التوازن الصعب .. رسالة من بريد الجمعة عام 2004
أنا فتاه عمري 33 سنة,
جامعية وعلى مستوى اجتماعي وثقافي ومادي فوق المتوسط, والدي طبيب ووالدتي موجهة
لغة انجليزية وأخي وأختي جامعيان وأنا اصغر إخوتي, وقد ولدت بإحدى الدول العربية
حيث كان يعمل والدي ووالدتي وعشت هناك أجمل سنوات عمري حتى حصولي على الثانوية
العامة بمجموع كبير وعدت إلى مصر والتحقت بجامعة القاهرة وتخرجت فيها.
ومنذ 3 سنوات جاءت لي فرصة
للعمل كسكرتيرة تنفيذية لمدير مشروع بشركة أجنبية بإحدى المدن البعيدة, وبعد
معارضة واختلاف في وجهات النظر مع الأسرة كلها استطعت السفر والعمل هناك لكي أثبت لنفسي
قدرتي على العمل في أحلك الظروف ولكي اعتمد على نفسي وأكون شخصية مستقلة, وبعد
فترة أحببت زميلي في العمل هناك بعد أن التقت نظراتنا منذ
أول يوم التقينا فيه وصارحني بحبه وطلب مني الزواج, واعترفت له بحبي ولكني خشيت
رفض والدي له نظرا لضعف إمكاناته المالية وعلينا تأجيل مشروع الزواج حتى يستطيع
تحسين ظروفه المالية, وتعمق حبنا مع الأيام, وأصبحنا لا نستطيع أن نفترق عن
بعضنا, ولعدم قدرتي على فعل الحرام وخشيتي من أن أفعل أي شيء يغضب الله ونتيجة
لحظة اندفاع غير محسوبة العواقب فقد تزوجنا عرفيا, ولم أكن أعلم في ذلك الوقت أن
زواج البكر حتى ولو كانت كبيرة السن لا يجوز بغير ولي, وعشنا أنا وزوجي أياما
غير محسوبة من الزمن وكانت أجمل أيام عمرنا وأقمنا معا بعد أن أخبرنا80% من
زملائنا بالعمل بحقيقة زواجنا كما علم أهله جميعا بالخبر وكذلك أصدقائي ولكن لم
نحجب حقيقة زواجنا سوى عن أهلي.
وبعد انتهاء المشروع هناك
وعودتنا إلى القاهرة بفترة أخبرتني صديقتي أنها شاهدت أحد الدعاة يقول في
التليفزيون أن الزواج بدون معرفة الولي يعتبر باطلا وبالتالي وبناء على اتفاق مع
زوجي توقفت تماما العلاقة الزوجية بيننا ولكن ظللنا على حبنا وتعاهدنا على أن نكون
لبعضنا إلى النهاية وعلى أننا سنتزوج عندما تتحسن الظروف ويجد فرصة عمل مناسبة,
ولم يكن حتى ذلك الوقت قد وجدها, وحين وجد العمل واستطاع تحسين ظروفه وبدأنا
الاستعداد ليتقدم لأهلي ويطلب الزواج مني علم والدي بأمر زواجنا نتيجة لتفاصيل كثيرة
لا أستطيع ذكرها الآن, وكانت كارثة الكوارث بجميع المقاييس إذ لا تتخيل
مدى ما نالني من كل أفراد العائلة كما أقسم والدي بأنه لن يزوجني شرعيا من زوجي
وحبيبي ما حييت حتى ولو كان آخر رجل في الدنيا, وبأنني لو أردت الزواج منه فيجب
أن أترك المنزل وسيغضب علي إلى يوم الدين, وأنه حتى يستطيع أن يسامحني بمرور
الزمن فعلي أن ألازم المنزل وأنسى هذا الشخص تماما حتى أكفر عن ذنبي وحتى يقضي
الله في أمرا كان مفعولا.
وأنا الآن لا أستطيع
الاختيار فكلا الاختيارين مر كالعلقم, لأنه يخيرني بين أن أبتر يدي اليمني أو أن
أبتر يدي اليسرى, فأنا وزوجي نحب بعضنا ونريد الزواج شرعيا أمام كل الناس وان
نواصل حياتنا معا, ووالدي يرفض ويتوعدني بالويل والثبور وعظائم الأمور لو فعلت
ذلك وخرجت على طاعته. وحتى بعد أن اتصلنا بدار الإفتاء أنا وابنة عمتي وأخبرنا
الشيخ بأن الشرع يحتم علينا الزواج وبعد أن التجأت لكل أفراد العائلة وحاولوا
إقناعه بلا جدوى مازال والدي مصرا على موقفه ولا يتراجع عنه, وبعد فترة قرر أنه
من الممكن أن يزوجني من حبيب عمري على أن يطلقني منه في اليوم نفسه, ولكنني رفضت
ورجوته أن يسمح لي بالزواج منه وألا يغضب علي, وألا يدعو علي بالشر كما يفعل,
ولكن بلا فائدة فهو لا يريد أن يتزحزح عن موقفه.
إنني أرجوك أن تتحدث إلى
والدي وتحاول إقناعه بأن يسامحني ويغفر لي خطيئتي في حقه وحق أخي وحق الجميع,
وأخبره بأنني نادمة أشد الندم على ما فعلت في حقه وأنني أدعو الله في كل صلاة أن
يسامحني ربي ويسامحني والدي, وأرجوك
أن تناشده بأن يكرمني ويرضى بزواجي ويدعو لي بالخير وألا يغضب علي لعل الأيام تثبت
له أن زوجي إنسان أمين وسأكون سعيدة معه, فهل تفعل؟.. إنه يقرأ لك ويقتنع
بآرائك فهل تكتب له كلمة؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
أسأت إلى نفسك وإلى أبيك وأهلك بإقدامك على هذه الخطوة المصيرية بعيدا عن الأهل وبغير إذن وليك الشرعي أو قبوله, فلماذا أقدمت عليها وأنت تدركين جيدا ما سوف يترتب عليها من تبعات ومشكلات؟ولماذا لم تصبري على نفسك إلى أن يتقدم إليك فتاك بالسبل المألوفة وينجح في تذليل الصعاب التي تعترض طريق ارتباطه بك؟
إنك لست فتاة غرة في الثامنة عشرة من عمرها وإنما فتاة ناضجة تخطت الثلاثين, وكان من واجبك أن تسلكي الطريق المألوف للزواج والارتباط, وليس طريق الزواج العرفي السري بالنسبة للأهل, ووالدك محق بكل تأكيد في غضبه منك واستشعاره لجرح الكرامة والخروج على طاعته, لكني بالرغم من ذلك سوف أحاول أن أخاطب فيه الأب العادل الذي قد يغضب على بعض أبنائه, وقد يرضى عنهم, لكنه في الحالين هو دائما من أهل الفضل الذين قال عنهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أنهم إذا رضوا لم يدخلهم الرضا في باطل, وإذا غضبوا لم يخرجهم الغضب عن حق, وإذا قدروا عفوا.. نعم يا سيدي وإذا قدروا عفوا فهذا هو قدر الآباء الرحماء دائما قد يغضبون لكنهم أبدا لا يسمحون لغضبهم أن يصل إلى حد الانتقام, وقد يتألمون لكنهم أبدا لا يسمحون لآلامهم أن تحرم أبناءهم مما يرون فيه سعادتهم وهناءهم حتى ولو لم يرضوا عن بعض اختياراتهم في الحياة, ولا يستجيبون لانفعالات الغضب وجرح الكرامة إلى النهاية, وإنما يتعالون بعد قليل على جراحهم ويضحون ببعض اعتباراتهم, ويواصلون العطاء لأبنائهم, وهم يحتسبون عطاءهم هذا عند ربهم, ولأنه من أهل الفضل هؤلاء, فإنني أناشد أباك أن يكتفي من العقاب لك على فعلتك هذه بما مضي من الرفض والاستنكار, وأن يعيد النظر في موقفه من ارتباطك بهذا الشاب, ويحقق التوازن الصعب بين الاعتبارات العائلية والاجتماعية التي يحرص عليها, وبين رغبتك فيمن تريدين مشاركته رحلة الحياة, وليس ذلك بالأمر السهل لكنه أيضا ليس بالمستحيل على أهل الفضل من الآباء.
وإني لأرجو ألا يرد رجائي
وألا يطول الانتظار حتى يقرر الاكتفاء بما حدث حتى الآن, ويمنحك مباركته
لاختيارك مهما تكن تحفظاته عليه.. ويدع لك الفرصة لخوض التجربة في العلن وفي
ظلال مباركة الأهل وتحت أنظارهم وليس بعيدا عنهم.. أو وأنت مقطوعة الصلة بهم.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2004
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر