الحياة اللامعة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

 الحياة اللامعة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

الحياة اللامعة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

إن العلاقة التي تقوم علي الاشتهاء وحده لا تطول إلا بقدر استمرار شعلته،‏ فإذا خمدت ـ وما أسرع ما تخمد دائما في مثل هذه الأحوال ـ انتفى الغرض منها‏..‏ وشعر الشاب غالبا خاصة إذا كان ناقص المروءة بأنه ليس ثمة ما يدعوه لأن يحيل هذه العلاقة الآثمة إلى ارتباط مشروع ومعلن بعد أن استصفى كل العسل من الخلية ولم يعد بها ما يغريه بتحمل  لذعات الإبر بقية العمر‏!‏ والمثل الأمريكي المعروف يقول إنه لا يشتري الرجل بقرة إذا كان يحصل على اللبن مجانا‏..‏ أو إذا كان قد زهده‏!‏
عبد الوهاب طاوع


دمعت عيناي وأنا أقرأ رسالة المتمردة للسيدة التي تمردت علي زوجها غير المتعلم بسبب إحساسها بجمالها واستخسارها لنفسها فيه بالرغم من حبه لها وطيبته وكرمه معها ومع أسرتها‏..‏ إلى أن مرض مرضا شديدا ورحل عن الحياة ووجدت نفسها وحيدة لا يأبه بها أحد ولم يغنها جمالها شيئا‏.‏
فالحق أن لي تجربة مماثلة لتجربتها لكنها أسوأ أثرا على حياتي فأنا فتاة في الثامنة والعشرين من عمري‏,‏ نشأت في أسرة بسيطة مكونة من خمسة أفراد‏..‏ وأبي عامل مكافح وأمي ربة بيت مسالمة‏..‏ ونقيم في شقة من غرفتين في منطقة شبه عشوائية يتعارف فيها الجيران سريعا ويتعاونون على أمور حياتهم‏,‏ ولم نكن نشعر بالحرمان‏,‏ وإنما كنا نحيا حياتنا في بساطة ونستمتع بالحب بين أفراد الأسرة‏..‏ وبيننا وبين الجيران وبالأمان الذي يحيط بنا من كل جانب‏,‏ وكنت أجمل إخوتي‏..‏ وأتقدم في دراستي بلا عناء‏..‏ وفي مرحلة الثانوية العامة ذهبت ذات يوم إلى بيت زميلة لي في نفس المنطقة لنستذكر دروسنا معا‏,‏ فالتقيت بشقيقها وهو شاب  وسيم يحمل مؤهلا متوسطا ويعمل بإحدى الشركات وشعرت بالإعجاب به‏..‏ فبدأت أختلق الأسباب لكي أزور زميلتي هذه وألتقي بشقيقها‏,‏ وخفق قلبي بالحب لأول مرة‏,‏ وتعاهدنا على ألا نفترق حتى يفرق بيننا الموت‏,‏ ووعدني بأن يبذل كل جهده في عمله لكي يدخر كل ما يستطيع ادخاره لكي يبدأ مشروع الارتباط بي‏.‏

واجتزت الثانوية العامة والتحقت بالجامعة‏..‏ وسعد فتاي بنجاحي كثيرا وحثني على التفوق والحصول على الشهادة الجامعية بلا تعثر‏.‏
وفي الجامعة رأيت حياة جديدة تختلف عن الحياة البسيطة التي ألفتها في منطقتنا‏..‏ فقد وجدت نفسي بين شباب وفتيات يرتدون ملابس أنيقة‏..‏ وسلاسل ذهبية ويتحدثون عن أشياء لا أعرفها‏,‏ ويملك بعضهم سيارات صغيرة‏..‏ فشعرت لأول مرة بتواضع حالي ومظهري بينهم وطالبت أبي بأن يشتري لي ملابس جديدة وبنطلونات استرتش وبلوزات قصيرة واستجاب أبي لرغبتي وأرهق نفسه بشراء بعض الملابس المناسبة لي وأضفى على المظهر الجديد شكلا أفضل أبرز جمالي‏..‏ ولفت إلي أنظار الزملاء‏..‏ فأصبحت موضع إعجابهم‏..‏ وبدأت أخرج مع الزملاء والزميلات وأتحدث في موضوعات جديدة‏..‏ وعرفت البيتزا والهمبورجر لأول مرة بعد أن كنت لا أراها إلا في إعلانات التليفزيون الأبيض والأسود الذي لدينا‏..‏ وركبت سيارات بعض الزملاء‏,‏ وخرجت إلى رحلات معهم إلى الهرم والقناطر الخيرية‏..‏ واكتشفت أنني لم أكن أحيا من قبل ولاحظ علي فتاي أن شخصيتي بدأت تتغير منذ التحاقي بالجامعة وان مظهري  وطريقة تسريحة شعري وحديثي قد اختلفت وشكا لي من انشغالي عنه فتعللت بالدراسة واستذكار الدروس والمحاضرات‏.‏

وواصلت حياتي الجديدة‏,‏ واقترب مني شاب من أفراد الشلة وعبر لي عن إعجابه بي وبجمالي وحبه الشديد لي ورغبته في الارتباط بي بالزواج‏..‏ ولكن عرفيا في البداية وإلى أن يتخرج ويتزوجني رسميا‏,‏ لأن والده لن يوافق على زواجه مني وهو مازال طالبا‏,‏ كما أنه سيحتاج إلى وقت طويل لإقناع والده بي لفارق المستوي الاجتماعي والمادي بيننا‏.‏
وسعدت باهتمامه بي وحبه لي ورفضت فكرة الزواج العرفي منه وطالبته بالانتظار إلى أن ينجح في إقناع والده بالموافقة‏..‏ فألح علي في القبول متسائلا عما يدعونا لإضاعة أجمل سنوات عمرنا في الانتظار وفي مقدورنا أن نستمتع بالحب والحياة من الآن‏!‏

وأغراني زميلي بالموافقة على الزواج العرفي بأنه سيلبي كل طلباتي وسيجعلني أشعر بأنني أميرة تلبي كل طلباتها لأن هذا هو ما يليق بجمالي‏!‏
ووافقت بعد قليل من المقاومة على الزواج منه عرفيا وكتبنا صيغة الزواج من نسختين واحتفظ كل منا بنسخته‏,‏ وبدأت أتردد عليه في الشقة التي يقيم فيها وحده لأن أسرته تقيم في مدينة أخرى‏,‏ ومضت بنا الأيام على هذا النحو‏..‏ وفتاي في الحي الشعبي يسألني من حين لآخر عما يشغلني عنه وعن سبب فتوري معه فأكرر عليه الأعذار الخاصة بالدراسة والمذاكرة‏.‏
ثم جاءني في ذات يوم وقال لي إنه قد حصل على شقة بسيطة من غرفتين في نفس الحي وسيصبح مستعدا خلال وقت قصير للزواج‏,‏ فاغتصبت ابتسامة من فمي وهززت رأسي صامتة‏..‏ وتخلصت منه بحجة المذاكرة‏.‏
وبعد أيام فوجئت به يأتي إلى بيتنا مع والده ليطلب من أبي يدي ورحب به والدي وأمي لأنهما يعرفان منذ فترة طويلة أنني مرتبطة به‏,‏ ففوجئا بي أرفضه أمامهما بدعوى أنني أريد استكمال تعليمي أولا‏..‏ ولا أفكر إلا في ذلك وأراد الشاب أن يطمئنني فأكد لي أنه سيساعدني على استكمال التعليم ولن يتعارض ذلك مع ارتباطنا فلم أجد بدا من أن أصارحه بأنني أريد لنفسي شابا يحمل مؤهلا عاليا وليس مؤهلا متوسطا مثله‏!‏

ونزل قولي عليه كالصاعقة‏..‏ فاحمر وجهه وارتبك‏..‏ وهم بالكلام فلم يجد ما يقوله‏..‏ فحسم والده الموقف المحرج ونهض مودعا دون تعليق وخرج معه ابنه كسير الخاطر‏..‏
وعقب خروجهما انهال علي أبي وأمي باللوم لرفضي لمن كنت لا أخفي عليهما حبي له‏,‏ فبكيت وقلت لهما إنني لا أريد أن استمر في حياة الفقر هذه إلى ما لا نهاية‏..‏ وأنني لم أعد أطيق الحياة في هذه المنطقة البائسة‏..‏ وأريد أن أتزوج من ينقلني إلى الحياة اللامعة التي أستحقها‏.‏ وتألم والدي لما قلت ونصحني بألا أجري وراء النقود وحدها وان أرجع إلى جذوري وأرضي بحياتي‏,‏ فلم أتكلم‏.‏

وفي اليوم التالي انتظرني فتاي في الشارع حتى خرجت   واستوقفني وسألني عن أسباب غدري به فجأة وهو الذي يبادلني الحب بإخلاص منذ سنوات‏,‏ فأجبته بأنني لا أريد أن أقضي بقية عمري في هذه المنطقة‏,‏ فرجاني ألا أضيع الحب وأن أعطيه فرصة أخرى وسوف يبذل المستحيل لكي يلبي مطالبي‏,‏ فصرخت فيه قائلة إنني لا أريده وإن من الأفضل لكل منا أن يبحث عن سعادته في طريق آخر‏,‏ فذهل لحدتي معه‏..‏ ولمع الدمع في عينيه ومضي صامتا‏.‏
وفي اليوم التالي جاءتني شقيقته الطفلة لكي ترجوني أن أرجع لأخيها لأنه حزين للغاية لرفضي له‏..‏ وأكدت لي أنه يحبني بشدة‏..‏ فطيبت خاطرها ببعض الكلمات ولم أستجب لرجائها وهيهات أن أستجيب‏..‏ وأنا زوجة لشاب آخر وأتطلع لإعلان زواجي العرفي منه على شكل خطبة رسمية قبل أن تنتهي الدراسة‏..‏ وأحلم بأن نعقد القران رسميا بعد التخرج ثم انتقل إلى الحي النظيف الذي يقيم به‏..‏ وأعرف الحياة الحقيقية بعيدا عن الفقر وأكوام القمامة‏..‏ والبيوت العشوائية‏..‏ وبعد عدة أسابيع ذهبت إلى الكلية وفي نيتي أن أبلغ زوجي بأن أهلي يضغطون علي لكي أقبل بجار تقدم لي وإنني قد بذلت كل ما أملك من جهد لإقناعهم بالعدول عن الفكرة وأطالبه بأن يخفف عني هذا الضغط بأن يزور أبي ويبلغه بنيته في أن يخطبني بعد الامتحان‏.‏

‏فإذا بي أراه واقفا يتضاحك مع فتاة جديدة لا أعرفها في فناء الكلية‏,‏ وانتحيت به جانبا وعاتبته على تبذله معها‏,‏ فأجابني بأنها مجرد زميلة‏,‏ وصدقته وقلت له ما أردت إبلاغه به فاعتذر بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يضمن موافقة أبيه على زواجه‏,‏ وتعللت بالصبر‏..‏ ثم حدث أن رأيت  معه نفس الفتاة أكثر من مرة‏,‏ ولاحظت أنه قد بدأ يتجاهلني ويتعامل معي بفتور ولا يدعوني للذهاب إليه في شقته‏,‏ فطلبت مقابلته وذهبت إلى مسكنه وعاتبته على فتوره من ناحيتي‏..‏ واتهمته بأنه لم يعد يلح علي في مقابلته بالشقة كما كان يفعل طوال الفترة السابقة‏,‏ وطلبت منه تفسيرا لذلك ففوجئت به يقول لي إنه بالفعل لم يعد يشعر تجاهي بنفس الرغبة التي كان يحسها من قبل‏,‏ وإنه قد ملني ويعجب كيف لم أمله أنا أيضا حتى الآن‏..‏ ويرى أن الأفضل لكل منا أن يبحث لنفسه عن رفيق آخر‏!‏
واختتم كلامه القاسي بقوله انه سيطلقني ثم أخرج ورقة الزواج العرفي من محفظته ومزقها‏..‏ فلم أتمالك نفسي أنا الأخرى وأخرجت الورقة ومزقتها وألقيت بها في وجهه وبصقت عليه وانصرفت وأنا أغلي بالغضب والغيظ والقهر‏!‏

وانتهت بذلك قصة زواجي‏..‏ وأصبحنا نلتقي في الكلية بعد ذلك فلا يحيي أحدنا الآخر‏,‏ كما أصبحت أرى الفتاة الجديدة معه دائما كلما صادفته‏.‏
وأنهيت دراستي ومضت الأعوام حتى بلغت الثامنة والعشرين ولم يتخاطفني العرسان لجمالي‏,‏ كما كنت أمني نفسي بعد أن تركت فتاي المخلص وتركني فتاي الغادر‏,‏ وبعد جهد جهيد وجدت عملا متواضعا لا يغني مرتبه من جوع‏,‏ ولا يكفي لشراء بلوزة وبنطلون من النوع الذي كنت أحلم بارتدائه كما كان يعدني زوجي السابق أن يغرقني به وهو يغريني بقبول الزواج منه‏..‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

هناك دائما فارق بين طموح الإنسان إلى حياة أفضل يسعى لبلوغها بالطرق المشروعة خلال رحلة السنين‏,‏ وبين ازدرائه لواقعه وتنكره له ورغبته في اقتلاع جذوره منه وغرسها في أرض أخرى بضربة واحدة‏,‏ فالمشي الوئيد نحو الهدف قد يصل بصاحبه إليه ببطء وفي الوقت الملائم ولكن دون مخاطر هائلة‏,‏ ولا خسائر أخلاقية أو تنازلات‏,‏ والقفز فوق الحواجز قد يختصر المسافات بالفعل‏,‏ لكنه يعرض صاحبه في نفس الوقت لخطر الوقوع تحت الأقدام‏,‏ فيكون  كالمنبت الذي أشار إليه الحديث الشريف لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي‏.‏
ومشكلتك الحقيقية هي أنك قد افتقدت الرضا بواقعك وازدريت عالمك الأصيل الذي تمتد فيه جذورك العائلية ورغبت بشدة في الانتقال إلى عالم آخر لا تؤهلك للانضمام إليه مؤهلاتك الشخصية وفي لمح البصر‏,‏ فأورثك هذا السعي المحموم للارتقاء الاجتماعي الإحساس بالدونية تجاه رموز العالم الجديد الذي تعرفت عليه‏..‏ واندفعت تقلدينهم في سلوكياتهم بغير تحفظ‏..‏ ولا اعتصام بالقيم الدينية والأخلاقية‏,‏ فسهل على زميلك بالكلية إغواءك بوهم الزواج العرفي‏,‏ وهو زواج باطل بكل المعايير الشرعية والدينية والأخلاقية لأنه تم بين طالب وطالبة صغيري السن وبدون شهود ولا إشهار وخارج إطار الأهل والأسرة‏,‏ ولهذا فهو لا يعدو أن يكون علاقة غير مشروعة تتمسح بصيغة الزواج العرفي ولا مكان فيها للحب والاحترام ولا دافع إليها في مثل هذه الظروف التي تروين عنها سوى الاشتهاء الجسدي والرغبة في نيل الوطر من الفتاة بهذه الحيلة الفاضحة‏.‏

فلا عجب إذن في أن يزهدك زميلك بعد فترة طالت أو قصرت ويتهرب من الارتباط بك‏,‏ ذلك أن العلاقة التي تقوم علي الاشتهاء وحده لا تطول إلا بقدر استمرار شعلته‏,‏ فإذا خمدت ـ وما أسرع ما تخمد دائما في مثل هذه الأحوال ـ انتفى الغرض منها‏..‏ وشعر الشاب غالبا خاصة إذا كان ناقص المروءة كهذا الشاب بأنه ليس ثمة ما يدعوه لأن يحيل هذه العلاقة الآثمة إلي ارتباط مشروع ومعلن بعد أن استصفي كل العسل من الخلية ولم يعد بها ما يغريه بتحمل  لذعات الإبر بقية العمر‏!‏ والمثل الأمريكي المعروف يقول إنه لا يشتري الرجل بقرة إذا كان يحصل علي اللبن مجانا‏..‏ أو إذا كان قد زهده‏!‏
ومن الناحية الأخرى فلابد أن تعترفي لنفسك الآن بأنه لم يكن يربطك بزميلك هذا حب ولا عاطفة تبكين على ضياعها حين كشف لك وجهه الآخر‏..‏ وإنما كان كل ما يربطك به هو سعي محموم من جانبك للاستمتاع بمباهج الحياة اللامعة التي انبهرت بها‏,‏ وطموح ضار للارتقاء الاجتماعي‏,‏ وتطلعات مادية رخيصة يلبيها لك هذا الشاب‏,‏ ويعدك بالمزيد من العطاء في قادم الأيام‏,‏ والدليل هو أن حصونك قد انهارت سريعا أمام خداعه لك بالزواج الشكلي حين نفث في أذنيك سمومه ووعدك بأنه سوف يلبي كل مطالبك المادية ويجعل منك أميرة تأمر فتطاع وتحمل إليها الهدايا والرياش الفاخرة‏,‏ وكل ذلك لا علاقة له بالحب أو الاختيار العاطفي لشريك الحياة‏.‏

والمؤسف حقا هو أنك قد خسرت بسبب الضعف الأخلاقي والتطلع المادي المحموم‏,‏ كل شيء تقريبا‏..‏ فخسرت الحب الحقيقي الذي عرض عليك فتنكرت له وأضعته من بين يديك‏,‏ وخسرت فرصة الاستقرار وركون القلب إلى من خفق له عدة سنوات‏..‏ وخسرت احترام النفس والثقة فيها وفي الحب‏,‏ وخسرت تآلفك السابق مع نفسك وحياتك وأسرتك وعالمك البسيط‏..‏ وقدرتك على الابتهاج بمسراته الصغيرة‏,‏ فضلا عن خسارتك الأخرى التي لا تعوض‏,‏ فكأنما كنت كمن وصفه الشاعر الإيطالي دانتي في ملحمته الكوميديا الإلهية بأنه يحرص علي الكسب فيخسر كل شيء ويصيبه  الأسى والحزن‏.‏
ولا حول ولا قوة إلا بالله‏..‏

والآن يا سيدتي الشابة فإن اختيار الدواء يبدأ دائما بتشخيص الداء‏,‏ ولقد عرفت الآن أنك قد فقدت السعادة والرضا والأمان بسبب تمردك على واقعك وازدرائك له‏,‏ ولابد أن تكوني قد عرفت أيضا أن رضا الإنسان بحياته وتكيفه معها واحترامه لهذه الحياة ورموزها وشخوصها حتى ولو لم تكن تحقق له ما يطمح إليه‏,,‏ هو عامل جوهري في تحقيق الاتزان النفسي للإنسان ودون أن يحرمه ذلك من حقه المشروع في التطلع لحياة أفضل‏.‏ ولا من قدرته علي تحقيق هذا الطموح ذاته وبلوغ الغاية التي يستهدفها‏.‏
فإذا بلغها بكفاحه الشريف في الحياة ازداد رضا عن حياته وعن نفسه واستشعر الاعتزاز بما حققه وبالاحترام لجذوره وأهله ودنياه السابقة‏,‏ وإن حالت الحوائل بينه وبين بلوغ الهدف لم يهدر سنوات العمر الثمينة في الاحتراق بالسخط والحقد والاغتراب النفسي عن الواقع والعجز عن الاستمتاع بما أتيح له من أسباب‏,‏ وعن الابتهاج بالحياة في كل مستوياتها‏..‏ بل ونجا فوق كل ذلك من انقسام الشخصية والإحباط والزيف والادعاء تأكيدا لقول الحكيم الفرنسي لارو شفوكو‏:‏ خير لنا أن نظهر في ثوبنا الحقيقي من أن نتبختر في ثوب جميل مستعار‏!‏

فابدئي الطريق إلى استعادة نفسك‏,‏ بالتسليم بأن كل ما جرى بينك وبين زميلك في الجامعة لم يكن سوى عبث لا أخلاقي لا يقره شرع ولا دين‏..‏ لكي تستشعري هوله وتندمي عليه  ندما حقيقيا صادقا وتتحصني ضد احتمال تكراره‏,‏ وكفري عن هذا العبث بالالتزام الأخلاقي والديني الصارم‏..‏ والتعامل الأمين مع الحياة فيغفر لك ربك ما تورطت فيه بالحمق والجهالة‏,‏ وصغر السن‏,‏ ويهيئ لك من أمرك رشدا‏,‏ ويأذن لك سبحانه وتعالي بالسعادة الحقيقية والأمان‏.‏

رابط رسالة المتمردة

رابط رسالة الحياة الرتيبة تعقيبا على هذه الرسالة

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2001

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات