الجائزة الأولى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

 الجائزة الأولى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

الجائزة الأولى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

لم يخطئ من قال " قاض في الجنة .. وقاضيان في النار " إشارة إلى ثقل الأمانة التي يتحملها من يتصدى للحكم بين الناس بعد أن يسمع للطرفين ويمتحن أدلة كل منهما .. ومع ذلك فقد يظلم بريئا ويتحمل وزره أمام خالقه .. فما بالك بمن لا يملك وسيلة لتحري الحقيقة سوى أن يحاول استشفافها من بين ثنايا السطور، وأن يعتمد على صدق إحساسه وسابق تجاربه مع مشاكل الآخرين في إصدار الأحكام .
عبد الوهاب مطاوع


أنا من القارئات المعجبات ببريد الجمعة .. وكان ذلك هو ما دفع زوجي إلى إرسال الرسالة التي نشرت منذ أسبوعين بعنوان " الجائزة الثانية " وقد قرأتها وعرفت أنني الزوجة المشكو منها لأنها كما قال " نكدية " ولا تتحدث معه ولا تحس به وعابسة دائما وقد وقفت إلى جانبه وأنصفته دون أن تعرف وجهة نظري .. فقد شكا زوجي من أنني أتشاحن معه بعد أن نعود من زيارة أحد الأقارب وأنا أسألك يا سيدي تخيل أنك جئت لزيارتي وكنت في غاية السرور ثم لم أقابلك أو قابلتك ولم أصافحك ماذا سيكون شعورك ؟.. ألن تغضب .. وربما لا تعود لزيارتي مرة ثانية ؟! إن هذا هو ما لا أريد أن أفعله فأنا لا أريد أن أقاطع أهل زوجي لأني أحبهم مثل إخوتي وأهلي تماما .. ولهذا فإني أصارحه بعد الزيارة بغضبي من فلان أو فلانة على سبيل الفضفضة .. ولكي تصفو نفسي فيأخذ ذلك على محمل آخر ويتهمني بأنني أكره فلانا أو فلانة .

 

أما عن شكواه بخصوص الاستغناء عن بعض الأشياء من البيت و إهدائها للبعض فلماذا نزحم بيتنا بأشياء لا ضرورة لها .. ولماذا يكون في الحمام أكثر من بانيو أو أكثر من ثلاث غسالات ؟

أما عن الوجه العابس فذلك ليس على سبيل الدوام .. فأنت تعرف يا سيدي أن رتابة الحياة والمعاناة من الملل تجعل الفرد منا مرهف الحس في بعض الأحيان .. وأخيرا أشكرك على رأيك الذي اقتنع به ونفذه بالفعل فقد هجرني كما أرشدته ! والسلام عليكم ورحمة الله !

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

 

لم يخطئ من قال " قاض في الجنة .. وقاضيان في النار " إشارة إلى ثقل الأمانة التي يتحملها من يتصدى للحكم بين الناس بعد أن يسمع للطرفين ويمتحن أدلة كل منهما .. ومع ذلك فقد يظلم بريئا ويتحمل وزره أمام خالقه .. فما بالك يا سيدتي بمن لا يملك وسيلة لتحري الحقيقة سوى أن يحاول استشفافها من بين ثنايا السطور, وأن يعتمد على صدق إحساسه وسابق تجاربه مع مشاكل الآخرين في إصدار الأحكام .

إنني لا أقصد بذلك أن أتنصل مما أقول .. لكني أوضح فقط أنني لا أستطيع أن أفعل ما يفعله العادل عمر بن الخطاب حين جاءه شخص فقئت عينه فلم يحكم له انتظارا لأن يسمع لخصمه قائلا كلمته المشهورة "فلربما يكون قد فقئت عيناه الاثنتان ! " ذلك لأني  لا أجلس إلى منصة قضاء .. وإنما أجتهد في أن أقدم مشورتي لمن يطلبها مني في ضوء ما يعرضه علي من وقائع وما يهديني إليه إحساسي بصدقه.

 

فإذا كان صادقا فيما يقول فقد تفيده مشورتي .. وإن لم يكن كذلك فلقد خدع نفسه قبل أن يخدعني ولن تكون نصيحتي هي الرأي السليم في مشكلته ولعل رسالتك قد أتاحت لي الفرصة لأوضح هذه الحقيقة التي طالما ألحت علي من قبل .. أما عن مشكلتك ..فإن رسالتك صادقة وأمينة لأنها تكاد لا تنكر شيئا مما جاء في رسالة زوجك اللهم إلا مسألة الصوت العالي لكنها أوضحت وجهة النظر الأخرى فيه , وهذا ما نحتاج إليه دائما لأن لكل حقيقة وجهين .. وسماع الرأي الآخر قد يقرب وجهات النظر ويحقق نوعا من التلاقي في منتصف الطريق .

 

وصدقك في رسالتك يا سيدتي وأسلوبك المهذب في الرد بالرغم مما نالك من أذى نفسي من ردي على رسالة زوجك يقطع بأمانتك وأصالتك وكرم أخلاقك ورقة مشاعرك ..وكل ذلك يرشحك للسعادة والوفاق مع زوجك المحب الحريص عليك المتلهف على أن تشاركيه حياته واهتماماته الصغيرة وآماله وأحاديث الحياة اليومية التي تروح عن القلب بعض همه ولا شك أن ذلك من حقه .. كما هو من حقك عليه أيضا .

 

وخطورة عزوف الزوجة عن مشاركة زوجها حياته وأماله واهتماماته ..مع العبوس والتجهم والانفراد بالنفس هو أنه يوحي بموقف متحفظ متكبر تجاه الزوج يشي بجفاف المشاعر والعواطف ..ربما لا تعنيه الزوجة لكنها قد تؤخذ به وقد يكون سببا كافيا لهدم عشها وسعادتها , فحين يحل الخصام ويسود الاكتئاب وافتقاد الإيناس يغيب السلام النفسي وتفقد الأشياء قيمتها ..فلا يصبح لمال ولا مركز اجتماعي قيمة ..لهذا يقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال " لقمة يابسة مع سلام ..خير من بيت ملآن بالذبائح مع خصام " .

وأنت إنسانة صادقة مع نفسك ومع الآخرين فكيف لا تنالين  ما تستحقين من سلام نفسي بقليل من مغالبة النفس على أن تستجيب لما يطلبه منك زوجك من مشاركته حياته والتخلي عن بعض ما يثير شكواه .

على أية حال فإني أعتبر رسالتك هذه إشارة ضوء إلى أنك قد استشعرت كل ذلك وإلى تغيرات هامة في أفكارك ..وإشارة ضوء أهم إلى زوجك لكي يعدل عن هجره ويعود إلى الاستئناس بك ورشف رحيق السعادة معك ..وأبشره نيابة عنك بأنه سيفوز إن شاء الله بالجائزة الأولى من جائزتي الزواج ..وهي السعادة الزوجية ..فلا يبيتن الليلة إلا وأنتما متصافيان متحابان بأمر الله ..وهنيئا لكما الوفاق والسعادة ودفء المشاعر وكفاني ما أتحمله من أوزار أرجو زوجك رجاء شخصيا أن يخصم منها وزر ابتعاده عنك .

 رابط رسالة الجائزة الثانية


·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1989

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات