ضياع العمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997
إننا نحتاج أن نتعلم كيف ندير حياتنا إدارة عاقلة
لا توقعنا فى الأخطاء التى كنا نستطيع تفاديها بقليل من التحكم فى جماح نفوسنا
وأهوائنا ولا نهدر فيها العمر الثمين فى الجري وراء السراب والأوهام.
عبد الوهاب مطاوع
أنا سيدة
متوسطة الجمال في العقد الرابع من عمري نشأت في أسرة متوسطة الحال وعملت خلال
دراستي بالمدرسة التجارية التي اخترتها لاختصار طريق التعليم ، وبعد إنهاء دراستي
بها عملت في مكتب للمقاولات وعمري عشرون عاما ، فتعرفت في هذا المكتب برجل أعمال
في الأربعين من عمره بهرني بشخصيته الفذة وأسلوبه المنمق ومظهره القوى الخشن وشعرت
بأنه حلمي القديم وأثار إعجابي بكل ما فيه من خشونة وحدة ، وتعلقت به وأحسست بأنني
لا أستطيع الحياة بدونه ، وكانت المشكلة المتوقعة بالطبع هي أنه زوج وأب ، لكنني لم
اسمح لهذه المشكلة بأن تحول بيني وبينه ، فلقد وجدت نفسي مجنونة بحبه ولا أريد منه
إلا أن يحبني ، وقد كان لي ما أردت وراح يطوقني بحبه وحنانه واهتمامه بأمري وكأنني
محور حياته بالرغم من أنه لم يحدثني في الزواج ، وكنت في ذلك الوقت كالزهرة
المتفتحة وكثيرون يلتفون حولي ويطلبون رضائي ويتقدم لي كثيرون للزواج مني لكني
أحكمت إغلاق الدائرة حولي واكتفيت بحبي لهذا الرجل وحبه لي.
ومضت الأيام ، وأنا لا أرى من الدنيا سواه ،
وانتظر أن يتوج حبنا بالزواج ، لكنه كان دائم الحديث عن وضعه الاجتماعي وظروف
حياته وأبنائه والتزاماته العائلية .. إلخ ، ومع أن الإشارة كانت واضحة إلى أنه لا
ينوي أن يتوج حبنا بالزواج ، فلقد واصلت التعلق بالأمل فيه حتى النهاية ، وكلما
تقدم لي خاطب ورفضته شعر هو بالسعادة الشديدة لارتباطی به وتفضيلي له على كل شيء.
إلى
أن تسربت الأعوام من بين يدي بغير أن أشعر بها ووقفت ذات يوم أمام المرآة أنظر إلى
بصمات الزمن على وجهي وأشعر بالحزن العميق على شبابي الذي ضاع مع رجل أناني مات
ضميره وقلبه ولم يحب سوى نفسه وأحسست فجأة بضياع العمر ، فلقد عشت أسيرة لهذا الحب
البائس ثلاثة عشر عاما كاملة ، وكنت في بدايته زهرة نضرة في شرح الشباب ، وها أنا الآن
في الثالثة والثلاثين من العمر ، ولم أحقق ما حلمت به لنفسي مع هذا الرجل فتوقفت
مع نفسي وقررت أن أضع قلبي الذي كبدني ضياع الشباب تحت قدمي ، وأن أقبل أول رجل
يتقدم إلي، وبالفعل قبلت الزواج ممن تقدم لي بعد هذه الوقفة وتنازلت عن كل أحلامي
وتطلعاتي ، وتزوجت من رجل شعرت للوهلة الأولى أنه يختلف عني كل الاختلاف في طباعي
وعواطفی وشخصيتی ، فلقد كان رجلا جامد المشاعر بليد الإحساس مغلقا على نفسه
ومنفصلا عن الدنيا ، في حين كان أملي أن أجد رجلا يعوضني سنوات عمري الضائعة ،
ويحتويني بحبه لأسعد بزواجي منه ، لكن هيهات أن يحدث ذلك.
فلقد كتبت علي الأقدار أن أكون ضحية لرجل
أحببته، وزوجة لرجل كرهته ، واسودت الحياة أمامي ، وفي خلال ذلك شعرت بدبيب الحياة
يتحرك في أحشائي ، وأملت أن تعوضني الأمومة عما حرمت منه وأن يتغير زوجي بعد أن
يعرف أنه سوف يصبح أبا فلم تهتز فيه شعرة لخبر الأبوة القريبة ، وشعرت باستحالة
الحياة معه، ووقعت بيني وبينه مشادة حادة تركت البيت على أثرها إلى بيت أهلي ،
وتكرر بعد ذلك هجري للبيت ورجوعي إليه وزادت الخلافات بيننا ، وبعد مشادة ساخنة
بيني وبينه حول بخله وشحه وقحطه، فضلا عن كل عيوبه الأخرى ، تركت البيت من جديد
وأقسمت ألا أعود إليه أبدا ودعوت الله أن يفرق بيني وبين هذا الرجل البخيل البليد
، كما دعوت الله أيضا على من تسبب في وقوعي بین يدي هذا الزوج وفي ضياع عمري من
قبل ، ورفضت كل محاولات الوساطة والصلح بيننا ووضعت مولودتي الجميلة وأنا في بيت
أهلي ، فلم يكلف الرجل نفسه
حتى عناء السؤال عن نوع المولود ، ومضت ثلاثة شهور بغیر أن يراه ، فتمسكت برغبتي
في الانفصال عنه للنهاية ، وطالت المفاوضات والمداولات بيننا ثلاث سنوات حصلت
بعدها على الطلاق بعد تنازلي له عن جميع حقوقي ، وأصبحت مطلقة وأنا التي لم تتزوج
لأكثر من بضعة شهور ، وأخفيت انضمامي إلى سجل المطلقات عن كثير من المعارف والأصدقاء
، وأغلقت الدائرة حولي وتفرغت لتربية طفلتي ، فإذا بالرجل الذي أضاع عمري بعد أن
عرف بطلاقي يعرض علي الزواج منه ، ولكن بعقد عرفي وشعرت بالصفعة الثانية منه .. إذ
هل بعد كل ما تعرضت له بسببه وبعد ضياع العمر معه يكون كل ما يقدمه لي هو هذا
العرض الرخيص ، وازددت كرها له هو الآخر وشعرت بالاستياء والمرارة تجاه كل شيء بل
وبالهزيمة أيضا والهوان واختل توازني لفترة طويلة بعدها ثم بدأت أتماسك واستعيد
توازني وأركز اهتمامي في ابنتي.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
نشرت رسالتك
يا سيدتي رغم تحفظي على منطقك فيها لأنها تروي فصول قصة تقليدية قد تتكرر كثيرا في
الحياة ، ولا يتعلم أحد دروسها للأسف إلا بعد ضياع زهرة العمر ، أما عناصرها
فواحدة في كل الأحوال ، فتاة صغيرة السن بريئة المشاعر تخرج إلى الحياة العملية
لأول مرة فتلقی برجل متزوج وله أبناء يكبرها في السن فيبهرها بنضج شخصيته الطبيعي
، والمفترض فيمن بلغ منتصف العمر وبقوته وقدراته وإمكاناته ، فتنجذب إليه متأثرة
بقلة خبرتها بالحياة وبصغر السن وانعدام التجربة وتبدأ دراما الحب المحروم المحكوم
بأوضاع طرفيه الاجتماعية ، وتجد الفتاة نفسها مدفوعة بعواطفها وحدها عاجزة عن
التخلي عن حبها رغم إدراكها لصعوبة تتويجه بالزواج ، ويجد الرجل نفسه عاجزا أو غير
راغب في أن يتحمل تبعات هذا الحب وآثاره الوخيمة على حياته العائلية والاجتماعية ،
فيواصلان الطريق معا وكل منهما ينطوي في أعماقه على أمل يائس يختلف عن أمل الآخر
ممارسا في ذلك نوعين دائمين من الخداع أحدهما للنفس ، والثاني للآخر .
أما خداع كل
منهما لنفسه فيتمثل في محاولة الفتاة لأن تقنع نفسها بعد أن سلمت بصعوبة تحقق
الأمل في الزواج ممن تحب ، بأنها لا تريد سوى «الحب»، وليست على استعداد لأن تفقده
حتى ولو ضحت في سبيل ذلك بحقها المشروع في الزواج والاستقرار، وهو خداع للنفس
وحيلة نفسية دفاعية يسميها علماء النفس بحيلة «الإنكار» ، وفيها يقنع الإنسان نفسه
بعد أن تحقق من عجزه عن نيل ما يرغبه في أعماقه بأنه لا يريده في الحقيقة ، وإنما يريد شيئا آخر يراه
أفضل وأبقى .
وأما خداعها
للطرف الآخر ، فلأنها ومهما أعلنت لشريكها في مثل هذه العلاقة من أنها لا ترغب في
الزواج منه تقديرا منها لظروفه العائلية والاجتماعية، فإنها تنطوي في أعماقها على
التمسك بالأمل اليائس في أن يتغلب ذات يوم على هذه الظروف ويتوج حبهما بالزواج
مهما كانت خسائره على جبهة الأسرة والأبناء.
وأما خداع
الرجل لنفسه ، فيتمثل في محاولته الدائمة لأن يقنع نفسه بأنه لم يكن « المسئول »
عن تعاسة شريكته في العلاقة ولا عما تخسره من حياتها وفرصها المشروعة في الزواج
والاستقرار باستمرارها فيها لأنها هي التي أرادت ذلك من البداية وارتضته وسلمت به
بعد أن أخلى أمامها مسؤوليته عن ذلك وأكد لها مرارا أنه لن يستطيع زواجها وتحدث
إليها كثيرا عن ظروفه العائلية والاجتماعية ، وهي حيلة نفسية دفاعية أيضا تستهدف
إعفاء النفس من الإحساس بالذنب ، ويلجأ إليها الإنسان لا إراديا حين يستشعر مسئوليته عن
مصير شريكته في العلاقة ، لأنه يدرك تماما أنه شريك كامل المسئولية فيما تصنع
بحياتها معه ، وأنه لو لم يكن راغبا في استمرارها فيما تفعل بحياتها ، لما عجز عن
إنهاء قصته معها قبل أن تستفحل الخسائر ، أو قبل أن تبدأ من البداية .. أما خداعه للطرف
الآخر في العلاقة ، فيتمثل أيضا في أنه ومهما صرح بغير ذلك فإنه ينطوي في أعماقه
على الأمل المكتوم في أن تستمر هذه العلاقة وتتواصل لأطول فترة ممكنة على ما هي
عليه الآن وبغير أن يضطر لتحمل تبعاتها وآثارها السلبية على حياته العائلية
واستقراره الأسرى وحياة أبنائه.
والمؤسف حقا
هو أن كلا من الطرفين قد يواصل الهروب من مواجهة الحقيقة المرة ويواصل النكوص عن
تحمل تبعاتها مؤجلا التفكير في العواقب إلى مرحلة قادمة يتمنى في أعماقه ألا تجيء
أبدا .
ولهذا فليس من
السهل في مثل هذه العلاقة المرفوضة أن يفرق الإنسان بين الجاني والضحية ، أو أن
يحكم على أحدهما بأنه ضحية الآخر مائة بالمائة ، وإن كانت الخسائر دائما أفدح
وأبلغ على جانب الفتاة للأسف ، وقصتك يا سيدتي .. أصدق مثال على ذلك ، إذ
لم يكن ضياع العمر وفوات فرص الاستقرار والسعادة هما فقط كل خسائرك في هذه العلاقة
اليائسة ، بل إن ما تخلفه مثل هذه التجربة الخاطئة الطويلة من بصمات وآثار غائرة
في شخصية الفتاة ونفسها و مشاعرها وأفكارها وقيمها ورؤيتها للحياة ، يقضي على كل
ما تبقى لديها من براءة المشاعر ويفسد نظرتها للحياة ويعمق من شكوكها في الآخرين
ويقلل إلى حد كبير من فرص تواؤمها مع فكرة الزواج بعد هذه التجربة ، ومن استعدادها
للتجارب النفسي مع من قد يحل في حياتها محل بطل تجربتها المريرة.
بل إنها تجعل
منها في النهاية شخصية مركبة يصعب إرضاؤها ، ويصعب قبولها للآخرين وقبولها منهم ،
ویکفي من مظاهر هذا التركيب النفسي المعقد ، أن أشير فقط إلى ما يتفاعل في أعماقها
من مشاعر متناقضة تجاه شریکها في هذه العلاقة ، حين يطول بها العهد .. وهي عاجزة
عن الكف عن حبه ، وعاجزة في نفس الوقت عن إعفائه من اللوم والمسئولية عن ضياع
عمرها معه ، فتتخذ علاقتها به وربما لعدة سنوات شكل علاقة الحب ۔ الكره ، التي
يقول بعض علماء النفس إنها تجتمع فيها مشاعر الحب والكراهية معا في قلب الإنسان
تجاه آخر يحبه ، لكنه ينقم عليه في أعماقه بعض الأمور الأساسية، ولا يستطيع بالرغم
من ذلك الابتعاد عنه ونزع حبه من قلبه ، ولا يستطيع في نفس الوقت أن يتخلص من
مشاعر الكراهية له بسبب ما ينقمه عليه.
وليس هناك
مجال أرحب لمثل هذه المشاعر المتناقضة المركبة من مثل هذه العلاقة الطويلة اليائسة
بين رجل متزوج وفتاة تتعلق بالأمل العاجز فيه 13 عاما كاملة ، وتسفر في النهاية عن خروجها منها
وهي حطام نفسي ومعنوي ، كحطام السفينة الغارقة التي تحملها الأمواج إلى الشاطيء .
ولأن المثل
الهولندي القديم يقول إنه حين ينقلب الحب إلى كراهية فإنه لا يعرف حدودا ، فلقد
كرهت أنت في النهاية شريكك في هذه التجربة الطويلة واعتبرته المسئول الأوحد عن
تدمير حياتك ، ورفضت
عرضه الرخيص عليك بالزواج العرفي منك ، ليس فقط لأنه بالفعل عرض رخيص لا يتكافأ مع
ضياع العمر بلا طائل منه ، وإنما أيضا لأنك قد كرهته حقا ولم يعد له في قلبك أي نصيب
من الحب القديم ، ولو كان له بقية من الحب في قلبك بعدما واجهت من تعاسة لربما كنت
قد رضيت بالعرض الرخيص حتى ولو لامك على قبوله اللائمون ، لكن كنت صادقة مع نفسك
على أية حال حين رفضت هذا العرض الرخيص وحين ذكرت أنك قد كرهته هو الآخر بعد من
كرهته من الآخرين ! كما أنك قد عبرت عن نفسك وعما خلفته في شخصيتك هذه التجربة
المريرة ، تعبيرا تلقائيا نادرا حين قلت إنك قد شعرت باستحالة الحياة مع زوجك
لكثرة الخلافات بينكما حول بخله وشحه و« قحطه»، إذ أنه في هذه العبارة تتمثل بعض أسباب
أزمتك النفسية التي حالت بينك وبين التواؤم مع زوجك بعد أن ألقت بك أمواج الحياة
بين يديه ، وفيها أيضا بعض أسباب فشلك في بذل الجهد الكافي لإنجاح زواجك به، فلقد
أفسدت تجربتك المريرة الطويلة رؤيتك للحياة وغيرت الكثير من مفاهیمك وأفكارك
ومعاییرك ، فنقمت على زوجك مثلا جمود مشاعره وتبلد أحاسيسه ، لأن لديك «مرجعية» في هذا الشأن أتاحت لك فرصة المقارنة الظالمة
وإصدار الأحكام القاسية !
ولو كنت قد ارتبطت بهذا الرجل قبل أن تفسد هذه
التجربة حياتك ومعاییرك لربما كان حكمك عليه مختلفا في هذا الشأن ، خاصة إنك
تعترفين بكراهيتك له من البداية .. وبعدم بذلك لأي جهد عاطفي معه يدفعه لأن يحبك
ويحرك مشاعره ، وفارق كبير بين «مشاعر» رجل ارتبط بفتاة 13 عاما ، وبين مشاعر راغب
في الزواج دخل البيوت من أبوابها ولم تنسج الأيام بينه وبين زوجته بعد خيوط الحب
والعاطفة ، كما أنك أيضا قد نقمت عليه بخله وشحه و«قحطه » .. ولقد حكمت عليه أيضا
في هذا الشأن بالقياس إلى «كرم» بطل التجربة السابقة «وسخائه» فإذا كنت لا أستطيع
أن أقدر مدى صدق حكمك عليه بالبخل ، فإني أستطيع على الأقل أن أقول لك إنك قد «حاسبته»
على قحطه أي على قلة دخله وموارده بالمقارنة برجل الأعمال بطل التجربة المريرة ،
والبخل نقيصة أخلاقية لأشك في ذلك أما «القحط » فكيف يكون نقيصة أخلاقية يحاسب
عنها من يكابده ، وهو لا حيلة له فيه ولم يرده لنفسه ؟
إنها المقارنة
الظالمة يا سيدتي بين إنفاق «العاشق» المتحرر من التزام الزواج بمن يحبها ولا يرى
باسا في تعويضها عما يحرمها منه ببعض المال الذي لا قيمة له وبین إنفاق الزوج
محدود الموارد الذي يحسب حساب المستقبل ويكافح لتلبية مطالب الحياة .
ولأن معاييرك قد فسدت من جراء هذه التجربة
الخاطئة ، فلقد أخطأت أيضا الحكم عليه في هذا الشأن ، وحاكمته محاكمة ظالمة عن تبلد
أحاسيسه وقلة موارده ، وألقت باللوم كله عليه ، وأعفيت نفسك من كل لوم ، ولو شئت
الحق والعدل لقلت لك إنك تتحملين النصيب الأكبر من المسئولية عن إتمام هذا الزواج
من البداية ، وعن فشله السريع في النهاية ، لأنك لم تكوني صالحة من الناحية
النفسية والعاطفية للارتباط برجل آخر في أعقاب تجربتك التي أهدرت فيها زهرة عمرك ،
ولأنه كان زواج هروب من حب فاشل ، أكثر منه زواج أمل في السعادة ، واستعداد كاف
للحرص عليه والدفاع عنه .
ومن عجب إنك
لا تشعرين بأي استعداد لإنصاف هذا الرجل البائس الذي سعى إليك راغبا في السعادة
والأمان معك ، فقبلت به وأنت تنكرين عليه كل شيء فيه وتعاملت معه بنفسية الحطام المخربة من
أثر تجربتك السابقة ، فلم ترى فيه شيئا قابلا للتواؤم معه ، ولم تبذلي أي جهد
لتجاوز أزمتك التي لا ذنب له فيها لکي ينجح زواجك به ، وأسرعت تلقين باللوم عليه
وتحملينه مسئولية كل شيء ، وكأنك الطرف الوحيد الضحية لزواجك منه ، مع أن طفلتك هي
الضحية الأولى .. وهو ضحيتك الثانية.
ولا غرابة في
ذلك لأنك كرهته منذ البداية ، حتى قبل أن يفعل ما يستحق من أجله هذه الكراهية ..
ولأن كراهيتك له كانت جزءا من كراهيتك لمن حطم حیاتك قبله وربما أيضا لكل الرجال !
أما عذابك
بتطلع طفلتك لأن يكون لها أب تستظل به ، فإنه لا ينبغي له أن يحول أنظارك بعيدا عن
جنايتك أنت عليها بقبولك أولا للزواج من أبيها بغير استعداد نفسي كاف للقبول به ،
ونكوصك المعيب عن الدفاع عن حق طفلتك، المشروع في أن تنشا بين أبوين طبیعیین لها .
ولقد تأخرت
وقفتك الأولى مع نفسك ۱۳ عاما طويلة قبل أن تجدي
الشجاعة للإقدام عليها .. لكن وقفتك الثانية معها لا ينبغي لها أن تتأخر عن الآن
لحظة واحدة .. فأعيدي النظر يا سيدتي في حياتك وقیمك وأفكارك كلها ورؤيتك للحياة ،
واعترفي بمسئوليتك عن إهدار زهرة عمرك في هذه التجربة الخاطئة منذ البداية ولا
تكتفي بإلقاء اللوم على شريكك فيها وحده ، واعترفي كذلك بمسئوليتك الكبرى عن فشل
زواجك وحرمان طفلتك من حقها في الحياة الآمنة .. فهذه هي البداية الصحيحة
لمن يريد ألا يكرر أخطاءه .. وان يظفر بالسلام والاستقرار والأمان .
والحق إننا نحتاج لأن نتعلم كيف ندير حياتنا إدارة عاقلة لا توقعنا في الأخطاء التي كنا نستطيع تفاديها بقليل من التحكم في جماح نفوسنا وأهوائنا ولا نهدر فيها العمر الثمين في الجري وراء السراب والأوهام .. ولقد آن الأوان لأن تعترفي بإدارتك الفاشلة والخاطئة لحياتك طوال الأعوام الماضية ، وأن تراجعي كل قيمك السابقة وأفكارك وتعدلي ما سوف يحتاج منها إلى تعديل وتصحيح ، وتعفي «الأقدار» من أية مسئولية عن ارتباطك لمدة 13 عاما برجل متزوج وله أبناء ، وكذلك عن فشل زواج لم تمنحيه أنت من البداية فرصته في الاختبار والنجاح ، وحين تسلمين بكل ذلك سوف تتغير رؤيتك كثيرا للأشخاص وسوف تجدين نفسك قادرة بعد حين على استقبال مؤثرات الحياة الجديدة ، والتواؤم معها ، وربما قادك ذلك إلى محاولة استئناف حياتك مع زوجك السابق طلبا لسعادة ابنتك إن لم تكن الفرصة قد ضاعت إلى الأبد .. وقد يقودك ذلك أيضا إلى التواؤم بلا عناء مع شريك حياة آخر تنعم معه طفلتك بالأمان .. وتعرفين أنت معه لأول مرة معنى الحياة الطبيعية الهادئة .
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر