المنطق الواضح .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

 المنطق الواضح .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

المنطق الواضح .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

لن أستعين لإقناع بعض الأزواج بأن مساعدة زوجاتهم في بعض الأمور المنزلية من الرجولة والكياسة والمروءة، بما يقوله كتاب الغرب عن الحب والزواج وإنما سأستعين فقط بما قالته السيدة عائشة حين سألت عن صنع رسول الله في بيته فأجابت : "كصنع أحدكم.. يشيل هذا ويحط هذا ويخدم في مهنة أهله ويقطع لهن اللحم ويقم البيت "أي يكنسه" ويعين الخادم في خدمته".
عبد الوهاب مطاوع



أرجو أن يتسع صدرك لقراءة هذه "المأساة" وإرشادي إلى حلها.

فأنا شاب قاربت الخامسة والثلاثين وانتمى للفرع الفقير من أسرة ثرية معروفة في الجنوب .. وقد تخرجت في كلية الحقوق ثم عملت بالخارج عدة سنوات.. وأقمت بما جمعت منزلا في قريتي وخصصت لي فيه شقة مستقلة واستقر بى الحال بين أهلي وعملت بوظيفة قانونية ومنذ عام تعرفت بطالبة مقبولة الشكل بالسنة النهائية بإحدى الكليات وتقدمت لأبيها وتركت له الفرصة ليتحرى عنى وعن أخلاقي وأسرتي وبعدها بقليل جاءني في عملي ورحب بقبولي.

 

وكان شرطي الوحيد هو أن تقبل زوجتي الإقامة في بلدتي ووافقت هي وأسرتها على ذلك بشرط أن أعمل على إيجاد شقة أخرى بعيدا عن منزل الأسرة ويسر الله لي ذلك رغم صعوبة ظروفي وتم عقد القران وأردت التعجيل بالزفاف بعد أن انتهت خطيبتي من دراستها وتم تحديد الموعد بعد مناقشة عاصفة وعنيفة مع أمها. وتم الزفاف منذ شهور وفى اليوم التالي له جاءت أسرة فتاتي لتهنئنا ففوجئت بأم زوجتي تطلب مني أن أساعدها في جمع الأكواب الفارغة بعد تناول الشاي "فنهرتها" بشدة وأفهمتها أن هذا من اختصاص الزوجة وحدها.

 

وبعدها ب 15 يوم طلبت زوجتي أن تزور أمها ووافقت لكننا لم نجد مواصلات متاحة فعدنا للبيت وبعدها بأيام كررت الطلب ثم اختلفنا بسبب رفع صوتها فلم تتم الزيارة.. ثم فوجئت بها بعد ذلك بأيام تبكي واستفسرت منها عن سبب بكائها فأجابتني بأنها تريد أن تزور أمها "فأفهمتها" أن أمها هي التي يجب أن تزورها لأن لها الآن بيتا ومسئولة عنه وعن طلبات زوجها ولابد من الطاعة, وبالرغم من ذلك اصطحبتها إلى أمها من حين إلى آخر بحجة أن الأم على "وشك الموت" كما تدعي, وفى كل مرة نزور فيها أمها تنقلب حياتنا إلى نكد بسبب محاولة الأم السيطرة علي مع أن شخصيتي لا يمكن أن تقبل ذلك.. وقد أفهمت زوجتي ذلك وحدث أن احتدم بيننا النقاش في إحدى المرات فصفعتها على وجهها "بشدة" ورغم ما بدر منها من رفع الصوت أحيانا والنقاش بحدة رحت "أحنو" عليها حتى تتناسى أمها النكدية.. وصارحتها في إحدى المرات بأن حياة النكد تقصر العمر وواجهتها "بحقيقة نفسها" حتى تنكسر "شوكتها" فبكت بشدة واستعملت معها كل الطرق المشروعة لكنها رغم كل ذلك رفعت صوتها فى نقاش آخر فصفعتها عدة مرات حتى سالت الدماء من فمها! وخنقتها محاولا إسكات صوتها الملعون! فعضتني في يدي فأمسكت برأسها وخبطته فى الحائط عدة مرات وهددتها "بالقضاء عليها" فإذا بها تقول لي أنها تكرهني وترغب في الانفصال عني.

 

وظلت تبكي يوما كاملا بليلته ولم أصالحها ثم طلبت منها طلبا عاديا فلم تفعله فأمسكت بأقذر شئ محاولا وضعه في فمها!! ثم تراجعت خشية الفضيحة من صوتها .. وصالحتها بعد أيام وصبرت على "بلائي" لكي تستمر الحياة وحاولت إصلاح شأنها مرات عديدة. لكن أمها فيما يبدو لى مصرة على خراب بيتي فلقد ثارت ثورة مسعورة وجرحتني بكلماتها الجارحة بعد ذلك بفترة قصيرة لأني يا سيدي لم أترك عملي واذهب إليهم للتعزية في وفاة أم صهري التي تعدت المائة من عمرها كما لم أبلغ زوجتي بوفاة جدتها!

 

 

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

 

رأيي يا سيدي أن منطقك "الواضح" هذا يكفي لتطليق ألف زوجة وليست زوجتك وحدها ومن أول جلسة لنظر القضية.. إذا احتكمنا للعدل والشرع والقانون! فرسالتك نموذج فريد "لسوء الدفاع" الذي يمكن حقا أن يؤدى بالمدافع عنه إلى حبل المشنقة .. والأغرب من ذلك هو أنك لا ترى في كل ما فعلت ورويت أي خطأ أو تجاوز, وإنما ترى الخطأ كله في جانب زوجتك وأمها والنساء جميعاّ لأن كيدهن عظيم!

 

يا إلهي .. إلى هذا الحد يمكن أن يصل خداع النفس وتضليلها في بعض الأحيان؟ إنني أرجوك أن تراجع معي بهدوء وقائع رسالتك التي حرصت على أن احتفظ لك فيها بكلماتك المعبرة عن فكرك ومنطقك.

إن عمر زواجك كله لم يتعد شهورا .. وقد انتهى باعتصام زوجتك ببيت أسرتها وطلبها الانفصال عنك.. وأنت بالطبع ترفض وتأمل في استئناف الحياة معها وفى نفس الوقت لا تسعى لتغيير مفاهيمك عن الزواج والاستفادة من أخطاء التجربة العجيبة وكلها للأسف وبلا تحيز لزوجتك أخطاؤك أنت .. ابتداء من "انتهار" الأم التي جاءت تهنئك بالزفاف السعيد و"إفهامها" أن رفع أكواب الشاي بعد تناول الضيوف له من اختصاص الزوجة وحدها حتى ولو كان عدد الضيوف مائة.. إلى صفع الزوجة "بشدة" ولم يمض على زفافها أيام أو أسابيع.. إلى صفعها عدة مرات حتى يسيل الدم من فمها.. إلى قرع رأسها في الحائط مرات عديدة عسى أن يتخفف من "عناده" إلى خنقها ومحاولة إدخال "أقذر شئ" في فمها! مروراً بمصارحتها "بحقيقة نفسها" لكي "تنكسر" شوكتها وانتهاء بحجب خبر وفاة جدتها عنها بحجة انك قد "نسيت" إبلاغها بهذا الخبر "التافه".

 

 وفى الحقيقة أنك أردت ألا تجد فيه مبررا عادلا لطلب زيارة أهلها.. وأنت لا تبغض شيئا كما تبغض أن تذهب زوجتك لزيارة أمها, وكل هذه الانجازات الرائعة حققتها لزوجتك وأسرتها خلال الشهور الأولى من الزواج السعيد.. فضلا عما تجشمته من عناء "إفهام" الجميع أخطائهم ناهيك عن انتهارهم وتقريعهم .. فهل أنت على استعداد لأن تعرف الرأي الآخر فيما فعلت؟

لقد اعتبرت اقتراح أم زوجتك عليك مساعدتها في رفع الأكواب جناية تستوجب الخروج على آداب الضيافة مع من جاءوا لتهنئتك بالزواج فأفسدت عليهم فرحتهم وأشعت التوتر حيث ينبغي أن يسود اللطف والترحيب .. ولن أستعين عليك لإقناعك بأن مساعدة الزوجة في بعض هذه الأمور المنزلية من الرجولة والكياسة والمروءة, بما يقوله كتاب الغرب من أمثال هافلوك أليس أو إستاندال أو سيمون دى بوفوار عن الحب والزواج وإنما سأستعين عليك فقط بما قالته السيدة عائشة حين سئلت عن صنع رسول الله في بيته فأجابت: "كصنع أحدكم.. يشيل هذا ويحط هذا ويخدم في مهنة أهله ويقطع لهن اللحم ويقم البيت "أي يكنسه" ويعين الخادم في خدمته".

 

أما الصفع ودق الرؤوس في الحوائط وإسالة الدماء من الفم وحشر القاذورات في فم الزوجة, فلن أحيلك إلى قانون العقوبات ولا إلى إعلان حقوق الإنسان ولا إلى كتابات المصلحين الاجتماعيين في الشرق والغرب.. وإنما سأذكرك أيضا بما قالته السيدة عائشة من أنه : ما ضرب رسول الله"صلى الله عليه وسلم" بيده امرأة قط ولا خادما ولا ضرب شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله."

فيا "أستاذ فلان" خفف الوطء قليلا.. وإلا حكمت على نفسك بالوحدة طول العمر. وراجع نفسك واعترف بأخطائك واتق الله فيمن استحللتها بكلمات الله وتذكر إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاّ وألطفهم بأهله.. كما جاء في الحديث الشريف, وتذكر أيضا أن عمر بن الخطاب الذي كان الرجال يرتجفون أمامه لشدته في الحق هو نفسه القائل: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي "أي في الإيناس والبساطة والمرح" فإذا كان في القوم كان رجلا بين الرجال.

 

فهكذا حقاّ يفعل الرجال الذين يليق بك أن تقتدي بهم وليس بمن يعكسون الآية أحيانا ويفضلون أن يكونوا صبية بين الرجال.. وجبابرة لا يرتدعون مع الأهل فتذكر كل ذلك قبل فوات الأوان يا صديقي إذ انه إما هذا وإما تسريح بإحسان..والاستفادة بدروس التجربة في مستقبل الأيام.

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1992

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات