التساؤلات القاسية .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002
إن من سمات الشخصية المدللة الأنانية وقلة الصبر وخور الإرادة .. وسوء الفهم لأولويات الحياة الأساسية وتعجز عن التضحية ببعض متطلباتها الذاتية في سبيل الأهداف الأولى بالرعاية كسعادة الأبناء وحماية الحياة الزوجية من الانهيار، فهي شخصية منطقية مع نفسها تتمحور اهتماماتها حول الذات، وتعلي كل ما يتعلق بها من اعتبارات على ما عداها من أهداف الحياة وغاياتها.. ولهذا فكثيرا ما تواجه الفشل في الحياة الزوجية التي تتطلب دائما الغيرية.. والتضحية.. والعطاء.. وإعادة ترتيب الأولويات بما يخدم هدف الاستمرار والنجاح، وليس فقط هدف إرضاء أحد الطرفين على حساب بقية الاعتبارات.
عبد الوهاب مطاوع
أنا سيدة أبلغ من العمر 38 سنة, أعمل في
أحد البنوك الأجنبية ومن أسرة ميسورة, وقد تزوجت منذ 12 عاما من رجل أحببته
بكل إخلاص وتفان, وتحديت معه صعابا كثيرة حتى أصبح يشغل الآن مركزا مرموقا بأحد
البنوك..
وقد أنجبنا خلال رحلة زواجنا ابنا عمره
الآن عشر سنوات وابنة في الثامنة من عمرها,
وقد بدأت مشكلتي مع زوجي بعد الزواج بفترة ليست طويلة. وكانت مشكلتي
الحقيقية هي أنني باعتباري الابنة
الوحيدة المدللة لأبي وأمي لم أكن قادرة علي تحمل أية مسئولية, فبدأت بالشكوى عند
أول صعوبات تواجهني ثم صادفت زوجي بعض المشاكل
المادية, وكنت في ذلك الوقت في إجازة بدون مرتب من عملي ونعتمد في
معيشتنا على مرتبه وحده, فلم أحتمل
ضيق الحياة وأكثرت من الشكوى وهجرت البيت أكثر من مرة. ورجعت استجابة لطلبه
وإلحاح الأهل. وفي أحد الخلافات بيننا منذ ثلاث سنوات طلقني زوجي وترك لي البيت
وشعرت أنا بالمهانة الشديدة, وبعد فترة أخرى تحول الطلاق الشفهي إلى طلاق رسمي,
ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش في وحدة قاسية بالرغم من عودتي إلى عملي مرة أخرى,
وأعاني الكثير في تربية أبنائي وحدي ومن سـؤالهم الدائم عن أبيهم وحبهم
له.. ومن تساؤلاتهم القاسية لي كل حين لماذا طلقك بابا.. ولماذا لا يقيم
معنا؟ ولماذا لم يعد ينام كل مساء إلى
جوارك في غرفة النوم؟ فأشعر بالعجز والشلل أمام هذه التساؤلات المؤلمة ولا أستطيع
فعل شيء.. ولقد حاولت استرداد زوجي أكثر من مرة وحدثته في أمر الرجوع مرة أخرى,
واعترفت له بأن أي خطأ ارتكبته من قبل لن يتكرر مرة أخرى في المستقبل, وأن ما
أعانيه في الحياة من بعده قد ساعدني على أن أعرف له قدره الحقيقي, وإنني مازلت
أكن له مشاعر المحبة.. والود, لكنه يرفض تماما العودة إلي ويقول لي إن ما فعلته
من شكواي منه لأهلي قد أهانه إهانة لا يستطيع
التسامح معها.. فهل ما فعلته معه يستحق هذا الموقف القاسي منه؟
إنه يحب أولاده جدا ويعاملهم معاملة حسنة.. انني أرجوك أن تناشده العودة إليهم لأنهم يحتاجون إليه.. كما أحتاج أنا إليه خاصة أنه لم يتزوج بعد انفصالنا ولم يرتبط بإنسانة أخرى, وأن تؤكد له أنني لن أجد أبدا من هو أفضل منه لنفسي وأولادي ولا يمكن أن أفكر في الزواج من رجل آخر سواه لكيلا أؤذي أبنائي أو أجرح مشاعرهم, كما أرجو أن توضح له أن ما فعلته خطأ قد يقع فيه أي شخص عادي, وقد رجعت عنه وخير الخطائين التوابون.
إنني أكتب لك هذه الرسالة بكل صدق وإحساس بالندم وبكل الإصرار على عدم الرجوع لأخطائي السابقة, وأتمنى عودة زوجي ووالد أبنائي إلينا لأنني لا أريد لهم أبدا أن يحيوا مشتتين بين الأب والأم, وأريده أن يكون معنا وأن يعرف حجم الضرر الذي ينتج عن الوضع الحالي بالنسبة لأولادنا. وأن يعرف كذلك أنني أريد أن أعوضه عن أي فعل أو تصرف جرحته به.. فهل نسيني فعلا ولم أعد أمثل له شيئا! إن ما يعطيني الأمل في عكس ذلك هو معاملته الحسنة لي بعد الانفصال.. واعتمادي على حبنا القديم وعمق ارتباطنا السابق.. فهل هناك أمل حقا يا سيدي؟
جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
بصدق الندم يفوز المرء بالغفران! فإذا
كنت قد استشعرت بالفعل الندم الصادق على ما كان من أمرك مع زوجك السابق واستوعبت
درس التجربة الماضية وأدركت أخطاءها وصح عزمك على الاستفادة منها في تجنب عثرات
الطريق في المستقبل, فلابد أن يرشحك ذلك للسعادة والأمان في الحياة.. ولاشك في
أن أكبر ما يبعث الأمل في ذلك هو إدراكك لأسباب انهيار حياتك الزوجية السابقة
وتسليمك بمسئوليتك عنه.. واعترافك بأن مشكلتك الحقيقية كانت في أن أبويك قد
أسرفا في تدليلك كابنة وحيدة لهما فنشأت غير مؤهلة لتحمل المسئولية.. وسارعت
بالشكوى والأنين وهجر منزل الزوجية عند أول اختبار لصلابتك وإدراكك لواجبك كزوجة
يتوقع منها زوجها أن تقف إلى جانبه في المحن والخطوب, لا أن تتخلي عنه أو تبادر
بالشكوى منه والإساءة إليه, وليس ذلك بغريب على سمات الشخصية المدللة التي تتسم عادة
بالأنانية وقلة الصبر.. وخور الإرادة..
وسوء الفهم لأولويات الحياة الأساسية وتعجز عن التضحية ببعض متطلباتها
الذاتية في سبيل الأهداف الأولى
بالرعاية كسعادة الأبناء وحماية الحياة الزوجية من الانهيار, فهي شخصية منطقية مع نفسها
تتمحور اهتماماتها حول الذات, وتعلي كل ما يتعلق بها من اعتبارات على ما عداها
من أهداف الحياة وغاياتها.. ولهذا فكثيرا ما تواجه الفشل في الحياة الزوجية التي
تتطلب دائما الغيرية.. والتضحية.. والعطاء..
وإعادة ترتيب الأولويات بما يخدم هدف الاستمرار والنجاح, وليس فقط
هدف إرضاء أحد الطرفين على حساب بقية
الاعتبارات ولأن الحياة الزوجية ليست دائما نزهة شاعرية خالية من الأعباء والأكدار,
فلقد كان من عادات اليابانيين في الزواج أن تشعل العروس في ليلة الزفاف مشعلا
تقدمه لزوجها لكي يحرق به ألعاب الطفولة والصبا التي تحتفظ بها الفتاة حتى
الزواج, إشارة إلى انقضاء عهد اللهو واللعب في حياتها وبدء مرحلة الجدية
والكفاح والعطاء, وفي تقديري أنك قد صرت الآن مؤهلة لإيقاد هذا المشعل
وتقديمه إلى زوجك قربانا لاستئناف
حياتكما المشتركة مرة أخرى وإيذانا بانقضاء عهد الخفة والاستهتار.. وبخس حق العشير,
ومن واجبه تجاه أبنائه قبل أي طرف آخر أن يمنحك هذه الفرصة العادلة لإثبات هذا
التطور الايجابي في شخصيتك وأفكارك عن الحياة الزوجية والحياة بوجه عام, فلقد صهرتك
تجربة الوحدة والانفصال وفقدان الرفيق وتساؤلات
الأبناء المؤلمة وتطلعهم المحروم للحياة الآمنة بين أبويهم فهما أعمق
للحياة الزوجية واستعدادا أفضل للتعامل
مع شريكك فيها وتقديرا أكبر لمسئولياتك كزوجة
وأم..
فإذا كان زوجك مازال يستشعر الإهانة
الشخصية ويعجز عن الغفران بعد ثلاث سنوات من الانفصال فليس هناك في الوجود كله من هم
أحق بأن نتغاضى من أجلهم طائعين عن بعض اعتبارات
الكرامة الشخصية مثل الأبناء.
ولست أتصور أن يرضى عن نفسه إذا هو
حرمهم من حقهم في الحياة الطبيعية بين أبوين متراحمين يتعاونان على رعايتهم وإسعادهم..
من أجل بعض الإساءات القديمة التي يكفي
الاعتذار الحار عنها والندم الصادق عليها.. للتجاوز عنها ثم ألا يحب زوجك
أن يكون من الأخيار والفضلاء الذين جاء
وصفهم في الأثر فقيل عنهم إنهم إذا رضوا لم يدخلهم الرضا في باطل.. وإذا غضبوا لم
يخرجهم الغضب عن حق, وإذا قدروا عفوا؟
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر