حق النقد .. رسالة من بريد الجمعة عام 1999
من المفهوم لدى كثيرين أن ممارسة النقد المستمر للآخرين إنما
تنطوي على جانب خفي هو إحساس المنتقد بشيء من الاستعلاء النفسي أو العقلي على من
يوجه إليه سهام نقده المتصل فكأنما يقول لنفسه بانتقاده الدائم للغير أنه أفضل
منهم, فليمارس كل منا إذن حق النقد لشريك حياته, أو للآخرين عند الضرورة
باعتدال شديد وتحفظ أشد لكي تبقي لهذا النقد قيمته ويحقق أثره المرجو منه ولنكن
أسرع إلى الشكر والاعتراف للآخرين بفضائلهم وجهودهم وعطائهم منا إلى نقدهم وجحد
فضلهم واتهامهم بالتقصير، وإلا فلن يفيد النقد شيئا إذا استشعر الغير آفة
الاستعلاء العقلي فيه أو شبهة العادة القهرية والاستنامة إليه باعتباره الأيسر على
اللسان من غيره.
عبد الوهاب مطاوع
أنا سيدة في
الثلاثين من عمري حاصلة علي مؤهل عال ومتزوجة منذ ست سنوات زواجا متكافئا ومبنيا
على الحب الهاديء وعندي طفلان (3 سنوات وسنة).
ولقد بدأنا أنا
وزوجي حياتنا الزوجية من الصفر فلم يكن لدينا أغلب الأجهزة الكمالية وبدأنا في شقة
صغيرة متواضعة وكافحنا معا حتى استطعنا والحمد لله الانتقال إلى شقة أكبر وتأثيثها
بمستوى جيد.
والمشكلة هي أني
قبل الزواج كنت أهتم بنفسي ومظهري جيدا لأنه كان عندي الوقت الكافي لذلك وأيضا
المال ولم أكن أحس بمسئوليتي في أن أشارك زوجي في تحسين مستوى معيشتنا فكنت أصرف
مرتبي على الملابس والمظهر بصفة عامة مثل أي بنت في سني أما بعد الزواج فكنت أشعر
بأن بيتنا أحق مني بكل مرتبي فأضع مرتبي على مرتب زوجي لكي نسدد الأقساط التي
علينا, كما أن أطفالي الآن يحتاجان مني لمجهود جبار وخصوصا أن زوجي يترفع عن أن
يساعدني في أي شأن من شئون البيت أو الأطفال فكل مهمته هي العمل وإحضار النقود وهو
بعد ذلك غير مسئول عن عمل أي شيء في المنزل حتى عندما كنت أشعر بالتعب أو المرض
وأحتاج إلى الراحة قليلا كنت أشعر أن زوجي يتضايق ليس لأني أتألم ولكن لأنه مضطر
للقيام بشئون الطفلين من رعايتهما.
ورغم كل هذا المجهود فزوجي ينتقدني دائما لأني
لا أهتم بمظهري ولأنني لا أستطيع التجاوب معه عاطفيا لأني في آخر اليوم بعد أن
ينام طفلاي أشعر بتعب شديد واحتاج إلى أن أنام لكي أرتاح من هذا المجهود الذي لا
يكلف نفسه أن يساعدني فيه رغم إني أعمل مثله وأيضا لأنه بخيل جدا في إظهار مشاعره نحوي
وكل ما أجده منه هو النقد الدائم فكيف بربك ينتظر مني أن أهتم أنا باحتياجاته
العاطفية وأكون معه مثل أيام الخطبة.
إنني أرجو أن توجه
كلمة إلى الأزواج لكي يراعوا مشاعر زوجاتهم, فالزوجة تحتاج إلى الكلمة الحلوة
والمشاعر الطيبة من الزوج مثلما يحتاجها هو وتحب أن تشعر بأنها مرغوبة ومحبوبة منه
ليس في فترة الخطوبة فقط لأن المسئولية تزداد والمجهود المطلوب منها أكبر وتحتاج
لمساندة زوجها لكي تستطيع الاستمرار.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
إذا كان الثناء المستمر والزائد عن الحد يدير الرؤوس ويسرب الغرور الأحمق إلى بعض العقول, فإن الانتقاد الدائم لا يقل خطرا على المرء منه, لأنه يغرس الإحباط في النفس ويقعد الهمة عن محاولة الإصلاح أو السعي لطلب الكمال, ولا عجب في ذلك مادام المرء لن ينجو من النقد مهما حاول أو فعل, ولا غرابة أيضا لأن أبسط ما يحققه الانتقاد المستمر بحق وبغير حق من شريك الحياة لشريكه هو أنه يفقد معناه لدى من يتعرض له.. بسبب التكرار والاعتياد فيضيع أثره ولا يخلف وراءه إلا المرارات والضغائن, فضلا عن أنه قد يصبح عادة قهرية لمن يمارسه.. فيجد نفسه مدفوعا لانتقاد كل فعل ـ وان رضي عنه في أعماقه ولازدراء كل تصرف وإن لم يكن حانقا عليه حقيقة أو إلى هذا الحد في واقع الحال, لهذا فإن من واجب الإنسان أن يقاوم في نفسه هذه العادة القهرية التي تميل به نفسيا من حيث لا يدرك ذلك للمسارعة بانتقاد الغير وعدم التحفظ في ذلك أو التروي فيه, ومن المفهوم لدى كثيرين أن ممارسة النقد المستمر للآخرين إنما تنطوي على جانب خفي هو إحساس المنتقد بشيء من الاستعلاء النفسي أو العقلي على من يوجه إليه سهام نقده المتصل فكأنما يقول لنفسه بانتقاده الدائم للغير أنه أفضل منهم, فليمارس كل منا إذن حق النقد لشريك حياته, أو للآخرين عند الضرورة باعتدال شديد وتحفظ أشد لكي تبقي لهذا النقد قيمته ويحقق أثره المرجو منه ولنكن أسرع إلى الشكر والاعتراف للآخرين بفضائلهم وجهودهم وعطائهم منا إلى نقدهم وجحد فضلهم واتهامهم بالتقصير, وإلا فلن يفيد النقد شيئا إذا استشعر الغير آفة الاستعلاء العقلي فيه أو شبهة العادة القهرية والاستنامة إليه باعتباره الأيسر علي اللسان من غيره.
أما نداؤك للأزواج
بمراعاة مشاعر زوجاتهم وعدم البخل في التعبير لهن عن المشاعر الطيبة فهو نداء عادل
أؤيدك فيه كما أؤيد كذلك كل نداء يدعو الزوجة لمبادلة زوجها هذا التعبير عن
المشاعر, ولبذل جهدها لتحقيق المعادلة الصعبة بين الاهتمام بشئون الأطفال والبيت,
وبين الاهتمام بنفسها والتجاوب العاطفي مع زوجها.. وشكرا لك.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1999
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر