الرداء .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992
من واجب كل طرف فى العلاقة الزوجية أن يحترم أحزان
الآخر وأن يحاول التخفيف عنه ومواساته وأن يصبر عليه إلى أن يسترد إقباله على
الحياة تدريجيا بعد فترة الحزن أما أن تعتصم الزوجة بالسواد لمدة عامين وتتخذ من
حدادها على والدها ذريعة للنفور من زوجها وهجره فليس من الدين فى شىء ولا من حسن
المعاشرة ، وإنما هو غالبا انعكاس لحالة أخرى وجدت فى الحداد فرصتها للتعبير عن
نفسها .
عبد الوهاب مطاوع
أنا
سيدة في منتصف العمر متزوجة ولي أولاد تخرج بعضهم في الجامعة ، وقد أفنيت عمري أنا
وزوجي في تربية أولادنا و الحمد لله نعيش حياة مستقرة وإن كانت تؤرقها بعض الديون التي
احتجنا لاقتراضها لبناء شقة لكل ولد من أولادنا وقد تم ذلك بفضل من الله و نواصل
حياتنا وكفاحنا لتسديد الديون شاكرين لله نعمته و فضله. .
أما
المشكلة الأخرى التي تشغلنا بعد هذه الديون فهي أن والدي قد توفي إلى رحمة الله
منذ حوالي عامين تقريبا فحزنت عليه حزنا شديدا وارتديت السواد منذ وفاته ومازلت
أرتديه إلى الآن بصفة دائمة حتى في نومي . ولقد ألح علي أولادي و زوجي و أصدقائي
جميعا في ضرورة خلعه لكنى لم أستجب لأحد.
أما
زوجي الذي أكن له كل حب واحترام فقد أصبحت ابتعد عنه إذا جلس بجواري ولا أسمع
حديثه إذا تكلم معي وأسبب له إحراجا في ذلك أمام الجميع وإذا طلبني للفراش صددته
ومنعته ، والويل له إذا فاتحني من جديد في موضوع خلع السواد ، وهو لطيبته وحرصه
على ألا يحس الأولاد بما بيننا يصمت متألما .
لقد
مرضت ونصحني زوجي من جديد بعدم ارتداء السواد حتى لا يزيدني مرضا ، لكن
الإصرار مازال يملؤني على التمسك به فماذا أفعل في " العناد " .. و كيف
أرضى زوجي و أولادي ؟
ولكاتبة أو " لكاتب " هذه الرسالة :
إذا صح تقديري في أن زوجها هو كاتبها وليست زوجته أقول :
إذا
اختلطت علينا الأمور ففي الاحتكام لأحكام الدين الصحيحة النجاة من كل حيرة و
الضمان لتحقيق العدل الإنساني لكل الأطراف . و بهذا المعيار الرشيد أقول لزوجتك
أنه لا سند من دين أو حكمة لإصرارك على ارتداء السواد بعد عامين من رحيل أبيك ولا
لهجرك زوجك في الفراش " تذرعا " بهذا الحداد .
فالرسول
الكريم صلى الله عليه و سلم يقول : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر
أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر و عشرا " .
والحداد
هنا هو ترك الزينة لزوجها ، ويرتبط به نفسيا بغير شك ، العزوف عن العلاقة الخاصة
تأثرا بحالة الحزن . ومن واجب كل طرف في العلاقة الزوجية أن يحترم أحزان الآخر وأن
يحاول التخفيف عنه ومواساته وأن يصبر عليه إلى أن يسترد إقباله على الحياة تدريجيا
بعد فترة الحزن أما أن تعتصم الزوجة بالسواد لمدة عامين وتتخذ من حدادها ذريعة
للنفور من زوجها وهجره في الفراش فليس من الدين في شىء ولا من حسن المعاشرة ،
وإنما هو غالبا انعكاس لحالة أخرى وجدت في الحداد فرصتها للتعبير عن نفسها ، وسواء
أكانت هذه أو تلك فالمؤكد أن زوجتك تعاني من حالة اكتئابية ينبغي أن تساعدها على
اجتيازها وأن تعين هي أيضا نفسها على التخلص منها .
وأول
خطوة في هذا الطريق هو أن تخلع هذا السواد الذي يحملها إثما لا مبرر له تجاه زوجها
وأبنائها . وارتداء السواد لفترة طويلة يضفي ظلاله الكئيبة فعلا على حياة الأسرة ،
ولا معنى له بعد فترته الطبيعية إلا تعذيب النفس وتعذيب الآخرين به . كما أن
الخلاف بينكما حوله وحول ما يرتبط به من نفور سوف يفتح الباب لأنواء ومشاكل لا
تليق بجلال السنين بعد هذه الرحلة الطويلة .. فلماذا التمسك به إذن ؟
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1992
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر