الاعترافات المريرة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1996
الحق إنني اكره المشاكل الأخلاقية الشاذة ، وأتجنب قدر الإمكان عرضها على القراء تحسبا لأثارها السلبية الضارة على القيم الإنسانية والعائلية والأخلاقية ، وتخوفا من أن تعطى البعض بشذوذها انطباعا خاطئا عن أحوال البشر ، مع أننا نعرف جيدا أن الشر مزعج بطبيعته ولهذا فهو يلفت النظر ويستوقفنا ، فى حين يمضى الخير فى دربه الآمن المألوف بلا ضجيج ولا إثارة فلا نكاد نشعر به ، مع انه الأغلب الأعم فى كل زمان ومكان .
عبد الوهاب مطاوع
أنا يا سيدي من قراء بابك الأوائل منذ إنشاءه في بداية الثمانينيات، ولقد قرأت لك منذ فترة فى احد ردودك عبارة تقول فيها انك من كثرة ما قرأت من عجائب البشر فى رسائل القراء لم تعد تعجب لشئ او تستبعد شيئا على النفس البشرية التي لا يعرف احد كل غوامضها ونوازعها الخفية ِ، وأنا أصدقك تماما فيما تقول لكنى متأكدة أيضا من إنني سوف أضيف إلى رصيد العجب عندك جديدا إذا صبرت على قراءة رسالتي هذه حتى النهاية . فأنا سيدة في الثلاثينات من عمري وزوجي في الأربعينيات من عمره، وقد تزوجنا منذ 14 عاما بعد قصة حب جمعت بيننا برغم معارضة أهلي فى هذا الزواج، لكنى تمسكت به وتم زواجنا ولم يحضره معظم إخوتي لسفرهم خارج البلاد وقتها ، فأرسلت إليهم جميعا صور الزفاف والفرح ، ومن بينهم شقيقة لى كانت تقيم مع زوجها وأولادها فى بلد غير عربي، فلم تمض أيام حتى فوجئت بشقيقتي هذه تدعوني للسفر إليها مع زوجي لقضاء بضعة أيام من شهر العسل فى ضيافتها، وسعدت بالدعوة وسافرنا إليها بالفعل، ومن أول لقاء بيننا فى حضور زوجي أحسست بشئ غير مريح فى نظرات أختي لزوجي ، لكنني لم اعلق أهمية كبيرة على ذلك لان كلينا يحب الآخر وقد خضنا معا حربا عائلية حتى يرتبط كل منا بالأخر وطردت على الفور هذه الهواجس غير المريحة من رأسي، وساعدني على ذلك أن شقيقتي كانت قد تزوجت زوجها هي أيضا عن حب ولها منه أبناء . واستمتعنا بأجازة شهر العسل في ضيافتها ، ورجعنا إلى بلدنا سعيدين ومضت حياتنا الزوجية هادئة وهانئة ، وأنجبت طفلين سعدنا بهما غاية السعادة رغم أنهما قد ولدا متعاقبين عاما بعد عام . واحتاجا منى إلى مجهود كبير لرعايتهما معا ، وبعد فترة قصيرة من مولد الطفل الثاني فوجئت بعودة شقيقتي من الخارج تاركة زوجها وأبناءها وراءها ، وبأنها تطلب الطلاق من زوجها بإصرار بحجة انه يسئ معاملتها فى الغربة ، وحاولنا المستحيل لكي ترجع عن طلب الطلاق رفقا بأبنائها فلم تُجد معها أية محاولة ، ووقع الطلاق بالفعل بعد بضعة أسابيع واحتفظ زوجها بأبنائه معه ، لأنهم تجاوزوا سن الحضانة وقبعت أختي فى بيت الأسرة مع أبى وأمي ، وبعد فترة قصيرة بدأت تشعر بالملل والوحدة والفراغ لأنها لا تعمل ولا أمل لها فى عمل مناسب ، فوجدت نفسي اعرض عليها الإقامة معي فى بيت الزوجية لكي تشغل نفسها برعاية الطفلين الصغيرين خلال فترة غيابي أنا وزوجي فى عملنا ، ورحبت هى بهذا العرض رغم معارضة أهلي فى البداية .
وانتقلت أختي للإقامة معي فعاملتها_ يعلم الله _أحسن
معاملة وسعدت بوجودها معي ووضعت بيتي وملابسي كلها تحت تصرفها ، فلم يمض وقت طويل
حتى بدأت ألاحظ انشغال زوجي بها ، وانشغالها هي أيضا بزوجي ، فاستيقظت الهواجس غير
المريحة التي كادت تفسد علىّ أجازة شهر العسل وراحت تطاردني من جديد ، وفكرت كيف
أواجه هذا الموقف الذي وضعت نفسي فيه من حيث لا اقصد ، فانتهى بى تفكيري إلى أن
أحصل على أجازة بدون مرتب من عملي وأتفرغ لرعاية طفلي وبيتي فينتفي الغرض من إقامة
أختي عندي وتجد نفسها بلا عمل تؤديه فتشعر بالحرج وترجع إلى بيت الأسرة ، ونفذت
ذلك بالفعل ، وبعد أيام من حصولي على الإجازة رجعت أختي إلى بيت الأسرة ، واسترحت
بعض الشئ من هواجسي المكتومة التي لا استطيع مصارحة احد بها ، لكن لم تمضى فترة
طويلة حتى بدأت ألاحظ شيئا آخر مختلفا وغير مفهوم بالنسبة لي ، فقد لاحظت أن زوجي
لا يذكر أختي أمامي إلا بسوء ، وانه ينتقدها وينتقد تصرفاتها دائما ويبدى عدم
ارتياحه لها .
ولاحظت أيضا أن أختي فى المقابل لا تتحدث عنه
أمامي إذا عرضت سيرته إلا بما لا يحب هو أن يسمعه وأنها تسبه كثيرا وتنقده وتعيب
عليه الكثير من تصرفاته وسلوكه وشخصيته ! وحرت فى فهم هذا العداء الغريب وهذه
الكراهية المتبادلة بينهما ، واكتفيت بالصمت كلما تحدث زوجي عن أختي بسوء ، أو
تحدثت أختي عن زوجي بنفس الطريقة . ولن أنكر أنني وجدت لذلك فى نفسي بعض الارتياح
الصامت مما يبعد عنى الهواجس المقلقة ، وحرصت على ألا انقل لأحدهما رأى الآخر فيه
حفاظا على السلام العائلي ، ولكي يظل بيت أسرتي الذي تقيم فيه أختي مفتوحا لى
ولزوجي ويظل بيتي مفتوحا لأسرتي وإخوتي . ومضت بنا الأيام ثم بدأت اسمع أن أختي
تبالغ فى تلهفها على الزواج ، فتزيد من دائرة العلاقات الاجتماعية حولها ، إلى حد
يكاد يهددها بسوء السمعة من حيث لا تريد ، وانتقد بعض الأهل بالفعل تصرفاتها هذه
لدى أمي فدافعت عنها دفاعا أعمى ، وقالت للجميع انه يكفيها ما لاقته من سوء معاملة
زوجها لها فى الغربة ، ولم تحاول نصحها بالاحتراس والحفاظ على سمعتها لكي تستطيع
الزواج فعلا . ثم ارتبطت شقيقتي بشخص مناسب وتزوجته خلال فترة قصيرة ، فتنفست أنا
الصعداء ، ورجع الهدوء من جديد إلى حياتي الزوجية ، ورحت أتبادل مع أختي وزوجها
الدعوات المنزلية للغداء والعشاء في بيتي وبيتها من حين لآخر ، فلاحظت مرة أخرى
نفورا عجيبا ومتبادلا بينها وبين زوجي بلا مبرر واضح ، وبدلا من أن اسعد هذه المرة
بهذا النفور واطمئن له ، وجدته على العكس يثير قلقي ويجدد هواجسي القديمة من جديد
، لان وجود هذا النفور يعنى أن بينهما أسرارا لا اعرفها ، ولهذا فهما يتنافران بلا
سبب واضح لي أو لغيري . إلى أن حدث ذات يوم منذ بضعة شهور أن كنت بدون زوجي فى بيت
الأسرة وكانت شقيقتي هناك وحدها أيضا لان زوجها على سفر قصير ، وكان مفهوما أنها
ستبيت ليلتها فى بيت الأسرة ، لكنى فوجئت بها تنهض للانصراف إلى شقتها لان زوجها
سيتصل بها تليفونيا ، فعرضت عليها أمي إن كان ضروريا لها أن تنصرف أن تذهب معها
إلى شقتها لكيلا تمضى الليل وحيدة ، لكنها رفضت ذلك وتعجلت الانصراف حتى لا تتأخر
عن موعد المكالمة ، وخرجت معها عائدة إلى بيتي على وعد منها أن تتصل بى من شقتها
لأطمئن على وصولها إليها .
وبقيت فى بيتي انتظر زوجي إلى أن جاء في منتصف
الليل ، وسألته بتلقائية عما أخره كل هذا الوقت فاعتذر بالعمل ، وبدلا من أن أتقبل
الأمر ببساطة وجدت نفسي فجأة اسأله عما إذا كان قد التقى بأختي هذا المساء فى أي
مكان ولو بالصدفة ؟ وفوجئ بالسؤال غير المتوقع وسارع بالنفي مضطربا فإذا بى ولغير
سبب مفهوم أقدم له مصحفا واطلب منه أن يقسم على صدق ما قال ، فنظر إلي مترددا
وحائرا للحظات ثم اقسم على المصحف الشريف .. ورغم ذلك لم تهدأ هواجسي فطلبت منه أن
أن يقسم أيضا بالطلاق انه صادق فيما أجابني به فأقسم على ذلك ، وكان المفروض عند
هذا الحد أن اقتنع بصدقه وينتهي الأمر إلا إنني لم اقتنع ولم اصدق ولم تهدأ هواجسي
وظنوني طوال الليل ونمت نوما مضطربا قلقا، وفى الصباح كان أول ما فعلت هو أن اتصلت
بأختي وتجاذبت معها أطراف الحديث بطريقة عادية وسألتها عن مكالمة زوجها لها مساء
أمس ، ثم سألتها على سبيل الثرثرة عما إذا كانت قد رأت زوجي بالمصادفة مساء أمس
فإذا بها تجيبني فى زلة لسان مؤلمة أنها قد رأته بالفعل وصافحته مصافحة عابرة ! فاسقط
فى يدي ومادت بى الأرض وانتظرت عودة زوجي من عمله وأنا احترق بالكمد والضيق والغيظ
، وواجهته بما عرفته من أختي ففوجئت به ينهار ويغترف لى بأنه كان معها بالفعل مساء
أمس فى احد المحلات العامة ، وأنه قد سأل عن جدية يمين الطلاق الذى أقسمه فأفتاه
البعض بوقوع الطلاق فرددنى وقال انه نادم على كل شئ .. ثم توالت اعترافاته المفجعة
، فاعترف لى انه على علاقة عاطفية معها طوال عشر سنوات ، وبأن ذمه فيها وذمها فيه
والنفور المتبادل بينهما أمامي ، كان من ضمن خطة التمويه التي دبراها معا لكيلا
أكتشف أمر هذه العلاقة ، بعد أن لاحظا شكوكي ، وأن علاقته بها بدأت وهى تقيم فى
بيتنا لرعاية الطفلين ، وانه بدأها بمحاولة التلامس معها ، فلم تردعه عن ذلك ولم
تستجب له فى نفس الوقت واكتفت بان قالت له إن هذا حرام ، وانه عرض عليها أن يطلقني
ويتزوجها ، فأبت ذلك خوفا من الأسرة وكلام الناس . واستمرت العلاقة بينهما على هذا
النحو عن طريق المكالمات التلفونية الطويلة ، واللقاءات الخاطفة واللفتات العاطفية
طوال السنوات الماضية تخللتها فترات صلح وخصام كأي طرفين فى علاقة حتى انه _كما
اعترف لى بلسانه _ قد تمنى لى في بعض الفترات الموت لأنه الحل المثالي الذى يمكنه
من الزواج منها بدون فضائح عائلية ! ولم أحتمل منه أكثر من ذلك فخررت مغشيا علىّ
ولم أفق من إغمائي إلا على دموعه ونحيبه فحاولت تمالك نفسي بعض الشئ ، وجلست أمام
زوجي أحاول استيعاب الموقف ، وانحنى هو على قدمي باكيا بحرارة وطلب منى أن اصفح
عنه وأسامحه لأنه قد رجع الآن إلى رشده وعرف خطأه وأدرك قيمتي عنده .. الخ . وجلست
شاردة ذاهلة لا اعرف بماذا أجيبه ولا ماذا ينبغي لى أن افعل ، ثم ألهمني الله فجأة
فكرة جريئة فطلبت منه أن يكتب كل هذه الاعترافات بخط يده على ورقة إذا كان صادقا
حقا فى ندمه وتوبته لكى تكون تحت يدي إذا رجع إلى هذه العلاقة مرة أخرى ويكون من
حقي حينئذ أن أقدمها للمحكمة كدليل على خيانته لي واطلب الطلاق واحصل على كل حقوقي
لديه ! ولا اعرف حتى الآن كيف استجاب زوجي لهذا المطلب الغريب وربما كان ضعفه
وانهياره قد ساعداه على ذلك ، فجلس يكتب كل ما قاله لى ويقر بخيانته لي مع أختي
ويتعهد أمام الله وأمامي ألا يعرف هذه المرأة وألا يخونني مرة أخرى . ولا اعرف كيف
مضت الايام التالية لهذه الطامة الكبرى لكنى على أية حال طلبت منه أن ننفصل مؤقتا
داخل البيت فيقيم فى حجرة أخرى حتى تهدأ نفسي وتشفى جراحي .
ورجع معي بالفعل واعترف أمامهم بما قلته واقسم
عليه بالطلاق وقال لامي ولإخوتي انه لا يتنصل من جريمته وانه مستعد لتحمل أي عقاب
يرون توقيعه عليه ، فكذّبته أختي مرة أخرى بجرأة أعجب وكذبوه هم أيضا معها ورجعنا
كما ذهبنا . وقد تسألني الآن : لماذا اكتب لك هذه الرسالة المخزية ، وماذا أريده
من ورائها ؟ وأقول لك إنني أكتبها لان أمي قد أغلقت بيتها فى وجهي فلم يعد لى مكان
آخر سوى بيت الزوجية الذى أتمنى أن اتركه ، لكن إلى أين اذهب إذا تركته ؟ لقد
حاولت الانتحار ، لكن زوجي يطالبني بالصبر والنسيان ويعرض علىّ أن نحتكم إليك وان
تدعونا لمقابلتك لتساعدنا فى التوصل إلى حل عادل لوضعنا الحالي ، كما أريدك أيضا
أن توجه كلمة لامي وإخوتي الذين اشتركوا فى تأييدهم لخائنة العيش والملح وصلة
الرحم ، وان تقول لامي إن ما فعلته معي حرام ولا يرضى به الله ، وإنني اردد كل يوم
حسبي الله ونعم الوكيل فى كل من ظلمني ، فهل تستجيب لهذين المطلبين يا سيدي ؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
لولا إشفاقي عليك يا سيدتي مما
تشعرين به من قهر عائلي مؤلم ، ومرارة قاسية لفقدان الأهل والنصير فى محنتك هذه ،
لما نشرت رسالتك ، ولما شغلت بها فكرى ، فالحق إنني اكره مثل هذه المشاكل
الأخلاقية الشاذة ، وأتجنب قدر الإمكان عرضها على القراء تحسبا لأثارها السلبية
الضارة على القيم الإنسانية والعائلية والأخلاقية ، وتخوفا من أن تعطى البعض
بشذوذها انطباعا خاطئا عن أحوال البشر ، مع أننا نعرف جيدا أن الشر مزعج بطبيعته
ولهذا فهو يلفت النظر ويستوقفنا ، فى حين يمضى الخير فى دربه الآمن المألوف بلا
ضجيج ولا إثارة فلا نكاد نشعر به ، مع انه الأغلب الأعم فى كل زمان ومكان . وبعد
هذا التحفظ المبدئي ، فأنى أضيف إليه أيضا أنني افترض في من يكتب لى عن مشكلته
الصدق فيما يرويه لي ، مؤمنا بأنه إذا لم يكن صادقا معي فلن يحصل مني علي المشورة
المناسبة في أمره ، وبالتالي فاني افترض دائما الصدق فيما اسمع واقرأ معتبرا نفسي
أتعامل فيما أناقشه من مشاكل مع ( نماذج بشريه ) تحددها لي وقائع الرسالة المعروضة
علي ، وليس مع أشخاص بعينهم ، فإذا جاءني الطرف الآخر ذات مره وشكا لي من أن بعض
ما قيل عنه في هذه الرسالة أو تلك ليس صحيحا قلت له علي الفور إذا فأنت لست "النموذج
البشري" الذي قصدته بردي علي تلك الرسالة حتى لو كنت البطل الحقيقي لها وكان 95%
من وقائعها صحيحا ، لآني إنما قد تحدثت عن نموذج آخر كونت رأيي فيه علي ضوء ما عرض
من وقائع افترض صحتها كلها . وبهذا المفهوم يا سيدتي فقد استعير لقصتك هذه من
أعمال أديب الانجليزية شكسبير عنوان ملهاته الشهيرة "كوميديا الأخطاء" لأشير
به إلى وقائع هذه القصة الغريبة بعد تحويره إلى "تراجيديا الأخطاء المؤلمة"
ليكون اصدق تعبيرا عنها . فقصتك للأسف من البداية تكاد تكون سلسلة متصلة من
الأخطاء المريرة التى اشترك فيها جميع الأطراف ، حتى بلغوا في النهاية حد المأساة
المفجعة ، ومن عجب أن تكوني أنت أيضا يا سيدتي أول من بدأت هذه السلسلة غير
الذهبية من الأخطاء حين دعوت شقيقتك لكى تقيم فى بيتك ، بالرغم من انه قد ساورتك
بشأنها الشكوك والهواجس من اللحظة الأولى التى التقت فيها بزوجك ولاحظت عليها
نظراتها غير المريحة إليه ! والمؤسف أيضا انك قد فعلت ذلك ليس لأنك قد تخلصت
نهائيا من هذه الهواجس بشأنها وإنما لأنك قد راهنت على تجاهلها طلبا لمصلحة مؤقتة
هى رعاية طفليك فى غيابك فكان رهانك خاسرا منذ البداية وأسهمت من حيث لا ترغبين فى
نسج خيوط هذه القصة المخزية . أما خطأ أختك فى حقك فهو أشد هولا وشناعة من خطأ
زوجك ، رغم بشاعة خيانته لك مع اقرب الناس إليك وان كان التفاضل فى الخطايا لا
يكون دائما إلا بين سيئ وأسوأ ، ذلك أن زوجك حين تطلع لشقيقتك فلقد خان بذلك علاقة
الزوجية المقدسة وأساء إلى القيم الدينية والأخلاقية .. أما خطأ أختك حين بادئته
بالإغواء أو استجابت لإغوائه فلقد كانت تهدر بذلك كل القيم الأخلاقية والدينية
والإنسانية والعائلية كذلك ، لان العلاقة الزوجية رغم قداستها قد تنفصم ، أما
علاقة الدم والرحم فهى علاقة أبدية ولا انفصام لها ولا يجوز المساس بها مهما كانت
الإغراءات والأسباب . ومن هنا يثقل خطأ أختك فى الميزان عن خطأ زوجك ، وان كان
كلاهما خاطئ ولا تغسل خطيئته مياه البحر بأكملها . أما والدتك فلقد أدلت هي الأخرى
بدلوها فى هذه الفاجعة حين التزمت موقف الدفاع الأعمى عن أختك رغم كل ما وجه إليها
من انتقادات قبل الزواج ، ثم واصلت التزامها بهذا الدفاع الأعمى عنها حيث انفجرت
الكارثة العائلية ، وشاركها إخوتك سيمفونية الأخطاء الرهيبة ، فكذبوك وكذبوا زوجك
وأوصدت أمك بابها فى وجهك بغير أن تنتصر لك أو تواسيك بكلمة واحدة تعينك على تحمل
أقدارك . أما الخطأ الدامي الذى حول اتجاه الريح لكى يصبح ضدك بدلا من ان يكون معك
فلقد تورطت أنت أيضا فيه من حيث لا تقصدين ، فكانت له نتائج شديدة الإيلام لك وللحق
والعدل والإنسانية أيضا وحوّلك هذا الخطأ من ضحية إلى جانية فى أنظار أسرتك ، ومن
صاحبة حق معتدى عليها إلى مجترئة على الروابط العائلية ترمى (المحصنات ) فى شرفهن ..
حتى ولو كان معها الدليل الدامغ وهو اعترافات زوجها بخط يده .. وبصوته وشخصه فى
مواجهة الجميع ! أما كيف حدث ذلك وأين كان خطؤك فيه فهذا هو اجتهادي المتواضع فى
محاولة تفسيره ، وليس تأييده او القبول به على اى وجه من الوجوه .
إن خطاك الأكبر هو انك لم تتعاملي مع هذه
الفجيعة بالطريقة الوحيدة التى كان ينبغي لك التعامل بها حرصا على الأواصر
العائلية وسترا لما لا ينبغي له أن يخرج عن حدود صدر من يعانيه ، حتى ولو اكتوى
بجحيم نيرانه ، وهو تكتمه وحصره فى حدود علاقتك بزوجك .. ومحاولة اتخاذ القرار
الملائم لك بشأن حياتك مع زوجك ، بغير أن يتحول الآمر إلى فضيحة عائلية تهز الجميع
من أعماقهم وتدفعهم لاتخاذ مواقف دفاعية نفسية أكثر منها مواقف عقلانية أو منطقية
أو عادلة . ذلك انه من مواقف الحياة ما تضر فيه المواجهة والانتشار والذيوع بأكثر
مما يضر الكتمان وتضييق الدوائر حتى ولو تعذب الإنسان وحده بأقداره .. ولقد كان
الموقف الذي واجهتيه من هذه المواقف ، وكان أمامك خياران لا ثالث لهما ، إما أن
تطوى صدرك على السر المؤلم الذى يضر بك أنت ويسئ إليك ذيوعه بقدر ما يسئ إلى أختك
وزوجك ، وتفكري فى أمر حياتك مع زوجك فتقبلي بتوبة شريك حياتك وتتأكدي من صدق ندمه
وتواصلي الحياة معه مع الاحتراس والتحوط من ألا يرجع إلى ما كان فيه ، ولو تطلب
ذلك التلميح لأختك أو التلويح لها بتهديد ضمني لا يحسب عليك عند الحساب بأن ما جرى
طوال الفترة الماضية لن يستمر يوما واحدا بعد الآن والا كانت العاقبة وخيمة عليها
وعلى حياتها الزوجية ، ثم تواصلي حياتك مع زوجك مع الحذر اللازم من تجدد العلاقة
ومع تحفظك فى علاقتك مع أختك وتجنب اللقاءات العائلية والشخصية فترة طويلة إلى أن
تطمئني تماما لاستيعابها درس التجربة ، وإما أن تعجزي عن الصفح عن زوجك وعن القبول
بالحياة معه بعد استنفاد كل محاولات مراودة نفسك على ذلك فتطلبي الانفصال عنه مع
تكتم أسبابه المخجلة للجميع وأولهم أنت ، ثم ترجعي للإقامة فى بيت والدتك وقد تشفى
نفسك بعد حين وتستجيبي لمحاولات زوجك لاستعادتك إذا لمست فيه استقامته وصدق ندمه ،
وقد تتمسكين برفضه مع الأمل فى بدء حياة جديدة مع غيره ذات يوم .
أما طرح المشكلة بشكل علني وعلى هيئة محاكمة
حضورية لأختك على الأم والإخوة بهدف أن يعرفوا حقيقتها وتعرف أمك حقيقة دورها فى
إفسادها ، فقد كان ذلك هو الطامة الكبرى بكل المقاييس ذلك أن كل تصرف يقدم عليه
الإنسان طلبا لحل مشكلة يواجهها ، ينبغي أن يكون له هدف يساهم فى تحقيق هذا الحل
فماذا كان الهدف من وراء طرح هذه المشكلة المخزية على الإخوة والأم على هذا النحو
الفاضح ؟! وماذا كانت نتائجه المعاكسة ؟! لقد كان هدفك فى تقديري هو أن تستصدري
ضدها قرارا بالحرمان العائلي أو المقاطعة الجماعية ، ولو فعلت أمك وإخوتك ذلك لما
لامهم احد عليه ولكن ماذا كان يجديك ذلك فى حل مشكلتك مع زوجك ؟هل كان يغير شيئا
مما جرى طوال عشر سنوات ؟ هل كان سيساعدك على تجاوز المحنة مع زوجك واستمرار
الحياة معه حرصا على أبنائك ؟ هل كان يعيد إليك ثقتك فيه ؟ أو يغسل جريمة أختك فى
حقك ويمحوها محوا ؟ لا شئ من ذلك للأسف كان سيحققه مثل هذا القرار حتى لو كان
الجميع قد أنصفوك وانتصروا لك ضدها ، وإنما كان الشئ الوحيد الذى سيحققه هو أن
يروى لديك رغبة الانتقام من أختك والثأر منها لإساءتها لك هذه الإساءة البالغة . وهذا
الانتقام نفسه لم يكن ليغير شيئا من الواقع المر ولم يكن ليضيف شيئا إلا تحويل
مأساتك الشخصية إلى مأساة عائلية جماعية يستخزى منها الجميع وتجرح مشاعرهم
وكبريائهم .. لهذا فقد حققت نتائجها العكسية بدلا من أن تحقق لك نتائجها المرجوة ،
لماذا ؟ لان الإنسان قد يفضل أحيانا خداع نفسه على مواجهة واقع شديد الإيلام
لمشاعره وشديد المساس بكرامته وشرفه وكبريائه فيلجأ إلى بعض الحيل النفسية الدفاعية
لكى يعفى نفسه من الم المواجهة ، وأنت يا سيدتي قد وضعت الجميع
أمام هذا الاختيار الصعب فإما أن يسلما لك بكل ما اتهمت به أختك فتتأذى مشاعرهم
العائلية وكرامتهم وشرفهم وكبريائهم الشخصي اشد الأذى وإما أن يلجأوا إلى الإنكار
والتشكك فى صدق اتهاماتك وأدلتك ويأخذوا بمبدأ تفسير الشك لصالح المتهم مفضلين
اتهامك أنت بالغيرة الجنونية وسوء الظن بأختك على أن يتحملوا ألام الاعتراف المؤلم
لمشاعرهم وكرامتهم وشرفهم بصدق ما توجهينه لها من اتهام . ولقد كان هذا بالفعل هو
اختيار والدتك وإخوتك الذين انقسموا فى البداية بينك وبينها ،ثم تكتلوا فى النهاية
ضدك ، ليس تفضيلا لها عليك ولا حبا فى شخصها وكراهية لشخصك ، وإنما حبا لأنفسهم هم
قبل كل شئ وإيثارا للسلامة النفسية من معاناة الخيار الأول المؤلم ، إنها حيلة
نفسية دفاعية لم يتفقوا عليها بتدبير مسبق وإنما لجأوا إليها تلقائيا وفرادى لأنها
تعفيهم جميعا من الإحساس بالعار العائلي ، حتى لو تشكك بعضهم أو كل منهم فى أعماقه
فى كذب دفاع الأخت عن نفسها وفى براءتها ، ولا عجب فى تفضيل هذا الخيار الأسهل
لأنه اقل إيلاما لهم وفى ان يتهموك أنت بالتجني عليها من أن يسلموا بأنها خاطئة
وخائنة لشقيقتها مع زوجها لعشر سنوات كاملة ! لهذا فلقد خسرت أنت المعركة حين
وضعيتهم جميعا أمام هذا التحدي المؤلم لشرفهم وكبريائهم فآثروا السلامة النفسية
واختاروا الحل الأيسر لهم الذي يعفيهم من مكابده إحساس العار ومواجـهـــه الواقع
المؤلم الذي يحتاج إلى شجاعة نفسيه لمواجهته ، لم تتوافر لهم . وليس معني ذلك أبدا
أن موقفهم صحيح أو عادل ... فهو موقف ظالم لك ومخادع للنفس، لكنك قد ساعدتهم جميعا
علي اتخاذه بطرح هذه المشكلة المخجلة عليهم علي هذا النحو الجماعي العلني، وما كان
ينبغي لك أن تفعلي ذلك أبدا، وما كان ينبغي لك من البداية إلا أن تطوي صدرك علي
هذا الجرح المؤلم وتختاري لحياتك مع زوجك ما يرتاح إليه ضميرك وتقوى عليه إرادتك
في هدوء وبلا ضجيج . أما وقد فعلت، فلم يبق لك إلا دواء الأيام وحده وما أبطأه من
دواء . ومآ أنجحه أيضا من علاج فالزمن كفيل بحل اعتي المشاكل حتي ولو كانت من نوع
المآسي الإغريقية كهذه المأساة، كما لم يبق لك أيضا إلا أن تختاري لحياتك مع زوجك
علي ضوء هذه الأوضاع الجديدة التي ساهمت للأسف في تعقيد موقفك، ولعل في مسانده
زوجك لك أمام أسرتك واعترافه أمامهم بما يشينه هو شخصيا ولا يجرؤ كثيرون علي
الاعتراف به في محاكمه عائليه وبلا هدف سوي أن يبرئ ساحتك ويناصرك في محنتك معهم،
أقول إنه لعل في هذا الموقف الذي لا ينكر احد عليه شجاعته فيه ما يصلح لان يكون
بداية تبنيان عليهما او تبدآن منها صفحة جديدة خالية من كل الآثام والخطايا إذا
أردت ذلك او لمست فى نفسك الاستعداد للقبول به . وأنت على كل حال لا بدائل أخرى
الآن أمامك سوى ذلك بعدما تحطمت كل الجسور بينك وبين أسرتك بهذه المواجهة الخاطئة
، ففكري فى الأمر على ضوء هذا الواقع المؤلم وتخلصي من تسلط رغبة الانتقام من أختك
عليك حتى لو كانت تستحقه لان إيذاءها لن يجديك شيئا ولن يعوضك عن شئ من سنوات العمر
الضائعة فى الخيانة والغدر ولان رد الإيذاء أيضا فى الأحوال العائلية إنما يصيب يد
الرامي نفسه قبل أن يصيب قلب الهدف . ولأنه فى مثل هذه الحروب العائلية لا ينتصر
فى النهاية سوى الألم وحده الذى يصيب رذاذه الضحايا والجناة على السواء !. وقديما
قال شاعر الأطلال الدكتور إبراهيم ناجى : عشت وامتدت حياتي لأرى فى الثرى ما كان
قبلا فى القمم وإذا انحط زمان لم تجد عاليا ذا رفعة .. إلا الألم .. وأي زمان أحط من زمان تخون فيه أخت أختها عشر سنوات كاملة ثم تواجهها
الضحية بما فعلت فلا تثقب عينيها بمسمار ندما واستغفارا كما فعل أوديب حين اكتشف
انه قد تزوج من أمه بغير أن يدرى ، وإنما تنقض على أختها كالنمرة الشرسة لتنشب
فيها أظافرها وبدلا من أن يجتمع عليها أهلها وإخوتها حتى ينقذها منهم المنقذون
يشاركونها العدوان على الضحية وينتصرون لها عليها ويفضلون الإنكار المريح على
الاعتراف المؤلم المخزي ولا حول ولا قوة إلا بالله !
نشرت في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة سنة 1996
شارك في الاعداد / علا عثمان
راجعها وأعدها للنشر/ نيفـين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر