الأسئلة والإجابات .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

                      الأسئلة والإجابات .. رسالة من بريد الجمعة  عام 1994

الأسئلة والإجابات .. رسالة من بريد الجمعة  عام 1994

إنني فتاة من القراء المتابعين بإهتمام لبريد الجمعة عندي أسئلة كثيرة ليست لها إجابات ولا أعرف لمن أوجهها لكي يجيبني عليها لأنها أسئلة تحتاج إلى رد بأسلوب معين وأخيرا هداني ربي إلى أن أكتب إليك وأستشيرك لعلك تجد إجابات على هذه الأسئلة وأرجو منك ألا تقول عني أنني متحاملة علي الجيل القديم وعلى التقاليد‏..‏ فأنا لست سوى فتاة من جيل يريد التحرر والأمان والاطمئنان‏..‏ وأما أسئلتي فهي‏:‏ لماذا بعض الرجال من طبعهم الأنانية والغيرة إلى حد الجنون ومن طبعهم أيضا الخيانة والغدر بمن يحبونهم ؟
لماذا بعض الرجال يأمرون وأمرهم مطاع دائما ويستبدون برأيهم حتى لو كان هذا الرأي خاطئا ولا يقبلون المعارضة أو المناقشة ؟
لماذا بعض الآباء لا يتركون لنا حرية اتخاذ القرار في حياتنا وفي اختيار شريك حياتنا وذلك من حقنا نحن فقط أن نختار ونجرب ونخوض التجربة بحلوها ومرها سواء نجحنا أو فشلنا لكي نتعلم من الأخطاء إن أخطأنا ولكي نكتسب الخبرة السليمة في معايشة الحياة والناس ؟
لماذا الرجل من حقه أن يختار شريكة لحياته والفتاة ليس من حقها هذا الاختيار وإذا أعجبته العروسة يخطبها ويتزوجها ؟
كيف تعرف الفتاة منا أن اختيارها لشريك حياتها والفتى الذي تحبه صحيحا ؟
لماذا بعض الشباب يصلون إلى ما يريدون من الفتاة باسم الحب ويهجرونها بعد فوات الأوان وبعد أن ينالوا غرضهم منها ويتركونها ويهربون ؟
لماذا البنت تعطي بغير حساب من الحب والأمان والثقة لمن تحبه وتتحمل مسئولية ذلك تماما لأنه اختيارها فيكون المقابل الذي تأخذه من الرجل الذي تحبه لذلك هو الغيرة والغدر والخيانة ؟
أين المثل الأعلى والقدوة الحسنة لنا وأين نجدها ؟ ولماذا يسيطر القوي على الضعيف والكبير على الصغير لماذا لا تكون الأم صديقة لابنتها منذ صغرها إلى أن تكبر والصداقة بين الأم وابنتها شيء جميل ؟ لماذا لا يحاول الآباء والأمهات أن يفهمونا ويعيشوا مشاكلنا حتى ولو كانت بسيطة والمشكلة البسيطة سوف تصبح كبيرة ذات يوم وتكون الكارثة بعد فوات الأوان ؟ لماذا من السهل أن تتحول الصداقة إلى حب ومن الصعب أن يتحول الحب إلى صداقة ؟ إنكم تحاولون جاهدين أن تحلوا مشاكلنا وتقتربوا منا ولكن بأسلوبكم أنتم وليس بأسلوبنا نحن‏,‏ فلماذا لا تحاولون أن تفهمونا وتحلوا لنا مشاكلنا بطريقتنا نحن الأبناء‏..‏ وليس بمنطق الآباء والأمهات‏,‏ أنني أرجوكم أن تقنعوا الآباء والأمهات أن يشاركونا مشاكلنا ومشاعرنا ولو مرة واحدة وأن يقتربوا منا ومن تفكيرنا أننا أولادكم ولسنا أغراب عنكم‏..‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

يقال إن شخصا قد ألتقى بالفيلسوف الألماني ميجل ذات يوم ورجاه أن يجيب إجابة مختصرة على سؤاله التالي‏:‏ ما هي فلسفتك ؟ فاستجاب هيجل لرجائه وأجاب على سؤاله في ثلاثة كتب‏!‏
وأحسب أنني في حاجة كذلك إلى تأليف ثلاثة أو أكثر ردا على أسئلتك الحائرة هذه خاصة ما أختصرته منها مما يتعلق بالمشاكل العامة كشقق الشباب ومرتباتهم ومعنوياتهم‏..‏ وأسباب الحروب والصراعات المسلحة والبطالة والبلطجة‏...‏ إلخ‏.‏
ولأنه لا يوجد على ظهر الكون كله من يملك الإجابات الشافية لكل ما يمور في أذهان البشر من تساؤلات وتأملات فلسوف أحاول قدر الجهد والاستطاعة أن أجيب عن بعض أسئلتك وادع الفرصة لمن يرغب من قراء هذا الباب في المشاركة في تقديم ما يحسنون من إجابات لها أكثر مني‏,‏ فأما أن بعض الرجال من طبعهم الأنانية والغيرة الجنونية والخيانة والغدر بمن يحبون‏,‏ فلأنهم بشر والبشر فيهم المضحون والأوفياء ومن يثقون بأنفسهم وبالآخرين وفيهم من هم عكس ذلك‏,‏ لكنه لابد لكي يحيا الإنسان حياة سليمة ويتفاعل مع الآخرين تفاعلا صحيحا أن يؤمن في أعماقه بخيرية الحياة والبشر بصفة عامة وأن يفترض في الآخرين الخير والفضائل العامة إلى أن تثبت له تجربته الشخصية مع أحدهم أو بعضهم غير ذلك فيتعامل مع من عرف فيه الغدر مثلا باحتراس‏..‏ ويتعامل مع غيره بصدر سليم وتواصل طبيعي وهكذا ولاشك أنه من الخطأ أن يعمم الإنسان نتائج تجربته الشخصية مع إنسان بعينه على الجميع فيحكم كما ترين أنت وربما بسبب تجربة سلبية عايشتها أن الفتاة تعطي بغير حساب فلا يكون جزاؤها ممن أعطته سوى الغيرة والغدر والخيانة‏,‏ وإنما يكون الدرس الذي تخرجين به من مثل هذه التجربة هو أنك قد تعاملت مع فرد من البشر كانت ثمار التجربة معه سلبية وليست إيجابية وفي الحياة غيره كثيرون يعطون كما يأخذون‏..‏ ويحفظون الود لمن أعطى ويجزونه عنه ما يستحقه من الجزاء‏.‏
ونفس الرد ينطبق على الرجال الذين يأمرون فيطاع أمرهم ويستبدون بآرائهم ولو كانت خاطئة‏.‏
وأما أن بعض الآباء لا يتركون لنا أي لك كفتاة اتخاذ القرار واختيار شريك الحياة لأن من حقك أن تختاري وتجربي وتخوضي التجربة بحلوها ومرها سواء نجحت أم فشلت لكي تكتسبي الخبرة في معايشة الحياة فلأن الآباء يا ابنتي يشفقون على بناتهم من مكابدة التجربة والخطأ ودفع ثمنها الغالي من حياتهن وسعادتهن ومشاعرهن‏,‏ ويودون لو أعفوا بناتهم من عناء الفشل ويرجون أن يستفدن بخبرتهم الطويلة مع الحياة في تجنب أسباب التعاسة والكدر في حياتهن‏,‏ ومع ذلك فان الآباء لا يملكون للأبناء الراشدين في النهاية سوى النصيحة المخلصة والأمنية الصادقة لهم بالسعادة‏,‏ فان شاءوا الاستفادة بخبرتهم وكلمتهم فلقد أعانوا أنفسهم علي مواجهة الحياة وتجنب الشقاء‏,‏ وان غضوا الطرف عنها حرموا أنفسهم من خبرة السنين‏..‏ وفضلوا دفع الثمن الغالي للتجربة الخطأ‏.‏
وأما سؤالك لماذا يكون من حق الرجل أن يختار شريكة حياته إذا أعجبته عروس خطبها لنفسه‏,‏ وليس مثل ذلك للفتاة‏,‏ فلأن الرجل لا يختار فتاة رغما عنها‏..‏ فإذا اختارها ورضيت بمشاركته حياته فلقد اختارته هي كذلك بمحض إرادتها‏..‏ وإذا رفضته فلقد مارست حقها في الرفض والاختيار‏..‏ ولقد كرم الله سبحانه وتعالى الفتاة بأن أعفاها من عرض نفسها على الرجل‏..‏ وجعله هو الذي يسعى إليها ويخطب ودها‏..‏ فما العيب في ذلك يا آنستي وما الخطأ ؟‏,‏ وألا تمارس الفتاة نوعا كريما من الاختيار لشريك الحياة حين تميل بعواطفها إلى شاب بعينه فتحثه بذلك على طلب يدها والسعي إليها ؟ وماذا تريدين للفتاة أن تفعل أكثر من ذلك هل ترجين لها أن تطرق البيوت طالبة أيدي الشباب كما يفعل الباحث عن زوجة في بعض الأحيان‏.‏
أما لماذا يمكن أن تتحول الصداقة إلى حب ولا يتحول الحب إلى صداقة ،فلأن الصداقة عامة والحب خاص والعام يمكن تخصيصه بلا عناء‏,‏ أما الخاص فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل في رأي البعض تعميمه‏,‏ فضلا عن أن الصداقة تتسع للكثيرين أما الحب فانه يقتصر على إنسان محدد لا يتسع القلب لغيره ومن يألف التميز والانفراد بمشاعر من أحبه‏..‏ لا يستريح حتى ولو انتهى الحب لأن يتساوي مع الآخرين من الأصدقاء في العطاء‏!‏
وأكتفي بهذا القدر من محاولة الإجابة علي تساؤلاتك بسبب المساحة ولأن الحديث عن بقية الأسئلة والتساؤلات يطول ويطول‏!‏

 *نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2000

كتبها من مصدرها وأعدها للنشر / نيفين علي

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات