الإعصار المدمر .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2003
إن الزواج ليس عشقا لمفاتن الأنثى وإنما هو إقامة بيت علي السكينة والآداب الاجتماعية وفي إطار من الإيمان بالله والعيش وفقا لتعاليمه, لهذا قال الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: لا أحب الذواقين من الرجال ولا الذواقات من النساء.
أنا سيدة في
الأربعينيات من العمر حين كنت أدرس في المرحلة الجامعية, تعرفت على شاب في السنة
النهائية بالكلية وارتبطنا معا في قصة حب جميلة, وبعد تخرجه تقدم إلى أبي طالبا
يدي, فرفضه على الفور وقال لي إنه لا يرفضه لتواضع إمكاناته المادية وإنما
لتواضع مستوى أسرته اجتماعيا بالقياس إلى أسرتي العريقة, لكني صممت على الارتباط
بهذا الشاب وأعلنت مشاعري تجاهه.. فوافق أبي في النهاية على خطبتي له, لكنه
قرر أن تكون مساعدته المادية لي في أضيق الحدود بسبب تمسكي بهذا الشاب الذي لا
يراه مناسبا لي, ولرفضي لشاب آخر من أسرة معروفة وملائم تماما لي.
وهكذا تمت الخطبة ثم القران.. وأقيم الزفاف في
حفل صغير متواضع لا يتناسب أبدا مع المستوى العائلي لأهلي, لكني لم آبه لذلك
وكنت خلال الزفاف في شغل شاغل بعريسي عن المكان والزمان .. وبعد الزواج مباشرة
حملت, فانقطعت عن تدريب كنت أقوم به استعدادا لشغل وظيفة في إحدى المؤسسات,
وبعد إنجابي لطفلي طلب مني زوجي تأجيل العمل لفترة أخرى لرعاية طفلي, فاستجبت له
بالرغم من اعتراض أبي وخوفه من ضياع فرصتي في العمل, ورزقني الله بعد ذلك بطفلة
ثم طفلين آخرين وشغلت بأبنائي وبيتي تماما ونسيت حلمي في العمل ومواصلة الدراسات
العليا أو تناسيته, ورحل أبي عن الحياة وورثت عنه قدرا معقولا من المال فأعطيته
لزوجي على الفور فاستعان به في فتح مكتب خاص له وانتقلنا إلى شقة جميلة واسعة في
حي راق, ومضت السنوات وكبر الأبناء وأصبح الابن الأكبر في أواخر المرحلة
الجامعية والابنة التي تليه في بدايتها والابنة الأخرى في المرحلة الثانوية والابن
الأصغر في المدرسة الإعدادية..
وكانت لابنتي الطالبة الجامعية زميلة تقيم في العشوائيات وتأتي إليها لتذاكر معها
فإذا تأخرت في العودة لمنزلها ليلا طلبت من ابني أن يقوم بتوصيلها إلى أقرب محطة
مترو لكي ترجع إلى بيتها.. فيتبرم بذلك لأنه يعطله عن الاستذكار, ثم تطوع زوجي
لأن يقوم بهذه المهمة بدلا منه فأصبح يوصلها بسيارته إلى المترو إذا تأخرت لدينا
في المساء, ومضت الأيام هادئة وبهيجة إلى أن جاءت ابنتي ذات يوم وروت لي كلاما
غريبا سمعته في كليتها وهو أن أباها على علاقة بزميلتها هذه وأنه سوف يتزوجها!
ودهشت كثيرا لهذا الكلام الغريب .. وسخرت منه، لأن زوجي في الخمسين ويكبر هذه
الفتاة بأكثر من ضعف عمرها.. كما أنها لم تكن في نظري سوى طفلة كابنتي.
فانتظرت زوجي لأروي له هذه النكتة العجيبة ونضحك
عليها معا ورويتها له ففوجئت به يسألني في برود: ولم لا.. والشرع يسمح بذلك؟
وظننته في البداية يتعمد إغاظتي كنوع من المزاح الثقيل معي.. لكني وجدته جادا
للأسف.. فانتابتني حالة هستيرية من الصراخ والعويل خيل إلي خلالها أنني أبكي عمري
كله, وتجمع الأبناء وكانت ليلة دامية.. وتطورت الأحداث بعد ذلك سريعا فأصبحت هذه الفتاة تطلب زوجي بكل جرأة في البيت فإذا
رد عليها أحد الأبناء وضع السماعة في وجهها, وفقد ابني ذات يوم أعصابه فتوجه إلى
مسكن هذه الفتاة وسب أهلها متوعدا, فلم يخرج إليه أحد منهم وتجمع حوله أهل
الحارة وصرفوه بالحسنى, ورجع زوجي إلى البيت فإذا به ولأول مرة يضرب ابنه هذا,
ويتوعدنا جميعا ويقولها لي صراحة أنه يحبها وسوف يتزوجها.. وسوف يعيش معها في
هذه الشقة نفسها, لكن المشكلة هي أنها لا تريد لها ضرة ولهذا فهي تشترط عليه أن
يطلقني أولا لكي تقبل بزواجه منها!
وبعد أهوال كثيرة انفطر قلبي خلالها من الحزن
والألم أخبرت زوجي أنني موافقة على زواجه منها وطلاقي لكني لن أتنازل عن أبنائي
وهم حصاد عمري.. فليطلقني إذن إذا أراد وليدعني في مسكني كما أنا مع أبنائي
وليذهب هو إليها لينهل من نبع العسل لديها كما يشاء ويرسل إلينا نفقات الأبناء كل
شهر, فلم يقبل بذلك, وأكد لي أنه يريد الأبناء لأنه يحبهم ويريد الشقة لأنه
اشتراها بماله, ويريدني أن أتنازل له عنها وعن مؤخر الصداق البسيط وأخرج فقط من
الشقة ومن حياته وهكذا يتحقق له ما يريد!
إنني أعجب يا سيدي لبعض الرجال لماذا يسعون إلى الزواج الثاني وهم لا ينقصهم شيء
في زواجهم الأول.. ولا يشكون حرمانا عاطفيا ولا حسيا ولا يعانون سوء العشرة كما
هو الحال مع زوجي, وهل لمثل هذا الزواج من دافع إلا المتعة الحسية فقط.. وهل
يتصورون أن الله سبحانه وتعالى قد أباح للرجل الزواج بأكثر من واحدة لكي يمتعه
حسيا.. وليس لكي يكون ذلك رخصة له إذا كان محروما من الإنجاب من زوجته أو لديها
ما يمنعها من إشباعه حسيا.. أو يشكو سوء عشرتها, ولا يريد طلاقها حرصا على
الأبناء, ثم كيف تبرر هذه الفتاة ومثيلاتها سطوها على زوج سيدة أخرى وأب
لأبنائها؟ وماذا تقول له في تفسير ذلك.. هل تقول أنها تحب شبابه الذي لم يبق منه
أثر؟ أم عينيه اللتين ذبلتا بفعل الزمن؟ أم قامته المنحنية خاصة إذا قيست بقامة
ابنه التي تفوقها أم شعره الحرير الذي أصبح في خبر كان.. أم رجولته التي بلغت
قمة المنحنى وبدأت في الهبوط على الناحية الأخرى؟.. ولماذا لا تكون هذه الفتاة
ومثيلاتها صريحة معه.. فتقول له بلا مواربة أحب شقتك التي لن أستطيع الحصول على
مثلها لو تزوجت شابا مثلي أو من وسطي.. وأحب سيارتك ودخلك الكبير الذي يوفر لي
الحياة السهلة بلا كفاح ولا تعب؟
إنه يريدني أن
أخرج من شقتي بحجة أنه قد دفع فيها ماله.. وقد يكون ما دفعه فيها من ماله فعلا
لكنه مالي أنا أيضا ساهمت فيه خلال كفاح السنين بلقمتي التي حرمت نفسي منها
وملابسي التي كانت تمضي السنوات دون أن أشتري الجديد منها وتنازلي عن تطلعاتي
وأحلامي في العمل والدراسة, وتفرغي لأسرته وبيته, إنني أطالب بأن يكون الطلاق
على يد قاض يفصل بالعدل بين الشريكين وكذلك الزواج الثاني, بحيث إذا قبلت به
الزوجة الأولى كان ذلك شأنها وإذا رفضته حصلت على حقوقها كاملة وفورا وبأسعار
الزمن الحالي وليس بالقيمة المدونة في قسيمة الزواج قبل 20 أو25 سنة, لأن هذا
هو العدل الذي يريده لنا الله.. وإلا فقل لي يا سيدي أين أذهب الآن بعد هذا
العمر, وقد مات الأب وهاجر الأخ وليس لي مال أتعيش منه أو وظيفة تؤمن حياتي..
ولم أسع إلى شيء من ذلك اعتمادا على أن زوجي لن يغدر بي ذات يوم بعد ما كان من
أمرنا معا, إن صرختي هذه صرخة أم لا تستطيع أن تحيا بغير أبنائها ولا تستطيع أن
تكون ضيفة شرف في حياتهم تراهم مرة كل شهر أو حتى كل أسبوع, ثم تمضي في
طريقها.. فكيف يريد هذا الزوج أن يحرمني منهم بحجة أنهم قد تجاوزوا سن حضانة
الأم لهم؟.. وهل يستغني ابن عن أمه أو ابنة عن أمها؟!.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
يحق لك بالفعل أن تصرخي يا سيدتي وأن تضطربي أمام ما تواجهين من غدر الشريك بك
وبقصة الحب التي جمعت بينكما, في منتصف الطريق وقد كان الظن أن تكون الخاتمة
سعيدة كما كانت البداية واعدة بالإخلاص والوفاء في الزمن الجميل فالشاعر العربي
يقول:حبل الفجيعة ملتف علي عنقي
من ذا يعاتب مشنوقا إذا اضطربا
وحبل الفجيعة في الحب والإخلاص والأمان.. يدفع بك بالفعل إلى هاوية الحيرة والاضطراب بعد أن ركل زوجك بقدميه كل شيء جمع بينكما في الحياة من أجل هذه الفتاة الصغيرة المغامرة!
لقد قلت الكثير من قبل عن أزمة منتصف العمر وتداعياتها ولن أكرره, لكني سأقول فقط لزوجك أنه حتى في الخطأ هناك مراتب ودرجات, ومنه الخطأ البسيط والجسيم والمضاعف والفادح, ولاشك في أن ارتباطه بصديقة ابنته الطالبة بالسنة الأولى الجامعية.. والتي استقبلتها زوجته في بيتها كضيفة صغيرة تذاكر دروسها مع ابنتها.. هو خطأ فادح لأن آثاره السلبية لا تنعكس على زوجته وحدها التي فجعت في وفائه لها وإنما تمتد بأعنف من ذلك إلى قيم أبنائه ومعنوياتهم ومثالياتهم.. وتهز صورته كأب بشدة في مخيلتهم وتشككهم في مفاهيم الحب والوفاء والإخلاص والاحترام والأبوة وترشحهم بقوة لاضطراب سفينتهم في الحياة.
ولن يجديه شيئا أن يتعلل بالحب أو بما أباحته الشريعة السمحاء من رخصة الزواج الثاني في رأب الصدع المعنوي الذي تعرض له الأبناء بهذه المغامرة المزلزلة بالفعل للقيم والمعاني الإنسانية. فضلا عن أنه لم يتجمل في الخطأ.. ولم يحاول أن يحصر آثاره السلبية في أضيق الحدود, ولم يتورع عن أن يعلن رغبته في أن يطلق زوجته وأم أبنائه الأربعة والتي حاربت أهلها لكي تتزوجه.. وأن يخرجها من بيتها لكي تحل محلها هذه الفتاة المغامرة.. ولا يشعر بأي غضاضة وهو يجاهر بأن طلاقه لزوجته وإخراجها من بيتها هو شرط فتاته هذه لكي تقبل بالزواج منه!
ولو كان قد تخفى بابتلائه وقرر أن يتزوجها في مسكن آخر صغير مع الحفاظ على زوجته وأسرته كما هي.. أو حتى مع طلاقه لزوجته إذا أرادت ذلك واستمرارها في بيتها وبين أبنائها وقيامه بحقها وحق أبنائه لربما خفف ذلك بعض الشيء من وقع جريمته في حق الوفاء لشريكة العمر.. أما أن يصر على طلاق زوجته وطردها من سكنه إلى المجهول.. لكي يهنأ هو بحياته وشبابه مع صديقة ابنته السابقة فهو ليس من الترفق بشريكة العمر بعد رحلة السنين.. ولا هو من شيم أصحاب الفضل والمروءة حتى ولو تحولت مشاعرهم عن زوجاتهم, إذ من يرضى بإخراج زوجة وأم لم تسيء إلى زوجها وأنجبت له4 أبناء وساهمت في ثروته بميراثها عن أبيها من مملكتها لكي تحتلها غازية جديدة في سن الشباب؟ وكيف يتصور أن تكون مشاعر ابنته الطالبة الجامعية تجاه صديقتها الغادرة التي دخلت بيتها وطعمت طعامها فنفست عليها حياتها وبيتها وأسرتها وأباها وقررت أن تستولي علي كل ذلك لنفسها توفيرا لكفاح السنين.. واستسهالا للصيد المتاح؟
وكيف يأمن هو لمن لم تر أي حرج في أن تسلب أم صديقتها زوجها وتخرجها من بيتها وتحرمها من الحياة وسط أبنائها دون أن يهتز طرفها؟ وبعض مثيلاتها ممن يقبلن بالزواج من زوج وأب يحاولن التخفف من إحساسهن بالذنب تجاه الزوجة الأولى والأبناء باشتراط ألا يطلق الزوج زوجته وألا يتأثر وضعها كزوجة وأم وشريكة حياة!
وألا يدفعه ذلك للتوجس والتحسب بعض الشيء لقسوتها المعنوية وتهللها للإضرار بسيدة لا ذنب لها في طيش زوجها ومحاولته التعلق بأذيال الشباب البائد؟
إن القدرة على إيذاء الغير عمدا وبغير أدني تخوف من عقاب السماء أمر يثير الفزع في نفوس الفضلاء ويدفعهم للفرار من أصحاب هذه القدرة السادية كما يفر السليم من الأجرب.. فكيف يضع هو نفسه وحياته وأبناءه ومستقبله في أيدي فتاة من هذا النوع الجبار؟ وماذا سيكون من أمره معها بعد عشر سنوات حين يبلغ الستين وتكون هي قد بلغت بالكاد الثلاثين.. ويبدأ فارق العمر الكبير في أن يفعل فعله فيه كغيره من البشر.. والذي يعبر عنه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بقوله ما معناه:
ـ النار تندلع والماء ينقطع!
إن الزواج ليس عشقا لمفاتن الأنثى وإنما هو إقامة بيت علي السكينة والآداب الاجتماعية وفي إطار من الإيمان بالله والعيش وفقا لتعاليمه, لهذا قال الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: لا أحب الذواقين من الرجال ولا الذواقات من النساء
وقال إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات. فعلى أي شيء سوف يقيم زوجك بيته الجديد إذا قبلت صديقة ابنته الغادرة بالزواج منه بعد أن يشردك أنت ويخرجك من جنتك في هذه المرحلة من العمر؟ وأي مثل ومثال سوف يقدمه لأبنائه حين يفعل ذلك؟
وأولا من رشيد في أهله يرده عن غيه ويقنعه إن لم يستطع أن يتغلب على هذه النزوة الطارئة.. بأن يتخفي بها علي الأقل في أي مسكن آخر بعيدا عن محيط الأسرة, وبغير أن يدمر حياة زوجته وأبنائه؟
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر