الأسباب الجارحة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000
إن رفض فتاة لأي شاب يتقدم إليها لأية أسباب
تراها حتى ولو كانت خاطئة ليس مما ينقص من قدره ولا من جدارته، تماما لا ينقص من
قدر أي فتاة عزوف أي شاب عن الارتباط بها لأسباب رآها.. لأن من لا يصلح لهذا
يصلح لذاك.. ومن يتنافر مع هذه قد يتناغم مع تلك .
عبد الوهاب مطاوع
أكتب إليك رسالتي هذه
لكي ترشدني إلى الحل السليم فأنا شاب في الثلاثينيات من العمر, بدأت قصتي بعد أن
تخرجت في كلية نظرية وعينت مدرسا بإحدى مدارس محافظة الجيزة , وبدأت أتطلع
للمستقبل .. وفي تلك الفترة وقع نظري بالصدفة على فتاة جميلة لها قوام ممشوق
فخفق قلبي لرؤيتها .. وسألت عنها واغتبطت حين وجدت أخي الأكبر يعرف عائلتها,
فأفضيت إليه برغبتي في التقدم إليها ولم يتردد أخي في الاستجابة .. وعلى الفور
حدد موعدا مع والدها واصطحبني معه لمقابلته في لقاء التعارف المبدئي.
واستقبلنا والد الفتاة
بترحاب وتبادلنا الأحاديث التقليدية .. وبعد قليل دخلت علينا الفتاة فاضطربت
دقات قلبي واشتدت حتى خشيت أن يسمعها الآخرون .. وبعد فترة مشتركة انسحب الأب
وأخي إلى الصالة ليدع لنا فرصة للحديث وتبادل الأفكار وتركانا لفترة ثم رجعا
إلينا .. فما أن دخلا حتى نهضت الفتاة بعصبية واستياء وغادرت الغرفة وهي تقول
لوالدها أمامنا: ما هذا يا أبي الذي أحضرته لي ؟ ونزلت العبارة الجارحة علينا
كالصاعقة وارتبك الأب وحاول التسرية عنا لكني غرقت في خجلي وعرقي, وزاد من ألمي
وجرحي أن سمعت من الصالة صوت ضحكات أخوة الفتاة الساخرة .. وخمنت أنها تروي لهم
ما حدث .. وتقول لهم إن أباها أحضر لها شابا لا يملك شيئا وفوق ذلك أسمر غطيس
.. فيضحكون وتضحك معهم .. وتمنيت لو كانت الأرض قد انشقت وابتلعنني ..
وتمالكت نفسي بصعوبة.. وغادرنا البيت ونحن نتعثر في خطواتنا .. وبالرغم من كل
ذلك فلقد أصررت علي أن أعرف أسباب الرفض .. وكلفت أخي بسؤال والد الفتاة فإذا به
يؤكد لي ما تخيلته .. وهي أنها قد رفضتني لأنني أسمر البشرة وإمكاناتي ضعيفة
.. وحاول أخي أن يهون علي الأمر فقال لي إن الفتيات كثيرات وإنني سوف أجد من
تتمناني زوجا لها إلخ.. فهززت رأسي مؤيدا وتماسكت أمامه , ثم دخلت غرفتي
وأغلقت بابها علي وانفجرت باكيا رغما عني .. فلقد شعرت بجرح الكرامة
والإهانة.. والإساءة إلي من فتاة لم أرد بها إلا الخير..
وتجاهلت الموضوع بعد ذلك..
هذه الفتاة بكل طريقة ممكنة لكيلا يتجدد الجرح .. وبعد بضعة شهور واتتني الفرصة
للسفر للعمل بإحدى الدول العربية فسافرت إليها وواجهت تجربة الغربة ومشاكلها
وانشغلت بحياتي الجديدة. واستغرقت تجربة الغربة خمس سنوات علمت خلالها من أخي أن
الفتاة قد خطبت مرتين وفسخت خطبتها لأسباب لا أعلمها..
وانتهي عملي بالخارج ورجعت
إلي أسرتي وعملي .. وقد استقرت أحوالي المادية وحجزت شقة تمليك وبدأت أفكر في
البحث عن نصفي الآخر قبل أن يسرقني الزمن .. فإذا بأخي يحثني على التقدم مرة أخرى
للفتاة التي رفضتني من قبل لأنها خالية وسوف ترحب بي .. وترددت في قبول الفكرة
بعض الشيء .. ثم سألت نفسي ولماذا لا أفعل وقد تحسنت أحوالي المادية وزالت عقبة
مهمة من طريقي إليها, وقمنا بزيارة أسرة الفتاة مرة ثانية .. ودخلت علينا
الفتاة حجرة الاستقبال فلم ينتفض قلبي هذه المرة وتشتد ضرباته لرؤيتها .. وإنما
لاحظت أن ملامح الفتاة قد تغيرت وزال عنها بعض كبريائها السابقة .. فشعرت في
داخلي بالانتصار .. وفكرت لماذا لا أتزوجها وأنتقم منها لإذلالها السابق لي ؟
فلقد كنت أريد أن أشفي غليلي منها قبل أن
تصبح أما لابن أو ابنة لي ويتعين علي المحافظة عليها لكي ترعى مولودنا.,
والمشكلة هي أن نفسي لم تشف بعد من الإهانة التي لحقتني منها بمعايرتها لي ببشرتي
السمراء وضعف إمكاناتي فهل أنسى لها كل شيء وأنسي سنوات الغربة والمرارة وأكف عن
معاملتي السيئة لها .. أم هل أسرحها بإحسان وأتركها لحالها لكي تخمد النار
المتقدة داخلي ؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ليس من الأمانة أن يرتبط إنسان بفتاة لكي يتشفي فيها أو ينتقم منها أو يمارس عليها إحساسا زائفا بالانتصار!والزواج بنية الانتقام ليس زواجا صحيحا .. لأن الزواج الصميم هو ما يقدم عليه الطرفان بنية التأبيد أي الاستمرار إلي نهاية العمر .. والرغبة المخلصة في السعادة وإسعاد الطرف الآخر.
فلماذا أقدمت أيها الشاب علي الارتباط بزوجتك ولما تخل نفسك بعد من الموجدة عليها ؟ ولماذا لم تتطهر من هذه المشاعر الكريهة تجاهها قبل الارتباط بها أو تنصرف عنها إلي غيرها من الفتيات اللاتي لا تنطوي لإحداهن علي مثل هذه المرارة .. والضغينة ؟
إن مشكلتك الحقيقية ليست في رفض زوجتك لك قبل 5 سنوات ولا فيما توهمته أنت من ضحكات السخرية منك يوم تقدمت لطلب يدها ولا هي حتى في الأسباب الجارحة التي نقلت إليك عنها كمبرر لرفضها لك وإنما هي في تقديري في حساسيتك المغالى فيها تجاه لون بشرتك الذي لا يعيبك ولا يعيب أحدا ولا يتوقف أمامه عاقل يثق في نفسه وفي جدارته بكل خير في الحياة .. ولهذا فأنت لم تغفر لزوجتك إشارتها إلي لون بشرتك في أسباب رفضها لك في المرة الأولي. مع أنها لم تكن في تقديري هي السبب الرئيسي للرفض في ذلك الحين .. وإنما كان السبب الجوهري هو ضعف إمكاناتك المادية وتشكك فتاتك في قدرتك علي الوفاء بمتطلبات الزواج في المدى القريب, بدليل أنك حين أصبحت قادرا علي تكاليفه لم يقف لون بشرتك عائقا دون قبولها لك وأنت هو أنت لم تتغير ولم تتبدل, وإنما تغيرت بعض ظروفك المادية إلي الأفضل.. فماذا يعني ذلك سوي أن الأسباب المادية التي لا تعيب هي أيضا أحدا كانت هي الحائل بينك وبين فتاتك في الماضي وليس أي شيء آخر ؟ ثم إن أفكار البشر تتغير من مرحلة إلي مرحلة من العمر.
ولقد كانت فترة السنوات الخمس الفاصلة بين
الخطبتين كافية لأن تكتسب فتاتك فهما أعمق للحياة ونضجا أكبر وخبرة أفضل بما يستحق
التوقف عنده وما لا يستحق, فضلا عما اكتسبته من خبرة التجربة الفاشلة في الخطبة
مرتين وما أضافه إليها ذلك من استعداد أفضل للتفكير الواقعي والعملي., لقد أصبحت
أكثر نضجا وأكثر إدراكا لحقائق الحياة.. ولا عجب في ذلك حتى ولو كنت قد فسرت أنت
ذلك بأنها قد انكسرت شوكتها وتخلصت من كبريائها السابقة.. لأنه تغير إيجابي في صالحها
وليس ضدها .. وشتان ما بين ما تعتبره أنت انكسارا لها الآن .. وبين تهورها
وخفة تصرفها حين عبرت عن رفضها لك في المرة الأولي بتلك الطريقة القاسية التي آذت
مشاعرك ومشاعر شقيقك وأحرجت أباها أمامكما .. فلماذا لا تشجع هذه التطورات
الإيجابية في شخصيتها وتتجاوز عن خطئها الذي سقط بمضي المدة .. وكان المأمول ألا
تتقدم إليها مرة أخري إلا إذا كنت قد تجاوزت عنه وغفرته لها ؟ إذا كنت في حاجة إلي
الاعتذار عنه بعد كل هذه السنوات فإن قبولها لك في المرة الثانية هو أكبر اعتذار
عملي عنه فإن لم يكن ذلك كافيا وهو كاف عند العقلاء فلماذا لا تعاتبها فيما قالته
عنك وتتصافيان.. لكي تخلص لك السعادة معها ؟
وهل من الشرف أن ترتبط
بفتاة تنطوي لها في أعماقك علي الضغينة بدلا من المودة ؟
إن رفض فتاة لأي شاب يتقدم
إليها لأية أسباب تراها حتى ولو كانت خاطئة ليس مما ينقص من قدره ولا من جدارته
, تماما كما لا ينقص من قدر أي فتاة عزوف أي شاب عن الارتباط بها لأسباب رآها
.. لأن من لا يصلح لهذا يصلح لذاك .. ومن يتنافر مع هذه قد يتناغم مع تلك فما
معني أن تستأدي زوجتك ـ التي قبلت مشاركتك حياتك وأملت في السعادة معك ـ ثمن
إحساسك أنت المغالي فيه ببعض سماتك الشخصية, أو ثمن ذكرياتك المريرة عن الغربة
وعنائها ؟
لقد علمت الحياة زوجتك أن
تكون أكثر تعقلا في التعامل مع الحياة, وليسمن الرحمة أن تجلدها بخفتها السابقة
إلي نهاية العمر ونصيحتي لك هي أن تتخلص أولا من إحساسك المرضي بعدم الجدارة الذي يفسد
عليك طويتك وأن تؤمن عن حق بأهليتك لأن تكون إنسانا مرغوبا ومحبوبا وقادرا علي نيل
احترام الآخرين.. ولسوف يتطهر صدرك تلقائيا من أفكار التشفي والانتقام من شريكة
الحياة..
أما الانفصال عنها الآن
وبعد أن اضطربت أحشاؤها بجنينها منك فهو خيانة لا تليق بك لهذا الجنين نفسه ..
وانتقام أكثر خسة ليس من زوجتك وحدها وإنما من نفسك أنت كذلك ومولودك القادم الذي
لا ذنب له في سوء طوية أبيه .. ولا في سوء اختيار أمه بعباراتها عند رفضها لأبيه
قبل6 سنوات أو أكثر من مجيئه للحياة.
والعفو في النهاية هو
الأقرب للرجولة من الانتقام كما قال ذات يوم حكيم الهند غاندي .. والسلام.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر