عودة الطائر .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2003

 عودة الطائر .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2003

عودة الطائر .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2003

إن الكبرياء يمكن أن تفهم بين طرفين متساويين في الفضل والمكانة، لكنها لا يمكن أن تكون مفهومة أو مقبولة في علاقة الابن بأبيه وهو المطالب دائما بأن يخفض لأبويه جناح الذل من الرحمة ويقول رب ارحمهما كما ربياني صغيرا‏، بل وبأن يصاحبهما في الدنيا معروفا ولو جاهداه علي أن يشرك بالله‏.
عبد الوهاب مطاوع

أكتب إليك في لحظة تأمل ومراجعة للنفس،‏ استعدت خلالها قصة حياتي كلها، فأنا شاب في الثامنة والثلاثين من عمري‏ ..‏ نشأت في أسرة عادية كباقي الأسر المتوسطة الصغيرة‏,‏ أبي موظف حكومي ترقى في المناصب حتى شغل منصب المدير العام‏,‏ وأمي ربة بيت متعلمة وحنون‏,‏ ولي أختان تصغرانني ومنذ طفولتي المبكرة أشعرني أبي بالمسئولية عن شقيقتي هاتين‏..‏ وحاول دائما أن يغرس في الإحساس بواجبي في حمايتهما‏..‏ وإرشادهما‏..‏ والتضحية من أجلهما‏..‏ والحق أنني لم أقصر في ذلك‏..‏ لكني لاحظت مع تقدمنا في الدراسة وكثرة مطالبنا أن أبي يعطي الأولوية الأولى لمطالب البنات قبل مطالبي‏,‏ ويقول لي إنني رجل وأستطيع الانتظار حتى تتيسر الأحوال‏,‏ أما البنات فهن مطالبات بالحفاظ على مظهرهن وسط زميلاتهن‏,‏ وعلينا أن نحفظ عليهن كرامتهن‏,‏ ولم أكن أعترض على ذلك‏..‏ حتى ولو ضقت به في بعض الأحيان‏,‏ وهكذا مضت بنا الأيام حتى تخرجت في كليتي الميري وتسلمت عملي‏..‏ وقبضت أول مرتب لي‏..‏ وبدأت أتطلع إلى الفتيات من حولي باحثا عن شريكة لأحلامي‏,‏ فلفتت نظري جارة لنا ولاحظت اهتمام أمها بي منذ تخرجي وكثرة زياراتها لأمي مصطحبة معها ابنتها الشابة الطالبة بكلية الآداب‏..‏ فبدأت أفكر فيها‏..‏ وبدأت بسؤال شقيقتي عنها فأثنتا على أخلاقياتها وأدبها والتزامها‏..‏ وجسست نبض أمي فجاءت النتيجة ايجابية أيضا ولم يبق إلا أبي‏..‏ وقبل أن أفاتحه في الأمر أردت أن أتأكد من قبول الفتاة لي‏..‏ فترقبت زيارتها لنا‏..‏ ورحبت بها في حضور أمها التي سارعت بالدخول للصالون وتركتها واقفة معي في الصالة‏..‏ فتبادلنا النظرات والابتسامات‏,‏ وسألتها عن دراستها وسألتني عن عملي‏,‏ وتمنت لي التوفيق ثم انضمت إلى أمها في الصالون وهي تنظر إلي نظرات مشجعة واكتفيت بذلك‏,‏ وفاتحت أبي في الأمر ففوجئت به يثور علي ثورة عارمة ويتهمني بالأنانية وبتفضيل نفسي على شقيقتي‏,‏ ويقول لي إنه كان يتوقع مني مساعدته في تربية الأختين وزواجهما وبعد ذلك أفكر في نفسي‏,‏ وصدمت لهذا الموقف الصارم‏,‏ وحاولت إقناعه بأنني لا أرغب إلا في خطبة هذه الفتاة لكيلا ترتبط بغيري‏,‏ ثم الانتظار حتى تتخرج الأختان وترتبطان بصاحبي النصيب‏,‏ وليدبر الله بعد ذلك أمورنا‏..‏ فلم يتزحزح عن موقفه وخاصمني‏..‏ وشعرت لأول مرة في علاقتي معه بالاهانة فبادلته خصاما بخصام‏.

 

‏ واستمر الحال بيننا على هذا النحو بضعة أشهر‏..‏ شاع خلالها في أسرتنا أنني علي خلاف مع أبي بشأن زواجي‏..‏ وحثني كثيرون من الأهل على أن أبدأ بالاقتراب من أبي وإزالة الحاجز الذي قام بيننا فلم أستجب‏,‏ بل وبلغ الأمر أسرة الفتاة‏,‏ فدعتني أمها للزيارة ورحبت بي في وجود زوجها وابنتها وطالبوني بالصبر على أبي إلى أن يلين‏..‏ ووجدت جو أسرتهم مختلفا عن جو أسرتي‏,‏ ووجدتهم متفاءلين بالمستقبل وليسوا متشائمين كأبي‏..‏ واسترحت إليهم وبدأت أتردد عليهم كثيرا ونبض قلبي بالحب لابنتهم‏..‏ وشعرت بحبها لي واهتمامها بأمري‏..‏ وبعد ستة أشهر طويلة من الجفاء والخصام بيني وبين أبي‏,‏ نجح الأهل في تقريب وجهات النظر بيننا‏..‏ وقبل أبي بقراءة الفاتحة وتقديم الدبلتين على ألا أتزوج إلا بعد انتهاء أختي الاثنتين من دراستهما ووافقت راغما‏..‏ وتمت قراءة الفاتحة‏..‏ وبدأت أدخر جزءا من مرتبي لتكاليف الزواج‏..‏ وتطلعت إلى أن يساعدني أبي في توفير الشقة التي لن أستطيع توفيرها ولو ادخرت مرتبي كله طوال عشرين سنة‏,‏ وكنت أعلم أنه يملك مساحة صغيرة من الأرض الزراعية ورثها عن أبيه يأتينا منها كل سنة إيجار ضئيل‏‏ ويقول دائما إنها لزواج الأبناء‏..‏ فطالبته ببيع الأرض وشراء شقة صغيرة لي في أي مكان‏..‏ فثار علي ثورة جديدة أشد من ثورته الأولى‏,‏ وقال إن هذه الأرض لن تكفي لزواج البنات وحدهن وخاصمني من جديد وخاصمته‏..‏ وطال الخصام والجفاء هذه المرة‏,‏ وساهم في ذلك أنني بدأت أسمع في أسرة خطيبتي انتقادات شديدة لأبي‏..‏ واتهامات له بالقسوة علي وعدم العدل معي‏..‏ الخ‏.‏

فبدأت المرارة تترسب في نفسي تجاهه‏..‏ بل وبدأت أضيق بكل ما يتعلق بأسرتي حتى أمي وشقيقتي‏..‏ وأتجنب الحديث معهن جميعا‏..‏ ولا أمضي في البيت إلا ساعات النوم وأقضي كل أوقاتي مع أسرة فتاتي التي أجد لديها الفهم والحنان وتقدير ظروفي‏,‏ وخلال عامين من الخطبة تخرجت الأختان‏..‏ وخطبت كبراهما وبدأ أبي في إعدادها للزواج فإذا بالنقود تخرج بسهولة‏..‏ وإذا بالأرض تباع بلا إبطاء‏..‏ وإذا بكل شيء يمضي في يسر وعلى أحسن مستوى‏,‏ بلا مشاكل ولا خصام ولا جفاء‏..‏ فزاد كل ذلك من إحساسي بالمرارة .‏.‏ وزفت أختي إلى عريسها‏..‏ ووجدت أنني قد انتظرت ما فيه الكفاية فأعلنت أنني سأتزوج ولو اضطررت للإقامة مع أسرة فتاتي إلى أن يتوافر لي السكن الملائم‏..‏ وبعد مفاوضات عسيرة وصدامات عديدة وافق أبي على إعطائي مبلغا رآه كبيرا ورأيته أنا قليلا لأدفعه كمقدم لشقة‏..‏ وكان والد فتاتي قد نجح في تدبير شقة لي فأعطيته المبلغ ودفع هو بقية الثمن مقابل تسجيل الشقة باسم ابنته واسمي‏..‏ ووافقت على ذلك‏..‏ وتزوجت دون مساعدة أخرى من أبي‏.‏

وبدأت حياتي الزوجية مع فتاتي‏ ونفسي مفعمة بالمرارة تجاه أبي‏,‏ وامتدت المرارة إلى أمي التي اتهمتها في خواطري بأنها لم تبذل جهدا كافيا مع أبي لإقناعه بتقديم المزيد من المساعدة لي‏,‏ وكذلك الأختان‏,‏ وانعكست هذه المشاعر السلبية علي في ابتعادي بعد الزواج عن أبي وأمي والأختين‏..‏ وانغماسي في وسط عائلة زوجتي التي اعتبرتها أسرتي الجديدة‏..‏ فأصبحت الأسابيع تمضي دون أن أذهب إلى زيارة أبي وأمي وأختي الصغرى، وإذا ذهبت أمضيت نصف الساعة معهم صامتا ثم انصرفت لزيارة أهل زوجتي‏.

وأنجبت طفلي الأول‏..‏ فاحتفلت به أنا وأسرتي الجديدة‏..‏ ولم أدع أحدا من أهلي‏..‏ وعلمت أسرتي بذلك فكان هذا إعلانا بالقطيعة التامة بيني وبينهم ‏.. ‏وخطبت أختي الصغرى وتزوجت وانتقلت إلى بيت زوجها‏,‏ دون أن يدعوني أبي أو أحد من أسرتي للحضور والمشاركة‏,‏ وعلمت أن أمي قد بكت وتوسلت كثيرا إلى أبي لكي يسمح لها بدعوتي للمشاركة فرفض بإصرار شديد‏,‏ وقال لها إنه قد احتسب ابنه الوحيد عند الله‏..‏ ولم يعد له ابن‏!‏

 ورغم كل مراراتي السابقة فلقد تألمت لذلك كثيرا‏..‏ ثم لم ألبث أن نسيت الأمر وواصلت حياتي‏ ‏وأنجبت طفلة ثانية‏..‏ وشغلت بعملي وحياتي العائلية ولاحظت أن ابتعادي عن أسرتي قد امتد فشمل بقية الأهل من أخوال وخالات وأعمام وعمات‏,‏ في حين توثقت صلاتي بأهل زوجتي وخالاتها وأعمامها‏..‏ حتى أصبح أبنائي لا يعرفون لهم أقارب سواهم‏..‏ وذات يوم التقيت بالمصادفة بخال لي‏,‏ فلامني لوما شديدا على مقاطعتي لأهلي واتهمني بالعقوق‏,‏ وقال لي إن أبي حزين كل الحزن لموقفي منه ومن أمي وأخوتي ويدعو لي بالهداية‏,‏ فسألته ولماذا لا يبدأ الخطوة الأولى ويصالحني‏..‏ فأكد لي أن هذا هو واجبي أنا وليس واجبه‏,‏ فلم أقتنع وتركته‏,‏ وهو أشد غضبا مني وترقيت في عملي واستفدت من علاقات أهل زوجتي في النقل إلى موقع مميز وله امتيازات مادية جيدة‏,‏ ونسيت تماما أمر أهلي أو هكذا خيل لي إلى أن كنت في عملي ذات يوم وشعرت بدوار شديد فنهضت من مجلسي لأستريح على الكنبة فإذا بي أسقط علي الأرض وأغيب عن الوجود‏,‏ وفتحت عيني فوجدتني ممددا على الكنبة وحولي طبيب وبعض الزملاء‏,‏ وجاءت عربة الإسعاف ونقلتني إلى المستشفي الميري‏..‏ واحتجزت فيها بضعة أيام أجريت لي خلالها فحوص عديدة‏..‏ وتلقيت علاجا مكثفا وخرجت فلم يمض علي أسبوعان آخران حتى تكررت الأزمة الصحية وكانت أشد وطأة هذه المرة‏..‏ ونقلت من جديد للمستشفى واستمرت الفحوص العديدة ثم بدأ العلاج القاسي‏..‏ وأدركت من تجهم كل من حولي ونوع العلاج الذي أتلقاه حقيقة مرضي‏,‏ واكتأبت واستسلمت لأقداري‏..‏ وأقامت معي زوجتي في المستشفى بضعة أيام ثم استأذنتني في العودة للبيت لرعاية الطفلين وشجعتها على ذلك‏,‏ ووجدت نفسي بعد انصرافها وحيدا‏..‏ أنظر إلى سقف الحجرة وأسترجع ذكريات حياتي‏,‏ وغفوت بعض الوقت ثم فتحت عيني فخيل إلي أنني أرى وجه أمي وهي تبكي وتنظر إلي في حنان‏,‏ فأغمضت عيني وفتحتها مرة أخرى‏,‏ فإذا بها أمي بالفعل وبجوارها شقيقتاي والجميع يبكون‏,‏ ومددت يدي إلى أمي فاحتضنتها بيدها ودعت لي بالشفاء‏,‏ وعرفت منهن أن والد زوجتي قد رأى من واجبه أن يبلغ أسرتي بمرضي فمر على البيت وأبلغ أبي الذي حزن لذلك كثيرا‏,‏ وبادر على الفور بإرسال أمي للاطمئنان علي‏..‏ ونظرت إلى وجوه أمي والأختين الدامعة‏..‏ وشعرت بألم شديد لمجافاتي الطويلة لهن‏..‏ وسألت كيف حال أبي‏..‏ وأجبنني بأنه حزين من أجلي ويدعو لي بالشفاء‏,‏ لكنه يخشى إن جاء لزيارتي ألا أحسن استقباله فيزداد ألما وحزنا‏..‏ فانفجرت باكيا وقلت لهن أنني أجرمت في حقه وحقهن بهذه القطيعة‏,‏ وأنني لو كتب الله لي الشفاء وغادرت المستشفى على قدمي فسيكون بيت أبي هو أول مكان أتوجه إليه لأقبل رأسه ويده وقدمه وأرجوه الصفح عني‏..‏ وحل الليل فإذا بأمي تفترش بطانية على الأرض وتصر على المبيت معي وحاولت إثناءها عن ذلك دون جدوى فاستدعيت المسئول وطالبته بإحضار سرير إضافي لها‏..‏ومنذ ذلك الحين‏..‏ تناوبت أمي وشقيقتاي المبيت معي في المستشفي طوال فترة إقامتي به وذات يوم كنت عائدا بالكرسي المتحرك من جلسة العلاج المؤلم إلى غرفتي بالمستشفى وقد تملكني الإعياء واليأس والتشاؤم‏..‏ فإذا بيد حانية تربت على رأسي في الممر‏,‏ وأنظر تجاه صاحبها فأجد أبي يسير إلى جواري حاني الرأس‏..‏ وكل ألم الدنيا في وجهه بغير دموع‏..‏ فانتفضت من التأثر وأمسكت بيده وهويت عليها تقبيلا وهو يربت على كتفي بلا كلام إلى أن دخلنا الحجرة وحملوني إلى الفراش‏‏ وأنا ممسك بيد أبي كأني أحتمي بها من آلامي ومخاوفي‏..‏وهممت بالكلام وطلب الصفح والعفو منه‏..‏ فوضع يده على فمي‏..‏ وطالبني بألا أقول شيئا‏,‏ وبأن أقرأ معه الفاتحة عسى الله سبحانه وتعالى أن يصرف عني الضر ويكتب لي الشفاء ويعيدني إلى أطفالي وبيتي‏..‏ وأمضى معي عدة ساعات قضى معظمها وهو يقرأ في المصحف ويدعو لي وأصبح يزورني كل يوم ‏..‏ ومع الأيام لاحظت أن زيارات أبي وأمي والأختين منتظمة وتنتهي بمبيت الأم أو احدي الأختين معي‏..‏ في حين بدأت زيارات أقارب زوجتي لي تتباعد‏..‏ وتتناقص‏,‏ أما زوجتي فإنها تقضي معي فترة الصباح إلى أن يصل أهلي فترجع إلى الطفلين‏,‏ وقد لاحظ الأطباء أن استجابتي للعلاج قد تحسنت بعض الشيء بعد عودة المياه إلى مجاريها بيني وبين أسرتي‏..‏ وأن حالتي المعنوية قد ارتفعت أيضا‏..‏ وربطوا بين ذلك وزيارات أهلي لي‏ ‏وأنا الآن على وشك أن أتم مرحلة العلاج المكثف الأولى ‏..‏ والأطباء يؤكدون لي أنني سأستطيع بعد أسبوع أو أسبوعين مغادرة المستشفي وممارسة حياتي الطبيعية مع تناول الأدوية المقررة‏..‏ ومع العودة إلى المستشفي مرة كل أسبوعين في البداية للمتابعة‏..‏ والفحوص الدورية‏,‏ ثم مرة كل شهر مع تحسن الأحوال بإذن الله‏.‏



 
ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

في العمر متسع بإذن الله لإصلاح الأخطاء والندم علي الخطايا والتكفير عن الذنوب‏، والمهم دائما هو أن تصدق النية ويصح العزم‏,‏ فييسر الله سبحانه وتعالي لك ما اعتزمت وما أردت إن شاء الله‏.

‏والحق أنني أشاركك العجب من أن تحول هذه الكبرياء اللعينة بين أب وابنه سنوات طوال‏,‏ ينتظر فيها الابن أن يخطو أبوه الخطوة الأولي تجاهه‏..‏ ويعتصم الأب فيها بكرامة الوالد الذي حمل ابنه فوق ذراعيه وحدب عليه ورعاه صغيرا فلا يخطو هو هذه الخطوة الأولي إليه‏.‏ وأتساءل أية كبرياء هذه التي تبرر عقوق الابن لأبيه وجفاءه له ومخاصمته أياه سنوات غاليات من العمر‏..‏إن الكبرياء يمكن أن تفهم بين طرفين متساويين في الفضل والمكانة‏,‏ لكنها لا يمكن أن تكون مفهومة أو مقبولة في علاقة الابن بأبيه وهو المطالب دائما بأن يخفض لأبويه جناح الذل من الرحمة ويقول رب ارحمهما كما ربياني صغيرا‏,‏ بل وبأن يصاحبهما في الدنيا معروفا ولو جاهداه علي أن يشرك بالله‏..‏ لقد ترفقت بك الأقدار بالفعل يا صديقي حين هيأت لك الرجوع عن خطيئتك والندم عليها‏,‏ وأبواك مازالا علي قيد الحياة‏,‏ ومازال في الإمكان الرجوع عن الخطأ والاعتذار عنه‏.‏فقطع الرحم وعقوق الأبوين ومباعدة الأخوة‏,‏ من أبشع الخطايا والآثام‏.

 

 ولقد قال عنها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ما مضمونه‏:‏ ما من ذنب أجدر بأن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة‏,‏ من البغي وقطيعة الرحم‏.‏كما أن تنكر المرء لجذوره العائلية ومحاولة غرس نفسه في بيئة عائلية أخري ضيقا ببيئته الحقيقية ليس من سمات الأصلاء والأمناء والصادقين مع أنفسهم‏.‏ولقد لمست بنفسك أيهم أعمق مودة وأصدق قيلا‏,‏ حين لاحظت انتظام زيارات أبويك وأختيك لك في محنتك المرضية بالرغم مما كان من أمرك معهم‏,‏ وتباعد وتراجع زيارات من حاولت شتل نفسك من أسرتك وغرسها بينهم‏,‏ ولا عجب ولا غرابة في ذلك‏..‏ فلقد روي عن صخر أخي الخنساء التي اشتهرت بمراثيها له‏,‏ أنه جرح في إحدى المعارك وانكسرت بعض ضلوعه فأمضي عاما طويلا في شدة المرض تمرضه أمه وزوجته سليمي‏,‏ فضجرت زوجته ولم تمل أمه رعايته‏,‏ وسألت امرأة سليمي عن حال زوجها فأجابت‏:‏ لا هو حي فيرجي‏,‏ ولا هو ميت فينسي‏!‏وسمعها صخر فأنشد‏:‏أري أم صخر لا تمل عيادتي وملت سليمي مضجعي ومكاني وأي امريء ساوي بأم حليلة إلا وعاش في شقا وهوان غير أن عافية الله أوسع دائما للتائبين والنادمين علي الخطايا‏..‏ولقد قال لنا الهادي البشير صلوات الله وسلامه عليه أنه رب معصية أدخلت صاحبها الجنة وقال العلماء في تفسير ذلك إنها المعصية التي أورثت صاحبها ذلا وانكسارا لله تعالي وندما صادقا علي فعلها وخوفا شديدا من عواقبها وجدا واجتهادا في تحصيل الطاعات التي تمحو أثرها‏,‏ فيكون من عائد ذلك كله أن ترشح صاحبها لدخول الجنة‏.‏فلتكن معصيتك السابقة إذن من هذا النوع الذي يمهد لك الطريق إلي طاعة الله سبحانه وتعالي‏,‏ ونيل رضوانه‏..,‏ وليكتب لك الله برحمته الشفاء التام من مرضك ويعيدك سالما غانما إلي أهلك وذويك وعملك وأسرتك الصغيرة بإذن الله‏..‏ وشكرا لك علي رسالتك القيمة وحرصك علي إطلاع غيرك علي دروس تجربتك المهمة‏.‏

 

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003

شارك في إعداد النص / علا عثمان

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات