكشف
السر المكتوم.
وهل لديك فائض آخر من الجهد
النفسي تبذله في إرضاء الزوجة الأولى لكي تظل مستنيمة لاطمئنانها إلى أنك لا يمكن
أن تتزوج عليها ذات يوم, وفي إرضاء الزوجة الثانية وإشعارها بتميزها وأفضليتها
لكي تصبر على غيابك لفترات طويلة عنها, ورفضك لاصطحابها معك إلى حيث تعمل وتقيم؟
وماذا تفعل لو كانت الزوجة
الثانية طموحا أو شديدة الغيرة أو صاحبة تطلعات مادية واجتماعية وأصرت على أن يكون
لها مثل ما لزوجتك الأولى من إقامة في فرنسا وفيلا لها حديقة.. وعدل في المبيت
لديها ليلة بعد أخرى؟
إنه طريق محفوف بالأشواك
والقلاقل.. ولم يسر فيه أحد بغير أن يتكبد ـ راضيا أو ساخطا ـ ضريبته الحتمية من العناء
والجهد والتكاليف مهما تكن مهارته!
فهل أنت على استعداد لدفع
هذه الضريبة الباهظة؟
وهل ما تشكو منه وتنكره على
زوجتك وربما كنت قد ألفته ولم يعد يشكل لك مشكلة ملحة يستحق عناء التمزق بين
زوجتين, والقلق على أبنائك لاحتمال حرمانهم من رعايتك الكاملة. واستقلال أمهم
بهم دونك إذا علمت بزواجك؟
إنه قرارك واختيارك..
ففكر في الأمر رويا.. وأبلغني بما يستقر عليه رأيك إن شاء الله.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2004
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر