الحقيقة الكاملة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2004
إن الزواج الثاني حلال لا
شبهة في ذلك .. لكن من الحلال أيضا ما هو بغيض كالطلاق،
ومنه ما لا يليق بالفضلاء كمد اليد لأخذ الصدقة.. وهناك أمثلة أخرى كثيرة لا
يتسع لها المجال، وإذا كان الزواج الثاني حلالا مباحا.. فإن إكراه زوجة على
قبول حياة لا ترضاها ليس حلالا وإنما حرام مؤكد .. لهذا شرع لنا الشارع إن أردنا
أن نتزوج على زوجاتنا أن نصارح الزوجة والشريكة بنيتنا وأن نخيرها بين القبول
والاستمرار دون ضغط ولا إكراه وبين الحصول على الطلاق، ولم يشرع لنا أن نتزوج
خفية دون إبلاغ شريكة الحياة وتخييرها .. ولا أن نعدها بالانفصال عن الأخرى ونحن
نضمر نية الاستمرار.. ولا أن نطلقها ونحن نأمل في استعادتها خلسة بعد حين.
عبد الوهاب مطاوع
قرأت رسالة "الانسحاب
الثاني" للطبيب الذي كان سببا في طلاق حبيبته السابقة من زوجها للفوز بها,
ثم انسحب من حياتها للمرة الثانية, بعد أن كان قد انسحب من حياتها في بداية
شبابهما, ولم يتزوجها, وقبل أن أبدأ في الكتابة إليك فوجئت برسالة "الفرصة
الأخيرة" في الأسبوع التالي والتي كتبتها لك زوجتي, وتعليقي عليها هو لماذا
نفترض دائما عندما يتزوج أي رجل للمرة الثانية أن تكون هذه الزوجة الثانية هي
الأفعى كما وصفتها زوجتي .. مع أن الواقع يقول لنا إنه كما أن هناك أفاعي تخطف
الأزواج من زوجاتهم, أيضا توجد ثعابين يخطفون الزوجات من أزواجهن مثلي تماما,
ومثل ذلك الطبيب صاحب قصة الانسحاب الثاني .
ولقد قرأت ردك على رسالة
زوجتي الذي أيدتها فيه والحق انك قلت رأيك هذا لأنك سمعت من طرف واحد, وألتمس لك ولها
العذر لأن كليكما لا يعلم الجزء المهم والخفي من الحكاية وهي الحقيقة كاملة والتي
لابد لي أن أرويها حتى أرفع هما ثقيلا عن صدري, وحتى يغفر الله لي ما اقترفته من
ذنب, وأذى لجميع من أحببتهم وأحبوني وليسامحوني بمن فيهم زوجتي الثانية والتي
أطلقت عليها زوجتي الأولى وصف "الحية أو الأفعى", ولعل ما سأرويه الآن
جزء خفي من حياتي لا يعلمه سوى زوجتي الثانية, ولم أستطع أن أواجه به الجميع من
أهلي وأولادي, وليكن بعد ذلك ما يكون, وكل ما سيقدره الله سوف أرضى به,
ولعلهم حين يقرأون ويعرفون يلتمسون لي العذر ويرون الأمور جميعها على حقيقتها حين
كنت أعد زوجتي الأولى بالانقطاع عن حبيبتي الثانية ولا أفي لها بالوعد حتى سقطت من
نظرها ونظر أبنائي, وأيضا سوف تتضح لزوجتي الثانية بعض الأمور والتي كانت تصفها
بالغموض لأني كنت لا أحكي لها ما يدور في بيتي الأول من ضغوط لتركها.
وأبدأ من البداية فأقول
لك: إنني تزوجت زواج أقارب تقليديا بعد قصة حب فاشلة لي في الجامعة, وكانت
زوجتي والحق يقال سيدة فاضلة أحببتها فقامت بتربية الأبناء على أفضل وجه ورعت الله
في وفي بيتي.. ولكن نتيجة لبعض الأسباب ـ التي تعرفها هي وجميع المقربين منا ـ
كانت تختمر في ذهني فكرة الزواج الثاني وكنت طوال هذه السنوات أبحث عن المرأة التي
إذا وجدتها فلن أتركها أبدا. وكنت أعمل بدولة عربية لفترة طويلة وقررت العودة
إلى مصر حيث أعمل الآن منذ 7 سنوات.. فالتحقت بالعمل بشركة أجنبية كنت مديرها
وكان علي اختيار الموظفين المطلوبين للعمل بمن فيهم
السكرتيرة, فقابلت مرشحات كثيرات للوظيفة إلى أن دخلت علي سيدة فراودني إحساس
غريب بأن هذه السيدة هي التي كنت أبحث عنها طوال حياتي, وانتابني شعور الحب من
أول نظرة وكانت لديها الخبرة واللغات الكفيلة بتعيينها إضافة إلى جمال وجهها
وأناقتها, وكانت هذه السيدة متزوجة ولديها طفل وزوجها يعمل بدولة أوروبية. وهي
هنا بمصر لإدخال ابنها المدرسة.
ومن خلال علاقتي بها اكتشفت
أنها غير سعيدة مع زوجها وأن بينهما خلافات كثيرة وأن مستواها الاجتماعي والثقافي
أعلى من مستواه بكثير, ومع كل هذا لم تفكر أبدا في الطلاق منه, بل كانت راضية
بما كتبه الله لها, ووجهة نظرها في ذلك أنها يجب أن تتحمل هذه الظروف مادام هو
بعيدا عنها ومادامت الخلافات لا تتجاوز حدود الهاتف, كما كانت لا تريد أن تحمل
لقب "مطلقة" فبدأت أنا من جانبي أتحامل دائما عليه في أي خلاف وأستغل
ذلك وأحاول التلميح لها بحبي بأساليب مختلفة, فكانت لا تفهم ما أقصده أو لا
تتخيله لأنني أبدو بالنسبة لها إنسانا سعيدا في حياتي العائلية ورجلا متدينا.
وبدأت أستغل نقاط خلافاتها
مع زوجها وأقوم أنا بعمل العكس الذي يرضيها من وجهة نظرها.. وفي مرة سألتها هل
توافقين على أن تكوني نصف زوجة؟ فأجابت بأنها ترضى أن تكون حتى ربع زوجة, لأن
رؤيتها لزوجها مرتين في الأسبوع أفضل مائة مرة من رؤيتها له شهرا كل سنة, وهي
تحتاج لرجل يكون سندا لها وأمانا لأنها جميلة والطمع فيها كثير.. ومنذ أن سمعت ذلك قررت
بداخلي أن أتزوجها.. وبدأت في تنفيذ ذلك, تدريجيا, ورحت أتعمد الاتصال بها
مساء كل يوم بحجة أن آخذ رأيها في أمور تخص العمل وكانت تجيب وتتكلم بطريقة
طبيعية, وكانت مخلصة في عملها جادة في سلوكها, وترفض جميع إغراءات العملاء
الذين يحاولون استمالتها, وكنت أغار عليها منهم, وذات يوم كنت مسافرا إلى
الخارج لعدة أيام وطلبت منها أن تتصل بي صباح اليوم الأول لتبلغني عن سير العمل,
وقامت بالاتصال بي, وفي اليوم الثاني انتظرت مكالمتها في نفس الميعاد فلم
تتصل, فقمت أنا بالاتصال بها وأنا ثائر عليها ثورة
عارمة بدون أن أدري وتعجبت هي لذلك حيث لم يكن هناك أي داع لهذه الثورة ولم يجد
جديد يستوجب اتصالها بي.. وسألت نفسي ما هذا الذي يحدث بداخلي.. هل أحبها..؟
ووجدتني أعترف بأنني أحبها بكل كياني وبأنها فتاة أحلامي التي كنت أحلم بها طوال
حياتي.. ففي داخلها أنوثة ومشاعر أنا فقط الذي أستطيع أن أحركها.
وعدت إلى مصر وقررت الاعتراف
لها بحبي وكان ذلك مفاجأة لها, وسألتني وماذا بعد ذلك وهي لا تريد إنشاء علاقات
في مجال العمل لأنها لا تحقق شيئا سوى المشاكل, كما أن تركها لعملها يعني لها
الموت لأنها تحتاج إليه معنويا وماديا.. فأجبتها بأنني سوف أتزوجها وسوف أحارب
الدنيا كلها لأنالها لأنها جائزة السماء لي.
تسألني لماذا قررت ذلك بعد
25 عاما من الزواج؟ وأجيبك بالآتي هناك أشياء كثيرة أفتقدها مع زوجتي الأولى لا
داعي
لسردها.. فالفكرة في رأسي منذ سنوات كثيرة ولكنها تأجلت إلى أن أحقق ذاتي في
عملي وأصل بأبنائي إلى بر الآمان وأؤمن مستقبلهم جميعا بمن فيهم زوجتي.. فلماذا
إذن بعد ذلك لا أتزوج بمن أحبها بشرط ألا يكون ذلك أيضا على حساب زوجتي الأولى
وأولادي وأن أعدل من الناحية المادية والوقت؟
ولم تكن المشكلة مقصورة فقط
على موقف زوجتي الأولى مني إذا علمت بنيتي للزواج, وإنما كان عائق آخر مهم وهو
زواج من أريدها, فأصبحت أتعمد إظهار كل عيوب زوجها وأضخمها في نظرها وأستثير
كرهها له وأجعلها دائما لا ترضي عنه ولا عن تصرفاته بدون أن تدري, وأصبحت
ألازمها وأشاركها جميع أمور حياتها وتعمدت أن أكون بجوارها دائما, حين تمرض,
وحين تذهب لشراء شيء.. الخ إلى أن وقعت واستسلمت تماما وأحبتني بالفعل بعقلها
قبل قلبها.. حتى
أصبحت لا تشعر بالأمان إلا عندما أكون في مصر ولا تطمئن على نفسها إلا بجواري..
وكان لابد لإتمام زواجنا من
خطة نتفق عليها, وننفذها, ولكل منا دوره في تنفيذها وكان من المنطقي أن يكون دورها
هي الأول لأنه لابد أن يتم طلاقها أولا حتى نتزوج, وإلى حين طلاقها قمت بإعداد
منزل الزوجية وتأثيثه وشاركتني هي في اختيار الأثاث وألوان الدهانات.. الخ..
إلى أن جاء موعد الطلاق وطلقت بالفعل بعد أن دفعت لزوجها مبلغا كبيرا من المال,
هو كل ما استطاعت ادخاره طول فترة عملها, وذلك حتى يتم الطلاق, واستطاعت أن تصمد
بقوة وتواجه جميع المشاكل مع زوجها نتيجة الطلاق.
وبعد ثلاثة أشهر وانتهاء
فترة العدة قررنا الزواج, ولكن بعد أن تأكدنا من زواج زوجها الأول من أخرى ومن
أن صفحته انطوت تماما بالنسبة لنا.. وكان لها رأي في أمر إشهار زواجنا أمام
عائلتي وهو أن نتركه للظروف ولا أقوم أنا بإشهاره, حيث يكفي أن تعرف عائلتها
لأنها تريد أن تعيش معي في سلام ولأنه إذا كان هناك أي مشاكل في بيتي الأول
فستنعكس علي علاقتنا معا, ووافقتها على ذلك. وكان ذلك منذ سنة ونصف السنة..
حينما قررنا الزواج بعد قصة حب دامت خمس سنوات, وتم تحديد موعد عقد القران
والزواج, فإذا بخبر زواجي يتسلل إلى زوجتي وأبنائي قبل عقد القران بيوم واحد من
أخي الوحيد, ومنذ ذلك الوقت قامت الدنيا علي ولم تقعد من جانب أهلي وأقاربي,
فطلبت مني حبيبتي تأجيل عقد القران لمدة أسبوعين إلى أن تهدأ الأمور, وخلال هذه
الفترة انهارت زوجتي ومرضت كما مرض الأبناء, وكانت حبيبتي أيضا لا تقل عنهم
انهيارا.. وكان علي أن أضحي.. فقررت أن أضحي بحبيبتي وتركتها بالفعل, لكنني
أراها أمامي بالشركة وهي سكرتيرتي.. وألاحظ أنها لا تبالي بي فأحاول استمالتها
لي مرة أخرى, وأغار عليها من أن يأخذها أحد مني..
تقول لي ماذا تريد؟ فأقول لك أنني أريد
الاثنتين: الزوجة الأولى والحبيبة الثانية.. وبعد 6 أشهر من ذلك قررنا الزواج
لأن كلينا لم يتحمل البعد والفراق, فأنا أجري في دمها وهي كذلك.. وبعد
الزواج
غير المعلن بالنسبة لزوجتي الأولى أخبرتها بأن الأخرى سوف تترك العمل وتسافر مرة
أخرى ولا تعود, وكنت خلال هذه الفترة أحاول التأثير على زوجتي الثانية لكي تترك
العمل بالفعل ولكنها رفضت رفضا شديدا إلا إذا أخبرت زوجتي بالزواج وعدلت بين
البيتين, وأخبرتني بأنها سوف تترك العمل بعد أن تجد عملا آخر وكانت بالفعل تبحث
عن عمل ولكنها فشلت لأن راتبها كبير.
وكانت كلما اتصلت زوجتي
الأولى في العمل وسمعت صوتها يجن جنونها, لأنها مازالت موجودة إلى أن تمت بيننا
مواجهة ذات يوم اعترفت فيها لها بزواجي. ولن أحكي لك كيف كان تصرفها حين ثارت
علي ولا كيف كان انهيارها وانهيار أبنائي.
واشتدت الضغوط علي من جميع
الجوانب من بيتي الأول, ولم تهدأ زوجتي الأولى حينما رأت ورقة طلاقي لزوجتي
الثانية غيابيا, لأني من الممكن ردها في أي وقت.. وأصرت على أن أطلقها ثلاث
مرات كما ذكرت لك في رسالتها, أما زوجتي الثانية فقد فقدت أعصابها وصوابها
وانهارت في العمل إذ كان خبر طلاقها مفاجأة لم تكن تتوقعها, وكان وجودها في
العمل مصدر قلق وخوف علي وعلى مستقبلي, حيث إن مركزي بالشركة كبير وأي تصادم
بينها وبين زوجتي سيدمرني أمام الجميع. فاتخذت قراري بإبعادها عن العمل, وقمت
بالضغط عليها وخيرتها بين تقديم استقالتها أو نقلها إلى مكان آخر لا تتحمله
ظروفها, واختارت بل أصرت على الاستقالة, وفي نفس شهر استقالتها فرضت علي
زوجتي الأولى تعيين أخيها بالشركة حتى يكون رقيبا علي.. وفرضت علي أيضا تعيين
سكرتيرة أخرى من طرفها تطمئن لوجودها, لكنه على الجانب الآخر كانت لي خطة ثانية
وهي أن إبعاد حبيبتي بهذه الطريقة سيجعل زوجتي تطمئن وترجع الأمور إلى ما كانت
عليه, وبعد ذلك أستطيع العودة مرة أخرى لزوجتي الثانية خلال أشهر العدة,
وصارحتها بذلك ففوجئت بها ترفض العودة لي بدعوى أنني خدعتها وغدرت بها وأني إنسان
ضعيف ولن أستطيع المواجهة كما واجهت هي الجميع واتهمتني بأنني سبب تدمير حياتها
وضياع شقاء عمرها.. ولكني لم أتخيل كيف تتركني وغيري يأخذها.. فالتفكير في ذلك
يجعلني أموت قهرا, وهي التي أشعرتني برجولتي, وأشعرتني بطعم الحياة.
فقررت الاتصال بها مرة
ثانية خلال فترة العدة وأردها رسميا قبل انتهائها. ووافقت على أمل أن أكون هذه
المرة أكثر شجاعة إلى أن جاء آخر يوم من أيام العدة وطلبت مني تنفيذ ما اتفقنا
عليه. فطلبت منها إعطائي مهلة أخرى لأن المواجهة مع زوجتي الأولى خطيرة وصعبة,
فثارت علي ثورة عارمة ووجدتها في اليوم التالي تتصل بزوجتي وأخي وابنتي وتخبرهم
بخبر زواجنا وعودتها لعصمتي, وأثبتت ذلك بتفاصيل كنت قد حكيت لها عنها في الفترة
الأخيرة في بيتي الأول.. وكان عذرها في ذلك أني إما أن أكون لهما معا أو لا أكون
لأي منهما؟ فقطعت بذلك كل الخيوط التي تربطنا معا وانقطعت عنها لفترة لم تحاول هي
خلالها الاتصال بي. وكاد يجن جنوني لذلك, وزوجتي الأولى من ناحية أخرى
تحاول
بكل وسيلة إرغامي على طلاقها ثلاث مرات حتى لا تحل لي مرة أخرى, وكنت بالفعل
أنطق بهذا اللفظ ولكن ليس بنية الطلاق وأردها في سري مرة أخرى, وحاولت كثيرا
إرجاعها ولكنها هذه المرة فرضت علي شروطا مادية كبيرة حتى تطمئن إلى أني لن أغدر
بها مرة أخرى .. وعلمت زوجتي الأولى باتصالي بها ومقابلتها, فقررت زوجتي إنهاء
كل شيء وأن أعطي الأخرى ما لها من مؤخر ونفقة أمام محام من طرفها حتى تطمئن نهائيا
إلى قطع جذور الموضوع, وكانت هذه هي, "الفرصة الأخيرة" التي أعطتها
لي زوجتي, والتي تحدثت لك عنها في رسالتها لك وخيرتني فيها بين الطلاق أو أن
أكون لها وحدها وألا يشاركني فيها أحد.
ولقد اضطررت للخضوع
لطلباتها, في حين أكدت لي الأخرى أنها لا تريد أية أموال لأنه لا شيء يعوضها
عني, وتحت كل هذه الضغوط رفضت رجاءها وقسوت عليها وقررت إنهاء الموضوع تماما كما
طلبت زوجتي وبالطريقة التي ترضيها, وذلك حتى لا ينهار بيتي ويتشرد أولادي.
وأعطيتها حقوقها المادية كما طلبتها هي وبما يؤمن لها حياة كريمة لمدة سنتين
وتحملت عنها قسط قرض كانت قد أخذته من الشركة وأقوم أنا بسداده.
ولا أصف لك حالتها حين كنا
معا عند المحامي ولا أصف لك مدى حزني على تركها, ولا مدى غيرتي عليها حين أتذكر
أنها يمكن أن تكون لآخر, ولكني للأسف ضعيف وصغير أمامها وأمام نفسي ولا أقوى على
حمايتها.. إنني أرجو ألا تحدثني عن أمور لا أحب أن أسمعها, فأنا لست
أول رجل
يتزوج من اثنتين وإنما حدثني فقط عن الحلال والحرام., فحلال أن أتزوج ثانية,
وحرام كل الذي فعلته أنا في امرأتي الثانية.
وهذه السيدة التي وصفتها
زوجتي "بالأفعى" لم تكن أفعى بل كنت أنا ثعبانا أو ذئبا, فهي سيدة
فاضلة ولم أشعر أبدا خلال فترة زواجي منها بأي بادرة طمع في مالي أو مركزي كما
قالوا وكل الجريمة التي عوقبت عليها هي أنها أحبت بصدق وإخلاص, وضحت كثيرا للفوز
بحبي, ولم تطلب مني أكثر من يومين في الأسبوع لأكون بجوارها ولن أنسى أنني طلبت
منها ذات يوم أن تعرف أملاكي وحقوقها بعد وفاتي فرفضت أن تعرف أي شيء, ولم
تجعلني أنطق بحرف, وأكدت لي أنها لا تطلب من الدنيا سوى حبي وسعادتي ووجودي
بجوارها.
إن الحقيقة الكاملة التي أردت أن أوضحها لك
برسالتي هذه استكمالا للصورة هي أنني ظلمت زوجتي الثانية وحبيبتي ظلما لا أستطيع
النوم بسببه إلا إذا سامحتني, وهي كما قالت لي لن تسامحني أبد الدهر, ولن تسير
في جنازتي حين أرحل عن الحياة.. كما قالت لي أيضا أنه سوف يحدث لابنتي ما فعلته
أنا بها لأن الله عادل وسيقتص لها, وأنها احتسبت الله في وفوضت أمرها في إليه
فأنا جبان ولم أبال إلا بالخوف على عملي ومركزي, والخوف من زوجتي ولم أتحمل أبدا
نظرات الاحتقار والتجاهل من قبل زوجتي وأولادي..
لقد تعمدت أن أكتب قصتي لكي
أريح ضميري ولكي أفسر للجميع مدى صعوبة موقفي وحتى يفهموا ويتفهموا
لماذا
كنت حائرا ومترددا وأعد زوجتي ولا أنفذ ما أعد به, وخوفا من القصاص فالله يمهل
ولا يهمل فلدي أبناء أخاف أن يحدث لهم ما سببته لغيرهم من آلام, وأرجو أن
يسامحني الجميع, خاصة زوجتي الثانية التي تركتها تعاني ويلات الحياة وحيدة
ضائعة.. لا أعلم عنها شيئا وهل وفقت في عمل آخر أم لا؟ لكني واثق من أن الله لن
يتخلى عنها, وسؤالي الأخير هو: هل انتهى الموضوع على ذلك.. أم أردها لعصمتي
مرة أخرى؟ لقد قصدت إخبار زوجتي وأولادي بالحقيقة كاملة لأنهم يهتمون بقراءة بريدك
وحتى يفكروا بالطريقة التي يجب أن تكون, ولأخلي مسئوليتي أمام الله في اتخاذهم
أي قرار يخصهم ويخص حبيبتي الثانية عما إذا كنت سأستمر في الإجبار على الطلاق أو
يكونون أكثر رحمة وعدلا, وأنني واثق من رأيك وواثق من ثقتهم في رأيك لأنك محايد..
والسلام عليكم ورحمة الله.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
نعم كما أن هناك أفاعي وحيات هناك أيضا ثعابين وذئاب, غير أن استياءك لوصف زوجتك الأولى لمطلقتك بأنها أفعى وإقرارك بأنك كنت الثعبان الحقيقي في القصة كلها, لا يغير من الحقائق المجردة شيئا.. وإنما تظل مطلقتك بالنسبة لزوجتك وأبنائك, دائما المرأة التي قبلت أو سعت لأن تتزوج رجلا متزوجا وله أبناء وكانت حياته العائلية تمضي في طريقها المرسوم قبل ظهورها في الأفق, كما تبقى أيضا المرأة التي عرفت رجلا متزوجا وهي زوجة لآخر وأم لأبناء منه. وإذا كنت أنت تتحمل وزر تخبيب امرأة على زوجها أي إفسادها عليه, كما جاء في مضمون الحديث الشريف الذي ينهانا عن ذلك, فهي تتحمل أيضا وزر طلبها الطلاق من زوجها دون بأس أي دون أسباب حتمية تفرض عليها ذلك, كما جاء في مضمون الحديث الشريف الآخر الذي يحرم على من تفعل ذلك رائحة الجنة, إذ لو لم تظهر أنت في حياة هذه السيدة لكان زواجها الأول قائما حتى الآن ولظل أبناؤها ينعمون بالنشأة الطبيعية بين أبويهم إلى النهاية.وإذا كان ثمة جناة وضحايا في هذه القصة فأنت جان ولست ضحية لأحد كما تتوهم انك ضحية الواجب العائلي وضغط شريكة العمر والأبناء, والمرأة الأخرى جانية مثلك لاجترائها على حق شريكة عمرك فيك.. وتزيد عنك درجة هي أنها ضحية كذلك لضعفها أمام أهوائك.. وتدبيرك لإقناعها بالانفصال عن زوجها وبث كراهيته في نفسها وتعمد الظهور أمامها بعكس ما تنكره عليه, لإفسادها عليه.
ومن عجب أنك تشعر بالعطف الشديد عليها وترثي لحالها وتتوجع لفراقها, ولا تشعر ببعض هذا العطف على زوجتك التي فجعت في وفائك لها بعد رحلة السنين, ولا على أبنائك الذين اهتزت مثلهم العليا وهم يرونك تحنث بالوعد تلو الوعد بهجر الأخرى ولا تفعل.
إننا نفهم الضعف البشري والعاطفي, ونعرف جيدا أنه لا يخلو بشر من الأهواء, لكننا نعرف أيضا أنه ما يحفظ المرء من الزلل ليس انعدام أهوائه, وإنما قدرته على السيطرة عليها, ولو ترك كل إنسان لنزعاته وبدواته ورغباته البدائية لتحولت الدنيا إلى ماخور كبير لا يشغل الناس فيه سوى إشباع غرائزهم والاستجابة لأهوائهم وعواطفهم, ولتدنينا إلى حياة أشبه بحياة الحيوان الأعجم الذي تتحكم فيه غرائزه. وإنما نحن بشر بقدرتنا على التحكم في أهوائنا وغرائزنا وعواطفنا وبشعورنا بالواجب الإنساني العام والوازع الديني القوي, لقد قيل إن الفيلسوف أرسطو مر ذات يوم بقبر فقرأ عليه هذه الكلمات:
ـ كل واشرب وامرح أي اشبع الغريزة الجنسية كما تشاء وغير ذلك لا يساوي فتيلا.. فتفكر قليلا ثم قال: يا لها من حياة لا تليق إلا بخنزير!
ولهذا فإن ما تأسى عليه الآن وتعتبره من نقاط الضعف في شخصيتك التي حرمتك من مواصلة الاستمتاع بالحب مع الأخرى هو للعجب من أبرز الجوانب الايجابية فيها, وهو الحرص على ألا تتهدم أسرتك.. وتفقد شريكة العمر والأبناء, إرضاء لهوى قد يكون عابرا مهما بدا لك غير ذلك, وهو أيضا العجز عن احتمال نظرة الاحتقار في عيون رفيقة الحياة والأبناء, لأنه قوة ورجولة وضن بالنفس عن أن تكون موضع اللوم والاحتقار من أقرب البشر إليك وليس ضعفا ولا تخاذلا بأي من المقاييس.
وما كان الضعف إلا أن تضحي بشريكة الحياة واحترام الأبناء ومودتهم وحياتك العائلية كلها.. إرضاء لهوى قد يخمد بعد حين مهما طال, وقد تدرك ذات يوم أنه لم يكن يستحق كل الثمن الغالي الذي تكلفه.
ففيم السؤال إذن في نهاية
رسالتك عما إذا كنت ستظل مجبرا على الانفصال عن الأخرى أم سترحمك ذات يوم زوجتك
وأبناؤك, ويسمحون لك بالعودة للنهل من نبعها؟ وهل بعد كل ما ذكرت واعترفت به
ترجو في أعماقك الرجوع إليها وتتلمس الرحمة لدى الزوجة والأبناء ليغضوا الطرف عما
زلت تأمل فيه؟ وأين مجاهدة النفس.. ومغالبة الأهواء واستشعار الواجب العائلي والإنساني
وكيف تتوقع أن تمنحك زوجتك وأبناؤك صكا يصرح لك بنسج قصص الحب والغرام مع امرأة
أخرى, وقد تصوروا أنهم قد نجحوا بعد العناء في طي هذه الصفحة الكريهة من حياتهم؟
انك تطالبني بألا أحدثك عن
أشياء تعرفها جيدا, وأن أحدثك فقط عن الحلال والحرام, واني لأفهم ما ترمي إليه
وأقول لك إن الزواج الثاني حلال لا شبهة فيه, ولا أحد ينازع في ذلك, لكن من
الحلال أيضا ما هو بغيض كالطلاق, ومنه ما لا يليق بالفضلاء كمد اليد لأخذ
الصدقة.. وهناك أمثلة أخرى كثيرة لا يتسع لها المجال, وإذا كان الزواج الثاني
حلالا مباحا.. فإن إكراه زوجة على قبول حياة لا ترضاها ليس حلالا وإنما حرام
مؤكد, لهذا شرع لنا الشارع إن أردنا أن نتزوج على زواجنا أن نصارح الزوجة
والشريكة بنيتنا وأن نخيرها بين القبول والاستمرار دون ضغط ولا إكراه, وبين
الحصول على الطلاق, ولم يشرع لنا أن نتزوج خفية دون إبلاغ شريكة الحياة
وتخييرها, ولا أن نعدها بالانفصال عن الأخرى ونحن نضمر نية الاستمرار, ولا أن
نطلقها ونحن نأمل في استعادتها خلسة بعد حين.
فإذا كنت تطلب العفو
والسماح من مطلقتك عما جنيته عليها من إغوائها وتشجيعها علي هدم أسرتها في البداية
ثم الانفصال عنها وتركها بلا معين في النهاية, لكي يستريح ضميرك فلا بأس بذلك,
أما إذا كنت تمهد لمحاولة استئناف علاقتك بها فهذا شيء آخر.. وعسى الله أن
يعوضها عن حياتها السابقة بما يحقق لها الأمان والاستقرار بعيدا عنك.. ولاشك في
أنك قد أخطأت العنوان في طلب العفو والسماح, إذ توجهت به إلى مطلقتك وحدها..
وكان الأصح أن تتوجه به أيضا إلى زوجتك التي شاركتك رحلة السنين وأبنائك الذين
هلعوا لاحتمال فقدهم إياك, ولاهتزاز رمز الأب في مخيلتهم.
ولقد ذكرني ذلك بما روي عن
الجنرال الألماني هيلموت فون هوليتكه الذي استدعاه السلطان العثماني لتدريب الجيش
التركي عام1914, فلاحظ سوء أحد الضباط الأتراك وقال له:
ـ من أين تريد أن تحصل على
وسامك يا سيدي الضابط؟
من قومك على هذه الناحية أم
من أعدائك على الناحية الأخرى ؟!
ونفس السؤال موجه إليك.. وإجابته
لديك وحدك!
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد
الجمعة" عام 2004
شارك في
إعداد النص / إسراء خطاب
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر