دليل المرأة الذكية .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1998
الزواج في الأصل هو عقد اكتفاء من كل طرف بالطرف الآخر ومعاهدة له على الوفاء والإخلاص له .. لهذا فكل زواج ثاني بغض النظر عن أسبابه
المشروعة في بعض الأحيان هو من هذه الزاوية خيانة لهذا العهد وإن لم يكن حراما أو
محرما .
عبد الوهاب مطاوع
أنا طبيبة متزوجة من طبيب زميل لي وعمري 43 عاما ولدينا
4 أطفال .. ولقد استفزتني رسائل عديدة من بريد الجمعة لزوجات كتبن إليك يشكين خيانة
من أزواجهن لهن أو أقدم بعضهم على الزواج من أخريات سرا أو علانية وأريد أن ألفت
نظر هؤلاء الزوجات الشاكيات إلى أن من يخرج من بيته جائعا فانه إذا قُدم له حتى
الطعام الفاسد فأنه يأكله .. أما من يخرج من بيته وهو شبعان فإنه لا يستطيع أن
يأكل مرة أخرى ولو قُدم له أشهى الأطعمة .
ولقد خلق الله الرجل وله من الرغبة ما ليس لدى
المرأة فنحن يرضينا ربع ما يرضي الرجال ومن هنا تأتي الفجوة التي تتسبب في كثير من
المشكلات وخيانات الأزواج فبعض الزوجات ينظرن إلى الزوج على أنه الممول لتكاليف
حياة الأسرة وأولوياتهن خاطئة إلى حد كبير بل وغبية .. فالصديقة عندهن أهم من
الزوج وهن يفضلن أن يقضين مع الصديقات اسعد الأوقات بينما يتهربن من احتياجاتهن هن
وليس باحتياجات هؤلاء الأزواج في حين أن الزوجة الحكيمة ينبغي لها أن تتعلم سحر
الغواني وفن بائعات الهوى ومصطلحات الراقصات كي تتعامل بها مع زوجها وتسعده وتحميه
من أي خطر خارجي يهدده وهكذا افعل أنا مع زوجي .
أما في العمل فأنا شخصية أخرى تتلاءم مع وضعي
كطبيبة لي قاموس مختلف وطريقة تعاملي الجادة مع الآخرين والفارق بين الشخصين هو
باب بيتي .. فقد كان زوجي متزوجا من قبل وكان معروفا بعلاقاته الغرامية العديدة
وتزوجته كنوع من التحدي مع نفسي وأعطيته كل ما كان يريده من النساء الأخريات فأصبح
شخصا آخر تنطق عيناه بالإخلاص لي والحب والتفاني وتطل منهما نظرات السعادة بمجرد
أن يراني ولا يطيق البعد عني .. ومع أنى لست جميلة إلا أنني أعطيته أجمل الأحاسيس وأتحدى
أي سيدة مهما كان جمالها أن تفوز به دوني لأنه محصن ضد الإغراء و الخطر
الخارجي .. فأنا أخصص أوقاتا لزوجي نخرج فيها معا وحدنا كعاشقين بغير أولادنا حتى
لا يكون بالنسبة إلي مجرد أب للأبناء وأولادي يعرفون أنني اتركهم واخرج مع أبيهم
لكي أحافظ لهم عليه.
ومشكلة بعض الزوجات هي أنهن لا يعرفن أن أحاسيس
الرجل تختلف حدتها عنها لديهن فزوجي يستطيع أن يتزوج أربع زوجات لذلك فانا أعطيه
عطاء أربع زوجات لكي أعوض هذا النقص عندي وذلك بتنظيم وقتي وترك الأحاديث
التليفونية الطويلة وعدم الخروج مع الصديقات لغير ضرورة أو مشاهدة التليفزيون
لفترات طويلة وبتقليل ساعات النوم لكي استثمر هذه الأوقات في تنمية علاقتي بزوجي
وتجديدها وإدخال الحيوية إليها وكل وقتي مشغول بما هو مفيد حتى إنني اخصص وقت
لقراءة القرآن ومعرفة أمور ديني واخصص مسافة الطريق لعمل للاستغفار ودعاء طلب
الرزق وسماع سورة الواقعة من شريط الكاسيت لكي يبارك لنا الله في رزقنا وحياتنا .
فماذا فعلت الزوجات اللاتي يشكين من خيانة أزواجهن
من أخريات لكي يحافظن على هؤلاء الأزواج ويحصنهن من الغزو الخارجي ؟
إنني أرى
الجوع العاطفي في عيون رجال كثيرون يتعذبون لإهمال زوجاتهم لهم ولان بيوتهم أصبحت
خربات عاطفية لا مودة فيها ولا رحمة ولان ترتيب هؤلاء الأزواج يأتي في المرتبة
الثالثة أو حتى الخامسة بعد أم الزوجة وعملها وصديقتها .. والزوجة التي كتبت إليك
منذ أسابيع تروي عن زواج زوجها من سكرتيرته سرا في بيت أهلها المتواضع أريد أن
أوجه إليها هذا السؤال : هل لو كان زوجك وجد لديك الاهتمام والحب والدفء العاطفي
في بيته ووسط أولاده هل كان سيبحث عنه بعيدا عنك؟ إن الرجل يفضل ألف مرة أن يسعد
في بيته مع زوجته وأولاده بدلا من التمزق بين زوجتين وأسرتين .. فهل سألت هذه
الزوجة نفسها وحاسبتها بأمانة عن أوجه التقصير والإهمال التي شكا منها زوجها مرارا
ولم تستجب له قبل أن يتجه الى غيرها من النساء ؟
هل تشاغلت عنه بالصديقات والنادي والأبناء
والاهتمامات النسائية أم لم تفعل ؟
لقد قالت لنا انه كان كريما معها وانه أعطاها
الكثير لكنها لم تحدثنا عن عطائها هى له .. فهل أعطته مثل ما أعطاها ؟ وهل اعتبرته
شغلها الشاغل وفضلته على كل شئ في حياتها في مواقف كثيرة ؟ هل أعطته من الحب
والرحمة والمودة ما يجعله محصنا ضد الغزو الخارجي؟هل اشبعت حواسه الخمس وهي النظر
والسمع والشم والتذوق بالنسبة للأطعمة الشهية؟
إن الزواج الثاني للرجل المتزوج هو بديل العشق وهي
درجة تكليف للرجل وليست تشريف أعطاها الله للرجل ليرعى مصالح النساء إذ انه لولا
فحولة الرجل ورغبته في النساء لما تعب وشقي في خدمتهن وإذا كنت أنا لا أحب أن
يشاركني احد في قلب زوجي فلأعمل جاهدة للفوز بحبه وإخلاصه وأواصل ري شجرة الحب لان
الحب كالشجرة إذا لم تروي ماتت .. ولا يحق لي أن أنام وأهمل احتياجات زوجي ثم حين
يبحث عنها عند سيدة أخرى أعلن الحرب الشعواء عليه بلا هوادة .
إن زوجي هو تاج رأسي ونور عيوني وأنا قد أصبحت له أمة
فأصبح لي عبدا كما أوصت بذلك الإعرابية ابنتها عند زواجها وأنا أعطيه
الإحساس بأنه ملك متوج منذ لحظة دخوله إلى البيت وأقل شئ يقدمه لي يسعدني ويرضيني
واشكره عليه لهذا فإني على ثقة انه لن يجد هذه المعاملة لدى غيري .
ولو ركزت كل زوجة اهتمامها في زوجها لما انصرف
عنها إلى غيرها إلا قلة من الرجال وقلة أيضا من النساء الخسة في طباعهم .. فأرجو
أن تقول كل ذلك لقارئاتك يا سيدي وان تخفف من لومك الشديد للأزواج الذين ينصرفون
عن زوجاتهم ويتزوجن عليهن أخريات لان الزواج الثاني حلال وحاشاك أن تحرم الحلال
فتكون كمن يحلل الحرام .. ولست أنت من يفعل ذلك أبدا إن شاء الله .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
ومن قال يا سيدتي إن الزواج الثاني أو الثالث أو
الرابع ليس حلالا ولا مباحا .. إنني لا املك أن احرم حلالا او احل حراما فالحلال
بين والحرام بين والأصل في الأشياء الإباحة لذلك ما حرم على البشر قد تم تحديده
بوضوح في النص القرآني الصريح .. والمحرمات بصفة عامة قليلة بالقياس إلى
دائرة المباح التي لا حدود لها .. لهذا فقد قال الفقهاء لا تحريم إلا بنص صريح في
حين انه لا تحديد كامل لدائرة المباح لأنها أوسع من أن تحددها النصوص ولأنها يضاف
إليها دائرة العفو وهو ما سكت الله سبحانه وتعالى عنه فلم يحرمه ولم يحلله
وفي ذلك يقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : " ما احل الله في كتابه فهو
حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فانه لم يكن
لينسى شئ "
فإذا كانت هذه الشبهة الظالمة قد قامت لديك لأنني استخدم تعبير " الخيانة " في وصف انصراف الزوج عن زوجته التي تحملت معه صعوبات البداية الى الزواج من غيرها ممن أتاح له وضعه المادي والاجتماعي الجديد إغراءها بالزواج منه وهى غالبا فتاة صغيرة لم يسبق لها الزواج وتعمل لدى هذا الزوج كما في حال زوج كاتبة الرسالة التي أشرت اليها .. فإنني استخدم كلمة " الخيانة" هنا بمعنى خيانة الزوج لعهد الوفاء لزوجته وهو العهد الذي قطعه على نفسه حين تزوجها وعقد قرانه عليها وعاهدها على الإخلاص لها والاكتفاء بها ، اذ ليس من المألوف أن يتعاهد شاب وفتاة على الزواج فتعاهده الزوجة على الإخلاص له والاكتفاء به دون غيره من الرجال حتى نهاية العمر ويعاهدها الشاب في المقابل على أن يستمتع بحبها وإخلاصها له خلال سنوات البداية إلى أن يصبح قادرا من الناحية المادية على أن يضيف إليها زوجة أخرى.
فالزواج في الأصل هو عقد اكتفاء من كل طرف
بالآخر ومعاهدة له على الوفاء والإخلاص له لهذا فكل زواج ثاني بغض النظر عن أسبابه
المشروعة في بعض الأحيان هو من هذه الزاوية خيانة لهذا العهد وإن لم يكن حراما أو
محرما .. وكل ما قلتي يا سيدتي عن
دوافع الرجل للاستسلام للغزو الخارجي سليم وصحيح لكنه لا يكفي وحده لمسارعة كل
الأزواج للاستجابة لأهواء النفس والجري وراء إشباع الشهوات من أي طريق وإلا انهارت
الأسرة ودفع الأبناء دائما الثمن الغالي لمنح الرجال هذه الرخصة بحجة إهمال
الزوجات لهم أو عدم تجاوبهم معهم في تلبية الاحتياجات العاطفية لهم بالقدر الذي
يرضيهم وإنما تطالبنا مسئولية الكلمة و الوعي بخطرها دائما ألا نشجع زوجا وأبا على
الانصراف عن زوجته وأبنائه وخوض المغامرات العاطفية مهما كانت دوافعه لذلك وبغير
أن يجاهد نفسه للاكتفاء بزوجته ورد النفس عن أهوائها
ذلك أن الإنسان يميل دائما لتبرير أخطائه
والتماس الأعذار لنفسه فيما يفعل حتى ولم يكن مقتنعا هو نفسه داخليا بصدق هذا
التبرير
ولا يعني ذلك أبدا أنني اعفي أية زوجة من
مسئوليتها عن تعريض زوجها لأخطار الغزو الخارجي سواء كان مغامرة عاطفية أو اتخذ
شكل الزواج الثاني إذا كانت مقصرة بالفعل في حقوق زوجها عليها لكن من يستطيع أن
يصدر هذا الحكم بمسئوليتها عن دفع زوجها إلى هذا الطريق إلا من يدرس كل حالة على
حدة دراسة متأنية ويحدد بضمير القاضي مسئولية كل طرف من طرفيه عن ذلك بل ومن
يستطيع أن يقرر بضمير مستريح أن الزوجة كاتبة الرسالة التى اشرت إليها قد قصرت
بالفعل في حقوق زوجها فدفعته بذلك دفعا إلى الزواج من سكرتيرته الشابة
ولماذا لا يكون ضعف الإنسان في بعض الأحيان وغروره
بقوته ونفسه وماله وجاهه من أسباب هذا التطلع إلى طلب المزيد من المتعة والبهجة
وأسباب السرور بلا اعتبار لحقوق الزوجة والأبناء عليه .
إنني احيي فيك فهمك الراقي لواجبات الزوجة تجاه
زوجها وأتمنى لو استوعبت زوجات كثيرات هذا المنهج الحكيم الذي تتبعينه مع زوجك وفي
معاملته وإرضائه وتحصينه ضد كل المغريات لكن لا تظلمي غيرك من الزوجات يا سيدتي
فمنهن أيضا من تبذل مثل ما تبذلين من جهد لإرضاء زوجها والحفاظ عليه فلا تأمن بعد
كل ذلك من غدره بها أو ضعفه مع الأخريات أو استجاباته لبعض نزواته وشكرا لك علي
رسالتك الممتعة التي أرجو أن تعتبرها كل الزوجات فيما عدا تعاطفك مع الأزواج الذين
يستسلمون للغزو الخارجي دليلا ناجحا للمرأة الذكية للاستمتاع بحياتها الزوجية
بالطريفة المثلي وإمتاع زوجها بها بنفس القدر وتحصينه ضد أخطار الغزو الخارجي .
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد
الجمعة" عام 1998
شارك في
إعداد النص / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر