السهم المسموم .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1995
لا أريد برسالتي هذه مطلبا ولا مسعى لحل مشكلة .. ولكن أريد فقط أن يقرأها من قد يواجهون مثل ظروفي ويستفيدون بدروسها .. فأنا فتاة في الثانية والثلاثين من عمري، أعمل بهيئة حكومية، وقد رحل أبي عن الحياة منذ 9 سنوات، فأحسسنا بفراغ كبير في حياتنا لغيابه، فقد كان حنونا رقيقا مع أبنائه ، على عكس أمي التي كانت دائما مستبدة الرأي ولا تراعي مشاعرنا أو حتى مشاعر أبي کرجل البيت رحمه الله .. وبعد رحيل أبي بعدة سنوات تقدم لي وأنا في الثامنة والعشرين من عمري زميل بالعمل يتقاضى مرتبا محدودا ووالده عامل مثقل بالأبناء وأمه ربة بيت، وقد حدثتني عنه زميلة في العمل ومدحت كثيرا أخلاقه وطيبة أهله، وعرضت الأمر على أسرتي فرحبت به وتحدد موعد للزيارة، وجاء ومعه أهله وتم الاتفاق على إعلان الخطبة، على أن يتم الزواج خلال 3 سنوات ليتمكن من تشطيب الشقة المتواضعة التي استأجرها بغير تشطيب في حي شعبي.
وتمت الخطبة، وأحببت خطيبي لطيبته وحنانه وشدة حبه لي رغم قصور يده عن تقديم أية هدايا لي بسبب ظروفه المعروفة .. وكرس خطيبي حياته كلها لإعداد الشقة للزواج .. وراح يعمل في كل عمل إضافي يتاح له لكي يوفر ما يحتاج له من نقود، غير مبال بمظهره أو بأي شيء آخر، ورحت أنا أيضا أوفر كل قرش أستطيع توفيره من مرتبي لإعداد نصيبي في الجهاز، ونسيت كل شيء سوى هذه المهمة الأساسية، وخلال ذلك لاحظت أن أهلي الذين رحبوا بخطيبي في البداية قد بدأوا ينفرون منه بلا سبب سوى ضعف إمكانياته، ويضيقون به و بزياراته لنا رغم أدبه معهم واحترامه لهم وحرصه على مشاعرهم.. فلم أهتم بموقف أهلي منه، وواصلت الاستعداد للزواج، وانتهى خطيبي خلال عامين من إعداد الشقة، وبدأنا الإعداد لعقد القران والزفاف، وجلس إخوتي فيما بينهم وقرروا أن يشتروا لي الصالون وأن يشتري هو حجرة النوم، وأبلغته القرار، فسعد به كثيرا وشكرنا عليه بحرارة، ودفع بالفعل مقدم ثمن حجرة النوم على أن يدفع باقي الثمن بالتقسيط، وطلب أهلي من خطیبی إتمام الزفاف خلال شهر واحد، فرجاهم الصبر عليه أربعة أشهر فقط لكي يدبر نفقات الفرح بعد أن استنفد كل ما كان معه في إعداد الشقة ومقدم حجرة النوم، فانفجر فيه أهلي غاضبين وساخطين، وأهانوه بقسوة وسبوه وطردوه من بيتنا، وأنا أعترض على ما يفعلون ولا أستطيع منعه للأسف، وبعد خروجه واصلوا الحديث عنه وكيف أنني يجب أن أترك هذا الفقير .. الصرصار .. الذي لم يكن من "مقامنا" من البداية ... إلخ.
واعترضت بشدة على هذا الهجوم على خطيبي،
ودافعت عنه بأنه لم يخدعنا في شيء من الأصل.. ولم يدع شيئا غير صحيح عن نفسه أو عن
أهله أو إمكانياته ، وأنه كافح بإخلاص وفعل أقصى ما يستطيع ليفي بوعوده، لكن هيهات
أن تغير أمي رأيها بعد أن حسمت أمرها، ورأت خطيبي هذا غير لائق بنا.
وفي اليوم
التالي جاءني خطيبي في العمل خجلا مما حدث، وأكد لي أنه يحبني ويريدني ولا يريد
ما سوف يقدمه لي أهلي من أثاث أو جهاز، وأكد لي أنه سوف يرجع إلى بيتنا مرة أخرى
مع أهله رغم كل ما حدث لإصلاح ذات البين وإنقاذ زواجنا، وأحسست بالإشفاق على
خطیبی وحاولت قدر جهدي أن أطيب خاطره.
ورجع خطيبي
بالفعل لزيارتنا مع أهله أملا في أن يخفف وجودهم معه حدة الهجوم عليه، لكنه لم
يستطع الكلام من البداية ، ولم تعط أمي
الفرصة له أو لأهله لكي يفتحوا أفواههم بكلمة صلح أو خير، وانطلقت أمي وإخوتي في
الكلام والانفعال من اللحظة الأولى، وعايروا خطيبي وأهله بما أحضرت أسرتي من جهاز
وأثاث ، في حين أنه سيبدأ حياته معي وهو مدين بأقساط غرفة النوم، مما يعني أنهم
سيواصلون الإنفاق على ابنتهم حتى وهي في بيت زوجها، وربما اضطروا أيضا للإنفاق
عليه .. إلى آخر هذا الكلام الجارح المهين .. ولم يراع أحد حرج موقف خطيبي بين أهله
أو مشاعرهم، وارتفع صوت أمي فاخترق أسماع الجيران.. وجاءوا للتهدئة والإصلاح وهم
محرجون ومتألمون لما يجري، وخرج خطيبي وأهله من بيتنا کسيرى النفس صامتين.
ولم تقصر أمي
بعد ذلك في الإساءة لخطيبي لدى الجيران والأصدقاء وكل من عرفوه أو رأوه في بيتنا،
ورغم ذلك فلقد جاءنی خطيبي في العمل مرة أخرى ووعدني بأن يرجع مرة ثالثة للصلح بعد
أن تهدأ النفوس قليلا، لأنه لن يتخلى عني لمثل هذه التصرفات العابرة .. وحاول
الصلح فعلا، وحاولت بقدر جهدي إصلاح الأمر بينه وبين أهلي إلى أن يئست تماما،
وأشفقت عليه من كثرة الفضائح، ففسخت الخطبة وفي قلبي سهم مسموم مما حدث . وتجنبني
خطيبي السابق بعد ذلك تماما وغاب عن أنظاري، ثم علمت من زميلتي التي رشحتني له بعد
شهرين من فسخ الخطبة أن صديقا
له
يعمل بالخارج قد رشحه للعمل معه.. فحصل على إجازة بدون مرتب وسافر إلى عمله
الجديد، ومضى عام طویل بحلوه ومره، ثم رجعت من عملي إلى البيت ذات يوم فوجدت أمي
وإخوتي يتحدثون عن خطيب جديد يريد أن يأتي لكي پرانی، وكيف أنه من أسرة محترمة
مثلنا وليست كأسرة خطيبي السابق وكيف أنه يحمل مؤهلا عاليا ويعمل عملا مرموقا وله
أملاك ويحيا في بحبوحة من العيش وليس كذلك «الجربان» الذي تخلصوا منه .. إلخ..
وجاء العريس بالفعل وزارنا في البيت ورآنی وتحدث معي، ونلت القبول لديه .. أما
أنا فلم أكرهه.. ولم أحبه .. وإنما تذكرت بشدة أنني قد جاوزت الثلاثين وأصبحت في
حاجة إلى الزواج قبل أن يفوتني القطار .. وتمت الخطبة، وبدأ خطيبي يتردد علينا مرة
كل أسبوع فيأتي كل مرة محملا بالهدايا .. ويستقبله أهلي بالحفاوة والتهليل
والترحيب والتكريم، فأتعجب في داخلي لفارق المعاملة بينه وبين خطیبی السابق، فأفخر
الطعام يتم إعداده يوم مجيئه، وأحسن ما لدينا من أوان وفناجين وأكواب تخرج من
مخزنها لاستخدامها يوم الزيارة السعيدة ، وكلما أبديت ملاحظة على ذلك قالوا لي: إن
لكل إنسان مقامه وما يستحقه من معاملة، وأن خطيبي الثاني "ابن ناس" ولا
يجوز أن نظهر أمامه بأقل من هذا المظهر، واستمرت خطبتنا عاما تمكن خلاله من إعداد
كل شيء، وأعددنا نحن نصيبنا في الأثاث بزيادة كبيرة عما كنا أعددناه لخطيبي الأول.
وتحدد يوم
الزفاف، فقام خطيبي بحجز قاعة الأفراح، وأحضرنا نحن الأثاث من صالة الموبيليات إلى
بيتنا استعدادا للزفاف، وبعد أسبوع جاء خطیبی واتفقنا على نقل الأثاث إلى مسكن
الزوجية ، وتحدث أهلى بتردد عن قائمة الأثاث التي أعدوها وينبغي على خطیبي أن
يوقعها، فانتفض واقفا في غضب شديد وكأن أهلي قد نطقوا كفرا، ووقعت مشادة كلامية
بينه وبينهم.. ولكن سبحان الله العظيم.. فقد انقلبت الآية تماما عما حدث مع خطيبي
الأول، فكان صوته أعلى من أصواتهم جميعا ولم يعطهم فرصة للكلام، وإنما انطلق
کالمدفع الرشاش يجرح ويهين.. ويعاير أمي الموظفة بأصلها المتواضع الذي نسيته
وبأبيها الذي كان بائعا جوالا فقيرا لا يجد قوت يومه، ويعاير إخوتي بأنهم إذا
كانوا في مناصب مرموقة الآن فإنهم لم يكونوا كذلك طوال العمر، وإذا كانوا قد نسوا
"أصلهم" البسيط فهو جدير بأن يذكرهم به ... إلخ، وأمي تجلس مذهولة لا
تستطيع النطق .. وإخوتي الأربعة يجلسون صامتين واجمين.. وجاء الجيران مرة أخرى
ولكن على صوت الخطيب هذه المرة وهو يعايرنا، وليس على صوت أمي كما حدث في المرة
السابقة، وحاولوا إصلاح الأمر بين خطيبي وأهلي بلا فائدة، وخرج خطيبي وهو يقسم على
رؤوس الأشهاد أنه لن يتزوجني بسبب أهلي .. ويقولها صريحة جارحة في وجوههم بلا خجل
ولا مراعاة لأي شيء، وانتهت الليلة الكئيبة بخروجه من بيتنا في هذه الفضيحة العلنية
القاسية .
ومرضت أمي لما حدث .. وبكيت أنا بحرقة، ليس على هذا الخطيب ولكن على حالي، وعلى ما جرى لى، وتذكرت خطیبی الأول الذي ظل متمسكا بي حتى النهاية رغم كل ما تعرض له من إهانات في بيتنا لم يكن يرد عليها سوى بالعتاب والكلمات الطيبة من نوع: سامحكم الله.. أو : أنتم تظلمونني .. أو : أهكذا يكون قدري عندكم؟
وتذكرت أهله الطيبين الذين تحملوا
الكلام الجارح عن ابنهم وعن فقره صامتين لا ينطقون سوى بكلمات العتب والدعاء لأمي
أن يسامحها الله على ما فعلت بضيوفها في بيتنا إلخ..
ولم يرجع
خطيبي الثاني بعد ذلك أبدا رغم سعي إخوتي للصلح معه، وتم إلغاء حجز قاعة الأفراح
وأعيد الأثاث إلى صالة المبيعات .. ورأيت أهلي کسیري النفس حائرين بعد أن كانوا
شامخين بأنوفهم ومتجبرين على خطيبي الأول.. وتذكرت «السهم المسموم» الذي انغرس في
صدري حين أهانوه وجرحوا أهله بقسوة وهم ضيوف في بيتنا، وانتهت خطبتي هذه بالفشل
مرة أخرى ولكن لسبب مختلف تماما .
ولست أعترض
على قضاء الله ولا قدره لكني أسألك فقط : ماذا فعلت لكي يحدث لي كل ما حدث؟ وما هو
ذنبي فيما جرى یا سیدي؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لا ذنب لك يا
آنستي فيما حدث بين أهلك وخطيبيك السابقين إلا في شيء واحد هو سلبيتك مع خطيبك
الأول الذي لم تحسني الدفاع عنه لدى أهلك ولم تتمسکی به بالقدر الكافي الذي يردهم
عن تحقيره وإهانته وفسخ ارتباطك به ... نعم.. للأهل دور أساسي في فسخ خطبتك، له
لكنك كنت في الثلاثين من عمرك حين انفجرت الأزمة، ولم تكوني فتاة مراهقة ولا
غريرة، فكيف أخليت بينه وبين أهلك وتركته وحده في حلبة مصارعة الوحوش .. يتعرض
لإهاناتهم وتحقيرهم لأسباب لا حيلة له فيها ولم يتمنها لنفسه، وبلا عون منك سوى
الإشفاق العاجز والنصيحة اليائسة له بأن يذهب إلى حال سبيله تجنبا للفضائح!
لقد كنت
تستطيعين التمسك به والغضب له.. وإقناع أهلك بما في موقفهم منه من تجبر وإيلام لا
يقرهما شرع ولا دين، ولو فعلت ذلك لما تردت الأمور بينهم وبينه إلى حد إهانته
وتجريحه أمام أهله وهم ضيوف عليكم.. فالأهل لم يستهدفوا في النهاية سوى صالحك وإن
أخطأوا السبيل إليه، وما كانوا ليستطيعوا لو تمسکت بما تريدين بقوة - سوى التسليم
برغبتك والصبر عليه بضعة شهور أخرى لکی يتدبر نفقات الزفاف، فلقد صبروا عاما جديدا
على الآخر حتى تحدد موعد الزواج، لكن أغلب الظن أنك كنت تسلمين في داخلك ببعض ما
ينكره أهلك على خطيبك الأول؛ لذلك فإنك لم تستطیعی التمسك به حتى النهاية .. ورحل
الشاب المكافح بعيدا عن موطن الأحزان جريح القلب والكرامة.
ولقد شاءت
إرادة الله أن يرد له اعتباره في غيبته وبلا جهد منه ، وثأر له ربه من أهلك الذين
عيروه بما لا ذنب له فيه وهو رزقه المحدود، بمن لم يتورع عن تعييرهم هم أيضا بما
لا ذنب له فيه، وهو جذورهم العائلية .. وبمن لم يرع لهم حرمة، كما لم يرعوا هم
حرمة أهل خطيبك الأول وحقهم كأضياف عليهم وهم يجرحون ابنهم أمامهم ويعيرونه بعجزه
وفقره. ولكل شيء آفة من جنسه یا آنستي . ولكل أفعال الإنسان ثمن واجب السداد يدفعه
صاغرا إن آجلا أو عاجلا، فإن كانت خيرا فخير، وإن كانت شرا وتجبرا و استعلاء كریها
على البشر فمن نفس الكأس المريرة قد يتجرع حتى ليشكو الظلم وهو الذي قد أصم أذنيه
من قبل عن استعطاف من ظلمهم، ( وكذلك يضرب الله الأمثال ).. صدق الله العظيم. ولو
أنصف الإنسان لما عير أحدا بجذوره العائلية ولا برزقه أو نصيبه من متاع الدنيا،
فما لأحد حيلة في كل ذلك، ولأدرك الإنسان أن الشيء الوحيد الذي يستحق أن ينكره على
الآخرين هو سوء خلقهم فقط
لأنهم مسئولون
عنه مسئولية شخصية، وفيما عدا ذلك فلا فضل لأحد فيما يملك أو يشغل من منصب .. أو
يحمل من ألقاب عائلية .
ومن عجب أن
يجيء «الإنصاف الإلهی» لخطيبك الأول على يد خطيبك الثاني .. ليس فقط بأن أذاقهم
مرارة الإحساس بالدونية والقهر أمام من يستعلي عليهم بغلظة ووقاحة، وإنما أيضا بأن
ألقي عليهم درسا قاسيا في سوء تقديرهم لمعايير التفاضل بين الناس .. فعرفوا بعد
فوات الأوان أن الفضلاء . أو من جرى العرف على تسميتهم «بأبناء الناس » ليسوا هم
من يملكون أكثر أو يشغلون وظائف أخطر .. أو يحملون درجات علمية أرقى أو ينتمون
لعائلات أكبر، وإنما هم حقا وصدقا من «يستحيون من الله استحياءهم من ذوي الهيبة من
قومهم» كما علمنا الناصح الأمين صلوات الله وسلامه عليه .. ذلك أن «سمة الخير هي
الدعة والحياء، وسمة الشر هي القحة والبذاء» كما يقول الفقيه الماوردی، وهم أيضا
أصحاب المروءة والنخوة والوفاء الذين « إذا رضوا لم يدخلهم الرضا في باطل، وإذا
غضبوا لم يخرجهم غضبهم عن حق، وإذا قدروا عفوا» كما يعلمنا أيضا معلم البشرية. وهم
يعرفون شرف الخصومة فلا يوغلون في لدد الخصام، ولا يسدون أبواب الرجوع للوئام،
ويحفظون حرمات غيرهم، و يتعففون عن الفحش وإيلام الآخرين وتعبيرهم بنقاط ضعفهم،
ولا ينسون فضل الكبير ولا يدا قدمت إليهم.
ولم يكن شيء
من كل ذلك لدى خطيبك السابق صاحب الأملاك والمركز المرموق والعيش الرغد والأسرة
التي تليق بمصاهرتكم، وكان كل ذلك - أو معظمه - لدي خطيبك الأول الذي لم تخرجه
إهانة أهلك له عن حيائه ورعايته للقيم العائلية والإنسانية. فعسى أن يستفيد أهلك
بهذا الدرس القاسي في تقييمهم السليم لمن يتقدمون إليك بعد ذلك، وعسى أن يحاول بعض
علماء الاجتماع أن يفسروا لنا سر هذا الإحساس الطبقي الكريه المتبادل بين أشخاص من
شرائح اجتماعية لا تكاد ترى الفروق بينها بالعين المجردة، ومع ذلك فهم يتمسكون
بشعور الاستعلاء الطبقي بعضهم تجاه بعض.. فتمارس أسرة الفتاة استعلاءها الطبقي
الغريب على الخطيب الأول المكافح، ويمارس الخطيب الثاني نفس هذا الإحساس الكريه
تجاه أسرة الفتاة .. والجميع في سلة واحدة هي الطبقة المتوسطة الدنيا التي تحتاج
لإنهاء مشروع الزواج إلى كفاح سنوات، كما احتاج الخطيب الثانی صاحب الأملاك نفسه
إلى عام كامل ليدبر نفقة إتمام الزواج.. فهل من مفسر لهذا الاعتزاز الطبقي
الكريه؟..
على أية حال،
فلقد أراد الله بك خيرا يا آنستي أن وقعت هذه الواقعة بين خطيبك الثاني وأهلك قبل
موعد زفافك بأسبوع واحد، فكشفت لك عن وجهه الحقيقي الذي لا يظهر إلا في الغضب ،
فنجوت من تعاسة كانت تترصدك معه، وربما دفعت ثمنها غاليا من سنوات عمرك.. فالإنسان
الذي يقطع كل الخيوط في لحظة واحدة مع من كان على وفاق معهم قبل لحظات ثم يتفجر
تجاههم بالفحش والسخيمة كقاذفات اللهب، إنسان لا يؤمن جانبه ولا يمكن أن تستقر
سفينة الحياة معه إلا على حساب تنازلاتك المستمرة عن كرامتك وحقوقك، وعلى أساس
استعدادك اللانهائی لاحتمال كل أنواع الأذى والإساءة منه، فضلا عن تقلباته
المزاجية الحادة .. فاشکری ربك يا آنستي أن أنقذك من هذا المصير، وتعلقي دائما
بالأمل في عدالته ورحمته، و انتظري نصيبك العادل من السعادة، وهو لا شك قادم في
ظروف أفضل بإذن الله بعد أن عرف أهلك بالثمن الغالي معايير التفاضل الأولى
بالاحترام، وبشرط أن تخرجي عن سلبيتك وتدافعي عن سعادتك بقوة وإصرار حين تدعو
الحاجة إلى ذلك .
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر