موعد الزيارة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1995

 

موعد الزيارة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1995

موعد الزيارة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1995

هذه هي رسالتي الثانية لك وأرجو ألا "تكرهها" كما كرهت رسالتي الأولى ورفضت الرد عليها.. وقبل أن أستطرد في رسالتي أذكرك بوقائع الرسالة الأولى فقد رويت لك فيها أنني منذ سبع سنوات تعرفت على سيدة أجنبية ودعوتها للإقامة مع أسرتي في القاهرة لمدة أسبوعين على أن نرد إليها الزيارة في بلدها ونقيم في بيتها فيما بعد، وبالفعل جاءت السيدة الأجنبية ومعها أطفالها في موعد الزيارة واستقبلتهم في المطار لكني بدلا من أن أصطحبهم إلى بيت الأسرة، كما كان الاتفاق فقد توجهت بهم إلى شقة مفروشة استأجرتها لمدة أسبوعين مدعيا للضيفة الأجنبية أن أسرتي على سفر خارج القاهرة، وخلال زيارة السيدة القاهرة وفيما بين جولاتنا في منطقة الأهرام والمتحف وخان الخليلي حكت لي عن نفسها وشكت لي كثيرا من زوجها وحدث بيننا مالا تحمد عقباه، وانتهت الزيارة ورجعت السيدة إلى بلدها فلم يمض شهران حتى كتبت لي أنها حامل فاسقط في يدي ولم أدر ماذا أصنع، وبعد شهور أخرى أبلغتني أنها قد وضعت مولودا ونسبته إلي وأرسلت إلي شهادة ميلاده، واستشرت في ذلك بعض رجال الدين فكان منهم من حرم نسبة الطفل إلي ومنهم من قال لي إنه من لحمی ودمي ودعاني إلى التوبة والاستغفار ثم الزواج من هذه السيدة زواجا شرعيا بعد أن طلقت من زوجها.

 

 وبالفعل فقد بدأت أعد نفسي للسفر إلى البلد الذي تقيم فيه والزواج منها والعمل هناك، لكن قد واجهتني بعض الصعوبات، وجاءتني خلال ذلك فرصة للعمل في دولة عربية فسافرت إليها وكتبت للسيدة الأجنبية معتذرا عن عدم اللحاق بها و واعدا بالا يطول غيابي عنها أكثر من عام واحد أجمع خلاله بعض المال قبل السفر إليها.

وبدلا من أن أركز جهدي على ذلك فعلا إذا بي أتعرف على فتاة مصرية وأتقدم لخطبتها بعد تعارف سريع بين العائلتين في القاهرة وعن هذا التطور في حياتي كتبت لك رسالتي الأولى وسألتك عما تشير علي به في حياتي هل أمضي في الخطبة والزواج من هذه الفتاة أم أفي بوعدي للسيدة الأجنبية وأسافر إليها وأتزوجها، وترقبت ردك على صفحة بريد الجمعة لكنك فيما يبدو كرهت رسالتي وأحسست أنني شاب فاسد ولا يرجى له صلاح، فلم تعن بالرد على تساؤلي فكان أن تزوجت الفتاة التي خطبتها وسافرنا للدولة العربية وأنجبنا مولودا جميلا.

 

ونظرا لأن ارتباطي بها قد جاء سريعا وفي أجواء لا داعي لشرحها، فلم اشعر يوما أنني أحب زوجتي هذه مع أنها طيبة جدا، وقد رجعنا معا هذا الصيف من الدولة التي أعمل بها في إجازة وبعد أيام من رجوعنا تذرعت لها بأن لدي موعدا لتسجيل الماجستير في جامعة بإحدى العواصم الأوربية، وسافرت إلى الدولة التي تقيم بها السيدة الأجنبية ووجدتها في انتظاری بالمطار ومعها أطفالها وطفلي .. فإذا بي أجده صورة طبق الأصل من مولودي الآخر من زوجتي المصرية وقضيت مع السيدة بضعة أيام وسافرت واعدا بقرب اللقاء مرة أخرى.

إنني اشعر انك تريد ان تمزق رسالتي عند هذا الحد لكني أرجوك الصبر على أنني في حاجة شديدة إلى مساعدتك، فأنا الآن في طريقي لإنهاء عملي في الدولة العربية مع نهاية هذا العام ولا أحمل أي مشاعر من الحب لزوجتي الطيبة، ولا أعلم كيف ستكون حياتي إذا قررت السفر للدولة الأوربية والزواج من أم الطفل والاستقرار هناك، وما يشغلني حقا هو مصير طفلي من زوجتي الحالية في حالة الطلاق، لهذا فإني أرجوك أن تشير علي بما تراه الأصلح والأفضل لي وبأن تجيبني عن السؤال الذي يشغلني وهو هل اعترافي ببنوة طفل السيدة الأجنبية حلال أم حرام؟

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

أما إنني قد كرهت رسالتك الأولى وعزفت عن الرد عليها فهذا صحيح تماما، وأما إنني كدت أمزق رسالتك الثانية هذه ضيقا بها وبما فعلت بنفسك وبحياتك، فهذا صحيح أيضا، فإذا كنت قد عدلت عن رغبتي في الاهتمام بها وقررت نشرها، فليس "وعفوا لذلك" عن تعاطف معك وإنما عن رغبة في أن يتعلم غيرك من الشباب درس تجربتها الذي يذكرني بمطلع تلك القصيدة الأمريكية التي تقول:

متعة الحب لحظة

 شجن الحب يدوم إلى الأبد!

ولكي يعرفوا لأقدامهم قبل الخطو موضعها، حتى لا يتورطوا في سلوك لا أخلاقي متعته باللحظات.. وأشجانه وهمومه قد تصاحبهم بقية العمر!

فها أنت تواجه أو تعاني من الشجن، ذلك الحب اللحظي الذي ستستمر في حياتك بذيوله وتبعاته ما بقي هذا الطفل على قيد الحياة.. وما بقيت أنت.

 

وعلى أية حال فإنني أقول لك إنك قد أخطأت بسلوكك غير الملتزم مع هذه السيدة الأجنبية وأخطأت مرة أخرى بزواجك المتسرع المتعجل قبل اختبار المشاعر والتأكد منها وكأنما كنت تهرب به من مواجهة مشكلتك الأساسية، وأخطأت مرة ثالثة بالسفر إلى السيدة الأجنبية وتجديد صلتك بها وإحياء وعودك الكاذبة لها، فلا تكرر الخطأ.. ولا تضاعفه بطلاق زوجتك الطيبة وتشريد طفلك منها، إذ لا ذنب له ولا جريرة في تعجلك الزواج من أمه.. ولا في حكاية مشاعر الحب هذه التي لا تشعر بها تجاهها.. وكن رجلا يتحمل تبعات تصرفاته وأفعاله بأمانة كما يفعل الشرفاء الذين لا يسمحون بأن يدفع غيرهم ثمن أخطائهم .. وصارح السيدة الأجنبية بأنك لا تستطيع الهجرة إليها والإقامة معها.. لأنك لا تستطيع ذلك فعلا ولا ترغب فيه ولا تأمن لحياتك مع مثل هذه السيدة لكنك تخدع نفسك بالأمل فيها، وأعلن لها استعدادك للاعتراف ببنوة طفلك منها ولو تطلب ذلك منك أن تعقد قرانك عليها لفترة ثم تطلقها مع أنه لا يتطلب ذلك ومع إني أشك في قبولها عقد قرانك عليها لمجرد تصحيح الأوضاع حيث لا يعنيها هذا الأمر كثيرا ولا تحتاج إليه في مجتمعها.. وإنما الاعتراف هناك مسئولية أدبية وإنسانية فقط والتفت إلى زوجتك وحاول إعادة اكتشافها من جديد ولابد أنك سوف تجد لديها ما تحبها من أجله خاصة حين تصرف ذهنك نهائيا عن التردد بين مواصلة الرحلة معها وبين قطعها واللحاق بالسيدة الأجنبية التي لو سافرت إليها وتزوجتها لا ضمنت سعادتك معها ولما تيقنت من قدرتك أو حتى من قدرتها هي على استكمال رحلة الحياة معا.. فأنتما في النهاية غريبان لم يكن أحدكما يعرف الآخر جيدا أو يحكم على مدى تقبله للحياة معه.

 

 أما نسبة ابنك إليك فلا شيء فيها من الناحية الدينية لأنه ابنك حقا وصدقا بغض النظر عن الظروف الأخرى وهو ما يعرف بالاستلحاق أي أن تلحق باسمك ونسبك من اعترفت ببنوته الصحيحة، واعترافك ببنوته من الرجولة وتحمل المسئولية عن أخطائك، أما ذروة الأمانة حقا فهو أن تصارح أمه الأجنبية بأنك غير قادر على الوفاء لها بوعدك بالهجرة إليها والإقامة معها.. وصدقني أنها لن تصدم فيك كثيرا لأنها أكثر واقعية مما تظن.. ولأنها قادرة على رعاية نفسها، وقد كانت تستطيع لو أرادت أن تتخلص من الجنين لكنها لم تفعل لأنها أرادته وتستطيع رعايته وأطفالها دون معاونة منك.

 أما الشرف فيقضي أن تمهد الجو من الآن مع زوجتك لإبلاغها تدريجيا بقصة ذلك الطفل لكيلا تفاجأ به يطرق عليها بابها بعد بضع سنوات باحثا عن أبيه أو راغبا في التعرف عليه وعلى إخوته، وسوف يحدث هذا بالتأكيد بعد سنوات لن تطول.

 فحاول أن تمهد لهذا الأمر من الآن.. وسوف تتفهم زوجتك الوضع وستعينك عليه وحاول أيضا أن تكفر عما فعلت بالجدية والالتزام الخلقي والديني في حياتك.. والوفاء لزوجتك ولطفلك منها وحبذا لو استطعت أن تؤدي إلى طفلك الآخر من الأجنبية بعض الحقوق المادية أو حتى أن تقدم له بعض الهدايا والتذكارات في المناسبات المختلفة.. ويكفي هذا القدر الآن.. وشكرا.

               ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1995

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات