العشرة الطويلة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1999
لا يحاسب المرء عما يفكر فيه أو يدور في ذهنه ما لم
يخرج إلى دائرة التنفيذ أو يتحول إلى تصرفات عملية .. فما أكثر ما يستسلم الإنسان
لأحلام اليقظة وما أقل ما يقدم على تحقيق هذه الخيالات التي تتراءى له أحيانا في
مخيلته كنوع من الهروب إلى عالم أفضل.
عبد الوهاب مطاوع
أنا زوجة وأم وجدة جاوزت الستين من عمري ولكني
والحمد لله في حالة جيدة ونشاط وحيوية يحسدني عليها الجميع, وأقوم بكل أعمال
المنزل بنفسي ونسافر أنا وزوجي للفسحة وكذلك لأداء العمرة مرة كل سنة أو كل
سنتين.
وزوجي جاوز السبعين من العمر, ويتمتع أيضا بصحة
جيدة ويخرج يوميا لشراء لوازم المنزل من السوق على سبيل المشي والرياضة لأنه يعاني
بعض أمراض الشيخوخة مثل آلام الظهر والركبتين.
وقد عشت معه أكثر من أربعين عاما ورزقنا بولدين
تزوجا واستقر كل واحد منهما في حياته ورزقهما الله بالبنين والبنات وأصبح لدينا 6
أحفاد الآن, ويعيش الابنان خارج القاهرة للعمل, وأقيم أنا وزوجي في شقة واسعة
كاملة من كل شيء وأعيش أنا وهو من المعاش الذي نتقاضاه من عملنا بجانب الأرباح
التي نصرفها من شهادات الاستثمار حيث يمتلك زوجي عددا كبيرا منها وأنا كذلك أمتلك
القليل ولكني أسهم معه في كل مصاريف الحياة.
ومشكلتي يا سيدي هي أنني لاحظت هذه الأيام على زوجي
أنه يفكر في الزواج من أرملة أحد الجيران التي تسكن في البيت الذي نقيم فيه طمعا
في مالها بعد أن مات عنها زوجها وتزوج أولادها وتعيش بمفردها.
وأحس وأشعر بذلك لأننا إذا اجتمعنا في مكان ما كنت
ألاحظ عليه تبادل النظرات بينها وبينه في وجود زوجها, والآن وقد مات عنها الزوج
فإنني أشعر بأن الأمر قد بات قريبا, فهو يتصل بها في غيابي عن البيت وخلال وجودي
أيضا, وأتحمل أنا ما أراه وأصبر ولا أريد أن أفاتحه بما في قلبي لأنه إنسان عنيد
وجبار وقد فكرت في أن أكتب لك لأنه يقرأ بريد الجمعة لكي تنصحه بان يرجع عما يفكر
فيه بعد هذه السنوات الطويلة من العشرة التي جمعت بيننا ولكي أسألك عما افعل إذا أقدم
عليه وتأكدت من ذلك أو إذا صرح هو به لي.. هل أطلب الطلاق بعد هذا العمر الطويل
أم هل اصمت مرغمة وأرضى بالواقع, وفي هذه الحالة قد يأتي بها إلى الشقة ويطردني
منها علما بأنها في الخامسة والخمسين من عمرها وليست فتاة صغيرة .. أم هل أترك
له المسكن وأقيم في إحدى دور المسنين ؟
إنني أرجوك ألا تهمل رسالتي لأنني لا أنام الليل من
شدة التفكير في هذا الأمر!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لا يحاسب المرء عما يفكر فيه أو يدور في ذهنه ما لم يخرج إلى دائرة التنفيذ أو يتحول إلى تصرفات عملية, ومادام زوجك لم يقدم على ما يفكر فيه, ولم يتخذ أي خطوة عملية بعد لإنزاله من دنيا الأفكار والأحلام إلى عالم الواقع.. فلا حساب ولا عتاب ولا مبرر لأن تشغلي نفسك به أو تؤرقي لياليك وأيامك من أجله وأنت في سن الهدوء والجلال والاحترام.. فما أكثر ما يستسلم الإنسان لأحلام اليقظة وما أقل ما يقدم على تحقيق هذه الخيالات التي تتراءي له أحيانا في مخيلته كنوع من الهروب إلى عالم أفضل.. فقري عينا واطمئني فليس من المنتظر أن يرتكب زوجك أي فعل طائش وهو في السبعين من عمره حتى ولو برره لنفسه بالطمع المادي, وزيدي من اهتمامك به الذي تعبرين عنه الآن بهذه الغيرة الزوجية, ومن اقترابك منه وفهمك له.. ولن يجد مبررا واحدا للإقدام على أي مغامرة تعرضه للقلاقل والمتاعب وهو في هذه المرحلة من العمر فضلا عن تأثيرها المزعج في صورته أمام الأبناء والأحفاد, والأمر في النهاية ليس بهذه الخفة.. كما أنك أنت لست وحدك في المعركة وإنما هناك كذلك جحافل الأبناء وزوجاتهم وأزواجهم والأحفاد.. وكل هؤلاء معك وفي صفك ولن يسمحوا لأمر طاريء كهذا الأمر بأن يفسد عليك أمانك وهدوء أيامك بعد هذه العشرة الطويلة.· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1999
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر