ألعاب الخريف .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

 ألعاب الخريف .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

ألعاب الخريف .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

إننا نحتاج دائما إلى ان نثق فى شركاء الحياة ثقة مبصرة وليست عمياء, لا نحرجهم بالتشكك الدائم فيهم, لا نستنيم إلى إطمئنان الغافلين عما يجرى حولهم فى كل الأحوال.

عبد الوهاب مطاوع


أنا زوجة وأم لثلاثة أبناء .. وزوجي رجل أعمال محترم طيب وكريم ويحبني ويشهد له الجميع بحسن أخلاقه وتدينه ، وقد عشنا معا حياة جميلة هادئة كنت له خلالها نعم الزوجة المخلصة المحبة لزوجها التي تصونه في ماله وعرضه وبيته وكان هو كذلك بالنسبة لي.

ومنذ عامين رجع إلى زوجي و ألقى أمامي قنبلة شديدة الانفجار هي أن فتاة رائعة الجمال في عمر ابنته قد ذهبت إليه في مكتبه في أمر خاص بالعمل ، وبعد عدة لقاءات معها في المكتب، جرى بينهما ما جرى، وأنه سوف يتزوجها ليصلح خطأه لأنه رجل يخاف الله ولا يتحمل تأنيب الضمير ، وسوف يحضرها لتقيم بيننا وصعقت لما قاله لي زوجی ، وانهرت باكية وطلبت منه الطلاق في هدوء فرفض بإصرار وأكد لي أنه يحبني ولا يستطيع الاستغناء عني أو عن أبنائنا لكنه لا يستطيع أيضا تحمل تأنيب الضمير ، ولهذا فهو يريد أن يصحح خطاه أمام ربه ونواصل حياتنا معا كما كانت قبل هذه السحابة العابرة.

 

 وكان في هذه الفترة في غاية الرقة معي ومع الأبناء فأشفقت عليه مما يعانيه ووافقت كارهة على أن يتزوج هذه الفتاة بشرط أن يطلقها على الفور لكي يحفظ لمن لم تحفظ كرامتها ماء وجهها أمام أسرتها، وكتمت آلامي في صدري ولم أصارح بها أحدا لكي أحفظ لزوجي صورته وكرامته أمام الآخرين ، وخاصة أمام أبنائه الذين يحبونه ويعتبرونه مثلهم الأعلى .

 ومضت الأيام وأنا أنتظر أن يبلغني زوجي بأنه قد فعل ما اتفقنا عليه وأنهي هذه الصفحة من حياتنا .. وأساله كل يوم عما تم في أمر هذه الفتاة فيستمهلني بعض الوقت إلى أن رجع ذات يوم وابلغني بان الفتاة قد سافرت إلى أختها التي تقيم بإحدى الدول العربية لمرض الأخت المفاجيء وحاجتها لمن ترعاها في مرضها بالغربة ، واسترحت لذلك بعض الشيء لكن قلبي لم يطمئن إليه تماما وبعد أسبوع آخر أبلغني أنها قد اتصلت به تليفونيا من الخارج وأنه قد سجل هذه المكالمة واسمعني إياها فإذا بها تقول فيها إنها ستستقر في تلك الدولة العربية وأن زوج شقيقتها سيبحث لها عن عمل هناك . فاطمأن قلبي إلى أن هذه السحابة العابرة قد مضت من سماء حياتنا بسلام، وواصلت الرحلة مع زوجي بالرغم مما كان يساورني أحيانا من قلق بشأنه ورجعت كما كنت من قبل لا يهدأ لي بال ، ولا أذوق النوم أو الطعام إلا إذا رجع زوجي إلى بيته واطمأننت إلى وجوده إلى جواري ، كما أنني أصبحت أذهب إليه كثيرا في مكتبه لأطمئن عليه في أوقات غير متوقعة وكلما راقبته خفية وجدته هادىء البال لا يعكر صفوه شیء ، وفسرت ذلك بأنه قد استراح من العبء الذي كان يقلقه، وضاعفت من اهتمامي به وحرصي عليه، ومضى عام طويل ونحن على هذا الحال ، وذات يوم رجع إلي زوجي ومعه شريط تسجيل قال لي إن الفتاة إياها قد أرسلته إليه من الخارج مع أحد القادمين ، واسمعني إياه ، فإذا بها تقول فيه بلهجة الندم والإحساس بالذنب ، إنها لا ترضى بان تحرم أسرته منه ، وأنها لهذا قد تزوجت رجلا طيبا صارحته بكل ما جرى وغفر لها وأنها سعيدة بحياتها معه وسوف تنسى زوجي إلى الأبد وتتركه لأبنائه وبيته .

ولم أملك بعد أن سمعت هذا الشريط إلا أن أطلب من الله أن يغفر لها ما كان من أمرها ويبعدها عن حياتي وحياة أسرتي إلى الأبد .

ومضت بنا الحياة بعد ذلك هادئة وسعيدة غالبا ، ومن حين لآخر يساورني بعض الشك في تصرفاته ، واشعر شعورا مبهما بان هناك امرأة أخرى في حياته ، لكني ادفع هذا الخاطر الكريه عن ذهني واكره نفسي لأنني أظلم زوجي وحبيبي ووالد أبنائي .

إلى أن اتصلت بي إحدى جارات زوجي في العمارة التي يقع بها مكتبه وهي سيدة فاضلة أحبها واحترمها كثيرا لتنبهني إلى احتمال أن تكون هناك علاقة بين زوجي وبين سكرتيرته ، وهي فتاة تقيم بمساكن الإيواء بأحد الأحياء الشعبية وأنها تستغله لترتفع بمستواها الاجتماعي ولم أحتمل ما سمعت .. وواجهت زوجی به بمجرد عودته ، ففوجئت به يطلق ضحكة عالية ، ويقول لي ساخرا : أهذا ظنك بذوقي ومستواي ؟

بمعنى أنه لا يمكن أن يهتم بمثل هذه الفتاة لأنها دون المستوى من الناحية الجمالية والاجتماعية وكل شيء، وصدقته بالفعل لأني أعرف زوجي جيدا ، كما أعرف هذه الفتاة أيضا واعرف أنها فتاة مسكينة كنت أتعامل معها بعطف ، وكانت تحاول كسب ود ابنتي وقد دخلت بيتي وأكلت معي ومع أولادي ، وحاولت أن أصرف ذهني عن التفكير في هذا الأمر .

ثم جاءني زوجي منذ أسابيع ليصدمني صدمة العمر ويعترف لي بأنه كان متزوجا من سكرتيرته هذه لمدة عامين وبضعة شهور ، وأنها هي الفتاة التي اعترف لي بأنه أخطأ معها ويريد أن يصحح خطاه ، وأنها لم تسافر إلى الدولة العربية ولم تتزوج ، كما أوهمني ، وأنهما معا قد نسجا قصة سفرها للدولة العربية ، وقصة المكالمة التليفونية المسجلة ، وقصة الشريط الذي زعم لى أنها أرسلته من الخارج ، وأنهما قد خططا معا كل ذلك لكى تهدأ أعصابي واكف عن زيارته في المكتب وشكوكي فيه ، وأنه قد تزوجها ليصحح خطأه وهذا هو الجانب الوحيد الصحيح في القصة كلها ، لكنه قد تخلص منها الآن وطلقها واستراح بعد معاناة دامت عامين وبضعة شهور .

وكدت أفقد عقلي حين عرفت ذلك وشعرت بعمق الإهانة التي أهانها لي زوجي هو وشريكته ، فلقد تلاعبا بي بقسوة وسخرا مني ، ورحت استرجع بعض المواقف السابقة واكتشف مدى سذاجتي وغبائی وسلامة نیتی ، فلقد كنت أشفق على هذه الفتاة وأحسن معاملتها واسأل عنها حين تمرض في حين كانت هي لا تطيق رؤيتي ، وتسخر مني في غيابي أمامه ، كما علمت فيما بعد وبغير أن يرد أحد غیبتي .

أما قمة التلاعب بي فقد كانت حين سافرت مع زوجي لأداء العمرة .. فطلبت مني هذه الفتاة أن أحضر لها بعض الملابس الداخلية لأنها على وشك الزواج ففعلت ذلك بكل ترحيب واشتريتها لها وشاركني زوجی في اختيارها ، وكنت في ذلك الوقت أتصور أنني أقوم بعمل طيب لوجه الله في حين كان زوجي يختار معي ملابس شريكته في الهزء بی غفر الله له ولا غفر لها .

فهي فتاة بلا أخلاق أعجب كيف رضي زوجي بان تكون زوجة له لمدة عامين أو أكثر وأعجب اکثر کیف رضى لي بهذه الإهانة وتلاعب بي على هذا النحو ؟

لقد كان يجمع بيننا ويجعلنا نتلاقى وهي زوجة له ، وأنا في نظرها البلهاء التي لا تدري بما يدور حولها، ولست ألومه على زواجه منها في حد ذاته ليصحح خطاه معها، لكني ألومه أكثر على غدره بی وكذبه علي طوال هذين العامين ، وعلى  تأليفه ، لهذه القصة العجيبة التي حبكها وأوهمني بها ومازلت أعجب لها كلما تذكرتها .

لقد أقسم لي بأنه لم يحبها يوما واحدا وأنه كان ينتظر بفارغ الصبر خلاصه منها ؟ فهل تصدقه في ذلك يا سيدي وهي التي دخلت المستشفى لإجراء جراحة الزائدة الدودية فكان إلى جوارها طوال الفترة ، في حين دخلت أنا المستشفي ، وكذلك ابنته فلم يكن يأتي لزيارة كل منا إلا قليلا.

لقد طلبت منه هذه الفتاة أن يسجل في وثيقة الطلاق أنه لم يدخل بها وأنها مازالت  آنسة، وحين تعجب لذلك طمأنته إلى أن الأمر میسور وان المغفلين كثيرون هذه الأيام ؟

 


ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

اخترت لرسالتك عنوان "ألعاب الخريف" لأرمز به إلى تلك المرحلة الحرجة من عمر الرجل التي قد يستشعر فيها بعض الضعف النفسي لانتهاء مرحلة الشباب فيحتاج لأن يؤكد لنفسه أنه مازال نفس الرجل الذي تتعلق به أحلام المرأة وقد يستجيب للإغراء في ظل هذه الظروف ليس بدافع الحب كما يتوهم أحيانا وإنما بدافع الرغبة الباطنية في إشعار النفس بأنها مازالت مرغوبة من الجنس الآخر رغم كل شی .

وبعض البشر في هذه المرحلة قد يقعون في الخطأ بدافع التعويض النفسي للإحساس المرضى بالعمر وبعضهم بدافع تعويض الحرمان العاطفي الذي يعانون منه في حياتهم الخاصة ، وبعضهم قد يقعون في الخطأ لغير دافع سوى الرغبة في خلق الإثارة العاطفية التي تحرك المياه الراكدة وتشيع فيها روح المغامرة ومتعة ممارسة «الجديد» من التجارب !

 

وبعضهم قد يقعون فيه كذلك بدافع البطر والرغبة في الاستزادة من متع الحياة كأنما يسألون أنفسهم وقد تحقق لهم كل شيء : وماذا بعد .. أو ماذا بقي من المتع لكي نضيفه إلى ما لدينا منها ؟

وكل ذلك من أحوال هذه المرحلة الحرجة التي يسميها علماء النفس بأزمة منتصف العمر بالنسبة للرجل والمرأة على السواء ، ولا علاقة له بالحب الحقيقي الذي قد يصادفه المرء في أية مرحلة من عمره فيغير مجرى حياته للأبد ويترك عليها بصمة لا تمحی.

ولهذا فإني أصدق زوجك حين يقول لك إنه لم يحب هذه الفتاة يوما واحدا وأنه كان يتطلع بصبر إلى الخلاص منها ومن آثار تجربته معها على حياته العائلية . إذ لو كان قد أحبها بصدق . أو كانت هي «نصفه الصحيح » الذي ضل الطريق إليه منذ البداية لما أنهی تجربته معها دون ضغط من جانبك ، ولواصل حياته المزدوجة معها ومعك إلى أن تنفجر الأزمة على الأقل بل ولربما كان قد فضلها عليك في لحظة الحسم والاختيار ، وأصر على الارتباط بها إلى النهاية رضيت بذلك أم أبيت !

ولم يفعل زوجك شيئا من ذلك والحمد لله ، وإنما أنهی تجربته بملء إرادته الحرة ودون أي ضغط من ناحيتك وعاد إليك ليصارحك بكل شيء طالبا منك الصفح عما كان ، وكل ذلك يؤكد أنها لم تكن تجربة حب حقيقية في حياته حتى ولو خيل إليه ذلك في البداية ، وأن الأمر لا يعد في النهاية أن يكون ضعفا بشريا , عابرا أو إغراء لم يستطع مقاومته من جانب فتاة لا روادع لديها تردها عن الاقتراب من أب وزوج ورجل في عمر أبيها ! ولقد خاض التجربة معها وتجرع كأسها حتى الثمالة . فكشفت له عن أنه لا شيء فيها يستحق أن يغدر من أجله بشريكة حياته ولا أن يعرض بسببه أسرته وأبناءه للقلاقل والاضطرابات ، ولا أن يعاني هو من التمزق بين امرأتين أو يضطر إلى التحايل لإخفاء سره عن شريكة عمره والآخرين من حوله بمثل هذه الألاعيب التي لا تليق به وبوضعه العائلي والاجتماعي .. لقد عرف بذلك نفسه واختار لها ما يليق بها وهو الإخلاص لك ولأسرته "ومن عرف نفسه فلقد عرف الآخرين وعرف العالم وعرف الله" كما يقول غاندي فإذا كان قد بالغ بعض الشيء في ألعاب الخريف هذه بما نسجه حوله من قصص درامية وحلول مبتكرة لإيهامك بانقطاع علاقته بتلك الفتاة ، فلقد ضاعف بذلك من حيث لا يدري من إساءته إليك ومن مراراتك تجاهه، لأنه بقدر الخداع يكون الحساب والعتاب ، ولأنه لو كان قد سلك الطريق المستقيم الذي بدأه حين صارحك بخطئه مع هذه الفتاة ورغبته في تصحيحه ثم تزوجها كما أعلنك بذلك لفترة قصيرة وطلقها بعدها وتحمل خلال ذلك شكوكك فيه وملاحقتك له بل وتقريعك أيضا .. لو كان قد فعل ذلك إذن لأعفى نفسه من عناء التحايل والخداع معك ولأعفاك أنت أيضا مما تشعرين به الآن من مرارة تجاهه ولاحتفظ على الرغم من خطئه مع هذه الفتاة باحترامك له ، لأنه لم يتنصل من مسئوليته عن الخطأ وإنما تحمل تبعته ثم أنهى القصة كلها نهاية واضحة بلا التواء.

لكن هكذا شاء أن يعيش تجربته كاملة كما اختارها بنفسه وأن ينهيها في الوقت الذي رآه ملائما وأن يرجع إليك معترفا بكل شيء دون أن تطلبي منه ذلك.

وهذا وحده هو ما ينبغي أن يدفعك لمراجعة موقفك معه ! فلقد أنهى علاقته بهذه الفتاة بملء إرادته وقبل أن تكتشفي حقيقة أمرها مما يوحي بان قراره هذا نابع من نفسه وليس استجابة لأي ضغط خارجی من جانبك أو من جانب أية ظروف أخرى .

 

ثم صارحك بحقيقة الأمر كله ، ولو لم يفعل لربما تأخر علمك به بعض الوقت وليس إلى الأبد كما يتصور ، لأن الأسرار لا يطول تكتمها حتى النهاية ، ولأن هذه الفتاة نفسها لم تكن لتتردد في الوقت المناسب في تهديده بتسريب الخبر إليك عند الضرورة أو إذا لم يكن كريما معها في شروط الطلاق!

لكنه على أية حال قد اختار أن يكون أمينا معك في النهاية وأن يعترف لك بكل شيء واعتراف المرء بخطئه لا يعفيه من تحمل تبعاته من الناحية القانونية لكنه يلتمس له فقط التخفيف عنه !

وعلى ضوء هذا المبدأ فإنني أدعوك إلى تصديق ما يؤكده لك من أن هذه التجربة قد انتهت بالفعل من حياته وإلى أنه راغب الآن حقا في الاهتمام بأسرته وعمله ، فإن كنت لا أعجب كثيرا لتورطه مع هذه الفتاة مع ما تشهده في الحياة من تجارب فإن عجبي شديد لما تمثله هذه الفتاة نفسها من نموذج غریب لبعض الفتيات ممن لا يترددن كثيرا في الاستجابة لرجل متزوج وأب لفتاة في مثل أعمارهن بل وأحيانا في إغرائه رغم علمهن من البداية بحقيقة أوضاعه العائلية وقد يجري ذلك في بعض الأحيان في مناخ لا يخلو من الضعف الأخلاقي أو الانتهازية والرغبة في اقتناص الفرص على حساب الأسرة الآمنة ، ومثل هذه الفتاة هي الطرف الفاعل غالبا في هذا الخطأ لأن الرجل مهما بلغ من قدرة على التأثير والإغراء فإنه لن ينال من الفتاة أبدا ما لا رغبة لها في أن تمنحه له ولا ما تردها قيمها الأخلاقية عن أن تعطيه للآخرين كما أن الرجل حتى لو لم يكن ملتزما من الناحية الأخلاقية فإنه يستطيع بعد سياحة قصيرة في دنيا العبث والاستهتار أن يسترد نفسه ويواصل حياته العائلية بلا خسائر كبيرة في بعض الأحيان، أما الفتاة فإنها بعبثها أو استجابتها له لا تهدد فقط أمان أسرة وزوجة وأبناء وإنما تهدد أيضا حياتها هي نفسها وتبعد بنفسها عن الطريق الصحيح لتحقيق السعادة والاستقرار . ولا عائد لمثل هذه التجربة الطائشة في حياتها غالبا سوى تأخير فرصها الحقيقية في الزواج والأمان وربما ضياعها للأبد ، فما معنى هذا العبث إذن ، وما معنی مثل هذه المغامرة الطائشة حتى لو اتخذت شكل الزواج المؤقت ؟

على أية حال فإن تجارب الحياة يا سيدتي قد علمتنا ألا نغلق باب الصفح والتسامح في وجوه الآخرين ، وألا نجلدهم طوال العمر بأخطائهم خاصة إذا اقروا بها ورجعوا عنها ، كما علمتنا أيضا الإعجاب بعبقرية خالد بن الوليد العسكرية وهو الذي كان يحرص عند حصار قوات العدو من كل الجهات على أن يترك له ثغرة في هذا الحصار يستطيع أن ينسحب منها بعد أن تقع عليه الهزيمة إنسحابا مشرفا يضمد به جراحه ويكون مستعدا بعده للتفاهم حول شروط التسليم ، وكان يتعمد ذلك لكيلا يضطر عدوه حين لا يجد له منفذا للانسحاب لأن يقاتله قتال اليائسين من النجاة أو قتال من تستوي عنده الحياة والموت ولم يعد لديه ما يحرص عليه ، وهو قتال مدمر دائما حتى ولو انتهى بإبادة العدو ! وهذه الخطة الحكيمة هي ما ينبغي لنا أن نأخذ بها أيضا في تعاملنا مع الجميع خاصة مع شركاء الحياة ، إذ لابد لنا أن نتيح لهم دائما "ثغرة" يستطيعون عبرها الإنسحاب الكريم من أخطائهم لكيلا يفقدوا الأمل في أي إصلاح ويدمروا المعبد فوق رؤوس الجميع!

و الثغرة التي ينبغي أن تتيحيها لزوجك في مثل الظروف هو إعلانك التجاوز عن خداعه لك طوال الفترة الماضية مقابل قربان اعترافه لك بالحقيقة ، ثم أن تلجئي بعد ذلك إلى تدعيم ثقته هو نفسه في قيمه الأخلاقية بتاکيدك له إنه لا يغيب عنك إنه لم يتورط في الزواج من هذه الفتاة التي لا تلائمه من كل الجوانب إلا لأن أخلاقياته لم تكن لتسمح له بالتنصل من مسئوليته عن الخطأ معها، وأن من كانت له مثل هذه القيم الأخلاقية والدينية ، إذا كان قد اخطأ ذات مرة فإنه لا يقيم على الخطأ ولا يكرره بعد ذلك أبدا

ولا عجب في ذلك فالإنسان كما يقول لنا الأديب والسياسي الانجليزي لورد تشسترفیلد في رسائله ونصائحه إلى ابنه : يميل دائما لأن ينهض بالثقة التي نضعها فيه ، ولأن يتصف بالصفات التي لا نفتأ نذكرها مقرونة به.

بل إنه ليلوم نفسه إذا لمس تناقضا واضحا بین ما نتوسمه فيه وما يفعله في حياته .

ولهذا فمن الأفضل لنا دائما يا سيدتي أن نستثير في الآخرين عزمهم على أن يكونوا جديرين برأينا فيهم ، بدلا من أن نشعرهم باليأس من أن ينالوا ذات يوم ثقتنا فيهم فيدفعهم اليأس إلى التمادي في الخطأ مادامت العواقب واحدة في كلا الحالين وهي الشك فيهم وعدم الاطمئنان إليهم !

وهذا ما اعنيه دائما بالقول إننا نحتاج إلى أن نثق في شركاء الحياة ثقة مبصرة وليست عمياء فلا نجرحهم بالتشكلك الدائم فيهم ، ولا نستنيم إلى اطمئنان الغافلين عما يجري حولهم في كل الأحوال .

وهذا هو ما أطالبك به أنت أيضا يا سيدتي .. ولسوف تتخلصين تدريجيا من شكوكك في زوجك مع تزايد اطمئنانك إلى أنه قد اختار نهائيا الحياة الفاضلة الآمنة ، ولسوف تتخلصين من مرارات الخداع تبعا لذلك . وبدواء الأيام الذي لا دواء لبعض المرارات والآلام سواه !

 نشرت في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة 

راجعها واعدها للنشر / نيفين علي

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات