الوحش الكاسر .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000
سيدي ... أكتب إليك هذه الرسالة وأنا علي وشك أن
أصاب بالجنون أو أن ينفجر أحد شرايين مخي فأصاب بالشلل فأنا أرى أسرتي مهددة
بالدمار أمامي وأراني عاجزا عن حمايتها أو عمل أي شيء يصد عنها هذا الدمار الكاسح.
هذا الدمار الكاسح هو ابني البالغ من
العمر عشرين عاما والذي يتعاطى البانجو والبرشام.
فأنا وزوجتي جامعيان .. وحالتي مستورة
والحمد لله ولدي أربعة أبناء هو أكبرهم وقد بدأت مأساته ومأساتنا معه وهو في
المرحلة الإعدادية, حيث بدأ يتعاطى البانجو في المدرسة ونحن لا ندري, وحين
اكتشفنا ذلك حاولنا معه بكل الطرق أن نبعده عن هذا الطريق بلا جدوى وذلك بالنصح والضرب
والتهديد والترغيب وبكل الطرق التي تخطر ولا تخطر لأحد وكلها باءت بالفشل وليس ذلك
من جانبنا فقط بل من كل أسرة والدته ووالده ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح حتى رفع
الأهل جميعا أيديهم عنه وتركونا وحدنا نواجه مصيرنا المفجع معه..
وبعد عذاب رهيب نجح في الإعدادية ورسب
في جميع المواد في السنة الأولى بالثانوي وطلب تحويله إلى مدرسة الصناعات, وهناك
وجد المجال الذي يمارس فيه آثامه فهناك بعض الطلبة على هذه الشاكلة وكلهم يحملون
معهم في المدرسة السكاكين والخناجر حتى السيوف.
وبعد ثلاث سنوات من العذاب حصل على الدبلوم
والتحق بمعهد عال خاص وبالمصروفات فرسب في السنة الأولى في معظم المواد.
ولقد ذهبت به إلى أكثر من طبيب ـ عنوة
وبالقوة ـ حيث إنه يرفض العلاج ويقول إنه يشعر بالسعادة هكذا! وكل الأطباء في
العيادات وفي الندوات التليفزيونية يقولون أنه لابد أن يكون لدى المدمن الرغبة في
العلاج والخروج من هذه الحالة وإلا فلا فائدة من العلاج فسوف يعود لذلك مرة أخرى
ولابد من علاجه نفسيا لمعرفة سبب الإدمان وهو يرفض العلاج بكل شدة ويقول إنه ليس
مجنونا لكي يذهب إلي طبيب نفساني.
والمأساة الآن هي أنه يتناول أقراصا
مهيجة للأعصاب فيصبح كالمجنون ويحطم كل شيء في المنزل بل ووصل به الأمر إلى أن
أمسك بالمطواة وهددنا بها أكثر من مرة كما
أنه يهين والدته حتى أصبحت شبه محطمة.
وأخته الجامعية على وشك أن تتم خطبتها
ونحن نؤجل ذلك لأننا نخشى الفضيحة وقد تركت المنزل وذهبت للإقامة مع جدتها لتتجنبه
.
وأخوه الصغير يخاف من النوم معه في غرفة
واحدة.. وهو لا مانع لديه في أن يسبب لنا الفضائح في الصباح في الشرفة أو الشارع,
مطالبا بالنقود والسباب لأي أحد, ولذلك نحاول تهدئته بكل الوسائل خشية الفضائح
وقد استولى على سيارة والدته وارتكب بها ثلاث حوادث مدمرة كاد في آخرها يقتل سيدة
وابنتها. فسرقتها منه وبعتها حطاما والآن يطالبني بسيارة جديدة وأعطاني مهلة حتى
أول أكتوبر وإلا فالويل لنا.
إنني أرجو ألا تظن أني قد دللته في
صغره أو أعطيته نقودا كثيرة كانت السبب في انحرافه.. فأنا رجل منضبط وملتزم ولكن
البانجو والبرشام رخيصا الثمن وبجنيهات قليلة والمنحرفون يتبادلونهما.. كما يعطي
المدخن لجليسه سيجارة. ولقد جلست مع نفسي ومع زوجتي مئات المرات نحلل حالته
والوضع الذي وصل إليه فلم نجد لدينا ـ حقيقة ـ عيبا في تصرفنا بل إنه يكاد يكون
مدمنا بالفطرة ومنحرفا ولديه كل الاستعداد النفسي للانحراف ولا يهتم بأي شيء ولا
يكترث ولا يخاف من أي شيء.
والمحصلة الآن يا سيدي هو أن لدينا وحشا
كاسرا بالمنزل لابد أن نلبي له كل رغباته وإلا حطم الدنيا ويأخذ البرشام المهيج
للأعصاب خصيصا حتى نلبي له رغباته ويعترف بذلك.
لم تعد الإقامة
بالمنزل بالشيء المستطاع بل أصبحت جحيما
لا يطاق وابنتاي هربتا إلى جدتهما.
كما أنه يرفض بكل شدة وعنف أن يوجه له
أحد أي نصح أو إرشاد فهو سعيد بحياته هكذا ولن يذهب إلى أي طبيب أو مصحة ويقول إذا
أخذتموني بالقوة فسأخرج من المصحة وأقتلكم جميعا.
ولقد اكتملت سلسلة المأساة والتفت حولي
وحول أسرتي وأشعر بالعجز والضياع لعدم استطاعتي حماية أسرتي من هذا المخلوق البشع
الحقير الذي أحال حياتنا إلى جحيم وفضحنا بين الجيران .. ونحن الذين كنا نحظى بكل
حب واحترام من كل من يعرفنا .
فماذا أفعل ؟.. إنني أضع بين يديك
مصير أسرة معذبة مهددة بالدمار وقلبي وعيناي تنزف دما وأتوسل إليك بكل غال ورخيص
لديك أن تقف معي وتنقذني.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
حين يتدنى ابن إلى هذا المستوى المنحط من ابتزاز أبويه وإرهابهما يصبح من غير المحتمل الخضوع إلى ما لا نهاية لابتزازه فأما العلاج فإن هناك مصحات متخصصة في علاج أمثاله.. والسيطرة عليهم رغبوا في العلاج أم لم يرغبوا, وهذه المصحات توفد بناء على طلب ولي الأمر طبيبا واثنين من الممرضين يقومون بحقنه عنوة بحقنة مهدئة ثم اصطحابه إلى المصحة ومنعه من الخروج منها إلى أن ينسحب من دمه المخدر اللعين..نعم قد يعود المدمن إلى إدمانه بعد الخروج مرة أخرى وهو أمر متوقع في بعض الحالات إلا أن التجربة بالرغم من ذلك لا تذهب عبثا ويمكن تكرارها أكثر من مرة إلى أن يشفى .. أما تهديده بقتل الجميع بعد خروجه من المصحة فإن الشرطة كفيلة بالتعامل مع مثل هذا التهديد الأجوف.. والمهم في كل ذلك هو التحرر من حاجز الخوف من الفضيحة الذي يمنع الأبوين في كثير من الأحيان من أن يتعاملا مع مثل هذا الوحش الكاسر بما يستحقه من ردع وعقاب, فإذا رغبت فإني على استعداد لأن أرتب لك إدخاله إحدى هذه المصحات.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2000
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر