الشئ العادي .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000
المشكلة الأزلية هي أن كل إنسان منا ينظر إلى الأمر المطروح عليه من زاوية الرؤية الخاصة به وحده فيرى نفسه محقاً تماماً في موقفه ..ويرى الآخرين يفتئتون على الحقيقة , فيختلط الحق لديه برغباته واعتباراته الذاتية وتضيع الحدود الفاصلة بينهما ونفتقد جميعاً النظر الموضوعي للأشياء .عبد الوهاب مطاوع
أكتب إليك وكلي أمل في ألا تضن علي بمشورتك فأنا سيدة في
السابعة والثلاثين من عمري أشغل مركزا مرموقا وظروفي المادية جيدة..
ولقد تزوجت منذ عشر سنوات من
رجل كريم ميسور الحال ويشغل مركزا مرموقا هو أيضا, ورزقني الله بعد زواجي منه بعام واحد بطفل جميل يبلغ عمره
الآن تسع سنوات ويتمتع والحمد لله بأخلاق ممتازة ومتفوق دراسيا وذكي جدا وأحمد
الله عليه كثيرا.
وبعد عامين من إنجابي لطفلي
حملت في طفل آخر ثم تعسرت في ولادته فلم ير الحياة.. وأجريت لي في المستشفي عملية جراحية ومكثت في العناية
المركزة فترة طويلة إلى أن كتب الله لي الشفاء, وقررت تأجيل الإنجاب بعد ذلك إلى أن أسترد صحتي ووافقني
زوجي علي ذلك.
ثم حدث بعد ذلك أن تأخر الحمل
كثيرا وطرقت أبواب أكبر الأطباء وخضعت لمشارطهم أكثر من مرة وتكلفت الكثير والكثير
ولم يحدث الحمل مرة أخرى بالرغم من تأكيد الأطباء لي أنه ليس هناك سبب محدد لعدم
الحمل,
وإنما هي إرادة الله سبحانه
وتعالى ..
فتقبلت إرادته ورضيت بها وحمدت
ربي على أن وهبني ابني ورأيت نفسي أفضل حالا من كثيرين غيري حرموا من نعمة الإنجاب..
لكن المشكلة هي أن زوجي يريد
أطفالا آخرين وحجته في ذلك أنه لا يريد لابنه أن ينشأ وحيدا ويرغب في أن يكون له
أخوة يساندونه في الحياة,
ولست أختلف مع زوجي في ذلك لكن
ماذا أفعل لكي أحقق له هذه الرغبة وأنا لم أدخر وسعا.. وتكلفت الكثير من مالي وصحتي لتحقيق أمنيته هذه.
لقد عرض علي زوجي أن يتزوج من
أخرى ..
ويريد مني أن أتقبل ذلك وأن
أعتبره شيئا عاديا في حياتي,
وأن يجمع بيننا ويرى أن ذلك من
حقه وأن اعتراضي عليه سيكون ذنبا كبيرا لي لأنه متمسك بي كما يقول ولا يريد أن
يفرط في..
غير أني قلت له إنه إذا أراد أن
يتزوج من أخرى فهذا حقه ولا منازع له فيه لكن عليه أولا أن يطلقني ثم يبدأ حياته
الجديدة بعد ذلك مع إنسانة أخرى.
ولست أنكر شرع الله أو أنكر حق
الرجل في الجمع بين زوجتين إذا اقتضت الضرورة ذلك لكنني إنسانة..
ومن حقي أيضا أن أرفض هذا الوضع
وأن أتحسب لما سوف يكون عليه مركزي ووضعي وحياتي ورد فعل المجتمع والأهل لذلك..
ثم من يضمن له أن تكون الإنسانة
التي سيتزوجها كريمة معه ومع أهله مثلي؟ ومن يضمن له أن أبناءه الذين سينجبهم منها
إذا شاء الله سيكونون أسوياء وإخوة أوفياء لابننا وليسوا سببا لتعاسته في المستقبل
إذا فسدت مشاعرهم تجاهه؟ ومن يدريه أن أمهم لن تزرع الحقد والكره في نفوسهم تجاه
أخيهم هذا أو تشعرهم بتميزه عنهم..
أو تحرض زوجها على تمييز
أبنائها عنه فيحقد هو عليهم..
وكم من آباء أنجبوا أبناء
كثيرين ثم رحلوا عن الحياة قبل أن يكملوا رسالتهم معهم وتركوهم للحياة وقسوتها
يواجهون مرارة اليتم وافتقاد الأب.
إنني لم أفقد الأمل في الله
وأحس في داخلي بأن الله سوف يعوضني خيرا عن طفلي الثاني الذي لم ير الحياة وعن
معاناتي الطويلة في العلاج لكن زوجي لا يصبر.. فهل توافقني في رأيي.. وهل ترى في رفضي لفكرة الجمع بيني وبين زوجة أخري ظلما
مني لزوجي كما يقول لي؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
يكون ظلما له بالفعل أن تمنعيه
من الزواج من أخرى لكي ينجب منها إخوة لابنه الوحيد كما يريد ويتمنى إذا كنت
ترفضين الطلاق منه وتأبين عليه في الوقت نفسه هذا الزواج, وتملكين عليه من وسائل القهر ما يرغمه الالتزام بما
تريدين..
ولأن ذلك متعذر بالفعل عمليا
ومنطقيا فلا ظلم له في موقفك ولا إثم عليك فيه, وإنما يستطيع زوجك إذا تمسك برغبته ورفض أن يصبر عليك
عسى أن يحقق لك الله أملك الحسير في الإنجاب مرة أخرى, أو إذا لم يرض بما أنعم عليه به ربه من نعمة إنجاب طفله
الوحيد,
يستطيع أن يجيبك إلى رغبتك في
الطلاق ثم يبدأ حياة جديدة يحقق فيها ما يرجوه لنفسه.. لكن المشكلة الأزلية هي أن كل إنسان قد ينظر إلى الأمر
المطروح عليه من زاوية الرؤية الخاصة به وحده فيرى نفسه محقا تماما في موقفه..
ويرى الآخرين يفتئتون على
الحقيقة,
فيختلط الحق لديه برغباته
واعتباراته الذاتية وتضيع الحدود الفاصلة بينهما ونفتقد جميعا النظر الموضوعي
للأشياء.
وعفوا يا سيدتي إذا قلت لك إن
نفس هذه النظرة الشخصية للأمر قد تنسحب عليك أنت أيضا بالرغم من إيماني الدائم بحق
الزوجة الشرعي في تخييرها بين الاستمرار مع زوجها وبين تسريحها بإحسان إذا رغب في
الزواج من أخرى
..
وكذلك بحقها في رفض زواج زوجها
من أخرى وتمسكها بالانفصال عنه إن لم تقبل بمشاركة امرأة أخرى لها فيه. فإما أن هذه النظرة غير الموضوعية تنسحب عليك أيضا فلأنك
لا تكتفين بالتمسك بهذا الحق الشرعي والإنساني لك.. ولا تقيمين دعواك في رفض زواج زوجك من أخرى للإنجاب على
أن كل زوجة في الوجود لا يسعدها وجود امرأة أخرى في حياة زوجها, وترغب دائما في أن تنفرد بزوجها دون غيرها من النساء..
مهما تكن مبرراته للزواج عليها, ولا على أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم عليكما بابن جميل
ولم يحرمكما من الإنجاب كلية وقد يكون من الخير لكما أن تقبلا بما اختاره الله
لكما,
وليس هناك من مبرر قوي لأن
تضطرب حياتكما بزواج زوجك من أخرى وما سوف يترتب عليه من مشكلات بينك وبينه إلخ. وإما تتجاوزين ذلك إلى محاولة إثبات فساد الفكرة نفسها
وترجيح فشلها في تحقيق ما يرغبه زوجك لنفسه من إنجاب إخوة آخرين لابنه الوحيد
وتقيمين دعواك كلها في ذلك على احتمالات قد تتحقق كلها أو بعضها وقد لا تتحقق كلها
ولا بعضها..
والمسعى واحد لديك ولديه بالرغم
من اختلاف الهدف,
فهدفه هو إقناعك بقبول رغبته في
الزواج من أخرى للإنجاب بغير خسائر عاطفية وعائلية يتكبدها على جبهتك.
وهدفك هو إقناعه بالتراجع عن
فكرة الزواج من أجل الإنجاب والقبول بالوضع الحالي لكيلا تشقي بوجود امرأة أخرى في
حياته.
وكل منكما في سبيل تحقيق هدفه
يلوي عنق الحقيقة لإثبات صحة موقفه وأحقيته فيه.
وكل منكما مطالب بأن يكون أكثر
عدلا مع الآخر مما هو عليه الآن فيقول لك زوجك إنه يريد الزواج من أخرى للإنجاب
بغير أن يحاول إيهامك بأن رفضك لذلك يكون ظلما له أو إثما عليك وتقولين أنت له إنك
ترفضين أن تشاركك فيه امرأة أخرى,
ولن تسعدي بذلك ولن تسمحي به
ومن حقك الحصول على الطلاق قبل أن يبدأ حياته الجديدة وأن زواجه هذا سيكون له ثمن
غال هو تهدم عشه الأول وحرمان طفله من النشأة الطبيعية بين أبويه..
وافتقاد زوجته الأولي وحياته
الهادئة معها.
ولا داعي لتخريج الحجج
والمبررات لكي يثبت كل منكما للآخر أن الحق في جانبه وحده.. وشكرا.
راجعها واعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر