صراع الديكة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1992
الحياة الزوجية
ليست صراعاً بين الديكة ولا هي مباراة في حلبة ملاكمة، وانفلات الأعصاب مرة أمر
مفهوم ويمكن التجاوز عنه من الطرفين أما أن يصبح هو طابع الحياة المستمر فأمر لا
يمكن قبوله.
عبدد الوهاب مطاوع
ترددت
أكثر من عام في أن أكتب لك, وقبل أن أسرد لك مشكلتي
أرجو
ألا تهملها لأنك أصبحت الملاذ الأخير لي لحلها.وأبدأ بأن أقول لك أني طبيب شاب
تخرجت منذ حوالي عشر سنوات وبدأت حياتي العملية في الريف ثم في القاهرة وكنت
والحمد لله ناجحا في عملي ومنذ 5 سنوات تعرفت على فتاة جامعية من أسرة متوسطة مثل
أسرتي وأعجبت بها وصارحتها بإعجابي وبحالتي المادية بكل صراحة ووجدتها تبادلني نفس
الإعجاب و تقدر ظروفي مما شجعني على التقدم لخطبتها, وقوبلت بالترحاب وبدأ الإعجاب
المتبادل بيننا يتحول إلى حب بين الطرفين.
وتساندنا
في الكفاح لكي نحقق أحلامنا وحصلت على الماجستير وبدأت بوادر انفراج الأزمة حين
حصلت على فرصة للسفر إلى إحدى الدول فتزوجنا وسافرنا بعد الزواج مباشرة وبدأنا
حياتنا الزوجية في هذا البلد الغريب.وسارت الأمور في العمل على ما يرام..أما في
البيت فلم تكن كذلك, فلقد بدأت الخلافات بيني وبين زوجتي في الأيام الأولى ومعظمها
بسبب تدخلها في كل صغيرة وكبيرة في حياتي حتى علاقاتي في العمل وحتى أسلوب تعاملي
مع الناس, فإذا قابلت أحد الأشخاص وهى معي ودار بيني وبينه حديث تضمن عفوا إشارة
إلى حديث سابق جرى بيني وبينه غضبت لأني لم أقص عليها ذلك الحديث السابق في حينه!
ولم أرو لها تفاصيل المقابلة السابقة بحذافيرها..فإذا قلت لها انه مجرد
نسيان,أجابت بأن النسيان نفسه "جريمة" لأني لو كنت أفكر فيها لما نسيت
أن أحكى لها ما حدث.
وإذا
رأتني أتكلم في التليفون مع صديق سألتني مع من كنت أتحدث
ولماذا
طالت المكالمة وماذا قال لي وقلت له..أو تكون قد التقطت كلمة من حواري معه في
التليفون فتسألني عنها وعن دلالتها..
أما
إذا زرت صديقا بمفردي فإني أتعرض لمحضر تحقيق طويل عريض لا تفلت منه شاردة ولا
واردة وأسمع فيه مرارا أني لو كنت راشدا لأعطيت هذا الوقت الذي أضعته مع صديقي
لزوجتي وابنتي .. وحين عدنا في الأجازة وأقمنا مع أمي بدأت الخلافات تتزايد بيني
وبينها منذ أول يوم ومعظمها بسبب أمي : والدتك تحاول أن تنفرد بك لماذا؟ ما هي
الأسرار التي تحاولان إخفاءها عنى؟ لماذا جاملت والدتك وأثنيت على طبخها للطعام
الفلاني..ولم تجاملني حين صنعته لك من ستة شهور؟
وعدا
ذلك فلم تسمح لي بالانفراد بأمي لحظة واحدة طوال فترة إقامتنا معها وحرصت دائما أن
تكون معنا..وحين أرادت أمي أن تقوم بواجب عزاء لبعض الأقارب البعيدين واصطحبتها
إليهم أصرت على ملازمتنا بالرغم من أنها لا تعرف أحدا منهم وبالرغم من اضطرارها
لترك طفلتنا الرضيعة لدى أمها خلال الزيارة..وبعد مناقشة بيني وبينها حاولت خلالها
إقناعها بأنه لا داعي لحضورها .. لكن هيهات أن تقتنع.
والمشكلة
هي أن هذه المناقشات تحدث بصفة يومية, بل عدة مرات في اليوم وتتم بنفس هذا الترتيب
.. أبدأ أولا بالرد الهادئ على أسئلتها ثم تزداد الأسئلة العجيبة فأرد بضيق قليلا
وأنا أحاول غلق باب الاستجواب..ثم تستمر الأسئلة الاستفزازية فأبدا في العصبية,
وأنا فعلا سريع الغضب وتسلمني مناقشتها البيزنطية لمرحلة الانفجار..فأوجه لها
كلمة. . فترد على بكلمة أشد ويعلو صوتها .. وهكذا.
وفي
أحد هذه الانفجارات طلبت مني الطلاق وأصرت عليه وفي قمة غضبي نطقت به فانهارت وظلت
تبكي بحرقة شديدة حتى جاء أهلها.. وأعدتها لعصمتي وانتهت أجازتنا وسافرنا وفي طريق
عودتنا لعملنا زرنا الأراضي الحجازية وأدينا العمرة وطلبت منها في الكعبة أن
تساعدني على الوصول بحياتنا إلى بر الأمان وأن نقلل من خلافاتنا بقدر الإمكان حتى
نتفرغ لبناء مستقبلنا وتربية طفلتنا الحبيبة, ولاحظت بعدها أنها حزينة وغير
متجاوبة بالقدر الكافي مع دعوتي لها ومرت أسابيع وتخلصت من آثار أزمة الطلاق فعادت
المشاكل وبنفس الأسلوب ولنفس الأسباب,
صحيح
أن عددها أقل نسبيا لكن الأسباب واحدة.
لقد
عدنا الآن إلى بلادنا وانتقلنا إلى شقتنا الجديدة تجنبا للمشاكل
وأصبح لدينا طفلان .. وكنت آمل بعد انتقالنا إليها وانشغالها بوليدها الثاني ومع إدراكها لظروفي الحالية حيث إنني الآن تقريبا بلا عمل منتظم أنها سوف تتجنب الخلافات المستمرة معي, ولكن هيهات فالخلافات كما هي ولنفس الأسباب العجيبة التي رويتها لك وكلها بسبب ملاحقتها لي بالانتقاد والشكوك والاستجوابات وزادت عليها المناطحة بالتصرفات فإذا أصررت على الذهاب لمشوار معين قالت لي: وأنا "عنّدا" فيك سأذهب للمشوار الفلاني! ثم بدأ الخلاف يدخل منطقة أخرى حين خرجت عن أعصابي ذات مرة ولكمتها لكمة واحدة ففوجئت بها ترد إلى اللكمة بلكمة مثلها تماما كما ترد على الكلمة بكلمة أشد منها فتخيل طبيبا وجامعية محترمين وهما يتبادلان اللكمات!
لقد
أصبحت أيامي خصاما ومشاجرات دائمة مع زوجتي وليالي حزنا وأرقا أفكر ماذا أفعل
معها؟ لقد فكرت في طلاقها لكن ما ذنب هذين البريئين اللذين أنجبناهما في أن يتشردا
بيننا..وفكرت وأنا الطبيب الحاصل على الماجستير أن ألجأ إلى العرافين والدجالين
لعمل أي تعويذه تبعد عنا الخلاف وتهدئ من نفوسنا بعض الشئ.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
أفضل
طريقة لكي تتجنب ردها عليك "كلمة بكلمة" هو ألا تبدأها أنت بالكلمة
الأولى وأن تطيل حبال الصبر معها حرصا على استمرار الحياة وصالح الأطفال.
إن
الطبع سجن وتغييره من الأمور الصعبة فعلا لكنه ليس مستحيلا ومن الممكن دائما
بالإرادة وبالرغبة المخلصة في تيسير الحياة وتفادى المشاكل أن يتخلص الإنسان من
بعض التصرفات والعادات التي لها عليه سلطان الطبع وبالتالي فإنك تستطيع بكل تأكيد
بالإرادة والمجاهدة ألا تستسلم سريعا للغضب الذي يقودك للانفجار كما أن زوجتك
تستطيع أيضا بالحكمة ومغالبة الطبع أن تتخلص من بعض وساوسها وهواجسها التي يصورها
لها "فكر المؤامرة" الذي يستولى عليها وهو فكر ضلالي يصور لمن يبتلى به
أن كل اثنين من البشر يتهامسان إنما يتآمران عليه ويدفعه ذلك للتوتر والتحفز باستمرار للدفاع عن نفسه, فتتعقد
علاقاته بمن حوله.
كما
أنها تستطيع أيضا بالضرورة أن تتذكر واجبها كزوجة في أن تكون
أكثر
صبرا على زوجها وأكثر تحملا لانفلاتات أعصابه الطارئة وألا تعمد إلى تصعيدها
بسياسة (الكلمة بالكلمة) هذه وان تحاول التحكم في غيرتها الشديدة ورغبتها الفضولية
في معرفة كل شئ عنك مما يجرها إلى خطأ انتقادك واستفزازك دائما..أن الحياة الزوجية
ليست صراعا بين الديكة ولا هى مباراة في حلبة ملاكمة .. وانفلات الأعصاب مرة أمر
مفهوم ويمكن التجاوز عنه من الطرفين أما أن يصبح هو طابع الحياة المستمر فأمر
لا
يمكن قبوله. فليحاول كل منكما إذن أن يهون الحياة على نفسه وعلى شريكه بالعشرة
الجميلة الهادئة..وبالاستعداد للتسامح مع الآخر.. وبصمت أحدكما إذا انفجر الآخر
حتى تهدأ ثائرته ثم يبدأ العتاب الهادئ ..عتاب المحب لا عتاب الخصم في الصراع. ولتتذكر
زوجتك أن (طاعة الزوج) في غير معصية تعدل كل ما ذهب به الرجال من أجر الجهاد في
سبيل الله كما قال رسول الله الكريم (صلّ الله عليه وسلم) صادقا لمن سألته عن ذلك.
ولتتذكر
أنت أن معظم أسباب شقاء البشر من انفلاتات اللسان وتجاوزاته.
فكن
صبورا وتذكر أن زوجتك إنما تنطلق في استجواباتها ومناقشاتها البيزنطية رغم عنائها
فعلا من حب لك لكنه حب يسئ التعبير عن نفسه ويريد أن يتحول إلى امتلاك كامل
ويستشعر الغيرة من كل شئ حولك.
فحاول أن تطمئن مخاوفها باستمرار, وأن تقنعها بأنه لابد لكل إنسان من أوقات يختلي فيها بنفسه وبأصدقائه وبأهله بغير أن يتعارض ذلك مع حبه لشريك حياته..كما حاول أن تقنعها أيضا أن الفضول الزائد يجر إلى المتاعب .. ولا يليق بزوجة رشيدة مثلها, ولا تقصر في مجاملتها..والثناء على أنواع طعامها طلبا للسلام العام..وللإجادة أيضا لأن الثناء يرضى النفوس, ويطلق القدرات وشكرا.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر