الجوهرة الثمينة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994
الرغبة
في إشعار المحبوب بعمق جرحه لمن يحبه تعكس الرغبة في مزيد من التعويض النفسي منه
لا الرغبة في رفضه والابتعاد عنه ، ولا بأس بكل ذلك ولكن بشرط ألا يتجاوز حدود الاحتمال
حتى لا ينعكس بالسلب على العلاقة وليس بالإيجاب ، فحتى إشعار الآخرين بالذنب
تجاهنا لكي يزيدوا من عطفهم علينا وتمسكهم بنا ينبغي ألا يتجاوز الحدود الآمنة حتى
لا يؤدي إلى نتائج عكسية .
عبد الوهاب مطاوع
أريد أن أروي لك قصتي، وأن
تنشرها كاملة لأني لا أخجل منها بل أريدها أن تكون عبرة لبعض الأزواج، فأنا سيدة
في الثلاثينيات من عمري تزوجت منذ تسع سنوات وأحببت زوجي ورعيته بكل ذرة من جسمي،
وأنجبت له بنتين وولدًا والثلاثة : آية في الجمال والحمد لله .. لأنني أيضًا –
بدون تواضع – زائف – جميلة جدًا كما أني ربة بيت ممتازة، وأحافظ على بيتي وزوجي
وأطفالي بكل ما أملك، وبرغم كل ذلك فقد فوجئت بزوجي منذ أقل من عام يقول لي ذات
يوم وبلا مقدمات كأنما يبلغني بخبر عادي من شئون البيت أو العمل إنه سوف يتزوج من
أخرى وسوف يحافظ على أسرتي ويعدل بيننا !
يا للمصيبة ! لماذا يا زوجي
الحبيب ؟ هل قصرت في حق من حقوقك ؟ .. هل تشكو شيئًا مني ؟ .. هل أنت غير سعيد في
حياتك معي ؟ .. هل وقعت كما يفعل بعض الأزواج في قصة غرام كأفلام السينما ناسيًا
أطفالك وزوجتك ؟ هل أنت محروم من الإنجاب وستتزوج لتنجب من الأخرى ؟
لا شيء من كل ذلك ولا شيء
على لسانه سوى أن الزواج بأخرى مباح .. ولا بأس به مادام سيعدل بين زوجتيه !
ولن أصف لك ما صنعه هذا
"الإعلان" المفاجئ في حياتي من اضطراب وآلام جسدية ونفسية وإحساس
بالاحتراق الداخلي عندي، ولا كيف انعكس على الأطفال بالخوف والبكاء وهم يرونني
أنهار وأبكي وأتشنج أمامهم وزوجي لا يبالي بشيء من ذلك ويمضي في مشروعه كأن شيئًا
لم يكن، وقد تزوج زوجي كما أراد وتغير نظام حياتنا فأصبح يمضي معي أربعة أيام ثم
يغيب عنا وعن البيت وعن أطفاله الأيام الأربعة الأخرى يمضيها مع الزوجة الثانية !
وجدت نفسي خلال الأيام
الأربعة التي يغيبها زوجي عني أجلس وحيدة في البيت في المساء وقد نام أطفالي
مبكرًا .. وأنا ساهرة وعاجزة عن النوم وعن الاستمتاع بأي شيء ..
وذات مساء من هذه الأمسيات
الكئيبة رن جرس التليفون إلى جواري فرفعت السماعة ووجدت صوتًا عطوفًا يسألني : كيف
حالك ؟ وتذكرت صاحبه بغير عناء طويل . إنه شخص من جيراني في بيت أسرتي، وقد علم من
والدتي بما جرى من زواج زوجي فصارحته بأني في أشد حالات الألم مما فعل زوجي وأنني
سأجن إذا استمر الوضع على ما هو عليه بيني وبينه وأفكر في طلب الطلاق للضرر المعنوي
والنفسي الذي أصابني من زواجه وفوجئت بصاحب هذا الصوت الحنون يقول لي إنه كان
يحبني قبل أن أتزوج ومازال يحبني حتى الآن ولم يتزوج بعد ومازال يتمناني كزوجة له
! وتكرر اتصال هذا الشخص بي في الأمسيات التي يغيب فيها زوجي ..
أعرف أنك ستعنفني على ذلك
بشدة بل وأنك قد توجه لي كلمات قاسية بهذا الشأن .. لكن هذا ما حدث ولست أريد أن
أخفي عنك شيئًا منه ما دمت قد ارتضيت بك حكمًا في أمري وطلبت مشورتك المخلصة ..
وقد صارحني هذا الشخص في
اتصالاته التالية بأنني إذا حصلت على الطلاق فسوف يتزوجني ويعطيني كافة الضمانات
التي أريدها للحياة معه في أمان واستقرار كما سيسجل شقة الزوجية باسمي لأنني كما
قال لي "جوهرة ثمينة" وأستحق كل ذلك وأكثر .. وليس أن تشاركني في زوجي
امرأة أخرى ! ..
ووجدت كلماته تتسلل إلى
أعماقي وتؤثر فيّ بشدة وبدأت أفكر جديًا فيما يعرضه عليّ هذا الجار القديم .. وأنشغل
به وبما يعرضه !
وكانت قد مضت ثمانية شهور
على زواج زوجي بالأخرى ولم يعدل خلالها بيننا كما وعد .. ووجدت زوجي يمرض كثيرًا
وينقص وزنه وحين يعود إلى البيت قادمًا من عند الأخرى لا أجد نفسي قادرة على
الاقتراب منه لأني قد فقدت حبي له وأصبحت أنفر منه واستغرقني التفكير في الأمر
لفترة ثم حزمت أمري، وقررت الانفصال عن زوجي وديًا .. فإذا رفض طلاقي قمت برفع دعوى طلاق للضرر أمام المحكمة .. وحددت
اليوم الذي سأصارحه فيه برغبتي النهائية في الانفصال عنه ففوجئت بزوجي وفي نفس
اليوم الذي انتظرته فيه لأطالبه بالانفصال يدخل البيت منكسرًا ويتجه إليّ والدموع
في عينيه ثم يقبل يدي الاثنتين ويطلب مني الصفح عنه فيما فعل بي وبأولاده لأنه قد
أحس الآن فقط بما تسبب لي فيه من آلام ومعاناة، ولم أتجاوب معه لأن عواطفي تجاهه
كانت قد فترت وإنما قلت له إنه قد فات الأوان لمثل ذلك وصارحته برغبتي في الانفصال
عنه، فوجدته ينهار باكيًا بشدة ويقول لي إن الله قد انتقم منه بما فيه
الكفاية وإنه كان قد قرر أن يطلق الأخرى بغض النظر عما قلته له الآن لأنه لم يشعر
بالراحة معها ولم يجد لديها ما يجده عندي ولأن زواجه منها قد أوقعه في ورطة كبيرة
.. وشتته بين حياتين وبيتين مما أورثه القلق والتوتر والإجهاد البدني والنفسي
والمادي ، ثم رجاني في النهاية أن أتراجع عن قراري الخطير هذا ، وأن نواصل حياتنا
معًا بعد إصلاح الخطأ الذي تورط فيه .
ووجدت نفسي يا سيدي في وضع
غريب .. فلست أستطيع أن أواصل الحياة مع الرجل الذي غدر بي وجرح مشاعري ، ولست
أستطيع في نفس الوقت أن أتخلى وبسهولة كما تصورت عن بيتي وحياتي التي كانت سعيدة
ومستقرة قبل هذه الأزمة .. فبماذا تنصحني أن أفعل ؟ هل أتراجع عن قراري وأكمل
مشواري مع زوجي الذي غدر بي ولم أعد أحس بالأمان معه ؟ أم هل أمضي في طلب "مصلحتي"
فأواصل مشروع الزواج من الإنسان العطوف الذي يعدني بالأمان والاستقرار معه بلا
مفاجآت ولا زوابع مفاجئة ؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
لو كنت حقًا تريدين
الانفصال عن زوجك والارتباط بالآخر مضحية بأطفالك الثلاثة لما كتبت إليّ تطلبين
النصيحة مني ولما استشرت أحد فيما تنوينه وأنت تعرفين جيدًا أن النصيحة عندي وعند
غيري ستكون بألا تضحي بأي حال من الأحوال بأطفالك الأبرياء وبزوجك الذي عاد إليك
نادمًا مستغفرًا وبحياتك التي كانت سعيدة وآمنة حتى اعترضتها هذه العاصفة العابرة
! ولا عجب في ذلك فمن تتوسم في نفسها القدرة على اختراق حاجز الأمومة وإلقاء
أطفالها الثلاثة الذين لا يتجاوز أكبرهم الثامنة من عمره – لأبيهم لتربيهم المربية
بديلاً عن أمهم ، لكي تنطلق هي وراء أهوائها أو مصلحتها على حد تعبيرك فتتزوج
رجلاً آخر غير زوجها ووالد أطفالها وبهذا اليسر والبساطة ، من تتوسم في نفسها هذا
الجبروت وهذه الأنانية لا تستشير أحدًا عادة في أمرها ولا تسمع لرأي أحد ، وإنما
تستجيب فقط لنداء الحب أو المصلحة أو النزوة وتقتحم تجربتها ضد كل النصائح
والاعتبارات ، وتتحمل تبعات اختيارها نادمة أو غير نادمة .
ولست أظن أنك من هذا الطراز
من النساء حتى مع خطئك البشع في الاتصال بالجار القديم والسماح له بأن يبثّك
مشاعره ويغريك بالانفصال عن زوجك والارتباط به ، وإنما أنت غالبًا تريدين فقط –
حتى ولو لم تدركي ذلك بوضوح – الانتقام من زوجك وإشعاره بأنك أيضًا تستطيعين
الارتباط بغيره كما ارتبط هو بغيرك من قبل .
وقد تعمقت لديك هذه الرغبة
النفسية في الانتقام منه حين فوجئت بانهيار زوجك وندمه ورغبته في التخلص من الأخرى
ليخلو لك وحدك كما كان الحال بينكما قبل هذه الأزمة فكأنما تريدين برفضك التجاوب
معه .. وإبلاغك له أن الأوان قد فات لإصلاح الأخطاء – أن تشعريه أن الأمر ليس بهذه
البساطة واليسر وإنما يتطلب ندمًا أعمق وتكفيرًا أكبر .. كما يتطلب أيضًا وهو
الأهم عندك – أن يتمثل زوجك بعض مشاعر الألم النفسي الذي عانيته أنت خلال انصرافه
عنك إلى الأخرى ! والرغبة في إشعار المحبوب بعمق جرحه لمن يحبه تعكس الرغبة في
مزيد من التعويض النفسي منه لا الرغبة في رفضه والابتعاد عنه ، ولا بأس بكل ذلك
ولكن بشرط ألا يتجاوز حدود احتمال زوجك حتى لا ينعكس بالسلب على علاقتك به وليس
بالإيجاب ، فحتى إشعار الآخرين بالذنب تجاهنا لكي يزيدوا من عطفهم علينا وتمسكهم
بنا ينبغي ألا يتجاوز الحدود الآمنة حتى لا يؤدي إلى نتائج عكسية .
أما تفكيرك في هدم بيتك
وتشريد أطفالك والانفصال عن زوجك الذي أحببته معظم سنواتكما معًا ، والارتباط
بالآخر الذي سيوفر لك الأمان والاستقرار والكرامة وباقي الضمانات الأخرى ، فليس
تفكيرًا جادًا ولا عمليًا ، فالحقيقة التي لا تنكرينها هي أنك لا تعرفين هذا الآخر
معرفة جيدة ولم تدرسي أخلاقه وطباعه دراسة كافية ، ولست على يقين من قدرته على
الوفاء بعهوده لك ولا بما وعدك من التزامات ومغريات مادية كالشقة الموعودة على
سبيل المثال ، كما أنك لم تختبريه بالعشرة واختبارات الحياة المشتركة التي تمتحن
حقيقة المشاعر وأصالة الطباع وعمق الوفاء ، ولا يتجاوز ما يربطك به في النهاية سوى
فحيح ناعم مألوف من غازٍ جديد للبيوت الآمنة لعب على أوتارك الحساسة وصادف لديك
ضعفًا نفسيًا وأخلاقيًا عابرًا بسبب إحساسك المؤلم بالنبذ والتجاهل من جانب زوجك
حتى اهتزت ثقتك في نفسك كامرأة وشككت في جدارتك بأن تكوني مرغوبة من زوجك أو من
الرجال بسبب انصراف زوجك إلى الأخرى فجاء فحيح هذا الجار القديم في موعده الملائم
لك تمامًا ، وصادف هوى في نفسك لأنه أعاد إليك الثقة المفقودة والإحساس السابق
بجدارتك بأن تكوني مرغوبة من الجنس الآخر وزايد على هذا الإحساس عندك فأشعرك بأنك
لست امرأة عادية بل أنك جوهرة ثمينة ولا عيب فيك سوى أن زوجك لا يقدر الجواهر
الأصيلة حق قدرها وهي معزوفة قديمة تجعل دائمًا من زوجات الآخرين عند أمثاله من
الغزاة "جواهر" نفسية لم تصادف للأسف من يعرف لها قيمتها سواهم ، وتصل
المفارقة إلى قمتها حين يكون هذا الغازي نفسه زوجًا لأخرى لم يكتشف "جوهرتها
الثمينة" أبدًا ومع ذلك فهو يمد بصره و"خبرته" إلى
"جواهر" الآخرين المصونة دائمًا !
لهذا كله أنصحك بألا تعولي
كثيرًا على هذه المعزوفة المهترئة لأنها "فولكلور" قديم ومألوف على
ألسنة العابثين ومقتحمي الحرمات ، كما أنها أمر مفهوم نفسيًا على الأقل إذ بأي
مبرر آخر يستطيع العابث أن يبرر "للجوهرة" اجتراءه على حرمتها وهي عرض
رجل آخر سوى بإثارة غرورها وإشعارها بتقصير زوجها في إدراك قيمة
"الجوهرة" التي لا يستحقها ؟!
والأعجب من كل ذلك هو أنك تعتبرين استمرار الحياة مع زوجك – برغم ندمه وتخلصه من الأخرى وتمسكه بك واعترافه بخطئه في حقك – لن تكون باعثة على الإحساس بالأمان معه لأنه قد غدر بعهدك مرة ودفع ثمن تجربته غاليًا وعاد إليك نادمًا مع أن الأقرب للمنطق هو أن يزيده ذلك تمسكًا بك وحرصًا عليك بعد أن عرف لك قدرك وقيمتك في حياته بالتجربة العملية المؤلمة ، في حين تعتبرين الارتباط بالآخر شبه المجهول بالنسبة إليك أثر مدعاة للأمان والاستقرار في المستقبل مع أن اجتراءه على الحرمات وعلى اقتحام حياتك وأنت زوجة لرجل آخر ، وإغوائك بترك زوجك وتشريد أطفالك الصغار كان ينبغي أن يثير لديك الشكوك حول قيمه الدينية والأخلاقية وحول عدم تردده طويلاً أمام النواهي والمحاذير والأعراف السائدة وهي جرأة تثير الخوف من قدرة صاحبها على اقتحام حياة الآخرين في المستقبل بأكثر مما تستدعي الإحساس بالأمان والسلام معه ، فأيهما أكثر إيحاء بالأمان والاستقرار إلى جواره ؟ من تربطك به روابط أبدية كالأطفال الثلاثة وهو من – حتى حين غدر بعهدك مؤقتًا – لم يرتكب محرمًا ثم عاد إليك نادمًا ؟ أم من لم يتردد أمام الحرمات وسعى لإغراء زوجة بهجر أطفالها وزوجها بوعود لا يعرف إلا الله سبحانه وتعالى حقيقة صدقه فيها ولا مدى قدرته على الوفاء بها ؟ ولا حتما سيستمر ولعه بهذه "الجوهرة" التي انتزعها من عش غيره ؟
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر