حفل الزفاف .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1987

حفل الزفاف .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1987 

حفل الزفاف .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1987


 أنا  شاب عشت تجربة فريدة وأود أن أضعها أمام قراء بريد الجمعة ليستفيدوا منها مثلما استفيد أنا من تجارب قراء الباب.

 

فقد نشأت فى أسرة ميسورة الحال .. ووالدي ضابط شرطة وصل إلى أعلى رتبها ، وهو أبن باشا سابق .. أما والدتي فهي سيدة مجتمعات على درجة عالية من الثقافة ، ولي أخت وأخ يشغلان الآن وظيفتين مرموقتين .. وأنا الابن الأكبر لأبوي .. وقد نشأنا جميعا في جو أرستقراطي يهتم كثيرا بالشكليات والتقاليد وكل شيء فيه بمواعيد ونظام .. وصداقتنا العائلية كلها من نفس المستوى .

ولأسباب لا اعرفها حتى الآن وجدت نفسي لا أميل كثيرا إلى هذه الحياة .. ولا أجد نفسي فى صداقات الشباب والفتيات من وسطنا الاجتماعي .. فاتجهت صداقاتي كلها إلى الشباب البسطاء المكافحين مما جعلني موضع نقد من أفراد أسرتي الذين اتهموني بأني لا أحافظ على مظهري الاجتماعي !

 

ولأن والدي قد ورث عن أبيه ميراثا ضخما فقد كنا نعيش حياة مترفة وعندما التحقت بكلية الطب كانت لي سيارة بويك كبيرة أذهب بها إلى الكلية وكثيرا ما رجوت والدي أن يستبدلها بسيارة صغيرة لكيلا أشعر بالحرج من زملائي وأساتذتي فكان يرفض بإصرار وكنت أتعمد تركها بعيدا نسبيا عن مبنى الجامعة.

 

وأثناء دراستي بالكلية ارتبطت عاطفيا بإحدى زميلاتي فقد جذبتني إليها ببساطتها ولمست في أعماقها حنان الدنيا فضلا عن جمالها وذكائها وكانت متفوقة وكنت أيضا متفوقا وتعاهدنا على الارتباط للأبد بإذن الله ، وجاء يوم التخرج ونجحنا نحن الاثنين بتقدير عال .. وجاءت اللحظة التي ينبغي أن أحول فيها حلمنا إلى حقيقة وفاتحت أسرتي برغبتي فى خطبتها ودعوتها لزيارتنا فجاءت ورآها أبي وأمي وإخوتي وأعجبوا جميعا بجمالها وهدوئها وذوقها في اختيار ملابسها...

وبعد الزيارة سألني أبي عن مهنة والدها وما أن أجبته حتى انفجرت براكين الغضب في أعماقه وهب واقفا يحطم بيديه الأكواب التي أمامه ويعلن بإصرار أن هذا الزواج لن يتم أبدا .. فهل تدري يا سيدي لماذا؟


لأن والد حبيبتي  .. حلاق نعم حلاق وأقولها بكل فخر واعتزاز لأنه رجل شريف مكافح أدى واجبه تجاه أسرته وحقق ما لم يحققه لبعض البشوات فأهدى إلى الحياة ثلاثة أطباء ومهندسا معماريا وضابطا رغم انه لم ينل حظا كافيا من التعليم.

وانحازت أمي إلى جانب أبي وانحاز معها شقيقي وشقيقتي ووجدت نفسي وحدي أتساءل ما ذنبي أنا وفتاتي فى أن يحرم كل ما من الآخر .. وأنا الذي لم يعرف للدنيا معنى إلا بعد أن أحببتها؟

 

وقررت أن أدافع عن حبي وحياتي وتوجهت إلى بيتها وقابلت أباهها .. وأعطيته صورة صادقة عن الموقف ففوجئت به بعد أن عرف برفض أسرتي يرفض هو أيضا زواجي من ابنته ويقسم انه لن يسمح بذلك أبدا لأنه لا يرضى لنفسه ولا لأسرته أن يقال عنهم قد ضحكوا علي وخطفوني من أسرتي.

وحين رأى تمسك أبنته بى أعلن بكل وضوح انه سيتبرأ منها لو تزوجتني على غير إرادته وإرادة أسرتي.

ووجدنا نفسينا حائرين ..أسرتي ترفض بسبب نظرة اجتماعية بالية .. وأسرة حبيبتي ترفض دفاعا عن كرامتها.

 

وقررت بعد تفكير طويل أن أضع حدا لهذا العذاب فاصطحبت فتاتي ذات يوم ومعي صديقان إلى مكتب المأذون وأخرجنا بطاقيتنا وطلبنا منه عقد قراننا .. وحين قال يا سيدي : قبلت زواجك على سنة الله ورسوله وعلى الصداق المسمى بيننا وعلى مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان (رضي الله عنه) .. انهمرت دموعي ودموعها ودموع صديقي وخرجنا من مكتبه زوجين أمام الناس لنواجه قدرنا وحدنا بلا سند إلا الله سبحانه وتعالى ، ولم تتأخر المتاعب طويلا فما أن علم أبي بما حدث حتى طردني من البيت وسحب منى السيارة فخرجت من البيت احمل حقيبة ملابسي الصغيرة وفى جيبي 7 جنيهات هي كل ما بقي معي بعد أجر المأذون ، وما أن علم أبوها بما جرى حتى طردها هي أيضا فخرجت من البيت ومعها حقيبة ملابس صغيرة و4 جنيهات ، ووجدنا نفسينا فى الشارع بلا مأوى .. وكنا فى شهر فبراير ولم يبقى سوى شهر على تسلم عملنا كطبيبي امتياز حيث سيتقاضى كل منا أربعين جنيها ، وكانت ليلة طردنا شديدة البرودة .. فجلسنا فى محل نحتمي داخله من الصقيع ونفكر فيما سنفعل .. وكلما مرت ساعة ولم نجد مأوى ازداد خوفنا .. حتى جاء الفرج ونجحت الاتصالات بأحد أصدقائي واقترضت منه خمسين جنيها وذهبنا إلى إحدى اللوكاندات الشعبية الرخيصة .. وحين احتوتنا الغرفة المتواضعة لأول مرة .. كان كل منا يعرف فى أعماقه أن أمامنا أياما صعبة لن يخفف منها سوى عطف كل منا على الآخر وحمايته له ..  وعشنا فى هذه اللوكاندة فترة تسلمنا خلالها العمل فى المستشفى ، ثم وفق الله أحد أصدقائي أن يجد لنا شقة من حجرتين على الطوب الأحمر فى بيت صغير فى زقاق ضيق بأحد الأحياء الشعبية ، وكانت هدية من السماء لأن صاحبها كان فى حاجة إلى نقود فتقبل تأجيرها بلا مقدم ولا خلو بخمسة وعشرين جنيها ، وفرحنا بها فرحة كبرى ، وأسرعنا ننتقل إليها واشترينا أول أثاث عرفناه لبيتنا وكان مرتبة من الأسفنج ووسادتين ومكتبا خشبيا صغيرا وكرسيين ووابور جاز .. وبرادا وكوبين وحلتين فقط لا غير.

 

وفى العش الهادئ عشنا حياتنا سعداء بوجودنا معا لا يزعجنا فيه شيء سوى كثرة الفئران والحشرات وكانت زوجتي قوية الإرادة فتعاهدنا على أن نبنى حياتنا دون مساعدة من أحد وكانت أيضا مدبرة فكان مبلغ الخمسة والخمسين جنيها التي تتبقى لنا بعد دفع الإيجار تكفينا طوال الشهر للأكل والمواصلات ولكن بلا ترفيه أو شراء ملابس ، وأحبنا جيراننا البسطاء .. وأحببناهم وكانوا يشفقون علينا من شظف حياتنا ويتعجبون من سوء حالنا ونحن طبيبان حتى قال احدهم بتلقائية غريبة" : كنا فاكرين إن كل الدكاترة أغنياء لكن يا ما ف الحبس مظاليم"

 

وخففت عنا صداقتهم بعض الصعوبات فكانت جاراتنا يعرضن خدماتهن على زوجتي بشهامة صادقة فتطلب منها مثلا جارتنا ملابسنا لكى تغسلها مع غسيلها لأننا طبيبان ومشغولان بالعمل .. وتطوعت الأخرى بشراء حاجبات البيت لها .. وتصر الثالثة على أن تشاركها تنظيف الشقة بهمة ، وأنا أتذكر هذه الأشياء البسيطة الآن .. لأني كثير ما وجدت فيها تعويضا لنا عن جفاء أهلنا وقسوتهم علينا فى هذه الأيام الصعبة رغم علمهم بكل ظروفنا ، ففي مقابل هذا العطف من الجيران البسطاء .. لم يحاول احد من أهلنا السؤال عنا .. بل لم يتركونا فى حالنا

ففوجئنا فى إحدى الليالي وأنا وزوجتي نائمين بعد يوم عمل شاق بأربعة وحوش يقتحمون شقتنا ويحطمون المكتب والكرسيين ويمزقون المرتبة الوحيدة التي ننام عليها وكتبنا وأوراقنا ويسبونا بأفظع الشتائم .. بحجة أنهم يفتشون الشقة!

ثم خرجوا ورئيسهم يهددني قائلا :انتم لسه شفتم حاجة .. علشان تبقى تتحدى الباشا! يقصد أبي الذي قد كان قد ترقى وقتها لرتبة اللواء !

 

وخرج الرجال الأربعة .. وانحنينا نحن نلملم الأسفنج الذي تفزز من بطن المرتبة ونعيد حشوها ونخيطها..

ونجمع كتبنا الممزقة .. ونحاول إصلاح المكتب والكرسيين  .. ثم غلبنا التعب فنمنا على المرتبة وقد أمسك كل منا بالآخر بقوة كأنه يحتمي به مما تخفيه به الأيام  .. وبالفعل قد انتابني الإحساس بان أبى لن يدعنا فى حالنا .. وتحققت مخاوفي حين أبلغني صديق لى بأن أبى يدبر أن يلفق لزوجتي قضية آداب ! اقسم هذا ما حدث والله العظيم ولم يرجع أبى عن نيته إلا بعد أن أقسم له صديقي

بأنه سيقنعني بتطليقها راجيا منه ألا يفعل ذلك لكيلا "أعاند" وأتمسك بها أكثر لو حدث لها مكروه، وأصبحت مهمة صديقي هى أن يزوره كل عدة أيام ليطلب منه الصبر .. حتى ينجح فى اقناعي بالطلاق وذلك بهدف إضاعة الوقت لعله يهدأ وينساني قليلا ...

 

وخلال ذلك جاءت فترة التجنيد وأمضيت عاما لا أتقاضى فيه سوى ستة جنيهات كل شهر وكنت اعمل لهذه الفترة ألف حساب ولكن الله لم ينسنا فوجدت زوجتي عملا فى مستوصف قريب من البيت وأصبحت هى التي تتولى الإنفاق على الأسرة.

وانتهت فترة التجنيد وخرجت من الجيش لأجد زوجتي مصممة على تسجيل الماجستير لى ولها فظننت أن عقلها قد أصابه الجنون ! فقد كنت أنتظر بفارغ الصبر انتهاء مدة التجنيد لكي نبحث عن عمل فى الخارج ونبعد بعيدا عن قسوة الأهل وتربصهم بنا ،لكنها صممت وقالت لى إننا متفوقان وقد صمدنا للضيق والشدة والمضايقات فلماذا لا نكمل المشوار العلمي ثم نحقق أحلامنا.

واستجبت لاقتراحها مرغما ومعجبا بها وبقوة إرادتها فى نفس الوقت وسجلت أنا وهى للماجستير .. وقاسينا من الضيق والشدة أشد مما قاسيناه فى بداية زواجنا..

 

ويكفى أن أقول إن طعامنا خلال الشهرين الأخيرين من الدراسة كان لا يتجاوز الخبز والدقة والملح والماء تقريبا ، وأننا كثيرا ما قاسينا الجوع فى ليالي المذاكرة الطويلة .. ولم نجد ما نسكته به سوى الماء ، ومازلت أذكر حتى الآن أنى أسرفت ذات ليلة فى شرب الماء ، لكي أتقي الجوع فانقلبت معدتي وتقيأت وشعرت بالجوع أكثر وأكثر ولم نملك إلا التضحية ببضعة قروش فخرجت فى الليل أبحث عن شيء يؤكل .. ورغم ذلك كنا سعداء .. ولم نشك يوما .. ولم نندم ولم أر زوجتي مرة باكية أو حزينة أو غاضبة لأي سبب من الأسباب .. بل كنت كلما رفعت رأسي عن الكتاب ..متململا وجدتها تنظر لى بعينيها الجميلتين والابتسامة الحبيبة تغطي وجهها .. فابتسم لها ثم أحنى رأسي مرة أخرى على الكتاب وقد زال ضيقي.

وكلل الله جهودنا بالنجاح فحصلنا على الماجستير فى زمن قياسي خلال عامين فقط .. لكن أزمتنا لم تنفرج بل عشنا عاما آخر بعد الماجستير نعانى من شظف العيش وننام فوق المرتبة وليس فى حياتنا أية نسمة راحة حتى وفقني الله بعد جهد جهيد فى الحصول على عقد عمل لى ولزوجتي فى إحدى الدول العربية ولأول مرة بعد خمس سنوات من العناء عرفت حياتي النوم على فراش وعرفنا التلفزيون بعد أن كنا قد نسيناه

وعرفنا الطعام الجيد بعد أن كنا قد ودعناه منذ خمس سنوات

وخلال عامين كنا قد تمكنا من شراء شقة تمليك في إحدى أحياء القاهرة وأثثناها

 

واشتاقت نفسي للعودة إلى بلدي بعد أن وجدنا لأنفسنا مأوى كريما ، لكن حبيبتي المجنونة خرجت على مرة أخرى بطموح جديد هو أن نحصل على زمالة كلية الجراحيين الملكية بلندن .. وبنفس المنطق: نحن متفوقان .. وقد مضت أيام الشدة ولدينا الآن النقود التى تسمح لنا بالإنفاق على الزمالة..الخ ..

وباختصار فقد حصلنا على الزمالة من لندن بتوفيق الله .. وبجهدنا واجتهادنا وبعد الحصول عليها تعاقدنا للعمل فى دولة أخرى بمرتبين خياليين وتقدمنا فى عملنا فأصبحت مديرا فنيا للمستشفى الذى اعمل به وأصبحت زوجتي مديرة للقطاع الطبي بالشركة التى تعمل بها ورزقنا الله بطفلة جميله لم أتردد فى ان اسميها باسم شريكة كفاحي وشقائي وسعادتي أى باسم زوجتي

 

وبعد 3 سنوات من الغربة .. عدنا إلى القاهرة فى أجازة..وفى داخلي تصميم على شيء لم أصارح به زوجتي إلا بعد وصولنا لمصر بأسبوع هو أن نحتفل بزفافنا الذى لم نحتفل به يوم تزوجنا منذ 8 سنوات لان من حق حبيبتي أن ترتدي ثوب الزفاف الأبيض الذى لم ترتديه وان ارتدى أنا أيضا بدلة الفرح التى لم يكن لى مثلها حين تزوجت .. وصممت ونفذت وتحديت الجميع وأقمت الحفل فى نادي الشرطة !

 

ودعوت أصدقائي اللذين وقفوا جوارنا فى وقت الشدة.. وتصدر الحفل جيراني البسطاء فى شقة الطوب الأحمر فرحين مندهشين ودخلت القاعة مع زوجتي بثوب الزفاف وأمامنا المشاعل..والشموع..وفرقة الزفة . . وطفلتي تجرى بين أقدام المدعوين وتضحك سعيدة وهى لا تدرى انه حفل زفاف أبويها!

ونمت ليلتها قرير العين شاكرا لربى نعمته التي أنعمها على إنني اكتب إليك الآن لأني سعيد وراض عن كفاحي لأقول لكل إنسان.

إن الصبر والكفاح يحققان للإنسان ما يريده لنفسه وان على كل إنسان ألا ييأس من رحمة الله  لان لكل شدة نهاية ولكل ضيق آخر وعلينا فقط أن نؤدي واجبنا تجاه أنفسنا ثم نسلم الأمر للخالق جل شأنه ليختار لنا ما يشاء.

 

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

منذ زمن طويل لم أتلق رسالة واحدة كرسالتك هذه لا يطلب فيها كاتبها شيئا سوى أن يضع تجربته السعيدة أمام الآخرين ليستفيدوا منها ولا عجب في ذلك لان من يكتب عن نفسه يميل به قلمه غالبا إلى النجوى وبث الهموم كأننا نردد جميعا مع المتنبي قوله:

ليت شعري هل أقول قصيدة        فلا اشكي فيها ولا أتعتب؟

لكنك قلت " قصيدتك " يا صديقي فلم تشك فيها ولم تتعتب رغم ما لقيته من شقاء في حياتك ولذلك فلقد سعدت بها كثيرا ودهشت لحفل الزفاف المؤجل منذ 8 سنوات ولم أتعجب له لأنه من حق من يشقى أعظم الشقاء أن يسعد أيضا أعظم السعادة 

كما لم يخف عني معنى "مغزى" اختيارك لنادي الشرطة بالذات لإقامة هذا الحفل الغريب فيه كأنك تريد أن تبعث به إلى أبيك رسالة تقول له فيها انك قد صدمت لعدوانه عليك وكافحت ونجحت وحققت لنفسك السعادة التي أردتها باختيارك لشريكة عمرك.

 

والحق إن زوجتك تستحق هذا الحفل وأكثر لأنها من بانيات الرجال وقد دفعتك خطوات واسعة إلى الأمام بإرادتها الصلبة وبصبرها وكفاحها معك وإخلاصها لك ولأنك أيضا وجدت معها جنتك الحقيقية وأنتما ترقدان فوق حشية الأسفنج في شقة الطوب الأحمر وسوف تجدها معها دائما بإذن الله وسوف تحقق معها الكثير والكثير أيضا.

وبالرغم من تقديسي دائما لرمز الأب واعترافي له بحقه في أن يحجب موافقته على زواج ابنه وفقا لما يراه من اعتبارات إلا أنى فزعت من أن تصل معارضته لزواجك إلى حد استخدام الأساليب البوليسية الكريهة معك لإكراهك على الانفصال منها

فقد كان يكفيه انه طردك من بيته وحرمك من معونته وقبض عنك يده وتركك تقاسي شظف العيش وتغالب الجوع والحرمان مع زوجتك.

نعم .. كان يكفيه كل ذلك ثم يدعك لتخوض تجربتك وفقا لاختيارك أما أن يطلق عليك وحوشه ليقضوا مضجعك ويهدد بتلفيق قضية ماسة بالشرف لزوجتك فهذا هو الجرم الذي ما كان ينبغي له أن يرتكبه في حق ابنه أبدا.

ذلك أن الأب لا يملك لابنه الرشيد في النهاية سوى النصح والإرشاد فان لم يمتثل لنصيحته فليدعه لحياته ولمصيره وربما كان الأقرب إلى الرحمة ولمعنى الأبوة بعد ذلك أن يمده من بعيد بمعونته حتى ولو تمسك بموقفه الرافض منه .. أما أن يطارده بهذا الشكل المفزع فهذا هو التجبر وغرور السلطة بعينيهما إذ ماذا كان يملك أن يفعل لو لم يكن في موقع يسمح له بإرسال الوحوش إلى بيت ابنه

 

فلنترك على أية حال هذا الحديث المؤلم .. ودعني اقل لك بعد كل ذلك إن الأيام تأسو الجراح وان أيام الشقاء قد مضت بخيرها وشرها وأنتما الآن زوجان سعيدان وشريكان ناجحان متفوقان ولستما في حاجة إلى معونة احد لكنكما في حاجة بالتأكيد إلى أن يكون لكما أهل وأقارب فالإنسان الوحيد الذي تشغله رحلة الكفاح عن نفسه يبحث حين تستقر سفينته عن أهله وقد يتلمس أقاربه البعيدين لينتسب إليهم ويجدد صلاته بهم.

 

أنتما لستما في حاجة إلى البحث عن الأهل والأقارب لأنهم موجودون والحمد لله لكن ظروف حياتكما قد باعدت بينكم فلماذا لا تستكمل سعادتك بان تفتح صفحة جديدة حتى مع من أساءوا إليك وظلموك؟

ولم لا تستعيد صلاتك بأسرتك وتستعيد زوجتك صلاتها بأسرتها وأنتما الآن زوجان تفخر بهما أية أسرة بل ولماذا لا تتيح لأسرتك فرصة أن تعرف زوجتك على حقيقتها و طفلتك التى لم ترها حتى الآن؟

انك إن فعلت فسوف يكون ذلك تأكيدا جديدا لاستقامة خلقك وعلى انك من ذوي النفوس الكبيرة التي لا تؤثر فيها الصغائر ولا الأحقاد فلم لا تفعل لكي يعرف من أساءوا إليك اى جرم ارتكبوه في حقك حين باعدوك وطاردوك لغير شئ سوى لأنك قد وجدت نعيمك وسعادتك مع هذه الشريكة الرائعة.


نشرت سنة 1987 بجريدة الأهرام باب بريد الجمعة
 راجعها واعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات