سلاح العجز .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

 

سلاح العجز .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993


 سلاح العجز .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993


أنا رجل عمري 37عاما موظف بإحدى الهيئات الحكومية، تزوجت منذ 6سنوات من زوجة طيبة من أصول ريفية وأنجبت طفلين, وقد تزوجت على عجل خلال 4 شهور, فلم تنشأ بيني وبين زوجتي علاقة عاطفية , ولم يتغير الحال بعد الزواج وإن كانت قد أحسنت عشرتي .. ثم دخلت حياتي فتاة أصغر مني بعشر سنوات كانت صديقة لزوجتي وتعرفت عليها عن طريقها , فنشأت بيني وبينها دون علم زوجتي علاقة قوية استمرت عامين ونصف العام، تملكني خلالها حبها والتقينا كثيرا وقررت أن أتزوجها فطلبت مني أن أطلق زوجتي كشرط لقبولها الزواج مني , ولم أستطع الاستجابة لهذا الطلب حرصا على الطفلين ثم نشأت بيننا بعد ذلك بعض المشاكل بسبب غيرتي عليها ولأنها مستبدة وعنيدة وقوية كما أنها مادية إلى أبعد الحدود ولا يحول بينها وبين ما تريد شئ .. فجاءت إلي ذات يوم وهي تعرف أنني قد أصبحت لا أستطيع الاستغناء عنها وطلبت مني أن ننهى قصتنا معا , ورفضت الاستمرار بالرغم من كل ما فعلت من أجلها وما أنفقت عليها في النزهات والخروج وغيره حتى كنت أفضلها على زوجتي وأولادي.

وألححت عليها في أن تعدل عن رغبتها فأبت بإصرار , فتهورت وقلت لها إنني سأحطمها بما لدي من صور معها في نزهاتنا , فهزت كتفيها استهزاء وقالت : بل أنا الذي سأحطمك , وقامت فعلا بكتابة خطابات تهديد لها بإسمي وأرسلتها لنفسها وإلى عملها ولوالدها بالبريد، فانفجرت الفضيحة وعلم الجميع الأمر وعلمت به زوجتي ومرضت بضعة أيام .. وتدخل بيننا أحد الجيران لإنهاء الأمر عند هذا الحد واقترح أن نكتب ورقة بالصلح يوقع كل منا عليها ويتعهد بألا يتعرض للآخر في عمله وفي حياته الشخصية مقابل أن أسلمها الصور والنيجاتيف , ووافقت لكنها هي التي أبت ذلك وطلبت تسليمها الصور بغير أن توقع على شئ , وتوعدتني بأنها سوف تتسبب لي في متاعب كبيرة في حياتي وعملي , وهي قادرة على ذلك فعلا لأن لها قدرة عجيبة على التخطيط للشر وعلى أن تكسب تعاطف من تناقشه في الأمر , وفعلا توجهت إلى أحد المحامين ومعها الخطابات المنسوبة إلي لترفع علي دعوى بالتهديد , وكلفت بعض أرباب السوابق مقابل أجر بمراقبتي ! فأصبحت أراهم يراقبونني كلما ذهبت أو جئت , وأصبحت مهددا في حياتي وفي رزقي ومرتبي لا يتحمل القضايا وأتعاب المحامين وهي جبارة ومسيطرة على أهلها ووالدها وأقنعتهم جميعا بأن هذه الصور التقطت رغما عنها , وأنا رغم مساوئها الكثيرة هذه لا أنكر عليها إيجابياتها أيضا وهي أنها عملية لا تتوقف عند المظاهر وإذا اخلصت فإنها تقف إلى جوار من ترغب مواقف كلها شجاعة وصلابة !

وقد تأثرت صحتي بهذه الظروف وعانيت من أزمات نفسية شديدة حتى أن زوجتي قالت لي حين رأتني في ضيق شديد , إن أحوالك هذه ليست بسبب الخوف من "فلانة" وإنما لأنك مازلت تحبها وغير قادر على نسيانها , فإن كان زواجك منها سوف يصلح أحوالك فإذهب إليها وتزوجها لأني أريدك صحيحا سليما لطفليك ولنفسك سواء أبقيت علي أم طلقتني , فإن أبقيت علي فشكرا لك وليهد الله من يشاء حين يشاء , وإن طلقتني فسوف أدبر حياتي بمرتبي الضئيل من وظيفتي، وسيكون عندي ما يعوضني عنك فهذا "زوجي" وأشارت إلى ابني الأكبر.. وهذا ابني وأشارت إلى الابن الأصغر !

وهذه يا سيدي هي زوجتي الأصيلة وهى عكس الأخرى في كل المزايا والعيوب , لكن لعن الله نوازع القلب التي تنزع إلى من لا وفاء لهم ولا أمان !

إنني أريدك يا سيدي أن تكتب للأخرى وهي من قارئاتك وتطلب منها التفاهم معي بالحسنى وعلى استعادة الصور والنيجاتيف ووقف المنازعات بيننا دون مشاكل وأن تضمن لي ولها الأمان في المستقبل وأنا مستعد لقبول وتنفيذ كل ما تشير به علي.

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

 

ولـــكــاتـــب هـــذه الــرســالــة أقـــول :

 

أود في البداية أن أكون صريحا معك فأقول لك إنني لا أتعاطف معك ولا أحس بأي قدر من الاحترام لمعاناتك أو آلامك .. بل إني لم أكن لأفكر أيضا في نشر رسالتك هذه لولا أن شدني إليها ومس قلبي موقف زوجتك النبيل منك .. فإن كنت قد نشرتها فإنما أنشرها تحية لزوجتك وتعاطفا معها وأسبابي لذلك ليست فقط في أنك قد خنتها مع صديقتها وفضلتها عليها وعلى أولادك لأننا قد نفهم الضعف البشري أحيانا حتى وإن لم نوافق عليه , وإنما لأنك وهذا هو المؤسف قد حاولت حين رغبت الفتاة في وقف هذه العلاقة الخاطئة , أن ترغمها بالابتزاز والتهديد على الاستمرار فيها , وابتزاز العواطف بالتهديد جريمة لا تقل عاراُ على صاحبها من ابتزاز الأموال وهو سلاح العاجز عن أن يكسب مشاعر الآخرين عن رضا وقبول، ولأن الطيور على أشكالها تقع فإن فتاتك لم يهتز لها رمش لهذا التهديد والابتزاز .. وإنما قابلت وعيدك بتحطيم حياتها بوعيد أشد وأذكى ونجحت هي فيما لم تنجح فيه أنت .. ولا عجب في ذلك فالحياة تصحح أحيانا بعض أخطائها تلقائيا وتروع الخاطئ في بعض الأحيان بمن هو أعتى منه.

وقد زادني اقتناعا بعدم التعاطف معك "حكاية" خطابات التهديد التي تقول إن فتاتك قد كتبتها لنفسها ولعملها ولأبيها ! لأنها كذبة مفضوجة لا تصدقها حتى عقول الأطفال , ولأن الأقرب للمنطق هو أنك أنت الذي كتبتها وأرسلتها إليها وقد بدأت بفتاتك أولا فلما لم تستجب قررت أن تحطم المعبد فوق روءس الجميع وكتبت إلى عملها وإلى أبيها وهذا تشهير ذميم .. لا تقدم عليه فتاة ضد نفسها مهما كانت مستهترة أو "جبارة" كما تقول.

وحتى ولو كنت بريئا من تهمة إرسال هذه الخطابات وهو ما استبعده تماما فإن مجرد احتفاظك بتلك الصور وتهديدك إياها بها يكفي للحكم على سوء نيتك وعلى أنك لم تستوعب بعد درس التجربة الخاطئة وتعدل عنها .. إذ ماذا تريد منها الآن وقد أبت الفتاة أن تتزوجك أو تواصل علاقتها معك.

وما هي الحلول التي تنتظرها وشروط الصلح الذي تطلبه ؟ إنك تستطيع أن تتفادى رغباتها الانتقامية إذا أعدت إليها الصور وأصولها وابتعدت تماما عن طريقها وكففت عن أي محاولة للتأثير على حياتها , وتفرغت لحياتك وأسرتك الصغيرة , فتفقد هي الرغبة في مواصلة منازعتك ومقاضاتك لأنها في النهاية فتاة وتهمها سمعتها أو ما بقي منها على الأقل .. فكف إذن أنت عن محاولاتك لمساومتها على الصلح أو عدم الاعتداء وأرسل لها الصور والأصول .. وتعهد لها بعدم التعرض لها أو محاولة استعادتها واطو هذه الصفحة من حياتك نهائيا وأعد اكتشاف زوجتك في ضوء موقفها الأصيل الذي يعكس أنبل المشاعر وأحقها بالاحتفاء .. وسوف تعرف وقتها أنك كنت تمضي في الطريق الخاطئ وآن الأوان للندم عليه ولا تكن كمن يقول لمثل فتاتك الجبارة المادية التي لا يردعها رادع : كل ما فيك سيئ لكن أريدك , ويقول في نفس الوقت لزوجته , وكل ما فيك نبيل وطيب لكني أريد غيرك !

ولا تتوسل بالوسائل لعرض نفسك مرة أخرى على تلك الفتاة فيحق عليك قول الشاعر:

عرضنا أنفسا عزت علينا

فرخصت واستبيح بها الهوان

ولو أن منعناها لعزت

ولكن كل معروض مهان

أما فتاتك فأقول لها : اقبلي الصلح على استرداد الصور والأصول وتعهد منه بألا يعترض طريق حياتك مرة أخرى وتنازلي عن المنازعات القضائية التي تسئ إليك كما تسئ إليه لكن إساءتها إليك أكبر لأنك فتاة ينبغي أن تحمي سمعتها من كل شائبة , وتعلمي أنت أيضا درس التجربة ولا ترجعي إلى مثل هذا الطريق الخاطئ مرة أخرى .. وإلا حكمت على نفسك بسوء السمعة وسوء المصير .. ولها ولك أقول أخيرا : إن الحياء شعبة من شعب الإيمان .. فأين حياؤكما مما فعلتما ومما تفعلان !

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" فبراير 1993

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات