الوصية .. رسالة من بريد الجمعة عام 1999
لو أننا اهتدينا بهدي ديننا وعملنا في حياتنا الخاصة
بأحكامه ونواهيه لخلت الحياة من كثير من الآثام والشرور, لقد كان الحكيم الإغريقي
إيسوب يقول: فكر قبل أن تثق!
نحن نثق في بعض
الأحيان قبل أن نفكر ونتدبر ونمتحن جدارة الآخرين بثقتنا فيهم
عبد الوهاب مطاوع
أنا سيدة في السادسة
والثلاثين من عمري .. تزوجت قريبا لي وأنجبت منه طفلين.. وعشت حياتي معه راضية
سعيدة, وبعد زواجي تعرفت بابنة الجيران المتزوجة في حي آخر وترجع لزيارة أهلها من
حين لآخر, وجمعت الصداقة بيننا, تقاربنا وأصبحت الزوجة صديقة حميمة لي وأصبح زوجها
صديقا مقربا لزوجي, وتبادلنا الزيارات العائلية وازدادت أواصر الصلة بيننا بعد
التحاق زوج صديقتي بنفس العمل الذي يعمل به زوجي, فأصبحا يقضيان معا أوقاتا
طويلة في العمل وفي البيت عندنا أو عند هذه الأسرة, كما أصبح زوج صديقتي يثق في
نصائح زوجي ويعمل بها, وبعد سنوات قرر زوج صديقتي السفر للعمل بإحدى الدول العربية
لتحسين مستواه المعيشي, وأوصى زوجي برعاية زوجته وولديه في غيبته, وعمل زوجي
بالوصية, فأصبح يتردد على بيت صديقه كثيرا ويرعى شئون أولاده ويلبي مطالبهم.. وبدأت
أنا أشعر بالقلق لقيامه بهذه الزيارات وحده دون اصطحابي معه كما تقضي بذلك الأصول,
وعاتبت صديقتي على تقبلها لهذا الوضع الذي لا يرضي أحدا.
ثم ازداد قلقي حين لاحظت على زوجي أن حياته قد انقلبت رأسا على عقب وأنه قد أصبح إنسانا آخر معي على الرغم من أنني لا أقصر معه في واجباتي الزوجية.. وسكن الشك في أعماقي.. وتضاعف كثيرا حين أدركت بعد فوات الأوان أن زوجي وهذه الصديقة كانا قبل زواجها متحابين ولم يكتب لهما التوفيق في الزواج فتزوجت من الآخر وتزوج هو بعد سنوات أخرى مني .. وواجهته بما علمت وبما يفعل فأنكر كل شيء, وحاول إقناعي بأنه لا يفعل إلا ما أوصاه به صديقه من رعاية أسرته في غيابه.. ولم يسترح قلبي لما يقول وطالبته بالانقطاع عن زيارة هذه السيدة وأن يدع أمر رعاية شئونها لأهلها .. كما ساءت علاقتي بها وتوقفت عن زيارتها واستقبالها في بيتي .. وأصبحت أعد الأيام والساعات على عودة زوجها من الخارج واستقراره مع أسرته, لكي أنقذ أسرتي من الضياع, وتحققت الأمنية بالفعل وعاد الزوج من الخارج عودة نهائية.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لو أننا اهتدينا بهدي ديننا وعملنا في حياتنا الخاصة بأحكامه ونواهيه لخلت الحياة من كثير من الآثام والشرور, ومن ذلك علي سبيل المثال أن هذه الوصية التي أوصي بها زوج الصديقة السابق زوجك, وصية باطلة من الأصل ومخالفة لأحكام الدين, ولهذا فقد فتحت الباب على مصراعيه للخيانة والغدر بالزوج الغائب, إذ ما معنى أن يوصي زوج رشيد رجلا أجنبيا عن زوجته بأن يرعاها في غيابه مهما كانت درجة صداقته به وثقته فيه, وللزوجة أهل يستطيعون رعايتها وأطفالها في غياب زوجها, ويمكنهم إذا رغبوا في المساعدة أن يلجأوا لمثل هذا الصديق لإعانتهم على ما يستعصي عليهم من أمور, وما معني أن يستبيح هذا الصديق المخلص التردد مرارا وتكرارا على زوجة رجل آخر في غيبة زوجها بغير أن يصطحب معه زوجته في كل زيارة أو يكلفها دونه بالقيام بما يريد القيام به تجاه زوجة صديقه؟ ثم ماذا كان ينتظر ذلك الزوج السابق من زوجته
وصديقه وقد مهد لهما الأرض بغفلته وثقته غير المبررة في هذا الصديق لإحياء الحب
القديم, والتخطيط لاستكمال القصة الناقصة ولماذا لم تنتبهي أنت يا سيدتي من
البداية إلي أن لهذه الصداقة العائلية خلفيات قديمة قد تنذر بتجدد الحب بين زوجك
وصديقتك في أية لحظة, فتضعي لهذه الصداقة حدودا لا تتجاوزها أو تبتريها من الأصل
وقد بدا واضحا منذ البداية أن وراءها ما وراءها من نذر وغيوم.
لقد كان الحكيم الإغريقي
إيسوب يقول: فكر قبل أن تثق!
ونحن نثق في بعض الأحيان
قبل أن نفكر ونتدبر ونمتحن جدارة الآخرين بثقتنا فيهم.
ولقد خان زوجك ثقة زوج
الصديقة وثقتك فيه وخانت تلك الزوجة ثقة زوجها وثقتك أنت كذلك فيها, ومن المؤسف
حقا أن يدفع أربعة أطفال فضلا عنك وعن زوج الصديقة السابق ثمن رغبة عاشقين في
استكمال قصتهما علي حساب سعادة غيرهم وأمانهم واستقرارهم.
فليهنأ كل خائن بما فعل, وليوطن
نفسه من الآن على أن يدفع ضريبته العادلة ذات يوم قريب أو بعيد, لأن الحياة ديون
لا مفر لأحد من سدادها. وكما ظلمنا نحن الآخرين فلسوف يظلمنا ذات يوم من لا قبل
لنا بهم.. فيكون ظلمهم لنا قصاص السماء منا.
أما زوجك الذي لا يعدل
بينك وبين غرامه القديم ويقصر في حقوق أبنائه فليس عندي ما أقوله عنه سوى أن من
يفعل بصديقه الحميم ما فعل, لا يتوقع منه أن تؤثر فيه كلماتي أو تعيده إلي جادة, العدل
والإنصاف, فاستعيني عليه بأهله وأهلك واحتمي بأبنائك والتمسي فيهم العزاء والسلوى
عما تعرضت له مادمت عاجزة عن أي خيار آخر, وليفعل الله بك وبأبنائك ما فيه خيركم
جميعا إن شاء الله والسلام.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد
الجمعة" عام 1999
شارك في
إعداد النص / علا عثمان
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر