نصف زوجة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984

 

نصف زوجة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984


نصف زوجة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984


تلقيت في بريدي هذا الأسبوع هذه الرسالة :

أنا سيدة  عمري الآن 30 عاما أعمل فى شركة ما .. ومنذ 5 سنوات على التحديد بدأت قصتي عندما اقتربت كثيرا من رئيسي في العمل واكتشفت وتأكدنا معا من أن كلينا يحب الآخر حبا يملك عليه كيانه فتزوجنا وكان عمري وقتها 25 سنة وعمره 45 سنة أي أنه يكبرني بعشرين عاما .. وليست هذه المشكلة لكن المشكلة هي أنه متزوج وله ابنة فى التاسعة عشرة .. والجميع يعرفون أنه على خلاف مع زوجته وليس سعيدا معها .. وعندما تقدم لخطبتي من أهلي علمت بذلك زوجته فاشترطت عليه إن تزوجني أن يتنازل لابنته عن كل ما يملك وهو فيلا وسيارة وأرض زراعية مقابل أن تتنازل هي له عن مؤخر صداقها ونفقتها وكل حقوقها وقبل هو ذلك وتنازل لابنته عن كل شئ وأصبحت أمها وصية عليها وأخبرني بذلك وقال لي أننا سنعيش بمرتبه الذي يصل مع الحوافز إلى 200 جنيه .

لكنه فوجئ وفوجئت معه .. وبعد أن أنهى الرجل كل إجراءات التنازل بأن زوجته قد رفضت التنازل عن حقوقها .. وأصرت على ألا تسمح له بالزواج مني .. فإذا فعل فإنها ستطلب الطلاق وسترفع الدعوى ضده وستطلبه بالنفقة وبمؤخر الصداق وبكل شئ .. وسيعجز هو بالطبع عن ذلك بعد أن أصبح لا يملك شيئا.

وخلال هذه الفترة التي بدا أنها سوف تطول تزوجنا زواجا عرفيا .. لكني تزوجت سرا بغير علم أهلي الذين أصروا على زواجي عن طريق المأذون .

وبعد زواجي العرفي حملت من زوجي وأنجبت منه بنتا وعلمت زوجته بذلك فأصرت على أن يتركني زوجي وإلا ستحطمه وأصرت على أن يقوم بالزواج مني على يد المأذون أولا ثم يطلقني عند نفس المأذون فى نفس اليوم .. وقام هو بزواجي وطلاقي لدى المأذون ووافقت أنا على ذلك لأني أحبه.

لكنه عاد إلي بعد ذلك يطلب أن نتزوج زواجا عرفيا جديدا فمنعتني كرامتي من قبول ذلك لأنني أحسست بامتهان لكرامتي في الزواج والطلاق .. وأحسست بأنه غير قادر على حمايتي .. وبأنني بلا مأوى بعد أن تخلى عني أهلي لزواجي العرفي وإنجابي دون علمهم.

 


 
هذه هي الرسالة التي تلقيتها والتي تضعني كاتبتها أمام السؤال الصعب : هل أخطأت ؟

 

وأستطيع ببساطة أن أقول لك نعم لقد أخطأت في حق نفسك أولا حين اتجهت بمشاعرك إلى رجل متزوج يكبرك بعشرين سنة .. ولم تفكري في أن تربطي حياتك بطريقة طبيعية بشاب أعزب فى سن مناسبة لك وأستطيع أن أقول لك أيضا أنك أخطأت فى حق أهلك بزواجك العرفي السري بغير علمهم ولا إرادتهم بالطبع .. وأنك أخطأت فى حق زوجة أخرى وابنتها حين نازعتهما الزوج والأب وكنت فى غنى عن كل ذلك لو كانت مشاعرك قد اتخذت اتجاهها الطبيعي إلى من لا تقوم بينك وبينه كل هذه الحواجز .. استطيع أن أقول كل ذلك لكني أستطيع أن أقول أيضا أننا لا نملك أحيانا من أمر أنفسنا الكثير .. وأننا جميعا خطاءون قد نجيد الحكم على تصرفات الآخرين بمقياس الخطأ والصواب لكنه يصعب علينا كثيرا أن نلتزم نحن بما ننصح الآخرين به لو وضعتنا الأقدار فى نفس ظروفهم .. لذلك فإني لن  أتوقف طويلا عند لومك فيكفيك ما تعانيه الآن وما تدفعين ثمنه .. ولأن ما مضى قد فات ولم يعد يجدي فيه اللوم لكنه يبقي وضعك الحالي .. وهو وضع غير ملائم .. ليس لك فقط ولكن أيضا لابنتك الصغيرة التي لا ذنب لها فى خفقات قلب أمها وأبيها .. ولا فى قانون الأحوال الذي يمنع أن تنشأ هذه الابنة بين أبيها وأمها بغير أن تنهدم فوق رأس أبيها جدران المعبد .. وأنا هنا لا أدافع عن تصرف زوجك ولست متعاطفا معه كما أني أيضا لست ضد زوجته الأولى بل لعلي احترمتها حين دفعته لزواجك وطلاقك عن طريق المأذون اصلاحا لهذا الوضع .. ثم أنها في النهاية تدافع عن حياتها .. ولو كنت مكانها لما رضيت لنفسك ما تطالبينها به الآن .. والوضع كله خاطئ من الأساس وما بني على خطأ فهو خطأ .. لكني أسأل رغم ذلك مواد القانون الصماء : لماذا تحرم ابنة مثل هذه الطفلة من أن تنشأ بين أبوين مرتبطين ارتباطا سليما مادام الخطأ قد وقع من الأساس وجاءت هذه الطفلة إلى الدنيا ؟ّ!

إنني لا أعرف جوابا لهذا التساؤل لكني أعرف فقط أن القانون _أي قانون_ لا يردع وحده أحدا عن ارتكاب ما يريد خاصة إذا كان جائرا .. ولعل فى انتشار صور الزواج العرفي "الذي ينتشر الآن انتشار النار فى الهشيم " كما تقولين أصدق دليل على ذلك وأرجو مع ذلك ألا يفهم أحد هذا الحديث كدفاع عن تعدد الزوجات فلست من أنصاره .. لكني بالتأكيد من انصار حل مشكلة طفلة كهذه الطفلة الحل الذى يرضي الله والعدل الإلهي لذلك فإني سأنصحك بما لا أطيقه وهو أن تتزوجي منه من أجل ابنتك أولا وأخيرا عرفيا مادام الزواج الآخر غير متاح الآن فهذا يا سيدتي هو أهون الضررين فى مثل حالتك !

 نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أكتوبر 1984

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات